عبر عدد من المحللين والمتخصصين عن تطلعهم أن يمثل اختيار رئيس الوزراء الماليزي الجديد أنور إبراهيم -الذي أدى اليمين الدستورية أمام ملك البلاد في الرابع وعشرين من نوفمبر 2022- بارقة أمل لإنهاء حالة الجمود السياسي التي استمرت طيلة الأربع سنوات الماضية. وعليه يسعى التقرير إلى إلقاء الضوء على ملابسات اختيار رئيس الوزراء الماليزي الجديد، ونبذة حوله وملامح برنامجه الانتخابي، وأبرز التحديات التي يواجهها المسؤول الجديد، وفرص نجاحه المستقبلية.
ظروف اختيار رئيس الوزراء الجديد
أدت الأزمة السياسية الماليزية خلال السنوات الأخيرة التي تمثلت أبرز مظاهرها في انتقال بعض الرموز السياسية من حزب إلى آخر، وتغيير تحالفات وائتلافات الأحزاب والكتل السياسية الرئيسة، ناهيك عن التأثيرات الاقتصادية والصحية جراء انتشار وباء كورونا، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية بين الحين والآخر؛ إلى وجود حالة من عدم الاستقرار السياسي بالبلاد، قادت إلى تغيير أربعة رؤساء للحكومة منذ عام 2018 وحتى الآن، كان آخرهم إسماعيل صبري يعقوب الذي دعا إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة (كان من المقرر إجراؤها في يوليو 2023).
أسفرت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في 19 نوفمبر 2022 لاختيار رئيس الحكومة الماليزية عن إخفاق الأحزاب والكتل السياسية الرئيسة بالبلاد في الحصول على الأغلبية البرلمانية “البسيطة” اللازمة لتشكيل الحكومة (يستلزم الفوز بـ 112 مقعدًا برلمانيًا على الأقل من إجمالي 222) حيث استحوذ أنور إبراهيم رئيس تحالف الأمل المعارض -والبالغ من العمر 75 عامًا- على 82 مقعدًا فقط بالبرلمان.
وحصل رئيس الوزراء الأسبق محيي الدين ياسين رئيس التحالف الوطني على 73 مقعدًا، وحصل تحالف الجبهة الوطنية بزعامة رئيس الوزراء السابق يعقوب على 30 مقعدًا، وخسر رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد مقعده البرلماني، إضافة إلى تفتت بقية المقاعد بين عدد آخر من الأحزاب. ونتج بالتالي ما عُرف “بالبرلمان المعلق”، وهو ما دفع ملك ماليزيا عبد الله أحمد شاه -بعد التشاور مع رؤساء الأحزاب وحكام الولايات – إلى تكليف إبراهيم بتشكيل الحكومة.
من هو أنور إبراهيم؟
بدأ أنور إبراهيم حياته السياسية في المرحلة الجامعية كزعيم طلابي معارض ذي توجهات إسلامية، وانضم إلى حزب “الأومنو الملاوي”، إلى أن شغل منصب وزير المالية ونائب رئيس الوزراء عام 1993 في عهد حكومة مهاتير محمد –وأصبح الرجل الثاني في البلاد الذي يتوقع أن يخلف مهاتير- حتى حدث خلاف بينهما حول كيفية إدارة البلاد للأزمة المالية الآسيوية عام 1997 وتحديدًا حول إجراءات التعافي الاقتصادي المفترض اتخاذها.
أقيل إبراهيم إثر ذلك الخلاف، ووجهت إليه تهم أخلاقية وأخرى تتعلق بالفساد المالي والإداري، وسُجن لمدة عشر سنوات، ثم تم الإفراج عنه عام 2004، ثم سجنه مرة أخرى بنفس التهم من قبل رئيس الوزراء الأسبق نجيب رزاق عام 2015. ومع دعم أنور إبراهيم -من خلال حزب عدالة الشعب وتحالف الأمل- لمهاتير محمد وتمكن الأخير من الفوز في انتخابات 2018، صدر أمر ملكي بالعفو عن أنور إبراهيم مجددًا، ووعد مهاتير بتسليم السلطة لإبراهيم في غضون عامين وهو ما لم يحدث.
ترتكز خطط وأفكار رئيس الوزراء الماليزي الجديد التي عبر عنها لعدد من وسائل الإعلام المحلية منها والعالمية على سعيه إلى تحقيق ما يلي:
● الإصلاح السياسي لنظام الحكم، وتطبيق الحوكمة، ومحاربة الفساد.
● رفض العنصرية والتعصب الديني مقابل التركيز على تحقيق الانسجام والتوافق بين جميع الأعراق.
● إلغاء التمييز والمحاباة اللذين تمتع بهما عرق “الملايو” على مدار العقود الماضية.
أبرز التحديات التي تواجه ماليزيا للخروج من الأزمة:
من أهم الاشكاليات التي تقف أمام ماليزيا بصفة عامة ورئيس الوزراء الجديد أنور إبراهيم تحديدًا لتطبيق رؤيته والخروج من حالة ضبابية المشهد السياسي في البلاد، الآتي:
1 – عدم امتلاك إبراهيم لكتلة حزبية تمكنه من تشكيل الحكومة بشكل منفرد دون الحصول على دعم وتأييد من بقية الكتل والأحزاب السياسية الرئيسية الأخرى بالبلاد –وخاصة التحالف الوطني والجبهة الوطنية-، وهو ما يعني احتمالية تعثر استكمال البناء المؤسسي، وتعليق عمل البرلمان فترة زمنية أخرى، وبالتالي عدم تمكن إبراهيم من تشكيل حكومته، بل وربما الدعوة إلى انتخابات برلمانية أخرى والعودة معها إلى المربع صفر.
2 – الانقسام السياسي الشديد الذي أظهرته نتائج الانتخابات البرلمانية، والذي ترتب عليه بشكل واضح تدخل الملك الماليزي في الشأن السياسي –حتى ولو حدث وفقًا للدستور وبشكل استثنائي- (وهو ما تم أكثر من مرة في غضون الأعوام القليلة الماضية أبرزها حينما تم استمرار العمل بقانون الطوارئ في البلاد في 2020 إبان حكومة محيي الدين ياسين المستقيلة ثم التراجع عنه، ومرة أخرى لتعيين أنور إبراهيم بعد أن أخفقت القوى السياسية الرئيسة في الحصول على الأغلبية أو للتوافق لتشكيل حكومة ائتلافية فيما بينها) الأمر الذي يشير إلى عدم فاعلية شكل الحكم الملكي البرلماني المعمول به، بل وربما الدفع إلى تعديله في المستقبل القريب.
3 – تراكم ملفات الفساد على مائدة رئيس الوزراء الماليزي الجديد ولا سيما تلك التي أشارت إليها التقارير الدولية والمصادر الإعلامية العالمية الصادرة حول ماليزيا خلال الفترة من 2013 وحتى 2017، الأمر الذي يضع مسؤولية وضغوطًا متزايدة على أنور إبراهيم للتعامل معها وفقًا للقانون والدستور، بل واتخاذ إجراءات إصلاحية جذرية تتعلق بتطهير مؤسسات الدولة المختلفة وعلى رأسها: الشرطة الملكية الماليزية، وصندوق الثروة السيادي، وغيرهما.
4 – تحدي النخبة السياسية الماليزية نفسها وغياب وجود بديل سياسي شبابي يمكن أن يمثل هيئة معاونة لأنور إبراهيم تمكنه من تقديم أطروحات ومقترحات مختلفة تحظى باهتمام وتأييد المواطن الماليزي الذي بات يئن تحت وطأة الظروف الاقتصادية وبفعل الأزمة السياسية نتيجة احتكار المناصب العليا بين مجموعة ضيقة اتسمت بالشيخوخة، أشبه ما يمكن وصفها بأنها تستبدل المناصب فيما بينها وفقًا “للعبة الكراسي المتحركة”.
5 – التحدي الاقتصادي وخاصة في ظل تراجع معدلات النمو خلال الأعوام الخمس الأخيرة مقارنة بما كانت عليه ماليزيا في التسعينيات وأوائل الألفينات –برغم حالة التعافي النسبي خلال العام الحالي- حيث توضح المؤشرات وجود تراجع في متوسط معدلات النمو منذ 4 سنوات مع ارتفاع نسب التضخم (قُدرت الأخيرة بنحو 2,2 إلى 3,2% خلال العام الجاري)، وارتفاع تكاليف المعيشة على المواطنين الذين يعتمدون على السلع الغذائية المستوردة، وكذا انخفاض قيمة العملة “الرينجيت” ووصولها إلى أدنى مستوياتها منذ عشرين عامًا.
6 – معضلة التوفيق بين المطالب -دمج الملايو والحصول على دعمهم وتأييدهم لبرنامج أنور إبراهيم وبالتالي ترضيتهم بشكل ما واستيعابهم ضمن منظومة الحكومة- وفي نفس الوقت عدم استعداء العناصر المؤيدة له من الهنود والصينيين (خاصة في ظل التخوف من أن وجود الحزب الاسلامي داخل التحالف الوطني قد يؤدي إلى وصول متشددين للحكم).
7 – تحدي تحسين العلاقات الماليزية مع القوى الخليجية والصينية (والتي كانت قد تراجعت بعض الشىء في عهد مهاتير محمد ثم بدأت في التحسن مجددًا بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء السابق إسماعيل صبري يعقوب إلى الإمارات في سبتمبر من العام الجاري).
وختامًا، لا يمكن التيقن بشأن نتائج انتخاب أنور إبراهيم وعما إذا كانت ستؤدي على المستوى الداخلي إلى الاستقرار وإنهاء ضبابية المشهد السياسي الماليزي أو أنها ستؤدي إلى نتائج عكسية؛ يتوقف ذلك على عدة عوامل في مقدمتها مدى نجاح إبراهيم في التغلب على جملة التحديات السياسية والاقتصادية والنخبوية سالفة الذكر، بالتزامن مع السعي الجدي إلى تنفيذ برنامجه الإصلاحي بشكل حقيقي مع “عدم اللجوء إلى تصفية الحسابات مجددًا”، وكذا مدى استيعاب حكومته الجديدة لمختلف الأعراق وتمثيلهم بداخلها، إضافة إلى إنهاء وتجفيف منابع الفساد، ناهيك عن السعي الفوري إلى وقف معاناة المواطن الماليزي الاقتصادية والتي تزايدت مع تزامن وجود أزمة اقتصادية وصحية عالمية وكذلك التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يفترض بالتالي إقرار حزمة سياسات وقرارات اجتماعية واقتصادية حكومية تحفيزية، والدفع بمعدلات النمو والتجارة الخارجية لتستعيد ماليزيا مكانتها بين الاقتصادات الآسيوية مجددًا.
أما فيما يتعلق بالعلاقات الماليزية الخارجية، فمن المتوقع أن تستمر السياسة الخارجية الماليزية المحايدة نحو الخارج بصفة عامة ودول الجوار بشكل خاص بعد وصول أنور إبراهيم إلى منصب رئيس الوزراء، مع السعي إلى تحسين العلاقات الماليزية الخليجية والصينية على وجه الخصوص، وكذلك إيلاء القضية الفلسطينية أهمية خاصة في الملف الخارجي. ويُنتظر كذلك أن تشهد العلاقات الماليزية الغربية وتحديدًا “الأمريكية” تقدمًا، وهو ما ظهر خلال زيارات إبراهيم المتكررة إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات القليلة الماضية.
.
رابط المصدر: