قراءة في خطاب بايدن الأول

وليد عبد الحي
في الدراسة التي نشرتها مع مركز الزيتونة في بيروت في مطلع هذا الشهر حول فريق السياسة الخارجية الأمريكية ، اشرت الى ان بايدن سيعود الى سياسة الديمقراطيين الخارجية ” المموهة” بحقوق الانسان والقيم الديمقراطية والاحترام ونبذ العنصرية..الخ.
وعند العودة للخطاب الأول لبايدن سنجد أن التعبير الاكثر تكرارا هو تعبير ” القيم” وما يتفرع عن هذا المفهوم من مفردات الخطاب السياسي الأمريكي الديمقراطي تحديدا، وعليه فان هذا التمويه هو اقرب لأصباغ التجميل التي تختفي مع أول نقطة عرق او دم او مطر او دمع.
الجانب الآخر في خطاب بايدن هو نزعته التصالحية مع القوى الحليفة التي تشاركه اصباغ التجميل، لكنه بدا كمن يطلب ” النِّزال” مع روسيا ” الاكثر تهديدا لتطلعات الولايات المتحدة الاستراتيجية مع انه مارس التمويه من خلال إثارة موضوع المعارض الروسي ” نافالني” لكنه رحب بتمديد اتفاقية ستارت الخاصة بالتسلح النووي للسنوات الخمس القادمة ، ومع الصين التي يمكن تحسس قلقه العميق منها بخاصة على الموقع الأمريكي في سلم القوى العالمية الاقتصادية بفعل ” الصعود السلمي الصيني ” ،وعليه فنزعته التصالحية مع هاتين القوتين ” روسيا والصين” ستاخذ طابع العراك السلمي ولكنه سيوظف فيها كافة أدوات القوة الناعمة الامريكية ودون هوادة، حيث يقول في الخطاب” ولكننا على استعداد للعمل مع الصين حين يكون ذلك في مصلحة أمريكا “.
ويتحدث بايدن عن اعادة موضعة القوات الامريكية في العالم ، وهو في ظني استجابة لنظرية بول كينيدي عن ” التمدد الزائد” (Overstretch)، وما يترتب عليه من أعباء تفوق قيمتها ما يترتب عليه من مكاسب، وربما تكون منطقة حوض الهادئ هي وجهة ذلك التموضع الجديد.
اما ما يخص الشرق الأوسط فيلاحظ ما يلي:
أ‌- غياب أية اشارة لاسرائيل او لجوهر مشكلة الشرق الاوسط، ومن الارجح الى حد كبير ان هذا ” الغياب” هو متعمد ومدروس، فبايدن – ومن خلال دراستنا لشخصيات الفريق الحاكم معه- سيعتمد الى حد كبير على الدبلوماسية السرية، أي التفاوض البعيد عن الاضواء وعن البهلوانيات المسرحية لترامب، وسيتم العمل التدريجي والهادئ لخنق حركة المقاومة بأيدي اللاعبين الاقليميين صغارا وكبارا، وسيتم ذلك بالمنح( المساعدات والغوايات المختلفة) وبالمنع ( دون ضجيج يفسد اصباغ الديمقراطية ).ويكفي تذكر أن قرار 242 تم في زمن الديمقراطيين(جونسون)، وكامب ديفيد تمت في زمن الديمقراطيين(كارتر)، وأوسلو ووادي عربة ايضا زمن الديمقراطيين( بيل كلينتون)، وكل موجة الربيع العربي وأوزارها تمت في فترة الديمقراطيين(أوباما).
ب‌- لو انتقلنا للحروب في الشرق الاوسط ذات الصلة بالموضوع الفلسطيني مباشرة، سنجد ان عدد الحروب والمعارك الكبرى زمن الديمقراطيين كانت تسع حروب مقابل ثمانية زمن الجمهوريين، وهو ما يعزز فكرة ان التمويه الديمقراطي أكثر ارتباطا بالحروب من الفجاجة الجمهورية التي بلغت ذروتها زمن النرجسية الترامبية.
ت‌- الاشارة العابرة لايران والتي وردت في اطار ” حماية المملكة العربية السعودية”، بينما الاتفاق النووي مع ايران لم يرد ذكره ، مما يعني انه كالقضية الفلسطينية هو من ضمن ” جدول اعمال الدبلوماسية السرية”، بل قد يجري الربط بين العودة للاتفاق النووي وبين تعهد ايران ” بالتراخي ” على اقل تقدير في تدخلاتها الاقليمية التي ترى الولايات المتحدة انها تضر بالمصالح الامريكية.
ث‌- سيشجع بايدن استمرار التطبيع العربي مع اسرائيل لكنه سينتهج ترتيب هذه المسائل بقدر أكبر من ” الاستعراض المسرحي” لترامب، وقد تلعب قطر دورا رئيسيا في أن تكون ” دورق” التطبيع مع حماس ، بينما تكون تركيا ” دورق ” التطبيع مع أيران، لكن ذلك سيدور في الظلال لا تحت الشمس.
ج‌- حرب اليمن: اشار بايدن الى ضرورة وقف الحرب في اليمن والى تهديد السعودية بتجفيف نهر السلاح لها مما يستخدم في هذه الحرب، رغم تعهده بالحفاظ على امن السعودية، وقد سبق لي أن ناشدت سمو الامير محمد بن سلمان في رسالة مفتوحة له عام 2018( قبل حوالي 3 سنوات) ان يوقف الحرب لأن من يظن أنهم حلفاؤه سينسحبون من هذه الحرب وأن حلفاءه الكبار العاملين من وراء ستار سيلجمون طموحاته في نهاية المطاف، وعليه نعتقد ان ضبابا كثيفا سيلف التحركات الامريكية والسعودية والاوروبية والعربية لاخراج السعودية من مسرح الهزيمة ولو بأقل قدر ممكن من ” ماء الوجه”، لكن ذلك لا يلغي احتمال ” استبدال الطاقم السعودي الحاكم ” بعد وفاة الملك سلمان ، فقد هشم الأمير قواعد الحكم الثلاث” الاسرة والوهابية والريع البترولي”.
ح‌- أخيرا أليس من الغريب ان تغيب اسرائيل عن خطاب رئيس امريكي يتناول السياسة الخارجية،ان الامر في رأيي ليس الا انعكاسا لتوجسات لدى فريق بايدن من ” بعض التشنج في العلاقات بين الطرفين”، بخاصة في موضوع اعادة طرح حل الدولتين ، وفي سياسة الاستيطان ، وأخيرا في كيفية التعاطي مع تنظيمات المقاومة المسلحة الفلسطينية لا سيما أن بعضها (حماس تحديدا) تبين أنها تواصلت مع اطراف صهيونية رسمية من خلال خالد مشعل الذي يمثل أحد الذين كانوا مزهوين بالربيع العربي( طبقا لتصريحات منصور عباس “رئيس قائمة الحركة الاسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948). ان عدم الاشارة لاسرائيل في خطاب بايدن هو مؤشر على ان ذلك مؤجل لجولات الدبلوماسية السرية بين اطراف فلسطينيين وبين اسرائيليين في عاصمة الربيع العربي على غرار لقاءات طالبان وامريكا في نفس المكان….اننا على اعتاب ” كهف الموبقات”..ربما.
رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M