قرار التحكيم الدولي المتعلق باتفاقية أنبوب النفط بين العراق وتركيا

احمد موسى جياد

 

ركزت التقييمات والتعليقات المنشورة بشأن قرارات التحكيم بشكل أساسي على موضوعين هما المبلغ والعدد؛ الأول هو مبلغ التعويض مقارنة بما طلبه الجانب العراقي، والثاني عدد القرارات لصالح الجانب العراقي مقارنة بعدد ما طلبه الجانب العراقي من جهة وعدد القرارات لصالح الجانب التركي من جهة ثانية.

ولا غرابة في ان اغلب ردود الأفعال تلك قد قللت من أهمية وتأثير قرار التحكيم وبعضهم وصفه بانه “انتصار اجوف” للعراق. التقييم الذي يركز على النتائج فقط شيء، والتقييم الذي يستند على استعراض وتحليل وتدقيق وثائق مسيرة التحكيم ومراحلها وكيفية الوصول الى قرار التحكيم وصولا الى قرار التحكيم شيء مختلف تماما. فالتقييم الأول (تقييم النتيجة) يستند على مقولة او منهجية “العبرة بالنتائج “، بينما يكون التقييم الثاني (الأسباب والسياقات والنتائج) ذو طبيعة معرفية أوسع وهادفة يستند على أسلوب او منهجية “ماذا ولماذا وكيف وهل وما هي وما يجب عمله”، التي تتضمن ايضا تقييم نتيجة التحكيم، وهذا ما تعتمده هذه الداخلة.

بعد الاطلاع على ودراسة وثيقة قرار التحكيم يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

– ان وثيقة التحكيم طويلة ومعقدة وصعبة، ولكنها مهمة للغاية وتتضمن تفاصيل كثيرة لابد من فهمها واخذها بنظر الاعتبار جديا.

– استمرت قضية التحكيم حوالي تسع سنوات وكان هناك ثلاث جلسات استماع فقط.

– كان التمثيل الحكومي العراقي قليل عدديا ومحدود تخصصيا واقتصر استمرارية التمثيل على شخص واحد فقط، مقارنة بعشرة اشخاص للتمثيل الحكومي التركي.

– اعتمد الجانب العراقي وبشكل تام على مجموعة كبيرة من المحامين الأجانب مقارنة بالجانب التركي.

– لم يوفق الجانب العراقي في أسلوب تحضيره لقضية التحكيم حيث خلط، مخطأً، بين “المفاوضات الدولية” و”التحكيم الدولي”؛ فهذان الموضوعان مختلفان تماما من حيث المنهجية والأسلوب والتحضير.

– ان مبلغ التعويض الذي حصل عليه العراق يتعلق بمخالفات تتعلق بنفط الإقليم في حين ان التعويضات التي حصلت عليها تركيا تتعلق بقضايا إجرائية يرتبط معظمها بالحدود الدنيا المضمونة لمعدلات الضخ في الانبوب وفق الاتفاقية المعدلة في 2010. وهذا بنظري مهم بالنسبة للعراق في تعزيز عدم مشروعية تصدير نفط الإقليم بدون شركة سومو، حيث تكتمل ثلاثة ولايات قانونية Jurisdiction سيادية: عراقية/المحكمة الاتحادية العليا، وولاية سيادية أمريكية تتعلق بالناقلات اليونانية التي حملت نفط الإقليم الى الولايات المتحدة الامريكية في عام 2014 ثم هذه السيادة الدولية المتمثلة بقرار محكمة التحكيم لغرفة التجارة الدولية-باريس..

ساهمت تصريحات الجانب العراقي وتقديراته المقدمة الى هيئة التحكيم بشأن مبلغ التعويض المطلوب الى خلق توقعات عالية غير واقعية مما سبب خيبة مالية كبيرة عند مقارنتها بمبلغ التعويض الذي حصل عليه العراق.

– حاول الجانب التركي، من خلال الشهود الخبراء، زج موضوع “ملكية النفط” والتشكيك في قرار المحكمة الاتحادية العراقية العليا، وقد ردت هيئة التحكيم هذا الطلب واعتبرته خارج ولايتها القانونية في هذه القضية.

وعليه اقترح ما يلي:

– كأمر مستعجل جدا، تعديل المادة المتعلقة بتصدير نفط الإقليم في مشروع قانون الموازنة الثلاثية 2023-2025 لتنفيذ قرار محكمة التحكيم الدولية (القرارين رقم 2 و3).

– على وزارة النفط التهيئة لإنجاز مهمة احتساب الفوائد على رصيد التعويضات وذلك بالتعاون مع الجهاز المصرفي العراقي (ويفضل البنك المركزي العراقي او مصرف الرافدين).

– امتناع الحكومة العراقية الحالية والحكومات المستقبلية عن اتخاذ اية إجراءات او اتفاقات مع كل من حكومة الإقليم او الحكومة التركية يكون من شانها التقليل من الالتزام بالقرارين المذكورين أعلاه او الالتفاف على هذين القرارين.

– التهيئة لتعديل تعديل اتفاقية النقل عبر منظومة الخط العراقي- التركي الموقعة في 19 أيلول 2010، حيث تشير المادة (11) من التعديل المذكور انه نافذا لمدة 15 سنة من تاريخ دخوله حيز التنفيذ. تبدأ المفاوضات بين الجانبين حول شروط العقد عند الطلب من أي من الجانبين قبل سنتين من تاريخ النفاذية. وعليه اقترح على وزارة النفط تشكيل فريق عمل متكامل التخصصات ويضم شركة سومو بهدف دراسة وتقييم وثيقة قرار التحكيم بشكل جدي ومعمق والمبادرة في اقتراح التعديلات المطلوبة على اتفاقية الانبوب ولتجاوز الإشكالات التي ابرزتها تجربة التحكيم الحالية.

– ادعو المحكمة الاتحادية العليا الى الإسراع في اكمال إجراءاتها بشأن عقود حكومة الإقليم مع شركات النفط الأجنبية، والاسترشاد بما ورد في وثيقة التحكيم في هذا الخصوص.

– قيام وزارة النفط بتوفير كامل وثيقة قرار التحكيم (بضمنها الهوامش وتقارير الخبراء الشهود والآراء القانونية وقواعد التحكيم) وارسالها الجهات العراقية المعنية ومنها: مجلس النواب، المحكمة الاتحادية العليا، مجلس القضاء الأعلى، مجلس شورى الدولة، الأمانة العامة لمجلس الوزراء- الدائرة القانونية.

– عقد ندوة (او ندوات) حوارية نقدية تقييمية حول تجربة التحكيم هذه وتوسيع نطاق المعلومات والشفافية والمناقشات من اجل استخلاص العبر والدروس واقتراح ما يمكن ويجب عمله.

فيما يلي ملخص للقراءة الاولية لوثيقة قرار الحكم النهائي:

أولا: منهجية وثيقة القرار النهائي

تعتبر وثيقة القرار النهائي لمحكمة التحكيم الدولية لغرفة التجارة الدولية في باريس مهمة للغاية، وهي في نفس الوقت طويلة ومعقدة وصياغتها القانونية صعبة وتتضمن مصطلحات ومفاهيم قانونية معظمها ذات أصول لاتينية، وفيها إشارات عديدة الى قضايا وسوابق قانونية ومناقشة العديد من الآراء والمبادئ القانونية ومدى ملائمتها للقضية قيد التحكيم.

بلغ عدد صفحات الوثيقة 189، وتتضمن 826 فقرة (مرقمة تسلسليا بطريقة معهودة عند اعداد الوثائق القانونية للمحاكم)، وفيها عدد كبير من الهوامش بلغت 779 هامش (لم يدرج نصها في صفحات الوثيقة، مما يضخم حجم الوثيقة الى أكثر من 189 صفحة)، لم أتمكن من الحصول عليها في الوقت الحاضر.

في الوثيقة تفاصيل كثيرة جدا لتغطية جميع ما اتخذ من إجراءات وما قدم من لوائح ودفوعات ووفق تسلسل زمني منذ طلب الجانب العراقي البدء في إجراءات التحكيم هذه في 23 ايار/مايس 2014 ولغاية اصدار قرار التحكيم النهائي في 13 شباط 2023.

تتلخص منهجية التحكيم في قيام كل من الطرفين المتحاكمين (العراق وتركيا) بعرض مواقفهما بشان كل من القضايا المطروحة على حدة، يتبع ذلك “تحليل هيئة التحكيم Tribunal’s Analysis وقد استمعت هيئة التحكيم لمجموعة من “الشهود الخبراء expert witnesses واستعراض اراء قانونية legal opinions).

لقد وجدتُ تحليل هيئة التحكيم ثريا ومفيدا ومهما وارى من الضروري اهتمام الجهات العراقية المعنية، وخاصة المحكمة الاتحادية العليا، ومجلس القضاء الأعلى ومجلس شورى الدولة والامانة العامة لمجلس الوزراء ووزارة النفط، والاستفادة منه؛ لأنه يشكل مصدرا مهما في مجال القانون الدولي للاتفاقيات والعقود والتحكيم.

ثانيا: مدة التحكيم

استغرقت فترة التحكيم حوالي تسع سنوات، وقد يكون مدى تعقد الموضوع سببا لذلك.

ولكن وفاة اثنين من أعضاء هيئة التحكيم قد يكون له سبب في ذلك حيث توفى الاول في شباط 2018 والثاني في نيسان 2021؛ ومن الطبيعي ان يسبب ذلك تأخير موثر لإيجاد البديل ثم الوقت الضروري للاطلاع على اوليات القضية والالمام بها.

إضافة الى ذلك فان التسلسل الزمني لمجريات التحكيم يشير الى انقطاع في تواصل الجانب العراقي في الفترة بين 26 كانون ثاني 2018 و9 نيسان 2019 ثم في الفترة بين 2 اب 2019 و1 نيسان 2022. لم يتضح من وثيقة القرار النهائي سبب تأخر الجانب العراقي لهذين الفترتين الطويلتين نسبيا. فهل لرئاسة الحكومة العراقية ووزير النفط في حينها دورا في ذلك!!

ثالثا: المكونات التنفيذية للقرار النهائي

تضمنت الوثيقة 22 قرارا يمكن تصنيفها، تحليليا، في المجموعات التالية: (مع ملاحظة ان الوثيقة اعتمدت التسلسل حسب الاحرف الانكليزية من a الى v، ولكنني اعتمدت التسلسل الرقمي من 1 الى 22).

القرارات التي لا تتضمن قيم او مبالغ نقدية، وعددها 6 قرارات وهي 1 و2 و3 و4 و6 و7

القرارات التي تلزم دفع تعويضات محدد من والى كل من الطرفين المتحاكمين: وهذه تتضمن 9 قرارات وهي 5 ومن 8 الى 15.

القرارات المتعلقة بدفع الفوائد على مبالغ التعويضات، وهذه تتضمن 4 قرارات وهي 16 و17 و18 و19

القرارات المتعلقة بدفع تكاليف التحكيم وتضمن قرار واحد برقم 20

قرارات رد جميع المطاليب التي لم يصدر قرار تحكيم بشأنها، وهذه تتضمن قرارين هما، 21 و22

رابعا: الجوانب المالية لقرار التحكيم

التعويضات المالية التي يحصل عليها كل طرف من الطرف الاخر

يوضح الجدول التالي مبلغ (بالدولار الامريكي) كل تعويض ومضمونه، حيث تدفع تركيا الى العراق مبلغ قدره حوالى 1.998 بليون دولار ويدفع العراق الى تركيا مبلغ قدره حوالى 526.6 مليون دولار، وبالمحصلة يحصل العراق على تعويض صافي قدره 1.471 بليون دولار.

 

 

احتساب الفوائد على المبالغ المذكورة بالجدول أعلاه

تأمر القرارات 16 و 17 و18 و19 احتساب ودفع الفوائد على المبالغ أعلاه وفق تواريخ محددة على أساس أسعار الفائدة السنوية المركبة للسندات التركية المقومة بالدولار الامريكي.

ولكن لم تحدد تلك القرارات متى وكيفية ومن يقوم باحتساب تلك الفوائد ومتى يتم تسديدها وغير ذلك من الجوانب التنفيذية والاجرائية. وهذا يحتم على وزارة النفط التهيئة لإنجاز هذه المهمة بالتعاون مع الجهاز المصرفي العراقي (ويفضل البنك المركزي العراقي او مصرف الرافدين)

كلفة محكمة التحكيم

بموجب القرار 20 تُدفع كلفة المحكمة البالغة 1.810 مليون دولار مناصفة بين العراق وتركيا، ويتحمل كل منهما تكاليفه المتعلقة بالخدمات القانونية وغيرها من النفقات.

كلفة التحكيم على الجانب العراقي

في ضوء ما ورد في وثيقة التحكيم فقد بلغت كلفة الجانب العراقي أكثر من 15 مليون دولار وكما يلي:

1-اجور المحامي Vinson & Elkins : 4,166,695.50 دولار

2-اجور المحامي Cleary Gottlieb : 8,886,313.66 دولار

3-تكاليف الخبير الشاهد: 324,567.96 دولار

4-تكاليف اخرى: 798,243.95 دولار

5-كلفة محكمة التحكيم: 905000 دولار

وللمقارنة، فقد كانت كلفة الجانب التركي حوالي 9 مليون دولار منها حوالي 5.4 مليون دولار اجور المحامي، في حين دفع العراق اكثر من 13 مليون دولار كأجور خدمات المحامين الاجانب.

خامسا: جلسات التحكيم وحضور الممثلين الحكوميين

تضمنت وثيقة القرار الإشارة الى ثلاث جلسات فقط، وجدت من المهم تلخيص المعلومات عنها في الجدول التالي. علما ان مجموعة المحامين الدوليين لكلا الطرفين قد حضرت جميع تلك الجلسات.

 

 

يمكن تسجيل الملاحظات التالية على ما ورد في الجدول اعلاه وعلى ما ورد في الوثيقة من تفاصيل بشأن الوفود الرسمية الحكومية من كلا الجانبين:

1-لم تذكر الوثيقة تفاصيل الجلسات السابقة لعقد جلسة الحقائق والادلة قبل 24 نيسان 2019، علما ان الوثيقة ادرجت التسلسل الزمني للأحداث (تقديم اللوائح والدفوعات والردود) والاوامر الاجرائية وغيرها والتي تم تداولها بواسطة البريد الالكتروني او الاتصالات عن بعد.

2-على الرغم من ان قضية التحكيم امتدت الى حوالي تسع سنوات، فان عدد أيام جلسات الاستماع الفعلية كان خمسة أيام فقط، وقد فصلت الوثيقة التسلسل الزمني للأحداث والاجراءات خلال طيلة الفترة.

3-من المهم الاشارة الى قرار جزئي نهائي Partial Final Award لهيئة التحكيم في 16 حزيران 2016 يتعلق بعدم ولايتها القانونية قدر تعلق الامر بطلب العراق شمول مخالفة تركيا لاتفاقية 1946 بين البلدين، وشمول شركة انابيب النفط التركية (بوتاش) كطرف في قضية التحكيم هذه. من الواضح ان هذا القرار الجزئي جاء بعد أكثر من سنتين من تاريخ طلب العراق التحكيم الدولي؛ وبذلك يشكل أحد العوامل التي ساهمت في إطالة فترة التحكيم.

4-كما وكررت هيئة التحكيم انها لا تمتلك الولاية القانونية لمناقشة او إقرار “ملكية النفط”، وذلك في الفقرات: 374 و393 و529. حيث حاول الجانب التركي من خلال الشهود الخبراء ترديد مواقف وطروحات حكومة إقليم كردستان وخاصة ما يتعلق بادعائها ركاكة وعدم دستورية وتسييس قرارات المحكمة الاتحادية العليا العراقية (الفقرة 248).

5-كان عدد أعضاء الوفد الحكومي العراقي اقل بكثير من عدد أعضاء الوفد الحكومي التركي. كما يلاحظ ان استمرارية المشاركة في الوفد الحكومي العراقي قد اقتصرت على شخص واحد فقط في الجلسات الثلاث، مقارنة باستمرارية مشاركة عشرة أعضاء ضمن الوفد الحكومي التركي في نفس الجلسات. هذا، بنظري المتواضع، يشكل خللا مؤثرا للغاية لان تنوع اختصاص وعدد الأعضاء المستمرين في المشاركة مهم جدا في توفير الدعم المطلوب لفريق المحامين الدوليين قدر تعلق الامر بالتفاصيل العراقية المتعلقة بمواضع القضية، ويشير الى اعتماد الجانب العراقي بشكل تام على فريق المحامين الأجانب. وهذا ربما يفسر سبب ارتفاع كلفة المحامين الأجانب ضمن الجانب العراقي مقارنة بالجانب التركي (كما ذكر أعلاه). كذلك يلاحظ على حضور الوفدين في الجلسة الثالثة الخاصة بالأدلة الجديدة حضور وزير النفط العراقي، في حينه، احسان عبد الجبار والسفير العراقي في باريس، ولم يحضر ما يقابلهما في الجانب التركي. وانني أرى ان حضور هذين المسؤولين في هذه الجلسة المهمة ليس له ما يبرره بل وليست حتى بروتوكولية؛ لأنها غير مطلوبة بالمطلق. وفي الحقيقة، وكما اشارت الانباء في حينها، ان وزير النفط العراقي استغل هذه الزيارة الى باريس لمناقشة ومتابعة الاتفاقيات مع رئيس شركة توتال انرجي الفرنسية!! يضاف الى ذلك ان قلة عدد ومحدودية تخصص الوفد الحكومي العراقي ربما يكون السبب في قول هيئة التحكيم ان الجانب العراق “فشل في اثبات” ادعاءه بشأن مبلغ يزيد على 1.554 بليون دولار (الفقرة 636).

6-اعتمدت هيئة التحكيم في قراراتها لصالح العراق على ما قدمه احد الشهود الخبراء في تقريرين: الأول بتاريخ 18 تشرين ثاني 2016 والثاني في 6 تشرين اول 2017 (الفقرات رقم 41 و66 ورقم 604 الى 614)، الذي استخدم بدوره معلومات وبيانات مستقاة من شركة سومو. في هذا الخصوص تم مناقشة موضوعين الاول يتعلق برسوم المرور المفروضة على نفط الإقليم وهي اعلى بكثير من الرسوم المحددة في اتفاقية الانبوب بين الحكومة العراقية والحكومة التركية، والثاني، هو قيام حكومة الإقليم ببيع النفط بواقع 5.77 دولار/برميل اقل من السعر الذي بإمكان سومو تحقيقه. وبالرغم من ذلك ومن الغريب جدا لم تشارك شركة سومو في أي من الجلسات الثلاث المذكورة في الجدول أعلاه، في حين تم اشراك سالم الجلبي (وكان في حينها ضمن الأمانة العامة لمجلس الوزراء وليس له اية خبرة في القطاع النفطي العراقي، على ما اظن!!) في جلسة الاستماع الأساسية الأولى. وهذا بنظري المتواضع خلل مؤثر اخر في تركيبة التمثيل الحكومي العراقي، ويفسر فشله في اثبات بعض الادعاءات، كما اشير اليه اعلاه، علما ان شركة سومو وشركة نفط الشمال هما الطرفان الذين وقعى على البروتوكولات التي تضمنتها اتفاقية تعديل اتفاقية الانبوب.

سادسا: تقييم الموقف التركي ما بعد قرارات التحكيم والتهيئة المبكرة للتعامل معه

على الرغم من محاولة بعض الجهات التركية التقليل من أهمية قرارات التحكيم وتركيزها على الرصيد المالي فقط، فإنني اعتقد ان الحكومة التركية ستنفذ قرارات التحكيم لثلاثة أسباب أساسية، ولكن ربما مع بعض العرقلة ومحاولة الحصول على تنازلات مقابلة بشكل او باخر. السبب الأول ان قرارات التحكيم نهائية وملزمة التنفيذ من قبل طرفي التحكيم، والثاني يعود الى سعي وحرص الحكومة التركية لان تكون تركيا ممر امن وموثوق به لخطوط انابيب النفط والغاز، ويمثل امتثالها لقرارات التحكيم وتنفيذها مهما في هذا الاتجاه، والثالث ان تركيا من الموقعين على “اتفاقية لائحة الطاقة- Energy Charter Treaty” التي يشكل موضوع مرور انابيب النفط والغاز من اهم مكوناتها والتحكيم بشانها.

ستعمل الجهات التركية على استخدام اتفاقياتها السابقة السرية مع حكومة الإقليم/وقيادة البرزاني لتحميلهم جميع او اغلب مبلغ التحكيم، حيث تشير بعض المعلومات الى وجود فقرات في تلك الاتفاقيات مما يشير الى ويعزز هذه الاحتمالية.

العمل على الحصول على تنازلات من العراق مثلا: تقليل حجم الفوائد على رصيد التعويضات المقررة للعراق، استمرار رسوم المرور العالية على نفط الاقليم على ما هي عليه-رغم ان قرار التحكيم جاء ضد تلك الرسوم، واستمرار رسوم المرور على نفط “وزارة النفط الاتحادية” حسب اتفاقية الانبوب المعدلة، الاتفاق على أنبوب جديد “بصرة-كركوك-جيهان” (والذي سبق وان اقترح عام 2012 )، او الدعوة لمد أنبوب اخر في الأراضي التركية يخصص لنفط الإقليم لا يخضع لاتفاقية الانبوب مع العراق، الإصرار على اختيار بنك تركي لإيداع عوائد تصدير الإقليم (المشار اليه في مشروع قانون موازنة 2023)، الضغط باتجاه عدم صيانة او مد انابيب نفط او غاز من خلال سورية، استخدام موضوع المياه والاطلاقات المائية او غيرها من مواضيع وأساليب الضغط الجيوسياسية.

وسيكون لنتيجة الانتخابات التركية (يوم 28 أيار الحالي) تأثير على خيارات وتحركات الجانب التركي بهذا الاتجاه او ذاك!

أرى على الجهات الرسمية العراقية التهيئة المبكرة لدراسة احتمالات السلوك التركي وخياراته المذكورة اعلاه، وتحديد كيفية التعامل مع أي موقف تركي حفاظا على المصلحة الوطنية العراقية.

سابعا: ملاحظات ختامية

لم يكن الجانب العراقي موفقا في تحديد مبلغ التعويض واسس تقديره؛ وهذا يعني مزج الجانب العراقي وعدم تمييزه بين منهجيات واسلوب وممارسات “المفاوضات الدولية” من جهة و”التحكيم الدولي” من جهة ثانية، والافتقار الى الفهم الدقيق لكيفية ومراحل ومتطلبات التحكيم الدولي: قوة الحجة ورصانة الأدلة والسابقة المماثلة والتفسير الواضح ودلالة “النص” وغير ذلك. وانني استغرب والى حد كبير كيف يمكن لفرق الاستشارة القانونية الدولية التي تعاقد العراق معها على عدم جلب انتباه الجانب العراقي لهذا الخلل المعني المعرفي الكبير والواضح في طلب التحكيم الذي قدمته وزارة النفط.

لقد كان امام الجانب العراقي الوقت الاكثر من الكافي (حوالي خمس سنوات) لإعداد فريق متكامل التخصصات يقوم بدراسة وتقييم وتحضير كافة المعلومات والحالات والحجج بل وحتى النصوص قبل بدء الجلسة الاساسية الاولى، لكن وزارة النفط فرطت بهذه الفرصة وبذلك ساهمت في تواضع نتائج التحكيم.

على الاخوة في كردستان اخذ هذا القرار والموضوع بجدية كاملة وتفهم عقلاني وقناعة قوية، علما ان معظم قرارات التحكيم الدولي الأخرى السابقة (المتخذة من قبل محكمة التحكيم الدولي في لندن) كانت ضد حكومة الإقليم، اضافة الى القرارات القضائية الامريكية في عام 2014 (المتعلقة بناقلتي النفط اليونانيتين المحملتين بنفط الإقليم United Leadership، United Emblem) وقرارات المحكمة الاتحادية العليا العراقية عام 2022.

وختاما، تشكل هذه المداخلة قراءة أولية لوثيقة قرار التحكيم، ولكنني أأكد ان تجربة التحكيم هذه والوثائق الكاملة المتعلقة بها تستحق، بل يجب، دراستها بشكل معمق ومتخصص ومهني لاستخلاص العبر والدروس منها واخذها بنظر الاعتبار لان قرار التحكيم هذا يشكل سابقة قانونية دولية مهمة جدا، وسيكون لها تأثير كبير وفاعل على مشاريع تصدير النفط العراقي بالأنابيب مستقبلا.

 

.

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/rights/35157

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M