مثل خروج المصريين بكثافة للتصويت في الانتخابات الرئاسية المصرية 2024 وخاصة في عملية الاقتراع في الداخل، مشهدًا فارقًا، حمل الكثير من الدلالات التي يعيد الشعب المصري التأكيد عليها في كل مرة ترتفع بها حدة المخاطر سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، فضلُا عما يؤكد عليه المشهد من وحدة المصريين التي تعد عصية على الاختراق، وأن مخطط إضعاف دول المنطقة ينهار دومًا أمام الإرادة المصرية الخالصة.
المشهد الانتخابي اتسم بمشاركة كل فئات الشعب المصري من شباب، سيدات ورجال وكذلك فئة كبار السن حتى أن مشهد الأسر التي خرجت للتصويت بشكل جماعي لم يكن مشهدًا مستغربًا وأكد على محاولة نقل مفهوم المشاركة السياسية لفئة الأطفال فضلًا عن توافد ذوي الاحتياجات الخاصة للتصويت بعد التسهيلات التي تم توفيرها لهم في اللجان. ولم يختلف مشهد المصريين الذين خرجوا للتصويت في الداخل كثيرًا عن مشهد المصريين في الخارج، والذين توافدوا إلى جميع السفارات والقنصليات التي تم الإعلان عنها للإدلاء بأصواتهم بشكل جماعي ومن جميع الفئات ليؤكدوا على حالة الوحدة بين المصريين في الداخل والخارج وأن ما يحكمهم هو نفس حالة الوعي ونفس التوجهات.
وخلافًا للتوقعات فإن مشاركة فئة الشباب تحديدًا، كانت نتاج طبيعي لما قدمته الدولة لهم على مدى ما يقارب العقد وعلى كل المستويات فخلال تلك الحقبة من عمر الوطن تولوا المناصب القيادية، وتدربوا وطُورت مهاراتهم في مختلف المجالات، كانوا شاهدين على التنمية وبناء الجمهورية الجديدة، وأسهموا في إرساء قواعدها من خلال مشاركتهم بالمشروعات التنموية والخدمية التي طالت كل شبر في مصر.
وحسب النتائج والمؤشرات المبدئية لعملية الفرز التي أعلنت عنها مختلف اللجان العامة على مستوى الجمهورية فإن السيد المرشح عبد الفتاح السيسي سيحسم هذا السباق بفارق كبير عن منافسيه الثلاثة. بينما هناك تنافس على المركز الثاني بين المرشح السيد حازم عمر والمرشح السيد فريد زهران.
ستتسلم الهيئة الوطنية للانتخابات مساء الأربعاء 13 ديسمبر جميع النتائج، وستبدأ في تدقيق ومراجعة هذه المحاضر من خلال تطابق عدد بطاقات التصويت مع عدد من أدلوا بأصواتهم وعدد الناخبين المقيدين في كل لجنة عامة على مستوى الجمهورية. بينما ستقدم الطعون الانتخابية للهيئة الوطنية للانتخابات غدً الخميس تمهيدًا للبت في هذه الطعون على مدى اليومين التاليين تمهيدًا للإعلان عن النتائج النهائية بعد مراجعتها في الثامن عشر من الشهر الجاري.
مشهد الانتخابات، ينبه إلى ضرورة استثمار ما تحقق من إنجاز وحدة الشعب المصري للنهوض بالدولة المصرية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وهو ما يستدعي المزيد من الجهود لكافة مكونات المجتمع بكل فئاته وطبقاته المختلفة، لتجاوز أي عقبات تقف على طريق الجمهورية المدنية الديمقراطية الحديثة.
ولا شك أن المرحلة الأكثر دقة بالنسبة للمصريين وللاستحقاق الانتخابي الحالي هي مرحلة ما بعد الانتخابات، والتي تتسم بالعديد من التحديات على الصعيدين المحلي والإقليمي والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
أولًا) الصعيد المحلي:
-الأوضاع الاقتصادية: تعد هي السمة الأبرز لتوجهات الرأي العام المصري في مرحلة ما قبل الانتخابات وما بعد الانتخابات وإن كانت ظروف إقليمية قد أدت إلى تراجعها بعض الشيء، وقد مر على الدولة المصرية أحداث دولية كانت حاكمًا أساسيًا في المشهد الاقتصادي الحالي وواحدة من مسبباته. وقد تناولت الكثير من الكتابات أثر تفشي كوفيد خلال عام 2020 على جميع الاقتصادات سواء الناشئة أو غيرها ومصر باعتبارها دولة تعتمد في عملتها الصعبة على قطاعات خدمية مثل الدخل من السياحة والدخل من قناة السويس وتأثرت مصر مثل سائر الدول وتناقصت عملتها الصعبة نتيجة الإغلاقات وتراجع حركة التجارة العالمية وتوقف الطيران.
ولم تكد كارثة كورونا أن تتوارى حتى هدد العالم خطر جديد انعكس في الحرب الروسية- الأوكرانية التي لازالت مستمرة حتى الآن بكل آثارها الاقتصادية السيئة التي أدت إلى تعطل سلاسل الإمدادات في الكثير من الدول وارتفاع أسعار الحبوب ونقصها مما كان له أكبر الأثر على الدولة المصرية التي استطاعت بعلاقاتها تأمين مصادر القمح.
ولذلك فإنه ليس من قبيل المبالغة التأكيد على أن الملف الاقتصادي سيمثل قمة أجندة الرئيس القادم والذي سيكون عليه تطبيق “روشتات” غير تقليدية للتعاطي مع التحديات الاقتصادية القائمة، من خلال التنسيق والتعاون مع المنظمات الدولية التي تثق في قدرات مصر على الوفاء بالتزاماتها.
-المجال العام: استطاعت الدولة المصرية خلال العقد الأخير تحقيق قدر مهم من الاختراق في هذا الملف منذ الإعلان عن انطلاق الحوار الوطني وخلق حالة من التفاعل المجتمعي على مستوى عدد من المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومشاركة وتواجد فعال من أحزاب وفئات المجتمع، وكان من أهم ما أثمر عنه الحوار الوطني عودة الإشراف القضائي على الانتخابات بعد أن صدق عليه السيد الرئيس.
وهذه الحالة التي خلقها الحوار الوطني تعد حالة للبناء عليها والاستمرار في تدعيمها خصوصًا أن جزء من عملها كان يتعلق بملف جرائم الرأي وصدرت عن لجانه السياسية توصيات تخص الإفراج عن العديد من السجناء وتسوية أوضاعهم وهو ما يحيلنا إلى ملف آخر له أهمية قصوى ويعتمد على فكرة إعادة النظر في قوانين الحبس الاحتياطي والتعامل معه باعتباره إجراء احترازي وليس إجراء عقابي فضلًا عن إعادة تقييم ما يعتبر جريمة نشر مما لا يعتبر جريمة نشر وهي القضية التي تربطنا بشكل كبير بملف الإعلام والتعامل معه وحتمية سحب حالة الانفتاح في المجال العام على الإعلام الرسمي خصوصًا أننا قد شهدنا بوادر ذلك بالفعل خلال الانتخابات الحالية من خلال استضافة المرشحين المنافسين وإن كانت خطوة محمودة ولكن لا زالت هناك حالة لمزيد من الانفتاح في التعامل مع ملف الإعلام لما يمثله من أهمية حيوية وثيقة الصلة بمزاج الشعب المصري.
ولا يمكن إنهاء الجزئية الخاصة بالمجال العام دون الإشارة إلى دورة الأحزاب في إثراء الحياة السياسية وأهمية استمرار حالة الانفتاح في تحركات الأحزاب واجتماعاتها وتواجدها على الأرض وألا تكون فقط مقتصرة على الفترة الحالية لأن الاستمرار في حالة الانفتاح الحالية والبناء عليها يمثل صمام أمان حقيقي للمجتمع وضمانة للاستقرار.
ثانيًا) الصعيد الإقليمي:
ليست التحديات التي تواجه الرئيس القادم على المستوى الإقليمي بأقل أهمية من التحديات الداخلية بل أنها ربما تحتاج إلى تحركات أكثر سرعة نظرًا لما تمثله هذه الملفات من أهمية بالنسبة للأمن القومي المصري لما تمثله من تداعيات عليه حال تفاقهما ولعل أبرز هذه الملفات حسبما تقتضيه الأمور:
-الوضع في غزة: شكلت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي وما لحق بها من عدوان غاشم على غزة تجاوز شهره الثاني أحد أهم المحددات للانتخابات الرئاسية الحالية وأحد العوامل التي جعلت المصريين يستشعرون حالة الخطر ويخرجون للتصويت بكثافة للتأكيد على أن حماية الأمن القومي المصري وسيادة الدولة محرك أساسي لالتفاف الشعب المصري ووحدته.
حيث كان موقف القيادة السياسية منذ اليوم الأول للعدوان والرافض لمخططات التهجير السيناريو الذي استقر عليه ضمير الشعب المصري الذي ينتظر من القيادة السياسية استمرار المجهودات في هذا المجال لتأكيد وتجديد الرفض القاطع لهذا المخطط مهما تنوعت أو اختلفت أساليب تطبيقه. وهو ما يتطلب تعاون مع القوى الإقليمية والدولية لتوفير حل عادل وشامل وإعلان قيام دولة فلسطينية بما يمثل ضمانة حقيقية لعدم تصفية القضية الفلسطينية وبالتالي عدم تنفيذ مخطط التهجير.
–الحرب في السودان: تعاملت مصر مع الحرب في السودان منذ لحظتها الأولى باعتبار أن مصالحها هناك متشابكة ومعقدة وأن مبدأ التعايش مع هذه الحرب بعد تأمين الحدود وطرد الجماعات الإرهابية من العمق الاستراتيجي لمصر كما فعلت القاهرة في الحالة الليبية كان خيارًا مرفهًا بالنسبة للحالة السودانية التي تعد امتدادًا لمصر وشريانها في الحياة ” نهر النيل”.
ولذلك لم تستغرق القاهرة الكثير من الوقت قبل أن تقوم باستدارة في السودان وتنفتح على الحوار مع القوى المختلفة بما فيها القوى المدنية، وقد شهدنا انعكاسات ذلك في المؤتمرات والاجتماعات التي استضافتها مصر للتقريب بين أطراف الأزمة. وينتظر القيادة السياسية في الفترة التي تلي الانتخابات حالة من النشاط والتفاعل على جميع المستويات مع الملف السوداني خصوصًا بعد أن أدت الحرب في غزة لتراجع الاهتمام بالملف لأن غزة خلقت خطرًا أكثر إحداقًا من الجهة الشرقية ولكن الخوف من أن يتم التعامل مع الصراع في السودان باعتباره صراعا منسيا.
في الأخير، لا يعني ما تقدم حصر التحديات التي تنتظر الرئيس القادم على ما تم ذكره، فمصر دولة عظمى في منطقتها تتفاعل مع الكثير من العوامل وتؤثر في جميع الملفات على الأصعدة الدولية والإقليمية وإنما يمثل ما تم ذكره إيجازًا لأبرز الملفات التي تشكل تحديًا عاجلًا بالنسبة للرئيس مما يتطلب الاشتباك معها بشكل فوري بعد الانتخابات.
المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80162/