مصطفى ملا هذال
قبل أيام من اللحظة كانت المدن صاخبة والشوارع مزدحمة بالمارة والسيارات، وترقد على الأرصفة بعض سلع اصحاب المحال التجارية، بينما تزاول الطواقم التربوية مهامها ونشاهد الطلبة يذهبون الى المدارس على اختلاف مراحلهم الدراسية، ويخرج اصحاب المهن الحرة الى حيث يعملون بشكل منتظم، ولم يتأخر الموظفون عن دوائرهم لأي سبب من الأسباب سوى في الأوقات الحرجة للغاية.
الأجواء التي تم استعراضها قبل قليل سرعان ما تحولت رأس على عقب، اذ نجد الشوارع أصبحت خاوية على عروشها، وابواب المحال التجارية أقُفلت بوجوه الزبائن، ولم يعد يُسمع صوت السيارات في التقاطعات والشوارع العامة.
كل هذا حصل بفعل فيروس كورونا المستجد كما يسمى من قبل المختصين، والذي اصبح الشبح المخيف دون ان يرى، والمميت الغادر في اغلب الأحيان، فهو ببساطة قاتل اذا لم يُعثر على طريقة لايقافه، فانه سيفتك بالكرة الأرضية دون رأفة ولا رحمة، ولا تزال جهود العلماء غير قادرة على ايجاد العقار المناسب ليساهم في حفظ المزيد من الأرواح، فهو بذلك اصبح واحد من اشد المخاطر التي تحيط بالإنسان.
من مظاهر التأثير للفيروس المستجد هو تغييب العالم الافتراضي الى حد ما، وشجع على رواج مواقع التواصل الاجتماعي وأصبح التصفح ضرورة ملحة وليس أسلوب من أساليب الترف التي عادة ما يقدم الإنسان على اقتناءها.
فبعض الأشخاص قام بتحويل جميع نشاطاته الفكرية في العالم الواقعي الى الافتراضي فراح يعقد الحلقات النقاشية وينظم جلسات لتبادل الآراء عبر منصات التواصل الاجتماعي، هذا التحول لم نكن نعلم به، ولم نضع له اي حساب، وهنا اود ان اطرح بعض التساؤلات، ماذا سنفعل لو لم يوجد العالم الافتراضي الذي حل بديلا ناجحا عن العالم الواقعي؟، وما الذي من الممكن فعله لقضاء الوقت الذي نقضيه على مواقع التواصل؟، بالتأكيد الإجابة ستكون صعبة الى حد منا، كوننا لم نطلع على تجربة سابقة لمثل هذه الظروف ومن ثم من الممكن الاستفادة من التجربة عبر استنساخ المفيد منها في مجال معين من مجالات الحياة الكثيرة.
ومن مخرجات هذه المرحلة الإيجابية ايضا هو معرفة ابعاد اخرى من فوائد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، اذ ان اغلب الاستخدامات السالفة تقتصر فقد على نشر بعض المواقف المضحكة او الحوادث اليومية وقليلا من الأخبار المتفرقة، أما اليوم فقد أصبحنا نشاهد الكثير من الدراسات التي تخص المرحلة الراهنة، ونجد العديد من الأشخاص يتابعون وينشرون ويتفاعلون مع الأخبار المتعلقة بالفيروس، ويسعون الى ان يكونوا جزء من الرسائل التطمينية، التي من الواجب بثها للمواطنين حاليا، وهذا التحول في كيفية الاستخدام جاء ليتماشى مع متطلبات المرحلة التي يفترض ان يتكاتف الجميع من اجل تجاوزها وبشكل سليم، فمن الواضح ان تباين دواعِ الاستخدام يعود الى الاختلاف المرحلي الذي نعيشه او تعيشه البشرية بصورة عامة.
لقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي وبحكم تحولها الى مكان تواجد الأشخاص بعد ان تعذر عليهم الخروج الى العالم المادي، ساهمت في نشر الوعي والثقافة الصحية، والاطلاع عن كثب على طرق وأساليب الوقاية من الوباء الجديد، فكم من الأشخاص ليس لديه الوقت لمشاهدة المحطات التلفزيونية، لكنه في ذات الوقت يتواجد وبشكل دائم في الشبكات الاجتماعية بحكم عمله الذي اجبر على نقله نتيجة المكوث في البيت بعد قرار الحظر الذي يأتي ضمن الإجراءات الاحترازية، فلا يمكن ان نهمش او نقلل من دور هذه الشبكات وما عملته خلال الأزمات المختلفة، فلا يمكن ان نتجاهل أهميتها في إشعال شرارة الجماهير إبان الاحتجاجات الشعبية، واليوم تقف الى جانب الأفراد عبر إيصال التوجيهات اللازمة اليهم، وإحاطتهم بآخر الأخبار.
وكذلك من فوائد المكوث في المنازل والاكتفاء بتصفح مواقع التواصل، هو الشعور بالراحة النفسية بعض الشيء، ذلك لما نتعرض له من مواقف ونستمع اليه من آراء تخص بعضها الموضوعات السياسية، ويتعلق بعضها الآخر بالجوانب الاجتماعية، فكثيرا ما تحدث بهذه النقاشات مشادات كلامية تنتهي بالتعصب وقد يكون الخصام هو نهاية المطاف، وهذا ما ساعدتنا الظروف الحالية على الابتعاد عنه، اذ أصبحنا عندما نرى بعض المنشورات التي لا تتفق وأفكارنا بضغطة إصبع الإبهام نتمكن من تخطيها، أما في الواقع فقد يضطرك ذات الكلام الى مغادرة المكان او البقاء على مضض وفي كلتا الحالتين صعوبة.
ان كثافة الاستخدام جعلت من ملاك الفيس بوك تحديدا ان يصرحوا بوجود ضغط غير مسبوق على السيرفرات الرئيسية للشبكة العنكبوتية، وهذا خير مصداق على توجه الأفراد الى استخدام ذلك الموقع الذي اصبح يعج بالأخبار والعواجل والتحليلات والمقاطع الفيديوية، اذ وفر مساحة ليست قليلة لتبادل الآراء وبيان الاختلاف والتشابه بوجهات النظر المتعلقة بالموضوع، الذي تصدر في الآن جميع الموضوعات على شاشات التلفاز المحلية والعالمية.
ورغم ما تقدم ذكره من ايجابيات لمواقع التواصل الاجتماعي لاسيما في الأيام الأخيرة، حيث كانت اشبه بحدائق استجمام يتوجه اليها الأفراد عندما تضيق بهم ارض الله الرحبة، الا ان ومن الملاحظ هنالك بعض الأفراد لم يتمكنوا البقاء طويلا في العالم الافتراضي، اذ آثروا الخروج وعدم الالتزام بالتعليمات الصادرة من الجهات المختصة، والسبب يعود للجمود الذي وجدوه في العالم البديل، هذه المسألة جعلتنا امام حقيقة لا يمكن نكرانها، وهي عدم الاعتماد على احد العالمين فكل واحد منهم مكمل للآخر، والعلاقة فيما بينهم هي علاقة تكاملية.
رابط المصدر: