سر الـ220 مليار دولار.. مونديال قطر 2022 بين التكلفة والعائد

محمد صبرى

 

اكتسبت بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة هذا العام زخمًا كبيرًا لكونها المرة الأولى التي تقام فيها البطولة في دولة عربية، وتُثار دائمًا تساؤلات حول المنفعة الاقتصادية التي تعود على الدولة المضيفة لكل نسخة من نسخ البطولة، وهل تنظيم بطولة كأس العالم يحقق العوائد الاقتصادية التي تنعش اقتصاديات الدولة المستضيفة أم هي مجرد وسيلة لتسويق ملف الاستضافة والفائدة الاقتصادية كلها تعود للفيفا نفسه؟ فلماذا تسعى الدول إلى الحصول على شرف تنظيم كأس العالم؟

مونديال قطر 2022

يعد مونديال قطر هو الأعلى تكلفة في تاريخ بطولات كأس العالم؛ إذ تقدر التكاليف بنحو 220 مليار دولار، وكانت نسخة 2014 بالبرازيل هي الأغلى بتكلفة 15 مليار دولار. ثم روسيا 11.6 مليار دولار. ثم كوريا واليابان 2002 بتكلفة 7 مليارات دولار، ثم ألمانيا 2006 بتكلفة 4.3 مليارات دولار، ثم جنوب إفريقيا 2010 بتكلفة 3.6 مليارات دولار، ثم فرنسا 1998 بتكلفة 2.3 مليار دولار، وأخيرًا كأس العالم في الولايات المتحدة عام 94 بتكلفة نصف مليار دولار

Chart, line chart

Description automatically generated

فمن أين جاءت الأرقام بـ 220 مليار دولار؟ هذا المبلغ الضخم يُعد رؤية قطرية من جانب المسؤولين بالدولة لـ 2030 واستراتيجية حكومية طويلة الأمد لتعزيز تنمية المناطق والمرافق والصناعة وأنظمة التعليم ومشاريع البنية التحية ومترو الدوحة والمرافق والفنادق السياحية وكذلك تجهيزات المونديال. بدأ التخطيط لهذه المشاريع قبل حصول قطر على حق استضافة كأس العالم 2022، لكن البطولة سرعت بإنجاز هذه الخطط؛ إذ أن مصروفات مونديال قطر وحدها كلفت الدولة نحو 8 مليارات دولار فقط، بينما كلف بناء ملاعب البطولة نحو 6.5 مليارات دولار، أما بشأن اللجنة المنظمة للمونديال وسفر وإقامة اللاعبين فهي تكاليف تتحملها الفيفا.

شملت منظومة البنية التحتية العملاقة، التي أنفقت عليها قطر أغلب كلفة التجهيز للمونديال شبكة متكاملة من الطرق والجسور والصرف الصحي والاتصالات والمواصلات، بما في ذلك 3 خطوط لمترو الأنفاق بطول 76 كيلومترا، إضافة إلى توسيع مطار حمد الدولي بالدوحة.

هذا بالإضافة إلى بناء مدينة لوسيل التي تستوعب أكثر من 200 ألف نسمة، وتضم عددًا من الفنادق والشواطئ والمطاعم والمناطق الترفيهية، وبلغت كلفة إنشائها وحدها 45 مليار دولار، ما يمثل نسبة كبيرة من كلفة إنشاءات المونديال، لكن عوائدها مستدامة لما بعد البطولة، والأمر ذاته ينطبق على كلفة خطوط المترو التي بلغت نحو 36 مليار دولار، وهو مشروع ذو عائد مستدام، ويمكّن جماهير كأس العالم 2022 من مشاهدة أكثر من مباراة في اليوم الواحد، وهي ميزة لم يحصل عليها أي جمهور قبل مونديال قطر.

تهدف رؤية قطر 2030 إلى: أولًا: تنويع أنشطة قطر الاقتصادية غير المعتمدة على الطاقة، ثانيا: أن تصبح قطر مركزًا إقليميًا للأعمال، ثالثًا: زيادة عدد السياح إلى ٦ ملايين سنويًا بحلول ٢٠٣٠. ومع ذلك، فإن مسألة الـ 220 مليار دولار في بناء قطر واستعدادها للمونديال من عدمه هي مسألة نسبية في النظر، ففي تلك المناسبات تحدث مقارنات بين تكاليف الدول المستضيفة لكأس العالم السابقة مع التكاليف الحالية لتنظيم الحالي.

على سبيل المثال، روسيا، الدولة التي استضافت كأس العالم 2018، كانت تملك بنية تحتية مميزة قادرة على استضافة كافة شعوب العالم وإقامة حدث هو الأضخم في عالم كرة القدم وهو المونديال، ملاعب روسيا أيضًا كانت شبه جاهزة على وضعها الطبيعي لاستضافة جميع مباريات كأس العالم، وبالتالي فهو أمر طبيعي أن يكون حجم إنفاقها واستثماراتها أقل مقارنة بدولة ترغب في النهوض بالبنية التحتية الخاصة بها وبملاعبها ولها رؤى مستقبلية مثل دولة قطر.

