مع قرب انقضاء العام الأول للحرب الروسية الأوكرانية، وبعد أيام من أزمة المنطاد مع الصين، ألقى الرئيس الأمريكي “جو بايدن” خطاب حالة الإتحاد أمام الكونجرس في 7 فبراير الجاري، والذي ركز خلاله بشكل مكثف على قضايا الداخل الأمريكي، فيما احتلت قضايا السياسة الخارجية مكانة متواضعة. الأمر الذي يعني أن خطاب العام الحالي جاء على النقيض من خطاب العام الماضي الذي هيمنت عليه – بشكل واضح – أصداء الحرب الروسية الأوكرانية.
ومن ثم، بدا أن الرئيس “بايدن” قد حرص على تأطير فلسفة مختلفة لخطاب حالة الإتحاد لهذا العام قوامها استعراض انجازاته الداخلية التي تشغل الشارع الأمريكي لتمهيد الطريق أمام دخوله السباق الرئاسي من جديد، حسبما تكهنت بعض التحليلات. لذا، فقد عمد إلى استخدام نبرة يخيم عليها الإيجابية والتفاؤل، وكذا التركيز على الانجازات الاقتصادية، وبلورة نجاح إدارته في خلق فرص عمل جديدة. واستعان في سبيل ذلك بتعبيرات وطنية مؤثرة، أبرزها: “لأن روح الأمة قوية وعمودها الفقري قوي ولأن الشعب قوي، فإن حالة الوحدة قوية”.
الخطاب بين توظيف “بايدن” وأولويات الشارع الأمريكي:
ظهر خطاب (حالة الإتحاد) في عام 1790 استنادًا إلى (الفقرة الأولى من القسم الثالث من المادة الثانية) من الدستور الأمريكي تحت مسمى “الرسالة السنوية”، ثم اتخذ اسم “حالة الإتحاد” منذ عام 1945. تكمن أهميته في كونه كاشف عن حقيقة الأوضاع على الأرض وحجم الإنجازات التي تم تحقيقها خلال العام الماضي، وكذا السياسات التي سيتم تبنيها خلال العام الجديد. ويظهر كحدث مميز– بخلاف مراسم تنصيب الرؤساء والجنازات الرسمية – حيث تحضره جميع أفرع الحكومة الفيدرالية؛ ويمثل الرئيس السلطة التنفيذية، ويمثل أعضاء مجلسي النواب والشيوخ السلطة التشريعية، ويمثل قضاة المحكمة العليا السلطة القضائية.
وفي خضم ما تشهده الساحة الأمريكية من حالة انقسام واضحة تأكدت تعقيداتها مع انتخابات التجديد النصفي الأخيرة، التي أدت إلى انقسام الكونجرس بهامش ضيق لكلا المعسكريين، بطريقة عززت الفرص أمام تصفية الحسابات السياسية بينهما، سيما مع تزايد التوقعات بقيام الجمهوريين في مجلس النواب بإجراء سلسلة من التحقيقات من جانب، ناهيك عن العمل لتعطيل أجندة الرئيس “بايدن” من جانب آخر، فقد اتجه الرئيس “بايدن” للتأكيد – خلال خطابه – عدة مرات وفي مواضع مختلفة، على ضرورة الوحدة وتجاوز الانقسام السياسي، داعيًا أعضاء الكونجرس الديمقراطيين والجمهوريين إلى العمل معًا. ووجه حديثه لرئيس مجلس النواب، الجمهوري “كيفن مكارثي”، وقال ممازحًا له في بداية الخطاب “رغم أنني لا أود تشويه سمعتك، إلا أنني أتطلع للعمل معك”.
وارتباطًا بذلك، فقد حاول الإشادة بالعمل المشترك الذي تم بين الحزبين خلال العامين الماضيين، معتبرًا أنه نموذج يمكن البناء عليه للعامين القادمين. إذ قال “بايدن” إن “غالبًا ما يقال أن الديمقراطيين والجمهوريين لا يمكنهم العمل معًا، لكن خلال العامين الماضيين، أثبتنا أن المتشائمين والرافضين على خطأ”. وخاطب الجمهوريين قائلاً “لقد تمكنا من العمل معًا في الكونجرس السابق، فلا يوجد سبب يمنعنا من العمل معًا في هذا الكونجرس الجديد”. مستخدمًا تعبيرات وطنية تحفيزية، قائلاً “نحن الأمة الوحيدة التي تخرج من الأزمات أقوى في وضع أقوى مما كانت عليه في السابق”.
ونظرًا لكون الاقتصاد عامل مؤثر رئيس في صناديق الاقتراع، فقد اتجه “بايدن” خلال الخطاب إلى الإشادة بإنجازات إدارته الاقتصادية، التي نجحت في خلق 12 مليون وظيفة خلال عامين “وهو رقم أكبر مما حققه أي رئيس خلال فترة 4 أعوام”. وهو ما حاول بلورته عبر استدعاء حالة الاقتصاد “المترنح” حينما تولى الرئاسة قبل عامين، مذكرًا بقيود “كوفيد-19″، وتآكل الاستثمارات. وفي هذا السياق، فقد عمل على تقديم استعراض معزز بالأرقام؛ فيما يتعلق بالبطالة، قائلاً: “إن معدل البطالة عند 3.4%، وهو أدنى مستوى له منذ 50 عامًا”.
أما عن التضخم، فقد أوضح أن التضخم ينخفض، وأن أمريكا “في وضع أفضل من أي دولة على وجه الأرض”. وعند الحديث عن أزمة الرقائق، فقد أوضح أن “أمريكا اعتادت على صنع ما يقرب من 40% من رقائق العالم الدقيقة، لكن في العقود القليلة الماضية، فقدنا ميزتنا وتراجعنا إلى إنتاج 10% فقط”. مشددًا على أنه “لا يمكننا أبدًا أن ندع ذلك يحدث مرة أخرى، لهذا السبب اجتمعنا لتمرير قانون الرقائق والعلوم من الحزبين”. ما يعني أنه حاول التأكيد على أن السبب في هذه الأزمة هي الإدارات السابقة، ولكن إدارته هي من تقدم الحل.
علاوة على ذلك، فقد أشاد بقانون البنية التحتية الضخم الذي قدمته إدارته ونجح الكونجرس في تمريره، وقال إن الولايات المتحدة باتت الدولة 13 بالعالم في قوة البنى التحتية، مشددًا على أن هذا الأمر سيتغير بعد تمرير القانون. وأشار كذلك إلى مشروع قانون “صنع في أمريكا” الذي يوجب استخدام مواد مصنوعة في أمريكا لمشروعات البناء والتشييد الفيدرالية أو الممولة فدراليًا. أما عن تغير المناخ، فقد أكد أن “لدينا التزام لأبنائنا وأحفادنا بمواجهة التغير المناخي”، لكنه قال – في ذات الوقت – أن “سنبقى بحاجة إلى النفط والفحم لعقد من السنوات”، أي أنه تبنى لغة واقعية حيال هذه المسألة.كما انتقد نظام الضرائب، ووصفه بـــــ”غير عادل”، معتبرًا أن الشركات الكبيرة والأثرياء عليهم أن يدفعوا “الحصة المستحقة” عليهم. مشيرًا إلى وجود 55 من أكبر الشركات بالولايات المتحدة قد حققت “40 مليار أرباح” خلال العام الماضي لكنهم “دفعوا صفر ضرائب”، مطالبًا بتمرير اقتراحه لزيادة “ضرائب المليارديرات”، وهو الأمر الذي يعارضه الجمهوريون بشدة.
وفيما يتعلق بالدين العام، قال إن إدارته نجحت في تقليل الدين العام نحو 1.3 ترليون دولار، وتعهد بتقليل الدين العام أكثر خلال العام الحالي، لكنه طلب من الكونجرس “المصادقة على قانون رفع سقف الدين العام وعدم أخذ البلاد رهينة”. محاولاً ربط هذا الوضع بإدارة سلفه “ترامب”، قائلاً إنه “لم يضف أي رئيس إلى الدين الوطني في أي أربع سنوات أكثر من سلفي”، وهو الأمر الذي ظهر كهجوم مضاد على اتهامات الجمهوريين الموجهة لإدارته. وهو النهج الذي حاول الاسترسال فيه عبر إطلاق الاتهامات بشأن قيام الجمهوريين بطلبات لتقليل الضرائب على الأثرياء من جانب وتقييد الدعم على الرعاية الصحية من جانب آخر. وهو ما تسبب في إطلاق صيحات اعتراض من قبل بعض الجمهوريين الحاضرين، لكنه حاول احتواء المشهد قائلاً إن هذا ليس موقفًا حزبيًا عامًا، وإنما موقف أفراد “قد لا يمثلون أغلبية الجمهوريين”، أي أنه حاول أن ينال من شعبية الجمهوريين دون الدخول في صدام مباشر. مستغلاً هذه للنقطة من أجل التأكيد على أن الخطط المالية التي قدمها ستتمكن من “تقليل الدين العام بنحو ترليوني دولار” من دون المساس بنظام الرعاية الاجتماعية أو الرعاية الصحية.
عطفًا على ما سبق، دعا “بايدن” إلى رفع رواتب مدرسي المدارس العامة، وتوفير الدراسة المجانية للأطفال بعمر 4 سنوات. كما تحدث عن أسعار الأدوية، ودعا أيضًا إلى العمل على “مواجهة السرطان وجعله ليس حكم إعدام، وإنما مرض قابل للعلاج”. وطالب بتمرير قانون إصلاح الشرطة، معتبرًا أنه سيسهم في خلق أحياء بلا عنف. وطالب بحظر الأسلحة الهجومية، مشيدًا بقانون تنظيم الحصول على الأسلحة الذي أقره الكونجرس؛ وذلك نظرًا لارتفاع معدل العنف وحالات القتل الجماعي التي الساحة الأمريكية تشهدها بوتيرة متكررة. وشدد على ضرورة التعاون لمواجهة مشكلة الهجرة غير الشرعية؛ مطالبًا مجلس النواب بدعم تشريع الهجرة، وتوفير المعدات التي يحتاجها حرس الحدود.
كما طالب بمنع المخدرات من الدخول إلى البلاد عبر تحديث المنافذ الحدودية وتجهيزها بالمعدات الحديثة. مشيرًا إلى أن “الفنتانيل” يقتل أكثر من 70 ألف أمريكي في السنة، داعيًا إلى القيام بالمزيد من أجل تحسين الصحة النفسية للشباب والطلاب، وكذا حظر الدعايات الإلكترونية التي تستهدف الأطفال. وأيضًا، دعا إلى توفير السكن للمحاربين القدامى ودعم صحتهم النفسية محذرًا من إقدام أعداد كبيرة على الانتحار. ومن الملامح البارزة أيضًا هي إدراك “بايدن” لمحورية قضية الإجهاض، والتي ألقت بظلالها على نتائج انتخابات التجديد النصفي، لذا، فقد تعهد بفرض “فيتو رئاسي” على أي مشروع يجعل حظر الإجهاض وطنيًا.
وفيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية، فقد عبر “بايدن” عن دعم إدارته “الثابت” لأوكرانيا، ودعا أعضاء البرلمان إلى التصفيق احتفاءً بالسفيرة الأوكرانية التي حضرت الخطاب. وقال لها “نقف متحدين للتعبير عن دعمنا لبلادكم، وسنقف معكم مهما طال الأمر”. هذا، وقد عمل على بلورة الجهود التي قامت بها إدارته لتعزيز التحالف عن الأطلسي ودعم الشركاء والحلفاء، قائلاً: ” فعلنا ما تفعله أمريكا دائمًا في أفضل حالاتها، لقد قدنا ووحدنا حلف (الناتو)، وقمنا ببناء تحالف عالمي، وقفنا ضد عدوان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”. وبلور في ذات الوقت على قوة الترابط الديمقراطي حول العالم، قائلاً أنه على مدار العامين الماضيين “أصبحت الديمقراطيات أقوى وليس أضعف، وأصبحت الأنظمة الاستبدادية أضعف، وليس أقوى”. وفي تصريح لاستعراض القوة قال إن “الذين يراهنون ضد أمريكا سيعلمون مدى خطأهم”.
أما عن الصين، فقد حاول التأكيد على أن الخطاب المرتبط بصعود الصين وتراجع الولايات المتحدة لم يعد قائمًا. مشددًا على أن الولايات المتحدة باتت في أقوى وضع منذ عقود للتنافس مع الصين أو أي جهة أخرى في العالم، مشيرًا إلى إلتزام إدارته بالعمل مع الصين حيث يمكن “تعزيز المصالح الأمريكية وإفادة العالم”. لافتًا إلى أنه أوضح مع الرئيس الصيني “شي” أن ما يجري بين البلدين “منافسة وليس صراع”. وفيما يتعلق بأزمة المنطاد، فقد علق محذرًا “إذا هددت الصين سيادتنا، فسوف نعمل على حماية بلدنا. وقد فعلنا”.
