في التخلف ومعوقات التنمية

مسلم عباس

 

تذهب الى مديرية المرور العامة في اية محافظة عراقية للحصول على رخصة قيادة السيارة، تكمل عدة معاملات ورقية، قد تدفع غرامات مكررة اذا كانت المعاملة من اجل تحويل ملكية، أي انك تدفع الغرامة ثم تعود بعد مدة لتدفعها نفسها (حدث هذا معي)، كل هذا طبيعي فالعراق لم ينتقل للعمل الالكتروني بعد، وعملية الضبط والسيطرة على تداول السيارات المسروقة لا تتم الا بهذه الطريقة، مديرية المرور تبذل جهوداً كبيرة في تذليل العقبات امام المراجعين، لكن هذه الجهود ينضح منها سوء فهم وعدم دراية بالتطور التكنلوجي الهائل في دول العالم الأخرى وخاصة فيما يتعلق بالسيارات.

عندما تكمل كل الإجراءات الورقية الخاصة بالحصول على إجازة السوق تبقى المرحلة الأخيرة وهي “الاختبار”، تستقل سيارة مخصصة لهذا الغرض يشترط ان يكون ناقل الحركة فيها من الطراز القديم (كير عادي)، تشغلها، تشد حزام الأمان، تنزل الهاند بريك، تحركها لمسافة عشرين متراً، تواجهك تلة عالية جدا تكاد تكون عمودية لدرجة انك لا ترى أي شيء خلفها، في منتصف الصعود يطلبون منك التوقف واطفاء المحرك ثم تشغيله والانطلاق من جديدة شريطة عدم زحف السيارة للخلف لإثبات جدارتك، تكمل الطريق تتوقف عند اسفل التلة ترجع للخلف بحركة جانبية، ثم تكمل الطريق في مجموعة من التعرجات، وينتهي كل شيء.

هناك أخطاء في هذا الاختبار، وتكشف حجم التخلف الذي تعيشه العقلية الإدارية العراقية، من اختيار السيارة، واختبار القيادة، وغياب اختبار الإشارات المرورية، دائما ما تستخدم السيارات القديمة في الاختبار، بحجة ان السائق الجيد لا يمكن له السير بالشارع بدون تجربة الموديل القديم، ومع انتشار السيارات الكهربائية، والسيارات ذاتية القيادة، وتلك التي تعتمد تقنيات حديثة تبدو الطريقة العراقية مثل الذي يُعَلّم سائق السيارة ركوب الخيل ليثبت انه قادر على القيادة.

العالم اليوم يذهب في طريق التقدم وكان الأفضل ان تستخدم السيارات الاحدث، لا سيما وان القانون العراقي يحظر استيراد السيارات القديمة، فلماذا هذا التناقض الإداري بين مؤسسات الدولة، هذا نوع من التخبط والعشوائية، وقد انعكس على نمط تفكير العراقيين، فأغلبهم اليوم يعتبر السيارات القديمة هي الأفضل رغم ما اثبتته التجارب على متانة وقوة السيارات الجديدة، الا ان التعامل الحكومي مع هذه الظاهرة انعكس على تفكير المواطنين.

اما طريقة اختبار القيادة فتعتمد على تجربة غير منطقية ولا تتلاءم مع البيئة العراقية، لماذا تستخدم الجسر المرتفع لقياس المهارة بينما العراق لا توجد فيه مرتفعا وكل شوارعه على ارض منبسطة، لماذا لا يتم تعليم السائق اختبار المهارات الأخرى عبر دراسات عن المشكلات التي يواجهها السائق في الشارع، وتبقى مسألة اختبار الإشارات المرورية التي ينساها القائمون على الاختبار رغم أهميتها القصوى، فهي لغة التخاطب بين السائقين خلال السير.

انا هنا لا اريد التحدث بمنطق الخبير المروري، بل التنويه الى الكثير من الأخطاء المشابهة في الدولة العراقية، فبينما يتقدم العالم نحن نشترط استخدام الأدوات القديمة ونعتبرها المعيار للكفاءة، حتى على مستوى وزارة التعليم التي يفترض ان تكون صاحبة المبادرة والسباقة دائما في هذا المجال، كانت قبل عدة اشهر ترفض رفضا قاطعا التعليم الالكتروني، لكنها عادت بعد جائحة كورونا لتكتشف الخطأ الفادح الذي وقعت فيه، لكن الوقت قد فات والبنية التحتية مفقودة، لا يوجد استعداد لهذه المرحلة فوقت الوزارة باخطاء كارثية.

اغلب مؤسسات الدولة تعمل بنفس طريقة اختبار قيادة السيارة، او التعليم الصفي كما هو حال وزارة التعليم، فالقديم هو الأفضل لديهم، لكن مركب العلم يتقدم بخطوات سريعة، وهذا ما يجعلنا دولة متأخرة دائما عن الركب العالمي، نحن بحاجة ماسة اليوم الى اعتماد الجديد كمعيار للتقدم، بحاجة الى التحديث دائما، حتى لا نتعرض للصدمة كلما انتقل العالم من وضع الى اخر.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/24142

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M