عادل رفيق
خفض التصعيد بعد اغتيال قاسم سليماني
نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية في 4 يناير 2020، مقالًا لكيلي ماجسمن، نائب رئيس وحدة الأمن القومي والسياسة الدولية في مركز التقدم الأمريكي والتي كانت تدير ملف إيران في مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيسين جورج بوش وباراك أوباما، بعنوان “كيف نتجنب حرباً أخرى في الشرق الأوسط ؟”، وذلك في أعقاب اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في بغداد، والذي جاء فيه:
ربما كان مقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني أكثر قرارات السياسة الخارجية التي لها ما بعدها على مدار رئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وسوف نرى تداعياتها على مدار أيام وشهور وحتى سنوات قادمة، لكن العواقب التي ستترتب على هذا القرار تستند يقيناً على ما تعتزم إدارة ترامب أن تفعله بعد ذلك.
وقد أوضح المسؤولون الأمريكيون في تفسيرهم للضربة الجوية التي أودت بحياة سليماني أنها كانت محاولة لردع العدوان الإيراني في المستقبل وأنها أيضاً كانت بمثابة إجراء دفاعي وقائي في مواجهة أي هجوم وشيك من طهران. وأطل علينا ترامب ووزير الخارجية مايك بومبو بالفعل بمجموعة من التغريدات الوطنية التي تُذكّرنا بلافتات “تم إنجاز المهمة ” التي انتشرت في الأسابيع الأولى من حرب العراق. لكن الحقيقة أن ما كان صحيحاً في هذا الوقت في العراق صحيح أيضاً الآن، ومفاده أن: الأزمة لن تنتهي عند هذا الحد.
وسوف تتكشف الإجراءات الانتقامية التي تنوي إيران أن تقوم بها مع مرور الوقت، والتي ستأتي في الأغلب بطرق قد لا يتوقعها أحد، ولن تقتصر على العراق أو حتى على الشرق الأوسط. لذا فإن إدارة ترامب تحتاج إلى الاستعداد لمواجهة مجموعة كاملة من الحالات الطارئة بما في ذلك: الهجمات الإلكترونية، والهجمات الإرهابية، سواءً في الخارج أو على الأراضي الأمريكية، ومحاولات اغتيال بعض المسؤولين الأمريكيين، وشن مزيد من الهجمات على حقول النفط السعودية. ومن المرجح كذلك أن تتخذ إيران المزيد من الخطوات الاستفزازية بشأن برنامجها النووي: وفي حقيقة الأمر، كان من المتوقع بالفعل أن تعلن إيران عن أحدث تحركاتها التي تبعدها كثيراً عن الالتزام ببنود الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015، فيما أُطلق عليه: “الخطة الشاملة للعمل المشترك”.
ويحتاج ترامب إلى تبني استراتيجية أكثر من مجرد الرد على التحركات التكتيكية المتوقعة لإيران عندما تأتي. ويجب عليه أن يقرر كيف يريد حل هذه الأزمة والعمل بطريقة عكسية من هناك لتحقيق ذلك. ويجب أن يكون هدف الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو خفض التصعيد في الموقف وتجنب حرب أوسع، والقيام بذلك بطريقة تجعل الأمريكيين أكثر أماناً على المدى الطويل. ولتحقيق هذه النتيجة، فإن الإدارة الأمريكية في حاجة إلى إرسال رسائل واضحة متسقة وليست رسائل استفزازية لا داعي لها، بينما تعمل بهدوء لضمان سلامة المواقع الدبلوماسية الأمريكية المعرضة للاستهداف. وعلى واشنطن أن تقوم بالتنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة، وعليها كذلك محاولة فتح قناة دبلوماسية مع طهران، من خلال طرف ثالث إذا لزم الأمر. إن عدم القيام بهذه الخطوات على الأقل يعد بمثابة المخاطرة بإغراق الولايات المتحدة في مغامرة أخرى مكلفة في الشرق الأوسط.
ليست هناك خيارات جيدة
وعلى المدى القريب، فإن رد إيران على اغتيال سليماني سيؤدي إلى ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة: هل تستمر الولايات المتحدة في ضربات متبادلة مع طهران؟ هل سيتصاعد الأمر بحيث يتم نشر أعداد كبيرة من القوات والدخول في عملية عسكرية أمريكية أخرى؟ أم ستكون هناك مساعي لخفض التصعيد، من خلال فتح قناة دبلوماسية مع إيران، مثلاً؟ إن على إدارة ترامب أن تقرر حينها أفضل السبل للدفاع عن الدبلوماسيين الأمريكيين المعرضين للاستهداف من قبل طهران في الخارج وما إذا كان سيتم إجلاء المواطنين الأمريكيين من مواقع معينة. إن بعض التحركات – مثل إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط – ستكون بمثابة عبور للخط الفاصل بين الردع والتصعيد. ويمكن أن يساء تفسير أي خطوة من هذا القبيل.
في كل قرار سيتخذه ترامب، لن يجد سوى خيارات سيئة فقط عليه أن يختار من بينها. لقد ترك نفسه بلا قنوات دبلوماسية، وسط مجتمع دولي منقسم، وكونجرس متشكك في جدوى ذلك. وسيكون من المستحيل تقريباً الحفاظ على وتيرة منخفضة من التصعيد المتبادل، لأن هناك المزيد من الحسابات الخاطئة المحتملة على كلا الجانبين – كما يشير إلى ذلك التاريخ الحديث بخصوص الإجراءات الانتقامية الأمريكية التي قامت بها واشنطن ضد الهجمات المدعومة من إيران والتي استهدفت أهدافاً أمريكية في العراق بالفعل. لكن خفض التصعيد سيكون صعباً أيضاً، بالنظر إلى التفاخر الخطابي من كلا الجانبين وعدم وجود أنواع من القنوات الدبلوماسية الفعالة في ظل هذه الإدارة الأمريكية والتي كانت موجودة تحت إدارات أمريكية سابقة مع الحكومة الإيرانية. وفي الوقت نفسه، فقد يعني المزيد من التصعيد حرباً تقليدية أوسع نطاقاً. وسوف تتكشف كل هذه القرارات على خلفية الاضطرابات الإقليمية الحالية: فالبرلمان العراقي يدرس الآن طرد القوات الأمريكية من البلاد، وهي خطوة من شأنها أن تعيق القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، والمعروف أيضاً باسم داعش، على المدى القريب، وأن تفتح الباب على مصراعيه لنفوذ إيراني أكبر في العراق على المدى الطويل.
ومن أجل التعامل بفعالية مع تداعيات الضربة التي أودت بحياة سليماني، ستحتاج إدارة ترامب إلى دعم محلي. لكن الرئيس الأمريكي بدأ هذه الضربة دون استشارة الكونجرس أو إعداد الجمهور أو حلفاء الولايات المتحدة لما قد يأتي بعد ذلك. لذلك، فخلال الأيام المقبلة، سيكون ترامب وفريقه في حاجة إلى كسب ثقة الشعب الأمريكي وإقناعه بأن تقارير الاستخبارات تبرر القرار. وعلى الرغم من هذه العواقب لن تكون مهمة سهلة لأي رئيس أمريكي بعد حرب العراق، إلا أنها ستكون مهمة أكثر صعوبة بالنسبة لدونالد ترامب الذي دأب على إثارة الانقسام والخلافات. وسيتعين عليه الدفاع عن قضيته مع تقديم توضيح تام لخطة إدارته لتجنب حرب أخرى في الشرق الأوسط لا يريدها الشعب الأمريكي. وبينما يقوم بكل ذلك، فإن على ترامب التركيز على محاكمة عزله التي باتت وشيكة والتي تستند على وضعه المصالح السياسية الشخصية فوق الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية.
ونظراً لافتقار ترامب إلى التماسك في سياسته الخارجية ومقاومته لأي تفكير أو تخطيط يتعدى التغريدة التالية له على تويتر، فإن مهمة خروج البلاد من هذه المتاهة ستقع على الأرجح على رجال الدولة والدبلوماسيين الأمريكيين. وبمعنى آخر، فإنه من أجل الوصول إلى خيارات وخطط سياسية قوية، سيجد ترامب نفسه في حاجة ملحة إلى نفس الأعضاء الذين دأب على الهجوم عليهم وقام بالقضاء عليهم تماماً سواء في مجلس الأمن القومي أو وزارة الخارجية أو الاستخبارات على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وسوف يحتاج ترامب أيضاً إلى دعم الكونجرس. إلا أن فشل إدارته في التشاور مع قيادة مجلس النواب ومجلس الشيوخ أو مجموعة الثمانية – المؤلفة من قادة مجلس الشيوخ ومجلس النواب ورؤساء اللجان ذات الصلة – قبل أن يصدر قرار شن الغارة الجوية لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال. ومن الواضح أنه كان هناك وقت لتقديم إحاطة لهؤلاء، ومجموعة الثمانية لها سمعة جيدة في الحيلولة دون خروج أي تسريبات. ستحتاج إدارة ترامب الآن إلى إطلاع الكونجرس بشكل كامل وإقناع الأعضاء بأن لديها استراتيجية سليمة ومبرراً قانونياً مناسباً وخطة قيد التنفيذ من أجل الحفاظ على سلامة الأمريكيين في الداخل والخارج. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أي توسيع خطير لهذا الصراع سوف يتطلب من الإدارة الأمريكية الحالية الحصول على إذن من الكونجرس. ففي العام الماضي، أوضح أعضاء الكونجرس في كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري أنهم لن يسمحوا أبداً بشن حرب على إيران وسنوا تشريعات في ذلك بهذا المعنى.
قد لا يحبذ ترامب العمل مع دول معينة أخرى، لكنه لا يستطيع أبداً تجنب ذلك الآن. إنه يحتاج بالفعل إلى حلفاء الولايات المتحدة (وكذلك إلى الصين وروسيا) لتبادل المعلومات الاستخبارية حول الهجمات الانتقامية المحتملة لإيران ودعم قرارات مجلس الأمن الدولي إذا عززت إيران تطوير أسلحة نووية.
إن قيام فرنسا – وليس روسيا والصين فقط – بإدانة اغتيال سليماني ليس علامة جيدة على الإطلاق. ولا يوجد في الوقت الحالي تحالف من الراغبين بمعاقبة إيران بشكل أكبر، ومن الواضح أيضاً أن “أقصى ضغط” يتم ممارسته لن يمكنه تحقيق النتائج المرجوة. ولسوء الحظ أيضاً، فإن ترامب غير قادر على الاستفادة من رصيد النوايا الحسنة في جميع أنحاء العالم. فمعظم الحكومات الأخرى ترى أن سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إيران هي بمثابة إلحاق الأذى بنفسها، بدءاً من الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران. والعلاقة بين ضفتي الأطلسي – التي تعتبر ضرورية لاستراتيجية فعالة تجاه إيران – هي في أضعف حالاتها منذ عام 2003. وفي وسط ذلك كله، لا يزال ترامب في حرب جمركية مع الدول الأوروبية.
حقائق جديدة
إن بإمكان هذه الأزمة أن تستنزف بسهولة ما تبقى من فترة ترامب في الرئاسة. وقد يجد نفسه رئيساً للحرب قريباً وليس رئيساً ضد الحرب. إن عليه أن يتصل بالرئيس السابق جورج دبليو بوش لمعرفة ما يحدث لعهدتك الرئاسية عندما تدلف إلى التورط في حرب غير ضرورية. وعليه أيضاً أن يتصل بالرئيس السابق باراك أوباما لمعرفة كيفية إخراج البلاد منها.
الأمريكيون الآن أقل أماناً لأن ترامب قتل سليماني. إن تكتيك قطع الرؤوس لن يحل مشكلة إيران. فلا زال فيلق الحرس الثوري الإسلامي موجوداً، ومن المرجح أن تزداد هجماته على المصالح الأمريكية. ولا يزال البرنامج النووي الإيراني قائماً، ولكن الاتفاق النووي أو “الخطة الشاملة للعمل المشترك” قد ماتت بالفعل، وواشنطن الآن أبعد ما تكون من أن تحصل على صفقة أفضل كان ترامب قد وعد بها.
ومجمل القول، أن الولايات المتحدة أصبحت مرة أخرى على شفا صراع عسكري يزداد عمقاً في الشرق الأوسط. ويبدو أن ترامب وفريق الأمن القومي التابع له لا يدركون تماماً كل ما قد يحدث لاحقاً وما هو على المحك الآن. وسيتحمل الشعب الأمريكي هذا العبء وحده على مدى الأيام والسنوات القادمة.
رابط المصدر: