أولويات وتحديات خارجية على أجندة الرئيس المصري القادم

يتولى رئيس مصر القادم حكم البلاد في أوائل عام 2024، ويقع على عاتقه عدة أولويات وبعض التحديات في ملف السياسة الخارجية المصرية انطلاقًا من موقع مصر الاستراتيجي، وفاعلية دورها الخارجي، ومكانتها وهويتها العربية والأفريقية والمتوسطية والتهديدات المحيطة بالمنطقة، الأمر الذي يقتضي معه تحركات نشطة وسياسة خارجية متوازنة تدعم ثقل مصر الإقليمي، مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات الإقليمية والدولية من حيث تنافس القوى الكبرى لإعادة التموضع على قمة النظام الدولي، وتعدد الفاعلين الإقليمين، والحاجة إلى الربط بين قضايا التنمية وأهداف السياسة الخارجية، ومراعاة تنوع وتعقد المصالح المصرية في العالم الخارجي، والتي تشمل الاندماج في أسواق الطاقة العالمية، والتأقلم مع التحولات المتسارعة في الأسواق، والحرص على تقديم الخبرة المصرية في مجالات البنية التحتية والحرب على الإرهاب. ضمن هذا السياق، يُناقش التحليل أولويات وتحديات خارجية على أجندة الرئيس المصري القادم.

الحرب في غزة وتهديد التهجير: تحتل القضية الفلسطينية أولوية على أجندة الرئيس المصري القادم بما يُعيد الاستقرار للمنطقة، ولمصر ثوابت تجاه القضية منها: حل الدولتين، وضرورة التوصل إلى تسوية عادلة تقوم على الشرعية الدولية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. من ناحية ثانية، تتحمل مصر مسئولية كبيرة إزاء القضية كونها جزءًا أصيلًا من الأمن القومي المصري، وأي تطورات أمنية في قطاع غزة تنعكس بدورها على الأمن القومي المصري. ويظل الموقف المصري تجاه أي تطورات أمنية مرهونًا بمعاهدة السلام مع الطرف الإسرائيلي، كما تقوم مصر بجهود حثيثة في استعادة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ومحاولة رأب الصدع وإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى الدور المصري لإعادة إعمار غزة، وكانت الحرب الإسرائيلية في غزة دليلًا واضحًا على الدور التاريخي لمصر تجاه القضية الفلسطينية، والداعم لاستقرار وتهدئة الصراعات في المنطقة، إذ تمكنت القاهرة عبر تحركاتها الإيجابية من الوصول إلى هدنة إنسانية، وإدخال المساعدات للقطاع.

من ناحية ثالثة، يقع على عاتق الدولة المصرية الحفاظ على ضبط الحدود مع القطاع، وفي هذا السياق الانتباه إلى التحولات التي تمت في قضية الصراع العربي الإسرائيلي على مدار السنوات الخمس الماضية، في ظل تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل، والتحولات المتعلقة بتطورات المشهد الفلسطيني والإسرائيلي في ظل وجود حكومة متطرفة ومتشددة، بالإضافة إلى موقف الإدارة الأمريكية تجاه القضية. وتتسم العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة بكونها استراتيجية، سواء على مستوى التعاون الثنائي أو في ظل الدور المحوري الذي تقوم به مصر في ضمان السلام والاستقرار الإقليمي ومواجهة الإرهاب، إلا أنه في بعض الأحيان قد تشهد توترات على خلفية قضايا حقوق الإنسان، لذلك قد تواجه العلاقات بعض التغييرات في ظل قدوم إدارة جديدة بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024.

سد النهضة والأمن المائي المصري: يُمثل ملف سد النهضة أولوية على أجندة الرئيس الخارجية في ظل التعنت الإثيوبي وبدء الملء الرابع للسد، والإضرار بحصة مصر المائية، وعدم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل، فمن المرجح استكمال مسار التفاوض بعد الجولات التفاوضية السابقة الثنائية مع إثيوبيا أو الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان، للتوصل إلى اتفاق ملزم حول قواعد منظمة لملء وتشغيل السد بما يراعي حقوق ومصالح مصر والسودان وإثيوبيا، بالإضافة إلى مواجهة الطموح الإثيوبي للهيمنة على المياه، وزيادة تخزين السد من 14 مليارم3 إلى 74 مليارم3 واستكمال مسار تنويع المصادر البديلة للمياه.

مشروع المشرق الجديد: من ضمن الأولويات على أجندة الرئيس القادم استكمال مسيرة التعاون الإقليمي في إطار مشروع المشرق الجديد والمتعلق بمد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، وصولًا إلى ميناء العقبة في الأردن، بما يفتح أسواقًا جديدة للطاقة في المنطقة، حيث سيخلق ممرًا بديلًا لنقل النفط والغاز من الشام والخليج إلى أوروبا بدلًا من مضيق هرمز، إذ تقوم مصر والأردن باستيراد النفط مقابل 16 مليار دولار للبرميل، حيث تستفيد مصر من عملية تكرير جزء من النفط العراقي على أراضيها من خلال مشروع بناء مصافي للنفط، بالإضافة إلى تجديد المصافي القائمة والاستفادة من إمكانيات الأردن في مجال النقل لامتلاكه قدرات في هذا المجال، كما أن الربط الكهربائي بين الأردن ومصر وصولًا للعراق يمدها بنحو 360 جيجاوات من التيار الكهربائي، لكن قد يواجه مسار التعاون الإقليمي بعض التحديات المتعلقة بتهديدات وكلاء إيران المنخرطة في العراق وسوريا ولبنان.

تعزيز التعاون الأفريقي: يعد من ضمن الأولويات الخارجية استمرار زخم التفاعل في الدائرة الأفريقية واستكمال مسار الدبلوماسية النشطة والتحركات الفاعلة، فقد نجحت مصر في استعادة دورها في القارة، وكانت رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي عام 2019 دليلًا واضحًا على حدود ومستوى التحول الذي طرأ على العلاقة بين مصر ودول القارة، بعد فترات من الغياب وتراجع الدور ما منح الفرصة لعدد من القوى الإقليمية والدولية لملء الفراغ نتيجة التراجع في السنوات السابقة لفترة تولى الرئيس “السيسي”، والعمل على تعزيز آفاق التعاون بين دول حوض النيل لتحقيق الاستقرار الإقليمي ليس فقط التعاون المائي ولكن التعاون في مجالات عديدة كالغذاء والطاقة، ومن ثم تحقيق الأمن الإنساني من خلال إقامة مشروعات تنموية، وتعزيز البنية التحتية بما يخدم التعاون بين كافة دول حوض النيل.

شرق المتوسط وأمن الطاقة: تعد الدائرة المتوسطية من الدوائر الجديدة في السياسة الخارجية المصرية، ويحتل أمن الطاقة أولوية على أجندة الرئيس القادم ومن ثم استكمال النجاحات في هذا المجال في ضوء الطموح المصري لتحول مصر لمركز إقليمي للطاقة، بعد استضافة مصر أول تنظيم إقليمي جديد للغاز في شرق المتوسط، ثم تحولّه لمنتدى إقليمي للطاقة يضم (قبرص، واليونان، وإسرائيل، وإيطاليا، والأردن، وفلسطين)، والاستفادة من موقع مصر الجغرافي وقناة السويس، واستمرار التنسيق والتعاون مع قبرص واليونان في شرق المتوسط، خاصةً في ظل اتفاق وُقِّع مع قبرص لتصدير الغاز من حقل أفروديت إلى مصانع الغاز الطبيعي المسال في إدكو ودمياط للتسييل، ثم إعادة تصدير الغاز إلى أسواق أخرى.

• تهديدات الأمن القومي العربي: هناك ترابط وثيق الصلة بين الأمن القومي المصري والعربي، وتمثل التهديدات التي تحيط بهذا الأمن من حيث التدخلات الخارجية في شئون الدول وكثرة الفاعلين في الإقليم، وتضاد المصالح وتغذية النزعات الطائفية والمذهبية، والمساهمة في نشأة التنظيمات والجماعات الإرهابية، ومخاطر تقسيم بعض الدول، ومحاولات إدماج إسرائيل في المنطقة، وتنامي دور المليشيات؛ تحديات تواجه مصر في سياستها الخارجية.

في ظل تداعيات الصراعات في سوريا وليبيا، وتدفق اللاجئين، ومخاطر انتقال الأسلحة عبر الحدود المصرية الليبية، والصراع بين الأطراف الداخلية في ليبيا، والضرورة التي تقتضي التوافق حول الترتيبات السياسية من حيث إجراء الانتخابات الرئاسية في ليبيا؛ جميعها تحديات تخلق حالة من عدم الاستقرار بشكل مستمر بما يُشكل عبئًا أمنيًا على أجندة الرئيس المصري القادم، إذ تتبنى مصر رؤية استراتيجية مفادها الحفاظ على كيان الدولة الوطنية، وتماسك المجتمعات انطلاقًا من إدراك ارتفاع تكلفة تفتيت الدول، وانعكاسات ذلك على الاستقرار في المنطقة، إذ إن التدهور في الأوضاع الداخلية للدول يرتب تأثيرات سلبية على الأمن الإنساني، وتنامي أعداد اللاجئين، وتحملت مصر عبء هذه الأزمات من حيث استضافة اللاجئين، ويقدر عددهم بنحو 9 ملايين لاجئ من جنسيات متعددة (سودانية، وسورية، ويمنية، وصومالية، وإريترية، ومن جنوب السودان وغيرها)، وعليه يقع على عاتق الرئيس القادم مسئولية تكريس مفهوم الأمن القومي العربي، والدولة الوطنية، ودعم مؤسساتها، وتعزيز الاستقرار وحفظ السلم.

تهديدات أمن البحر الأحمر: يمثل أمن منطقة البحر الأحمر أولوية في سياسة مصر ولا سيما في ظل استغلال الأراضي اليمنية لاستهداف دول الجوار، وعرقلة حرية الملاحة في مضيق باب المندب على خلفية الترابط وثيق الصلة بين الأمن القومي المصري وأمن منطقة البحر الأحمر، في ظل تنامي أطماع العديد من الدول غير المطلة مثل إثيوبيا التي تسعى لبناء قوة بحرية على البحر الأحمر بالرغم من عدم امتلاكها منفذًا عليه، بالإضافة إلى تنافس العديد من القوى الدولية على الاستفادة من ثروات البحر الأحمر، حيث يشهد البحر الأحمر تنافسًا على المنافذ البحرية، فالتنافس على الموانئ لا يقل في أهميته عن تزايد رغبة الشركات العالمية في بناء شبكة كابلات للاتصالات والإنترنت تمر بالبحر الأحمر، وبشكل مباشر من شرق وغرب أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، مثال مشروع “أفريقيا 2” الذي يخدم حوالي 16 دولة أفريقية عن طريق كابل بحري كمزود سريع للإنترنت، وكابل “بلو رامان” الذي يربط بين الهند، وعمان، والسعودية، والأردن، وإسرائيل، وإيطاليا، وهي مشروعات تتطلب التنسيق والتعاون بين الدول المتشاطئة وتحديدًا جيبوتي لكونها مركزًا رئيسيًا لكابلات الاتصالات.

قضايا الأمن غير التقليدي: يواجه الرئيس القادم على أجندته الخارجية تحديات الأمن غير التقليدي، كقضايا تغير المناخ والأوبئة والأمن الإنساني، وتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية على أزمة الغذاء والطاقة في ظل ارتفاع معدلات الفقر وخطر المجاعة. ويقع على أولويات أجندة الرئيس القادم تنويع الشراكات بهدف مواجهة نقص إمداد القمح الناتج عن الحرب في أوكرانيا، وتعد الهند شريكًا هامًا كونها أحد المصدرين الرئيسيين للقمح إلى مصر.

في الختام، تتنوع قضايا السياسة الخارجية على أجندة الرئيس المصري القادم في ضوء السياق السابق ذكره، ومن ثم تتطلب أجندة السياسة الخارجية المصرية تنويع مسارات التحرك مع كافة الفاعلين، وتعزيز الشراكات المختلفة بما يخدم مصالح الدولة المصرية، الأمر الذي يقتضي معه ضرورة ترتيب الأولويات بما يتوافق مع الإمكانيات والتحديات التي تشهدها الدولة في ظل تحولات متسارعة.

المصدر : https://ecss.com.eg/38973/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M