توقعات عائدات مونديال قطر

بعد هذه التكلفة الضخمة ماذا سيعود على قطر والاتحاد الدولي لكرة القدم من فوائد؟ تطمح قطر لتحقيق أعلى عوائد في تاريخ المونديال، حيث تستهدف تحقيق 17 مليار دولار من البطولة، وهو مبلغٌ لم تحصده أي دولة استضافت البطولة من قبل، بالإضافة إلى استقبال نحو أكثر من مليون مشجع وسائح؛ إذ أن عدد من قدموا لشراء التذاكر يصل إلى أكثر من 80 مليونًا، في الوقت الذي وصل فيه عدد التذاكر لنحو 1.30 مليون تذكرة.

وتترقب قطر ارتفاعًا في الناتج المحلي في الفترة من 2021 إلى 2025 بنحو 201 مليار دولار، وتشير التوقعات إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لقطر في عام 2022 لنحو 172 مليار دولار، وفي 2023 تصل لـ 181 مليار دولار، وفي 2024 تصل إلى 191 مليار دولار، وفي 2025 تصل لـ 201 مليار دولار.

بالمقارنة بالنسخ السابقة، بلغ تأثير كأس العالم على الناتج المحلي الإجمالي الروسي بين عامي 2013 و2018 ما يعادل 14.5 مليار دولار، أي حوالي 1.1 % من الناتج المحلي الإجمالي، وعاد مونديال 2014 على الاقتصاد البرازيلي بنحو 13.4 مليار دولار، فيما كانت عوائد جنوب أفريقيا من تنظيم كأس العالم 2010 نحو 5.6 مليار دولار، وهو رقم أقل مما حققته ألمانيا التي كانت عوائدها من تنظيم كأس العالم 2006 نحو 14 مليار دولار، وكذلك مونديال 2002 بكوريا الجنوبية واليابان الذي بلغت عوائده على اقتصاد البلدين 11.8 مليار دولار.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ النمو الاقتصادي في قطر للعام المقبل 4.4% مدعومًا بالعديد من العوامل الاقتصادية الأساسية، على رأسها استضافة الدولة بطولة كأس العالم. وتستند هذه التوقعات بالأساس إلى مردود تنظيم المونديال على الاقتصاد القطري في المدى القصير، خاصة بقطاعي السياحة والخدمات؛ إذ تهدف الدولة إلى تحويل مرافق كأس العالم إلى مجتمعات ومدارس ومستشفيات جديدة، وكذلك إلى نقاط انطلاق لتدفقات السياحة. فمن شأن كأس العالم أن يعزز مركز قطر على خريطة السياحة العالمية، ويظهر الزخم الإيجابي للقطاع في النصف الأول من عام 2022، خاصة في ظل توقعات الاتحاد الدولي لكرة القدم بأن يسعى نحو 40 مليون شخص إلى زيارة قطر بعد انتهاء البطولة.

أما بخصوص الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، فيُعدُّ كأس العالم مصدر الدخل الأكبر له، وتشير التوقعات إلى أن عوائد مونديال قطر 2022 قد تصل إلى 6.4 مليار دولار، فيما لا تتجاوز ميزانيته للبطولة 1.7 مليار دولار، موزّعة ما بين 440 مليون دولار للجوائز المالية، و322 مليونًا للمصروفات التشغيلية، و247 مليونًا للنقل التلفزيوني، و209 ملايين لبرنامج عوائد الأندية، و478 مليون دولار لمصروفات أخرى كتذاكر السفر والضيافة وغيرها.

وبلغت عائدات “فيفا” المحققة من بيع الحقوق التلفزيونية والحقوق التجارية والتراخيص ورسوم الاستضافة والتذاكر في مونديال روسيا 2018 نحو 5.2 مليار دولار، بزيادة حوالي 400 مليون دولار عن البطولة التي جرت في البرازيل عام 2014. بينما كانت نفقاته على البطولة الماضية 1.8 مليار دولار.

وتعد هذه المخصصات المالية أقل من النسختين السابقتين؛ فمونديال 2018 بروسيا خُصص له 1.92 مليار دولار، لكنه أنفق أقل منها بنحو 100 مليون دولار، وكانت الميزانية الأكبر لـ”الفيفا” في إنفاقه على كأس العالم 2014 بالبرازيل بنحو 2.22 مليار دولار، وهو أقل بقليل من ضعف ميزانية مونديال جنوب أفريقيا 2010 التي بلغت 1.29 مليار دولار، فيما كانت مخصصات الفيفا لكأس العالم في ألمانيا 2006 حوالي 881 مليون دولار.

وبلغت عائدات “الفيفا” التي يحققها من بيع الحقوق التلفزيونية والحقوق التجارية والتراخيص ورسوم الاستضافة والتذاكر في مونديال روسيا 2018 نحو 5.2 مليار دولار، بزيادة حوالي 400 مليون دولار عن مونديال البرازيل عام 2014. الطفرة الكبيرة لـ”الفيفا” من عائدات كأس العالم، كانت في مونديال جنوب أفريقيا 2010، بعدما بلغت العوائد 4.2 مليار دولار، وهو الرقم الذي يزيد بنحو 61% عما تحقق من عوائد في مونديال ألمانيا 2006، حيث بلغ دخل “الفيفا” نحو 2.6 مليار دولار بزيادة تصل إلى مليار دولار عن عوائد مونديال كوريا الجنوبية واليابان 2002 التي وصلت إلى 1.6 مليار دولار.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74294/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M