مارى ماهر
جرت الكويت انتخابات برلمانية مبكرة يوم الخميس 29 سبتمبر الفائت، هي الـ 18 في تاريخ الحياة السياسية والـ 6 خلال عشر سنوات، بعد مرحلة من الشلل قوضت العملية السياسية في البلاد نتيجة للخلافات بين الحكومة ومجلس الأمة تحتم معها حلحلة الأزمة وفقًا للآلية التي اعتادت عليها البلاد بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة خلال شهرين حسبما نص الدستور، فلما وصلت العملية السياسية لمرحلة من الجمود والتصعيد باعتصام حوالي 16 نائبًا داخل البرلمان وحصولهم على دعم عدد من السياسيين والجماعات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، لم يكن أمام ولي العهد الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح إلا أن أعلن يوم 2 أغسطس الماضي حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وصباح اليوم المذكور توجه نحو 796 ألف ناخب وناخبة للإدلاء بأصواتهم وفقا لنظام الصوت الواحد لكل ناخب في 759 لجنة انتخابية موزعة على خمس دوائر انتخابية و123 مدرسة، وقد سجلت نسبة الحضور حوالي 50%.
السياق المُصاحب
أُجريت الانتخابات البرلمانية الكويتية في أجواء مضطربة سياسيًا لكنها اتسمت بقدر أكبر من الشفافية وتشديد الحكومة الإجراءات الضامنة لنزاهتها، وهو ما يُمكن توضحيه على النحو التالي:
• الجمود السياسي: أُجريت الانتخابات المبكرة كنتيجة لإعلان حل البرلمان في 15 يونيو الفائت بموجب مرسوم صادر عن الأمير نواف الأحمد الصباح، عقب الخلافات السياسية بين المشرعين وحكومة صُباح الخالد الحمد والتي أسفرت عن استقالة حكومته في 5 أبريل الماضي بعدما وصلت الأزمة السياسية إلى مرحلة الجمود بعد اتهامات بالفساد وعدم الفعالية من قبل النواب ضد الوزراء الذين اتهموا المشرعين باستغلال الأدوات التي تسمح لهم باستجواب أعضاء الحكومة. وقد أدت الأزمة إلى تعليق العديد من الإصلاحات الاقتصادية بسبب غياب التوافق بين الجهتين، بما في ذلك تأخير الموافقة على ميزانية الدولة للسنة المالية 2022-2023، والتي كان لا بد من التصويت عليها قبل نوفمبر المقبل، وحددت الإنفاق عند 23.65 مليار دينار مقارنة بـ 23.48 مليار دينار لموازنة 2021/2022. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات التشريعية المبكرة المدفوعة بحل حكومة قائمة بسبب الخلاف بين النواب المنتخبين والحكومة المعينة تُعد مظهرًا تقليديًا للممارسة السياسية الكويتية، ففي عهد الأمير الراحل صُباح الأحمد الجابر الصباح تم حل مجلس النواب ست مرات آخرها عام 2016، وكان حل هذا العام هو الأول منذ تولي الأمير الجديد نواف الأحمد الجابر الصباح.
• ارتفاع نسبة المشاركة: شهدت الانتخابات نسبة مشاركة عالية بعدما قرر العديد من المرشحين الذين فضلوا عدم المشاركة في الانتخابات الماضية، خوض السباق الانتخابي، حيث تنافس في هذه الانتخابات 305 مرشحًا بينهم 22 امرأة، وانهت عدة مجموعات وشخصيات معارضة ظلت خارج السباق الانتخابي على مدار العشر سنوات الماضية بزعم تدخل السلطة التنفيذية في أعمال البرلمان، مقاطعتها للعملية الانتخابية، استنادًا إلى وعود ولي العهد الأمير مشعل الأحمد الصباح بعدم تدخل السلطات في انتخابات البرلمان الجديد، وتجديده هذا الالتزام في إعلانه الرسمي عن المرسوم الأميري بحل مجلس الأمة مطلع أغسطس الجاري، قائلًا: “لن نتدخل في خيارات الشعب لممثليهم، ولن نتدخل في اختيارات مجلس الأمة المقبل في انتخاب رئيسه أو لجانه”، ومؤكدًا أن “البرلمان سيكون سيد قراراته ولن ندعم فصيلاً على حساب آخر، وسنقف على نفس المسافة من الجميع”. كما تأتي الانتخابات بعدما أصدر الأمير نواف الصباح مرسومين في نوفمبر 2021 بالعفو عن 35 معارضًا سياسيًا وتخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، والذين أدينوا بتهم مختلفة تتعلق باقتحام مبنى البرلمان خلال احتجاجات 2011، كما تم العفو عن 13 عضوًا من خلية العبدلي، وهي مجموعة أدينوا بالتجسس لصالح إيران وحزب الله والتآمر ضد الدولة، وعودة شخصيات معارضة رئيسية كانت تعيش في منفى اختياري في تركيا، الأمر الذي شجع مشاركة المعارضة في الانتخابات.
• تطبيق إجراءات جديدة للحد من مظاهر التلاعب الانتخابي: تبنت الحكومة الكويتية سياسات تهدف لتحقيق نزاهة التصويت والحد من التلاعب بالنتائج، شمل ذلك تطبيق حظر الانتخابات التمهيدية القبلية والهادفة لانتخاب مرشح يمثل قبيلة أو عشيرة أو قطاعًا دينيًا أو أي فئة اجتماعية أخرى بغرض تعزيز فرص القبيلة أو القطاع الاجتماعي المُحدد في الفوز بالانتخابات الرسمية، وقد أدت هذه الولاءات الطائفية أو القبلية على مر السنين إلى إضعاف فعالية البرلمان في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، لذلك طبقت السلطات إجراءات مشددة ضد تلك الممارسة شملت فرض قيود أمنية وقضايا قضائية على الأشخاص الذين يستضيفون انتخابات فرعية في مقر إقامتهم تصل إلى حد سحب إقامة المضيف بما أجبر بعض المضيفين على رفض طلبات المرشحين لتنظيم انتخابات قبلية فرعية وإعادة رسوم التسجيل التي سبق لهم تحصيلها منهم، وإلقاء القبض على عدة أشخاص لمشاركتهم في الانتخابات التمهيدية وإحالتهم إلى النيابة العامة، والزج بمرشحين اثنين فازا في السجن بتهمة المشاركة في انتخابات فرعية. ومع ذلك، ظلت العوامل القبلية والطائفية والعائلية حاكمًا للسلوك التصويتي في بعضه دون الاهتمام بالأجندات الانتخابية للمرشحين حيث بلغ عدد النواب القبليين 22 نائبًا مقارنةً بـ 29 في الانتخابات الماضية.
كذلك شملت الإجراءات الحكومية تعزيز إجراءات التحقق من الناخبين عبر خطوتين، فبينما كان المطلوب سابقًا لتسجيل الناخبين شهادة الجنسية وإيجار المستأجر كدليل على الإقامة، ألزمت وزارتا الداخلية والعدل الناخبين إبراز شهادة الجنسية وبطاقات الهوية المدنية الخاصة بهم للمرة الأولى منذ أكثر من 60 عامًا، نظرًا لأن عدم وجود بطاقة هوية مدنية وتقديم عقود إيجار ملفقة للكويتيين سمح بالتسجيل في اللجان الانتخابية خارج مناطق سكنهم، وهي ثغرة كان يستغلها بعض السياسيين لتعزيز فرصهم في الانتخابات عبر نقل الناخبين إلى مناطقهم. علاوة على ذلك، تبنت الحكومة إجراءات مشددة لمنع شراء الأصوات، وأقرت نظام الصوت الواحد بعدما كان لكل ناخب أربعة أصوات، وهو الأمر الذي تسبب بمقاطعة المعارضة للانتخابات منذ 2012.
• استجابة الحكومة لبعض مطالب المعارضة: جرت الانتخابات في أجواء اتسمت بقدر أكبر من الرضا السياسي عن أداء حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح الجديدة التي أبدت استجابة لمطالب المعارضة واتخذت خطوات لتحسين الأداء الحكومي ومحاربة الفساد والبيروقراطية وتحسن الأداء، حيث قام نواف بزيارات مفاجئة للمنشآت الحكومية لمتابعة تقديم الخدمات، واستبدل رؤساء بعض المؤسسات الحكومية، وهي التطورات التي أثرت على خطاب المرشحين خلال حملاتهم الانتخابية، حيث بعض المعارضين عن رضائهم عن تصرفات أحمد نواف، وقللوا من انتقادات السلطة التنفيذية التي كانت سببًا للأزمة السياسية.
• هيمنة الأجندات الفردية: صمم المرشحون المستقلون حملاتهم الانتخابية بناءً على مطالب ناخبيهم والمشاكل التي تواجه دوائرهم الانتخابية بما في ذلك مكافحة الفساد وتحسين الخدمات العامة وإيجاد حلول لمشكلات الإسكان والبطالة المزمنة وارتباطها بقضية الوافدين ودعم القطاع الخاص وإصدار قانون عفو لمن أدينوا داخل الكويت أو خارجها بسبب أنشطتهم أو أراءهم السياسية، دون وجود تنسيق أو برامج موحدة بين المرشحين كما أنهم يختلفون حول الطريقة التي يريدون بها معالجة القضايا المذكورة. وكان الاستثناء في هذه الانتخابات كتلة الخمسة بقيادة حسن جوهر التي ظهرت في البرلمان السابق ولعبت دورًا مهمًا بين صفوف المعارضة، وقد خاضت الانتخابات وفقًا لبرنامج موحد، وأيضًا الحركة الدستورية الإسلامية، فرع جماعة الإخوان المسلمين في الكويت، والتي وقعت برنامجًا مشتركًا باسم “عقيدة القيم” قوامه أنهم سيدعمون المطالب المحافظة مثل محاربة السلوك غير الأخلاقي داخل المجتمع والنهوض بالقوانين الإسلامية، وهي وثيقة خلقت جدلًا داخليًا بين أولئك الذين يعتقدون أنها خطوة مهمة لحماية المجتمع وأولئك الذين يرون أنها محاولة لفرض قيم معينة، وقد أطلق معارضوها هاشتاج “وثيقة قندهار”.
قراءة في النتائج
أسفرت الانتخابات عن تغير تركيبة مجلس الأمة بنسبة 54%مقارنة بتشكيل عام 2020 حيث ضم 27 عضوًا جديدًا، بينهم 15 مرشحًا ليس لديهم خبرات تشريعية سابقة، في دلالة على استياء الناخبين من الوجوه القديمة التي دخلت في خلافات سياسية مع الحكومة على خلفية اتهامات بالفساد، وأظهرت رغبتهم في كسر الجمود وتحقيق الاستقرار السياسي وإنهاء التوترات بين المؤسستين التنفيذية والتشريعية للمضي قدمًا في الإصلاحات الاقتصادية، كما تُشير لإجادة الكويتيين الانتخابات كوسيلة للتغيير، ويُمكن قراءة نتائج الانتخابات كالتالي:
• هيمنة المعارضة: حصدت المعارضة 30 مقعدًا من أصل 50 بنسبة إجمالية حوالي 60%، بينما خسر 20 نائبًا سابقًا مقاعدهم بما في ذلك معظم من يُسمون بالنواب الموالين للحكومة، وهؤلاء الذين تقلدوا حقائب وزارية في الحكومة السابقة وهم ثلاث؛ حمد روح الدين الكندري وزير الإعلام والثقافة، ومبارك العرو وزير الشؤون الاجتماعية والتنمية المجتمعية، ومحمد عبيد الراجحي وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة، كما كان لافتًا حصول النائب المخضرم أحمد سعدون البالغ من العُمر 87 عامًا على العدد الأكبر من الأصوات بواقع 12239 صوتًا في الدائرة الثالثة وهو مرشح لرئاسة المجلس الذي ترأسه خلال أعوام 1985 و1992 و1996 و2012 بعدما امتنع رئيسه السابق مرزوق الغانم عن الترشح في الانتخابات الأخيرة، كذلك فازت كتلة الخمسة التي عملت ضمن صفوف المعارضة في المجلس السابق بعدد كبير من الأصوات في دوائرهم وهي تضم حسن جوهر وعبد الله المضف وبدر الملا ومحلل المضف ومهند الساير.
• الحضور النسوي: عادت المرأة إلى البرلمان الكويتي بعد عامين من غيابها بفوز الكاتبة والمفكرة علياء الخالد (48 عامًا) بمقاعد الدائرة الثانية بعدد 2365 صوتًا، والوزيرة السابقة جنان بوشهري (48 عامًا) عن الدائرة الثالثة بـ 4321 صوتًا وذلك دون وجود كوتا، وكانت المرأة الوحيدة قد فقدت مقعدها في انتخابات 2020. ورغم انخفاض عدد المرشحات ليسجل 22 سيدة فقط إلا إننا إذا ما قارنا نسبة الفائزات السيدات لعدد المرشحات بنسبة الفائزين الذكور لعدد المرشحين سنجدهم متقاربين حيث سجلا 10% و15% على الترتيب.
• ارتفاع تمثيل الشيعة: نجح الشيعة في رفع تمثيلهم النيابي لتسعة مقاعد بدلًا من سبعة خلال الانتخابات الماضية موزعين على دوائر انتخابية وكتل سياسية، حيث استطاع الائتلاف الوطني الإسلامي على غير المتوقع إرسال ثلاثة من أربعة مرشحين إلى مجلس النواب، كما حصل تجمع العدالة والسلام الشيعي على مقعدين، إلى جانب المستقلين، ليكون إجمالي ممثلي الشيعة حسن جوهر وأسامة الزيد وأحمد لاري وصالح عاشور وخليل الصالح وشعيب علي شعبان وجنان بوشهري وخليل أبل وهاني شمس.
• خُمس المجلس من الإسلاميين: حصل الإسلاميون مجتمعون؛ السلفيون والإخوان المسلمون والمستقلون، على عشرة مقاعد ليحافظوا بذلك على نسبة تمثيلهم المتحققة خلال الانتخابات السابقة، حيث استطاعت الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) المحافظة على نوابها الثلاثة أسامة الشاهين وحمد المطر وعبد العزيز الصقبي، كما حقق التجمع الإسلامي السلفي حضورًا لافتًا مع عودة النائب محمد هايف إلى المجلس بعد خسارته في الدورة السابقة، إلى جانب فوز عادل الدمخي وفهد المسعود وحمد العبيد ومبارك الطشة، ليعود التجمع إلى البرلمان بخمس نواب بعد غيابه عن المجلس منذ انتخابات 2016، كما فاز اثنين من المستقلين المنتمين لجماعة الإخوان هما فلاح ضاحي وعبد الله فهاد. وتُثير النسبة المرتفعة من الإسلاميين مخاوف من حدوث تراجع في الإصلاحات الاجتماعية وحقوق وحريات المرأة بالنظر لتوقيعهم على وثيقة “عقيدة القيم” التي تدعو إلى الفصل بين الجنسين في المدارس وحظر حفلات الرقص المختلطة.
• فوز مرشحان سجينان: شهدت الانتخابات سابقة تاريخية بفوز مرشحين اثنين هما مرزوق الخليفة وحميد البذالي أثناء وجودهما في السجن بعد اتهامهما بالمشاركة في انتخابات فرعية غير قانونية وهو ما أثار خلاف قانوني بشأن صحة عضويتهما. فأما بشأن أهليتهم للترشح فهما مؤهلين كون قضيتهما لا تمس الصدق أو الشرف فالقانون يمنع من الترشح من صدر بحقه حكم يدينه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف والأمانة أو يدان بحكم قضائي بالمس بالذات الإلهية أو الأنبياء والصحابة أو الذات الأميرية وهي أمور لا تنطبق على الحالة موضوع البحث، وأما بشأن وضعهم القانوني ومنحهم الحصانة عقب الفوز فقد اتفق الخبراء القانونيين على أن الممارسة التشريعية التي سينتهجها المجلس القادم ستشكل سابقة للتعامل مع تلك الحالة كونه لا يوجد نص واضح للتعامل مع تلك الحالة.
ختاما، ينتظر التشكيل الجديد لمجلس الأمة العديد من الملفات الحيوية للنظر بشأنها مثل مكافحة الفساد، والتركيبة السكانية، وتطوير التعليم، والتوظيف مكافحة البطالة، وملف الإسكان، والعفو عن بعض المدانين في قضايا رأي وتعديل القوانين المقيدة للحريات، وهي قضايا كانت موضوعات خلافية بين المجلس السابق والحكومة، وتحتاج إلى توافق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لتحقيق تقدم بشأنها، لكن تسود الأوساط السياسية توقعات منخفضة بشأن قدرة المجلس الجديد على كسر حالة الجمود السياسي كونه يتسم بسيطرة المعارضة والتيارات الإسلامية وبالتالي ارتفاع احتمالية التصادم مع الحكومة التي لن يكون لها غطاء سياسي وربما تكون عرضة للاستجوابات، لاسيمَّا وأن المعارضة ربما تسعى لتمرير قوانين قد لا تحظى بقبول الحكومة بما في ذلك إلغاء قانون الحرمان، وقانون الجرائم الإلكترونية، وقانون البدون، مما يلقي بظلال الشك على قدرة الحكومة على تمرير إصلاحات اقتصادية حساسة مثل إدخال ضريبة القيمة المضافة. كذلك تثور مخاوف بشأن انتخاب رئيس المجلس والذي كان موضوع خلاف خلال مجلس 2020 فحينها أعلن 37 نائبًا من المعارضة عزمهم التصويت لصالح خصم مرزوق الغانم ومع ذلك فاز الغانم بالمنصب من خلال نظام الاقتراع السري، مما أثار اتهامات بتدخل الحكومة، وربما تظهر هذه القضية مرة أخرى رغم التوقعات بفوز أحمد سعدون برئاسة المجلس القادم وهو أحد عناصر التوتر المحتملة مع الحكومة خلال الفترة المقبلة.
.
رابط المصدر: