فلسفة الحكم وإصلاح هيكل الاقتصاد.. نحو ضرورة إنجاح المفهوم الاستراتيجي للدولة بتونس

رامي شفيق

 

بينما أعلنت الهيئة العليا للانتخابات التونسية أن الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية ستُجرى يوم التاسع والعشرين من شهر يناير الجاري، خرجت بعض قوى المعارضة في مظاهرات احتجاجية تعبيرًا عن رفضها لمشروع الرئيس قيس سعيد والمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.

أمسى من اللافت عدم استطاعة قوى المعارضة التوافق على جبهة واحدة إزاء مسيرات الاحتجاج التي خرجت في ذكرى سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في الرابع عشر من شهر يناير 2011؛ وذلك نظرًا إلى عمق الهوة وحدة الخلاف بين التكوينات السياسية. ومن ثم، نظمت “جبهة الخلاص” التي تتكون من عدة أحزاب أبرزها حركة النهضة مسيرة بالقرب من وزارة الداخلية. وفي مسيرة منفصلة، قادت الأحزاب الديمقراطية والاجتماعية من بينها حزب العمال وآفاق تونس وحزب التيار الديمقراطي وقفة احتجاجية أخرى. فيما تحرك الحزب الدستوري الحر لتنظيم مسيرة نحو قصر قرطاج الرئاسي، بيد أنه قد تم منعها بعد مشادات كلامية بين عبير موسي وقيادات الأمن.

تزامنت دعوة حركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في تونس، مع النزول للمشاركة بكثافة في هذا الاحتجاج، تنديدًا بالإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد منذ يوم 25 يوليو 2021 وتدهور الأوضاع الاقتصادية. وقد ظهر الرئيس التونسي، غير مرة، وهو يتجول في أحياء العاصمة حيث جاءت تصريحاته مساء الجمعة 13 يناير في شارع الحبيب بورقيبة حين قال إنه “لا مكان للخونة والعملاء في البلاد”، مضيفًا أن “من يتهم البلاد بالبوليسية والدكتاتورية هو من يريد تدميرها”.

أثارت نتائج الانتخابات التشريعية في جولتها الأولى والتي شهدتها تونس، نهاية العام الماضي، بينما قاطعتها الجماعات السياسية المعارضة، جدلًا كبيرًا لم تقل حدته عن الجدل الذي واكب الانتخابات منذ الإعلان عنها مرورًا بقانونها الانتخابي الذي أقر النظام الفردي بديلًا عن القائمة، الأمر الذي أخرج الجماعة الحزبية من سباق الانتخابات وأضفى حالة من البرودة على السباق الانتخابي.

رغم أن التكوين الحزبي يمثل أبرز تجليات الفضاء السياسي وعنوان حيويته ودرجة عنفوانه، بيد أن الواقع يشي بكثير من التفاعلات التي جرت خلال سنوات العقد الفائت في تونس؛ إذ أفضى تراكم الأحداث والوقائع إلى ترهل التجربة الحزبية، وتراكم الصورة السلبية عند المواطنين، مما انعكس بصورة لافتة في التفاعل مع الاستحقاق التشريعي. ونحو ذلك، قالت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس إن نسبة المشاركة النهائية في الدورة الأولى من الانتخابات النيابية بلغت 11.2%.

تحتشد كل التحديات الاقتصادية والسياسية في ذهنية الرئيس سعيد الذي كان يأمل أن يأتي العام الجديد وقد أتم الانتخابات البرلمانية بصورة آمنة تسمح له بتقديم صورة متكاملة لنظامه السياسي وكذا الوصول إلى منسوب منتظم من العلاقة مع الاتحاد التونسي للشغل، وذلك بما يسمح له بتنفيذ كافة أو معظم الإجراءات الإصلاحية في بنية وهيكل الاقتصاد وفلسفة العلاقة ببن الحكومة والمواطنين، خاصة فيما يتصل بتقديم الخدمات والقيمة المناسبة في مقابل تلك الخدمات. غير أن واقع الأمر جاء على النقيض حيث مرت الجولة الاولى من الانتخابات التشريعية بحضور باهت أدى إلى تدافع قوى المعارضة ضد الرئيس، وارتفاع وتيرة تصريحات الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي وإعلانه تنفيذ إضراب في نهاية شهر يناير الجاري.

نحو ذلك، يبدو جليًا أن “دول الربيع العربي” عليها أن تدرك خطر سؤالها المأزوم في تجاوز خطر سنواتها الانتقالية عبر مرحلة حرجة من النظام الدولي من خلال سؤالي الاقتصاد وفلسفة الحكم، خاصة في ظل التحديات التي فرضت على الجميع منذ اجتياح العالم فيروس كورونا واندلاع الأعمال العسكرية في أوكرانيا وما ترتب على ذلك من تهديدات عميقة وشاملة على كافة المستويات.

يقينًا؛ تبدو المعارضة الحقيقية التي يواجهها الرئيس التونسي تتمثل صوب تحركاته الذاتية لإرساء أسس نظامه فيما بعد إجراءات ٢٥ يوليو من العام الماضي، فيما يغفل البعض التدقيق في حالة التشتت والارتباك التي تعتري التيارات السياسية المعارضة في البلاد والفشل المتراكم في تجربة الحكم والمعارضة، خلال سنوات العقد الفائت، مما دفع الرئيس نحو التداخل والانخراط المباشر في صياغة كافة الخطوات التنفيذية التي ترتبت على إجراءات يوليو من العام الماضي سواء كان ذلك عبر صياغة الدستور أو القانون الانتخابي.

كان تأجيل تناول قرض صندوق النقد الدولي، لأجل غير محدد، ورفض قانون المالية الذي قوبل بهجوم واسع من الأطراف الاجتماعية والسياسية التي ارتأت حتمية إخفاقه في تحقيق الأهداف المرسومة من أجله؛ عتبة لبروز مسار محاولات النهضة في تجلي المعارضة صوب نهج المظاهرات الميدانية وارتفاع وتيرة التنديد بمظاهر تردي الأوضاع المعيشية، الأمر الذي بدا واضحًا في بعض جوانبه خلال مظاهرات الجمعة الماضية.

غير أن واقع الأمر وركيزته يبدو في موقف المنظمة الشغيلة ومدى المرونة التي ستبدو عليها حين تصل إلى مبادرتها الشاملة مع عمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نحو الخروج من شرنقة الأزمة السياسية، فضلًا عن ضرورة التحرك بإيجابية من طرف الرئيس قيس سعيد سريعًا وقبل إتمام الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية للمضي بأمان بعيدًا عن الاضطرابات المجتمعية والسيولة التي تقتات عليها النهضة ورديفها جبهة الخلاص.

كان عميد المحامين التونسيين حاتم المزيو عرض سابقًا بعض تفاصيل مبادرة الحوار الوطني، مشددًا على أنها ستقصي الأحزاب السياسية بسبب غياب ثقة الشعب فيها ولدورها في الوصول إلى الوضع الحالي. وقال المزيو إن المبادرة “لا تزال في طور المشاورات الأولى وأن هنالك ضرورة ملحة على أن تكون شاملة وعميقة وألا تقتصر فقط على الجانب السياسي”. وشدد على أن المبادرة تسعى “للانطلاق في إصلاح شامل اقتصادي واجتماعي وسياسي، على أن يتم تقديمها وعرضها على رئيس الجمهورية قيس سعيد بوصفه صاحب شرعية انتخابية”، مطالبًا الرئيس سعيد بالتفاعل إيجابيًا معها.

درس العام 2011 ينبغي أن يكون ماثلًا في أعين الجميع، وخاصة الاتحاد التونسي للشغل بوصفه من أهم وأعرق المنظمات في البلاد، وكذا رئاسة الجمهورية لما عليها من مسؤولية وطنية وتاريخية. لذا مسار التواصل فيما بينهما نحو نسق الدولة الناجزة يضحى التحدي الأبرز وسؤال التاريخ، بما يحتم ضرورة تجاوز الخلاف العميق فيما بينهما لصالح المفهوم الاستراتيجي للدولة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75050/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M