فرصة ضائعة لإعادة التمويل الأمريكي لـ «الأونروا»

 جيمس ليندسي

 

كان بإمكان واشنطن استخدام الضائقة المالية لـ “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى” كفرصة لمنع إساءة استخدام الأموال، والإجبار على مراجعة الكتب المدرسية، وتحديد الأفراد المدرجين في قوائمها الذين يستوفون بالفعل تعريف («الأونروا» للاجئين.

بعد تنصيب الرئيس بايدن، أعلنت الإدارة الأمريكية الجديدة عن تخصيص تمويل كبير لـ “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى” («الأونروا») ومضت قدماً بتوفير هذا التمويل بعد أن كانت إدارة ترامب قد أوقفته بشكل كامل وغير لائق للسبب المعلن بأن «الأونروا» لم تنفّذ إصلاحات معينة. ومع ذلك، يبدو أن إدارة بايدن قد سمحت بتجديد المساعدات وتخصيص مئات ملايين الدولارات لها من دون المطالبة بأي إصلاحات، سواء تلك التي حددتها إدارة ترامب أو غيرها. لذلك ربما أضاعت واشنطن فرصة لاستخدام تمويلها المتجدد للتشجيع على الإصلاح في منظمة تعرضت لانتقادات كثيرة.

وقف التمويل في عهد ترامب وتحديات ميزانية “الوكالة”

منذ بداية عمليات “الأونروا” في عام 1950 وحتى عام 2018، لطالما كانت الولايات المتحدة الدولة الأكثر سخاءً في التمويل المقدَّم للوكالة، حيث ساهمت بأكثر من 6 مليارات دولار خلال تلك السنوات. ومع ذلك، ففي 16 كانون الثاني/يناير 2018، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيما كان بمثابة تحذير لـ «الأونروا»، أن واشنطن ستعلّق مساهمتها المقررة بقيمة 125 مليون دولار أمريكي، قائلاً: “نريد أن نرى بعض الإصلاحات. ستريدون معرفة التفاصيل. لن أدخل في التفاصيل اليوم. ولكننا نلقي نظرة على المنظمة، ونراقبها، ونود رؤية بعض الإصلاحات”. ويبدو أن «الأونروا» لم تنفّذ الإصلاحات التي أرادتها إدارة ترامب، والتي بقيت غير محددة على الأقل علناً، لأن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت في 31 آب/أغسطس 2018 أنها “لن تتعهد بأي تمويل إضافي لهذه العملية المشوبة بأخطاء لا يمكن إصلاحها”، قائلة بأن الولايات المتحدة كانت تدفع حصة غير متناسبة من نفقات «الأونروا» ومؤكدة أن “نماذج الأعمال الأساسية والممارسات المالية التي اتبعتها «الأونروا» طوال سنوات – والمرتبطة بمجتمع «الأونروا» من المستفيدين المستحقين والذي يتسع باستمرار وبشكل كبير – هي ببساطة غير مستدامة”.

ولم تمضِ فترة طويلة على وقف مساهمات الولايات المتحدة حتى أفاد المفوض العام لـ «الأونروا» بيير كرينبول أن عدداً من الدول الأخرى قد زادت من حجم مساهماتها لعام 2018 لتغطية العجز. وبالفعل، سجّلت المساهمات في ميزانية برامج «الأونروا» في عام 2018 مستوىً قياسياً واضحاً بلغ 823 مليون دولار – مع الأخذ في الحسبان 60 مليون دولار قدمتها الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير 2018 – ولكنها انخفضت بعد ذلك إلى 590 مليون دولار في عام 2019 وإلى 583 مليون دولار في عام 2020. وبالمقارنة مع المساهمات الفعلية، كانت ميزانية البرامج المقررة لعام 2018 ما يبلغ 819 مليون دولار و”حوالي 750 مليون دولار ” لعام 2019، و 806 ملايين دولار لعام 2020 – مما يعني أن النفقات المدرجة في الميزانية مقابل المساهمات قد تراجعت من فائض قدره 4 ملايين دولار في عام 2018 إلى عجز قدره 160 مليون دولار في عام 2019، وعجز قدره 223 مليون دولار في عام 2020. باختصار، فبحلول نهاية عام 2020، بدا أن «الأونروا» تعاني من مشاكل مالية خطيرة – ومتفاقمة – نتيجة لرفضها تلبية مطالب إدارة ترامب بالإصلاح.

إعادة التمويل في عهد بايدن

في أحد التصريحات الأولى لإدارة بايدن عن الشرق الأوسط في 26 كانون الثاني/يناير 2021 – والتي تعكس أحد وعود الرئيس الأمريكي من حملته الانتخابية – قال القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة آنذاك ريتشارد ميلز أن “الرئيس بايدن كان واضحاً في نيته إعادة برامج المساعدة الأمريكية التي تدعم التنمية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني”. وفيما يتعلق بـ «الأونروا»، أوضح وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين تصريح ميلز في 7 نيسان/أبريل 2021، معلناً أن الولايات المتحدة ستوفر للوكالة حوالي 150 مليون دولار للتوزيع الفوري.

وخلال زيارةٍ للوزير بلينكن إلى رام الله في 25 أيار/مايو في أعقاب الحرب التي استمرت 11 يوماً بين «حماس» وإسرائيل، وعد بلينكين “بما يزيد قليلاً عن 32 مليون دولار لتلبية نداء «الأونروا» الإنساني الطارئ” بالإضافة إلى مبلغ 150 مليون دولار المذكور سابقاً. وبعد ذلك، في 14 تموز/يوليو، وقّعت الولايات المتحدة و«الأونروا» إطار تعاون لعامَي 2021-2022، وبعد ثلاثة أيام حوّلت واشنطن إلى الوكالة مبلغاً إضافياً قدره 135.8 مليون دولار، وبذلك يصل إجمالي التبرعات الأمريكية حتى الآن لعام 2021 إلى حوالي 318 مليون دولار.

فوائد ضئيلة لواشنطن

وهكذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما هي الفوائد التي حصلت عليها إدارة بايدن لصالح لولايات المتحدة مقابل مساهماتها المتجددة لـ «الأونروا» بقيمة 318 مليون دولار – باستثناء، بالطبع، النوايا الحسنة الحقيقية، وإن لم تكن قابلة للقياس الكمي، من قبل الأمم المتحدة، ومن المانحين الآخرين (الذين ستقل حاجتهم إلى المساهمة من خلال مساهمة الولايات المتحدة)، ومن «الأونروا» نفسها (التي تم تخفيف الضغط المالي عليها من أجل الإصلاح)، ومن “السلطة الفلسطينية” والدول المضيفة لـ «الأونروا» (والتي تستفيد جميعها من عدم الاضطرار إلى تقديم الخدمات التي تقدمها «الأونروا»)، و من المجتمع الموالي لـ «الأونروا» بشكل عام.

أولاً، في رسالة مؤرخة في 29 آذار/مارس 2021، أدان المفوض العام الجديد لـ «الأونروا» فيليب لازاريني “جميع مظاهر التعصب الديني أو التحريض أو المضايقة أو العنف ضد الأشخاص أو المجتمعات على أساس الأصل العرقي أو المعتقد الديني، بما في ذلك معاداة السامية [على حد قوله]”. كما أكد أن «الأونروا» “تستوفي شروط المساهمات الأمريكية وفقاً للمادة 301(ج) من «قانون المساعدات الخارجية لعام 1961» وتطبّق المبادئ الإنسانية للأمم المتحدة، أي الحياد والإنسانية والاستقلالية وعدم التحيز…”. كما ألزم «الأونروا» “بالحفاظ على حيادها في سلوك موظفيها، وموادها التعليمية، ومراجعة مناهج الدولة المضيفة، وإدارة أبنيتها، وضمان الاستخدام السليم لأصولها، [وكذلك] اتخاذ جميع التدابير الممكنة لضمان أن لا يؤدي التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة لـ «الأونروا» إلى توفير المساعدة أو الدعم للإرهابيين [على حد قوله] أو المنظمات الإرهابية”.

ثانياً، يعيد “إطار التعاون بين الولايات المتحدة و«الأونروا» من عام 2021-2022″، الموقع في 14 تموز/يوليو، التأكيد على وعود «الأونروا» الواردة في رسالة لازاريني بتاريخ 29 آذار/مارس ويتوسّع فيها في عدد من المجالات، من بينها:

  • الالتزام بـ “إبلاغ الولايات المتحدة عن أي انتهاكات جسيمة لمبدأ الحياد في الوقت المناسب والتعامل مع أي انتهاكات مماثلة بما يتماشى مع متطلبات إطار الحياد الخاص بها“.
  • الالتزام بـ “اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لضمان أن التمويل المقدَّم من الولايات المتحدة إلى «الأونروا» لا يوفر المساعدة أو الدعم بأي شكل آخر للإرهابيين أو المنظمات الإرهابية”.
  • التدقيق في الموظفين والمستفيدين والمتعاقدين لدى «الأونروا» بناءً على “قائمة الجزاءات الموحدة لمجلس الأمن الدولي”.
  • الالتزام بـ “بما يتفق مع الضمانات الإجرائية، والشروع الفوري في التحقيقات عند تلقي معلومات موثوقة حول سوء السلوك المزعوم للموظفين / العناصر واتخاذ الإجراءات المناسبة عند اكتشاف سوء سلوك”.
  • الموافقة على تحسين “قدرة «الأونروا» على مراجعة الكتب المدرسية المحلية… واتخاذ التدابير اللازمة لتصحيح أي محتوى يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة في المواد التعليمية”.

للأسف، إن الفوائد المكتسبة من تجديد إدارة بايدن لمساهماتها لـ «الأونروا»، على النحو المنصوص عليه في إطار التعاون 2021-2022، تشبه بشكل ملحوظ تلك التي يُفترض أنه قد تم توفيرها في إطار عام 2017 – وكذلك من خلال اتفاقيات مماثلة راجعها كاتب هذه السطور أثناء عمله كمستشار قانوني/مستشار عام لـ «الأونروا» في الفترة 2002-2007ومقابل تجديد التمويل الأمريكي السخي، كان بوسع الولايات المتحدة، من بين أمور أخرى، مطالبة «الأونروا» بما يلي:

  • التدقيق في موظفيها ومستفيديها ومتعاقديها وفقاً لقوائم “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الولايات المتحدة” – والذي كان من شأنه أن يقلل على الأقل من احتمالية استخدام الوكالة للأموال الأمريكية لدعم الأشخاص الخاضعين للعقوبات
  • اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة المحتوى غير المناسب الموجود منذ عقود في كتب «الأونروا» المدرسية – على سبيل المثال، من خلال دفع تكاليف عمليات طباعة منفصلة للكتب المدرسية المحلية، والتي تم تعديلها لتكون مناسبة للاستخدام من قبل طلاب «الأونروا»
  • البدء بعملية تحديد الأشخاص المدرجين في قوائم «الأونروا» والذين يستوفون فعلياً تعريف اللاجئ وفقاً لـ “المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”
  • الانتقال من تقديم الخدمات للاجئين على أساس الصفة إلى توفيرها على أساس الحاجة

قد يكون لاتفاقية إطار العمل لعام 2021 فوائد طفيفة كونها تسلط الضوء على بعض المشاكل المحرجة التي أثارها علناً منتقدو «الأونروا» (على سبيل المثال، سوء سلوك الموظفين، المشاكل المتعلقة بالكتب المدرسية)، لكنّ الاتفاقية تركز في الغالب على البنود المتعلقة بالإجراءات، كآليات الإبلاغ وإعداد التقارير، وعلى التصريحات التطلعية. وكان من الممكن أن يكون استخدام الوضع المالي الضعيف لـ «الأونروا» أكثر فاعلية لفرض إجراءات محددة وملموسة وبناءة مثل تلك التي تم ذكرها للتو. فهذه التغييرات قد تساعد «الأونروا» على تجسيد مصالح الولايات المتحدة ومبادئ السلوك الخاصة بالأمم المتحدة وتعريف “المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” لصفة اللجوء بشكل أفضل. إن تخفيف الضغط المالي عن كاهل «الأونروا» – من خلال هبة فعالة بقيمة 318 مليون دولار – دون تأمين مثل هذه الضمانات يمثل فرصة ضائعة [كان يمكن استغلالها] لتعزيز فعالية المساعدات الخارجية الأمريكية، بما في ذلك من خلال تركيز مساعدات الوكالة على اللاجئين الذين يحددهم “المفوض السامي  للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” والذين هم فعلاً بحاجة إليها.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/frst-dayt-laadt-altmwyl-alamryky-l-alawnrwa

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M