أبرز الملاحظات:
تكمن أهمية خطاب حالة الإتحاد في المؤشرات التي يعكسها عن الساحة الأمريكية، وكذا عن ديناميكات التفاعلات السياسية الداخلية، ناهيك عن تراتبية الأولويات ما بين الإدارة من جانب والشارع الأمريكي من جانب آخر. وفي خطوة متكررة لأغلب – إن لم يكن كل – الرؤساء الأمريكيين، يعمد الرئيس في خطاب حالة الإتحاد إلى التوجه إلى الشعب الأمريكي كافة بغض النظر عن التوجهات الحزبية؛ سواء من حيث التأكيد عن الوحدة بشكل مباشر في الخطاب، أو من حيث التعاطي مع القضايا المختلفة التي تهم كل قطاع من قطاعات الشعب. وفيما يلي أبرز الملاحظات بشأن الخطاب الآخير:
- نبرة التفاخر الوطني:
عمد “بايدن” خلال الخطاب إلى استخدام نبرة من التفاخر والاعتزاز الوطني، وهو الأمر الذي انعكس في أكثر من موضع؛ ومن أبرزها: قوله إن الولايات المتحدة “كسرت قبضة كوفيد، التي أغلقت مصانعنا وسرقت من الأطفال عيش التجربة الكاملة للمدرسة”، وتساؤله مستنكرًا “أين كتب أن أمريكا لا تستطيع قيادة العالم في التصنيع مرة أخرى؟، وتأكيده “لأن روح الأمة قوية وعمودها الفقري قوي ولأن الشعب قوي، فإن حالة الوحدة قوية”، وتأكيده أيضًا “نحن الأمة الوحيدة التي تخرج من الأزمات أقوى في وضع أقوى مما كانت عليه في السابق”، وتشديده على مسألة أن “الذين يراهنون ضد أمريكا سيعلمون مدى خطأهم”. وهي المسألة التي يمكن تبريرها في ضوء رغبة “بايدن” في موازنة الخطاب القومي الشعبوي التي يتبناه “ترامب” والتيار التابع له.
- التركيز على الداخل:
هناك قول مأثور متداول مفاده أن الأمريكيين لا يهتمون بالسياسة الخارجية إلا عندما يموت الجنود الأمريكيون في الخارج، ما يعني أن قضايا الداخل تمس الشارع الأمريكي بشكل قوي ومؤثر، سيما ما يتعلق بالاقتصاد؛ وهو ما يبدو أن الرئيس “بايدن” تبناه في خطابه، إذ حاول من خلاله استعراض أكبر قدر من الانجازات الداخلية. فعلى الرغم من الزخم الذي دار حول أزمة المنطاد مع الصين، إلا أنها لم تتلقى الاهتمام الكافي خلال الخطاب. كما أنه لم يشر على الإطلاق إلى الزلزال الأخير في سوريا وتركيا، وما يرتبط به من أوضاع إنسانية حرجة.
- تراجع التركيز على أوكرانيا:
خلال خطاب العام الماضي، احتلت الحرب الروسية الأوكرانية مكانة مهمة ، إذ بدأ “بايدن” الخطاب بالحديث عن العدوان الروسي ضد أوكرانيا، ثم انتقل إلى الإشادة ببسالة الشعب الأوكراني، مشددًا على وقوف واشنطن إلى جانب أوكرانيا. وهي المسألة التي انعكست على الأجواء داخل القاعة، التي خيم عليها حالة من الإيجابية والدعم والتأييد، إذ تخلل الحدث – عدة مرات – وقوف من الحاضرين وتصفيق حاد. أما عن خطاب هذا العام، فلم تحتل الحرب الاهتمام الأكبر، على الرغم من الإشارة إليها، وحضور السفيرة الأوكرانية للحدث. وهو الأمر الذي يمكن النظر إليه بالاستناد إلى تراجع حالة التوافق الأمريكي الداخلي بشأن أوكرانيا في ضوء صعود أصوات منادية بالتوقف عن المزيد من المساعدات.
- تعزيز الوحدة ومناهضة الانقسام:
عكست انتخابات التجديد النصفي حالة الانقسام التي تشهدها الساحة الأمريكية، بل وفاقمت منها عبر وضعية الانقسام التي يشهدها الكونجرس. ومن ثم، حمل الخطاب إدراك واضح من “بايدن” بضرورة إحتواء هذه الحالة، وتشجيع الجمهوريين على التعاون مع إدارته، من أجل تجنب الشلل الذي قد تواجه إدارته جراء الإنقسام. لذا، فقد حرص “بايدن” على الإشادة بالتوافق الذي تم بين الحزبين خلال العامين الماضيين بشأن الإنفاق على البنية التحتية، والاستثمار في التكنولوجيا الفائقة، والمساعدات العسكرية لأوكرانيا، والحماية الفيدرالية لزواج المثليين…وغيرها. داعيًا إلى استمرار هذا التوافق خلال العامين القادمين، سيما في مسألة رفع سقف الدين.
- إحتواء مطالب المعسكرين:
حوى خطاب حالة الإتحاد عدد واسع من التفاصيل المتعلقة بأغلب القضايا الداخلية، وهي المسألة التي لا يبدو أنها قد جرت بشكل عشوائي، وإنما وفق تصور دقيق يضم مخاوف كلا المعسكرين الديمقراطي والجمهوري، من أجل إرضاء أكبر قاعدة شعبية، مما دفع بعض التحليلات إلى اعتبار الخطاب هو الأرضية التمهيدية لترشح “بايدن” في السباق الرئاسي القادم. إذ حاول أن يدعم المطالب الديمقراطية المتعلقة بالرعاية الاجتماعية والصحية ودعم الطبقة المتوسطة، وكذا حماية حق الإجهاض ودعم زواج المثليين. بينما دعم المطالب الجمهورية المتعلقة بمواجهة الهجرة غير الشرعية، وضبط الحدود، وتعزيز قطاع الأعمال الأمريكي. ومن ثم، بدا أن “بايدن” حاول يقدم رؤية توافقية بشأن أولويات الداخل الأمريكي.
- النيل من “ترامب” دون التصادم مع الجمهوريين:
رغم الإيجابية التي غلفت خطاب “بايدن”، والدعوات المتكررة للوحدة والعمل المشترك، إلا أنه حاول في أكثر من موضع النيل من “ترامب”، والتيار”الترامبي” دون الدخول في صدام مباشر مع الجمهوريين. فقد ذكر بداية حادثة اقتحام الكونجرس، وأشار كذلك إلى أن الأوضاع الاقتصادية باتت أفضل من الأوضاع التي ورثها عن سلفه قبل عامين؛ كما اعتبر أن النظام الضريبي للتعامل مع الآثرياء وكبرى الشركات غير عادل. وقد جاءت مسألة الدين العام، كأبرز نقطة للتراشق مع الجمهوريين، إذ أشار “بايدن” إلى أنه لم يضف أي رئيس إلى الدين الوطني أكثر من سلفه “ترامب”، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما حاول أيضًا ربط مطالب الجمهوريين بشأن حد الدين ببعض المقترحات الخاصة بخفض برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية. وهو الأمر الذي دفع بعض الجمهوريين بالقاعة إلى وصف “بايدن” بــــ”الكاذب”، لكنه حاول أن يستوعب موجة الغضب هذه بالإشارة إلى أنه يعني بعض الجمهوريين وليس كلهم. وفي حديثه أيضًا عن السياسة الخارجية، فقد اعتبر أن مكانة أمريكا المتراجعة كانت ضمن الميراث السيء لسلفه الذي استطاع هو معالجته والتعامل معه.
مجمل القول، إنه على الرغم من إيجابية خطاب حالة الإتحاد الذي ألقاه الرئيس “بايدن”، وعلى الرغم من الفرص التي وفرها لتجميل صورة إدارته، إلا أن الربط المباشر بين الخطاب وبين فرص دخول “بايدن” في السباق الرئاسي القادم، ناهيك عن فرص الفوز به، تبدو متضائلة، في ضوء عدد من العوامل، يستند أولها إلى العمر المتقدم لــ”بايدن”، وكذا حالته الصحية؛ ويتصل ثانيها إلى ما عكسته انتخابات التجديد النصفي من تواضع في شعبية الإدارة الديمقراطية؛ وينصرف ثالثها إلى الحملات النشطة التي يقودها “ترامب” من أجل العودة للبيت الأبيض مرة أخرى؛ وأخيرًا يظل عام الانتخابات بكل ما يحمله من أحداث ومفاجآت ذو تأثير مباشر على مسار السباق وتحديد المنتصر فيه.
.
رابط المصدر: