قطاع النفط والغاز في دول مجلس التعاون

يعتبر النفط والغاز الطبيعي المحركين الرئيسيين للإقتصاد الصناعي العالمي، ويمثّلان حوالي 60% من مزيج الطاقة العالمي، فيما يشكّل الفحم والطاقة النووية والطاقة المتجددة ومجموعة من مصادر ثانوية أخرى 40% من الطاقة المستهلكة عالمياً.

وإضافةً إلى كونهما أهم مصدرين للطاقة، يستخدم النفط والغاز كمواد أولية لعدد لا يحصى من المنتجات التي نستهلكها في حياتنا اليومية، من أدوية ومذيبات وأسمدة ومستحضرات تجميل وإلكترونيات ومواد بناء ومنتجات أخرى كثيرة.

وعلى الرغم من صغر الرقعة الجغرافية لدول مجلس التعاون الخليجي وقلّة عدد سكانها، إلا أنها تمثل حوالي 20% من إنتاج النفط العالمي و34% من إحتياطياته، و9% من إنتاج الغاز العالمي و23% من إحتياطياته.

تعتمد إقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي إعتمادًا كبيرًا على النفط والغاز. ويشكّل هذا القطاع حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي، و80% على الأقل من عائدات التصدير والإيرادات الحكومية في كل من دول المجلس، باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة.[1] وهو يؤثّر حتى على القطاعات غير النفطية التي تعتمد في شكل كبير على الإنفاق الحكومي المرتكز أساسًا على إيرادات النفط والغاز، ولهذا يبقى من المهم التعرف على أهم خصائص هذا القطاع الحيوي، والذي يبقى هدفنا من هذا الملف.

شركات النفط الوطنية

شركات النفط الوطنية هي تلك المملوكة بالكامل، أو في معظم أسهمها، من قبل الحكومات. وإضافة إلى تحقيق أهدافها التجارية، لهذه الشركات دور هام في دعم الأهداف السياسية والإجتماعية والإقتصادية على المستوى الوطني، بما في ذلك ضمان أمن الطاقة والمساهمة في الميزانية الوطنية ودعم القطاعات الصناعية والتنمية الإقتصادية بشكل عام، وخلق فرص عمل مناسبة، إلى غير ذلك من أهداف وغايات.

وقبل أن يكون لشركات النفط الوطنية أي دور في إدارة الموارد النفطية الوطنية، كانت الشركات العالمية تهيمن في شكل شبه مطلق على موارد الدول المنتجة لأسباب عدة. فقد كانت غالبية هذه الدول فقيرة آنذاك، وفي حاجة ملحّة إلى مساعدة الشركات العالمية لتطوير وإدارة إحتياطياتها. كما كان قطاع النفط يتميز بزيادة العرض على الطلب، وبالتالي بمنافذ محدودة للبيع، إلى جانب وجود درجة عالية من التواطؤ بسبب إحتكار شركات محدودة لكافة حقول النفط في المنطقة.

ولكن، مع بدء الدول النفطية في المنطقة بالنمو إقتصاديًا، باتت السيطرة الإستراتيجية على الإنتاج ضرورة وطنية وسيادية. فقد أدركت هذه الدول درجة إستغلال شركات النفط العالمية لمواردها النفطية، عبر عقود وشروط غير عادلة وسياسات إنتاج غير مؤاتية، ولا تعود بالنفع المنصف والمتوازن على الدول صاحبة الموارد النفطية. ونتيجة لذلك، طالبت الدول المنتجة بزيادة مشاركاتها في السيطرة على مواردها النفطية. ومنذ الخمسينيات، بدأ عدد من الدول بتأميم النفط والغاز جزئيًا، أو إعادة التفاوض على شروط العقود.

مع مرور الوقت، منح الطلب المتزايد على الطاقة وإرتفاع أسعار النفط الدول النفطية قوة تفاوضية أكبر، وبالتالي قدرة تحكم أعلى نسبيًا بمواردها الوطنية. وأدّى تأميم النفط خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي إلى نشوء شركات النفط الوطنية التي نراها اليوم، والتي بدأت تدريجيًا في التنافس المباشر مع شركات النفط العالمية، على الأقل في مشاريع النفط التقليدية.

أدّت التطورات العالمية والإقليمية المختلفة في قطاع النفط والغاز، ونشوء شركات النفط الوطنية، إلى تغيّر كبير في موازين القوى، وخصوصًا في دور شركات النفط العالمية النافذة. فمع إرتفاع أسعار النفط الذي بدأ منتصف عام 2000، إستفادت شركات النفط الوطنية من الزيادة الكبيرة في رأس المال، وبالتالي القدرة على التمويل الذاتي للمشاريع وشراء التكنولوجيا من شركات الخدمات النفطية. كما مكّنها ذلك من تطوير مواردها البشرية وخبراتها الإدارية والتقنية، وبالتالي تطوير إدارة مواردها النفطية. نتيجة لذلك، لم تعد الشراكة مع شركات النفط العالمية ضرورة كما كانت عليه الحال سابقًا، فتم الإبتعاد، إلى حد ما، عن إتفاقيات تقاسم الإنتاج وغيرها من العقود التي تمنح الشركات العالمية حصة من الإنتاج أو صلاحية السيطرة عليه. وفي المقابل، توجّهت الكثير من الدول إلى عقود خدمات التشغيل، وخصوصًا في المشاريع ذات المخاطر التقنية المنخفضة. واستفادت شركات الخدمات النفطية التي تملك التكنولوجيا والمهارات المتقدمة من الوضع الجديد، فتمكنت من زيادة دورها مع شركات النفط الوطنية على حساب شركات النفط العالمية.

في السبعينيات، كانت شركات النفط العالمية تسيطر على نحو 80% من إنتاج النفط وإحتياطياته في العالم. أما اليوم، فتمثل أقل من 40% من الإنتاج و30% من الإحتياطي، فيما تسيطر شركات النفط الوطنية على أكثر من 60% من الإنتاج و70% من الإحتياطي العالمي.


على الرغم من تنامي قوة شركات النفط الوطنية وإستقلالها المتزايد عن شركات النفط العالمية، إلا أن هذه الأخيرة لا تزال الشريك المفضل للشراكات الطويلة الأمد، لا سيما في تطوير الحقول الصعبة والأكثر تحديًا. فإضافة إلى التكنولوجيا والتمويل، تمتلك شركات النفط العالمية خبرات وقدرات تشغيلية وإدارية لا تضاهى للمشاريع الكبيرة. ولكنها تحتاج، ربما، إلى إعادة نظر في كيفية الإحتفاظ بميزاتها التنافسية، خصوصًا في ظل التطور المتنامي لقدرات شركات الخدمات النفطية.[2]

سلسلة القيمة للنفط والغاز

تشمل المراحل الرئيسية للنفط والغاز الأنشطة التالية: الإستكشاف والإنتاج، النقل والتخزين، التكرير والمعالجة، وأخيرًا التسويق والتوصيل إلى المستخدم النهائي. وسنسلّط الضوء على كل مرحلة من هذه المراحل في الأجزاء التالية.

موارد النفط والغاز

يختلف النفط الخام، في المظهر واللزوجة، من مكان إلى آخر. وقد يختلف في فائدته للمستهلك أيضأ. ويمكن تحديد نوعية النفط من خلال إجراء إختبارات عدة حول وزنه وكثافته ولزوجته ومحتوى الكبريت فيه، وعوامل أخرى لها تأثير على نوعيته، وبالتالي على سعره في السوق العالمي.

أما الغاز الطبيعي فيتكوّن أساسًا من غاز الميثان وسوائل الغاز الطبيعي كالإيثان والبروبان والبيوتان والبنزين الطبيعي، بما في ذلك عدد من الشوائب كثاني أكسيد الكربون والماء. ويسمى الغاز الطبيعي المحتوي فقط على الميثان بالغاز الجاف. أما الذي يحتوي على هيدروكربونات أخرى فيسمى بالغاز الرطب.

ويوجد الغاز الطبيعي إما في تراكمات منفصلة عن النفط (ويسمى حينها بالغاز غير المصاحب)، أو كطبقة أو غطاء فوق تراكمات النفط (الغاز المصاحب). وهو يمتلك خصائص تميزه عن مصادر الطاقة الهيدروكربونية الأخرى، إذ أنه مصدر أقل إضرارًا بالبيئة وأكثر وفرة وأسهل في النقل وأرخص سعرًا.

تقع في منطقة دول مجلس التعاون أكبر حقول النفط والغاز في العالم. ويعتبر حقل “غوار”، في المملكة العربية السعودية، أكبر حقل نفط في العالم، و”حقل الشمال” في قطر أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم.

إنتاج النفط

تواصل الكثير من حقول النفط في دول مجلس التعاون إنتاجها منذ أكثر من 50 –60 عامًا، ويمكن القول إن “النفط السهل” في هذه الحقول قد تم إستخراجه. لذلك يتطلب الحفاظ على إحتياطيات وإنتاج النفط، أو زيادتهما، تقنيات أكثر تقدمًا وكلفة، إضافة إلى توظيف أعلى للتكنولوجيا والتقنيات.

في المملكة العربية السعودية التي تملك أكبر قدرة إنتاجية للنفط في العالم، تتراوح معدلات الإنخفاض سنويًا بين 6 و8%. فعلى سبيل المثال، تم إستنفاد حقل “بقيق”، أقدم الحقول في المملكة، بنسبة 74%. أما حقل “غوار”، الأكبر في المملكة، فقد استنزف بنسبة 48%. لذلك، خصصت المملكة ميزانية مقدارها بين 20 و30 مليار دولار، على مدى السنوات الـ5 المقبلة، لتعويض معدلات الإنخفاض والحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية.[3]

والجدير بالذكر أن هذه الأرقام والمعدلات تنطلق من فرضية أن هناك ما يسمى بـ “ذروة إنتاج”. علمًا أن البعض يعتقد بأنه لا يمكن الجزم بوجود “ذروة إنتاج” في ظل التطور التقني المستمر. فإنتاج النفط والغاز لا ينضب، ولكن ترتفع تكلفته باستمرار مما يؤدي إلى إغلاق حقول محددة في المكمن الهيدروكربوني، وقد يعاد فتحها لاحقًا مع إنخفاض تكلفة الإستخراج. وبناء على ذلك، لا يمكن نظريًا الحديث عن “ذروة إنتاج”.

أما دولة الكويت، فقد إعتمدت في شكل كبير على حقل “برقان” – ثاني أكبر حقل في العالم بعد “غوار” – لغالبية طاقتها الإنتاجية. ويرى البعض أن هذا الحقل، وغيره من الحقول التي إكتشفت في الثلاثينيات من القرن الماضي، آخذة في النضوب، وباتت تتطلب تقنيات تحسين الإنتاج على نطاق واسع. لذلك، تتطلع الكويت إلى تطوير حقول الشمال من خلال “مشروع الكويت”، وهو مشروع بمليارات الدولارات يهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية إلى أربعة ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2020.

في أبوظبي، لم يتم تطبيق تقنيات تحسين الإنتاج على نطاق ميداني حتى الآن. ولكنها تُطبّق كمشروع تجريبي إستعدادًا للمستقبل. وفي الوقت الراهن، تخطط أبوظبي لزيادة طاقتها الإنتاجية من خلال تطوير البنية التحتية لمنشآتها النفطية وتوسيعها.[4]

وفي قطر، وعلى الرغم من نمو الإنتاج النفطي في شكل مطرد منذ عام 2002، أخذ إنتاج حقل “الدخان” (أكبر حقل سابقًا من حيث الإنتاج) في الإنخفاض. ولتعويض التراجعات المتوقعة، يجرى النظر حاليًا في تطبيق تقنيات تحسين الإنتاج على حقلي “الدخان” و”شاهين” وغيرهما.

أما في سلطنة عمان، فتلعب تقنيات تحسين الإنتاج دورًا كبيرًا في قطاع النفط. وقد تم تنفيذ برنامج ناجح لزيادة الإنتاج عن طريق تقنيات التحسين وتقنيات متطورة أخرى. والجدير بالذكر أن تطبيق هذه التقنيات المتطورة يرفع نسبة تكاليف الإنتاج في شكل كبير، وهي أصلًا من بين أعلى المعدلات في سلطنة عمان بسبب طبيعة حقول النفط فيها (صغيرة ومتفرقة). وتتطلب تقنيات تحسين الإنتاج إستخدام كميات كبيرة من المياه، وهي بدورها موارد شحيحة في المنطقة، كما تتطلب إستخدام كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، مما أدى إلى إعادة توجيه بعض من صادرات الغاز والغاز المخصص لتوليد الكهرباء في سلطنة عمان إلى الحقن في بعض الحقول لتحسين إنتاجها.[5]

وفي البحرين، تأسست شركة “تطوير”[6] عام 2009، وهي شراكة بين شركتي “مبادلة” و”أوكسي” والشركة القابضة للنفط والغاز (Nogaholding) لتحسين إنتاج حقل البحرين من خلال تطبيق تقنيات تحسين الإنتاج وحفر أكثر من 900 بئر جديدة وإدخال أساليب حديثة.

إنتاج الغاز

باستثناء قطر التي تملك ثاني أكبر إحتياطيات للغاز في العالم، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي كافة تحديات كبيرة في تحقيق توازن بين العرض والطلب على الغاز.

من ناحية الطلب، يدفع النمو السكاني والصناعي والإقتصادي السريع إلى تزايد كبير في الإستهلاك المحلي للغاز لتحلية المياه وتوليد الطاقة الكهربائية، وكمادة وسيطة في الصناعات البتروكيماوية والصناعات الثقيلة. ونظرًا إلى أن العديد من حقول النفط آخذة في النضوب، يتم حقن كميات كبيرة من الغاز فيها لزيادة الضغط وبالتالي تحسين إنتاجها.

أما من ناحية العرض، فهناك تحديات عدة أيضًا. إذ أن معظم الغاز في بعض هذه الدول، كالمملكة العربية السعودية، هو غاز مصاحب، أي أنه مرتبط بإنتاج النفط (المقيد من أوبك)، وبالتالي لا يمكن الإستفادة منه في أي وقت. أما في سلطنة عمان، فالتزامات التصدير للغاز الطبيعي المسال يُحَوّل الغاز الذي يفترض أن يستخدم محليًا لتوليد الكهرباء إلى الأسواق الخارجية. ولعل من أهم التحديات التي تواجهها المنطقة هو أن كل إكتشافات الغاز الجديدة تعتبر أكثر تعقيدًا من الناحية الجيولوجية، أي أن الغاز إما أن يكون في مكامن محكمة (tight gas) أو أن فيه نسبة عالية من الكبريت. وفي كلا الحالتين، يتطلب الأمر كلفة وتقنية أعلى للتطوير والمعالجة.

أدى العجز في توفير الغاز في بعض هذه الدول إلى إنقطاع الخدمة الكهربائية في بعض الأحيان، وإلى تعطل بعض المشاريع الصناعية. في الكويت، على سبيل المثال، أدى نقص الغاز في إحدى السنوات إلى وقف عمليات تكرير النفط وتصنيع البتروكيماويات لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء. كما واجهت سلطنة عمان مشاكل مماثلة.

ولمعالجة كل هذه التحديات، تتخذ دول مجلس التعاون تدابير مختلفة منها:

1. إكتشافات جديدة: لتلبية إحتياجات الغاز المتزايدة، توجّهت معظم دول مجلس التعاون إلى الإستثمار في برامج جديدة للتنقيب عن الغاز. فقد أعلنت وزارة البترول وشركة “أرامكو” السعودية إستراتيجية جديدة للغاز تتضمّن إستثمار نحو 9 مليارات دولار لإضافة 50 تريليون متر مكعب من الغاز غير المصاحب بحلول عام 2016. وفي الكويت، دفع نقص الغاز إلى حملة إستكشاف كبيرة أيضاً. وقد جذبت إكتشافات كبيرة للغاز غير المصاحب في الحقول الشمالية إهتمام شركات النفط العالمية. ولكن صيغ العقود غير الجذابة وحالة عدم الإستقرار السياسي لا تزال تمثل عقبات أمام أي “توسع سريع في تطوير هذه الإحتياطيات وإنتاجها.

2. موارد الغاز غير التقليدية: في ظل تقلّص مصادر الغاز التقليدية، لجأ بعض الدول إلى دراسة تطوير مصادر الغاز غير التقليدية كالغاز المحكم (tight gas). ففي سلطنة عمان، على سبيل المثال، تدرس شركة “برتش بتروليوم” مشروعًا بعشرين مليار دولار لإنتاج الغاز المحكم.

3. الواردات (LNG وخطوط الأنابيب): لجأ عدد من دول مجلس التعاون إلى إستيراد الغاز عبر خطوط الأنابيب أو عن طريق الغاز المسال لتلبية الطلب المتزايد ومواجهة النقص الوشيك في هذه المادة. وتستورد كل من عمان والإمارات العربية المتحدة الغاز الطبيعي من قطر عبر خط أنابيب “دولفين”. وقد جرت محادثات حول خط أنابيب غاز مقترح من قطر إلى الكويت والبحرين. كما بدأ عدد من دول مجلس التعاون، قبل التصعيدات السياسية، بإجراء محادثات مع إيران للغرض نفسه. وأبدت الكويت مؤخرًا إهتمامًا بإمدادات من مشروع الغاز الطبيعي الوشيك في جنوب العراق. أما بالنسبة إلى الغاز الطبيعي المسال، فقد بدأت كل من الكويت ودبي باستيراد الغاز الطبيعي المسال من دول الجوار. فيما البحرين في طور بناء محطة للغاز الطبيعي المسال يتوقع أن تفتتح بحلول عام 2015. وأجرت المنامة محادثات مع شركة “غازبروم” الروسية كونها مصدرًا محتملًا لإستيراد الغاز الطبيعي المسال.

4. شبكة الكهرباء الخليجية: يجري حالياً بناء شبكة كهرباء إقليمية بين دول مجلس التعاون الخليجي كافة، ستوفر إمكانية إستيراد الكهرباء أو فائض الطاقة من دول الجوار، وخصوصًا من دولة الإمارات العربية المتحدة ومحطاتها النووية المخطط لها. وبذلك، ستخفف الشبكة من الضغط على إمدادات الغاز المحلية. لكن هذا الإحتمال لن يتحقق إلا في المدى البعيد، أو بعد عام 2017، عندما تبدأ محطات الطاقة النووية في دولة الإمارات العربية المتحدة بتوليد الكهرباء.[7]

وربما من أهم الحلول لمواجهة تحدي الغاز هو المزيد من التعاون بين دول مجلس التعاون. فعلى سبيل المثال، بدل أن تستمر المملكة العربية السعودية في إستهلاك ما يقارب مليون برميل يوميًا من النفط لإنتاج الكهرباء يمكنها أن تستورد الغاز القطري الذي سيوفر عليها بيئيًا وماليًا.

الأنظمة المالية للنفط والغاز

النظام المالي للنفط والغاز[8] (Oil and Gas Fiscal Regime) هو عبارة عن سياسة الدولة أو الحكومة في تنظيم وتحديد كيفية إستخراج الريع الإقتصادي من موارد النفط والغاز. ويرسم هذا النظام العلاقة بين الحكومة، أو الشركة الوطنية، وبين الشركات المتعاقدة، ويحدد قضايا كالسيطرة على العمليات النفطية وكيفية إدارتها والتعامل مع التكاليف وتوزيع الأرباح بين الطرفين.

وتنقسم الأنظمة المالية للنفط والغاز إلى نوعين أساسيين، هما: نظام مبني على أساس الإمتياز أو الترخيص، ونظام مبني على أساس تعاقدي. وهذا الأخير منقسم بدوره إلى نوعين: (1) إتفاقيات تقاسم الإنتاج، و(2) إتفاقيات الخدمة.

الإختلاف الأساسي بين هذه الأنظمة هو في تحوّل ملكية موارد النفط والغاز:

· في إتفاقيات الإمتياز أو الترخيص تتحوّل الملكية عند “رأس البئر” حيث تأخذ شركات النفط العالمية الإنتاج ناقصًا أية عائدات مالية للدولة المضيفة

· في إتفاقيات تقاسم الإنتاج تأخذ شركات النفط العالمية حصة من النفط المستخرج بهدف تغطية نفقاتها ورأس المال المستثمر، ويُوزّع النفط المتبقي بينها وبين الدولة المضيفة حسب شروط العقد.

· في إتفاقيات الخدمة لا تتحوّل الملكية على الإطلاق.

[9]

تعطي إتفاقيات الإمتياز أو الترخيص شركة النفط العالمية حقوقًا حصرية في التنقيب والإنتاج والبيع والتصدير لفترة محددة من الزمن. ففي السابق، كانت إتفاقيات النفط مع الدول المضيفة عبارة عن إتفاقيات إمتياز تقليدية ذات شروط مجحفة. وبمرور الأيام وتغيّر الظروف التي جعلت الدول المنتجة توافق على توقيع إتفاقيات الإمتياز التقليدية، ظهر ما يعرف بالإمتيازات الحديثة، وهي تشبه تلك التقليدية، ولكن مع بعض التعديلات لصالح الدول المضيفة. وتشمل هذه التعديلات تقليص مساحة الترخيص، أو مدة سريان العقد، والنص على عائدات مالية إضافية، سواء كانت على شكل إتاوة أو ضريبة على أرباح شركة التنقيب، أو منح تدفع للدولة المضيفة عند التوقيع على الإتفاقية، أو عند إكتشاف النفط، أو عند وصول الإنتاج إلى معدلات معينة.[10]

تعتمد إتفاقيات تقاسم الإنتاج على ثلاثة عوامل مختلفة، هي: معدل العائد الداخلي (Internal Rate of Return) أو نسبة الإنتاج (Production Level) أو معدل الدخل أو الإيرادات (Revenues). ويعني ذلك أن حصة الربح من برميل النفط تتغير بحسب تحقيق نسب متفق عليها من هذه العوامل.

أما إتفاقيات الخدمة فتنقسم على ما إذا كان الأجر مستندًا على رسوم ثابتة (أي إتفاقيات خدمة محضة) أو على نسبة مخاطر معينة. وفي بعض الحالات، يكون العقد مزيجًا بين النوعين. وتشبه إتفاقيات الخدمة المحضة تلك التي بين شركات الخدمات النفطية وشركات النفط العالمية، وهي نادرة جدًا ولا توجد حاليًا إلا في إيران.

أما إتفاقيات الخدمة القائمة على نسبة المخاطر فتستخدم في المملكة العربية السعودية والكويت والعراق. وفي هذه الإتفاقيات تتولّى شركة النفط العالمية عمليات الإستكشاف والإنتاج للحكومة المضيفة داخل منطقة محدّدة، ويبقى المخزون الهيدروكربوني ملكًا للدولة في كل الأحوال. ولا تحصل الشركة العالمية (المقاولة) على أي حصة من النفط والغاز إلا إذا دفعت لها الرسوم عبر الإنتاج أو أعطيت الأفضلية في شراء الإنتاج من الحكومة المضيفة.

ولا تحبذ الشركات العالمية هذا النوع من العقود لأنها لا توفر لها أسهمًا مباشرة في إحتياطيات النفط، وبالتالي لا تؤثر على مؤشرات رئيسية تتخذها هذه الشركات لقياس إنجازها كمعدل إستبدال الإحتياطي الذي تطرقنا إليه سالفًا.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه، في معظم الأحيان، تصبح الجوانب القانونية ثانوية في ظل الموقف العام والمبدئي الذي تتخذه أي دولة تجاه مواردها الطبيعية. فيمكن أن تحصل الحكومة على نسبة الريع نفسها ضمن أي من الأنظمة النفطية المختلفة. والمهم هو أن تعقد الإتفاقيات أيًا كان نوعها بشكل يحقق ويضمن الإيرادات المجزية والعادلة من وجهة نظر الأطراف المعنية.

الأنظمة المالية في دول مجلس التعاون

منذ تأميم شركة “أرامكو” السعودية، لم تمنح المملكة الشركات الأجنبية أي تراخيص للتنقيب عن النفط. وتقتصر المشاركة الأجنبية على عقد إمتياز مع شركة “شيفرون” في المنطقة المقسمة بين المملكة العربية السعودية والكويت، وفي إستكشاف وتطوير موارد الغاز في صحراء الربع الخالي. فكل مشاريع تطوير وإنتاج النفط والغاز الأخرى تخضع لسيطرة شركة “أرامكو”.

أما معظم العقود في دولة الإمارات العربية المتحدة فهي عبارة عن إتفاقيات إمتياز من خلال مشاريع مشتركة كشركة “زادكو” و”أدكو” و” أدما – أبكو” التي تملك الدولة النسبة الأكبر فيها.

وفي الكويت، يحظر الدستور أي إستخدام لإتفاقيات تقاسم الإنتاج. لذلك تدرس الحكومة خيار استخدام نوع مبتكر من إتفاقيات الخدمة. في هذه الإتفاقيات، يُسمح للحكومة الكويتية بالإحتفاظ بالملكية الكاملة لإحتياطي النفط والسيطرة على مستويات الإنتاج والإدارة الإستراتيجية للمشاريع، والتعامل مع شركات النفط العالمية كمقاول للخدمات يحصل على رسوم محددة لكل برميل مع بدلات لإسترداد رأس المال وبعض الحوافز.

ولا يوجد في قطر قانون مخصص للنفط. فكل أنشطة الإستكشاف والإنتاج تتم بموجب شروط إتفاقيات الإستكشاف والمشاركة في الإنتاج (EPSA) التي تمثل غالبية العقود في قطر، باستثناء حقل “بندق” الذي أبرم ضمن نظام الإمتياز المطبق في الإمارات. أما تطوير وإنتاج معظم الحقول التاريخية (دخان، بولحنين، ميدان محزم) فتقوم به الشركة الوطنية (عدا حقل العد الشرقي الذي تطوره شركة أوكسدنتال).

في سلطنة عمان، يتم إستخدام كل من نظام الإمتياز ونظام تقاسم الإنتاج. وتنتج شركة تنمية نفط عمان (PDO)، وهي الشركة الوطنية، 90% من النفط وكل إنتاج الغاز تقريباً. وتملك الحكومة نسبة 60% من الشركة الوطنية فيما تملك شركة “شل” نسبة 34% وشركة “توتال” 4% وشركة “بارتكس” 2%.

وفي البحرين، وُقّعت إتفاقية تقاسم الإنتاج بين الشركة القابضة للنفط والغاز (Nogaholding) وشركة “تطوير” لتطوير حقل البحرين. وتملك شركة “أوكسدنتال” نسبة 48% في شركة “تطوير”، فيما تملك شركة “مبادلة” نسبة 32% والشركة القابضة للنفط والغاز نسبة 20%. وتشير هذه النسب إلى نسب تحمل التكاليف لا إلى نسب تقاسم الإيرادات التي يتم تحديدها في بنود الإتفاقية نفسها.

تخزين ونقل النفط الخام

ينقل النفط عبر شبكات أنابيب محلية من حقول النفط إلى موانئ التصدير التي غالباً ما تقع قرب مناطق الإنتاج. ويعتبر ميناء رأس تنورة في المنطقة الشرقية السعودية أكبر ميناء لشحن النفط في العالم، ويتسع لشحن حوالي 6 ملايين برميل من النفط يوميًا،[11] وفي معظم الأحيان تستخدم الناقلات البحرية لنقل وتوصيل النفط الخام إلى موانئ الدول المستهلكة حيث يتم تخزينه في صهاريج كبيرة قبل نقله بواسطة خطوط الأنابيب أ
و سكك الحديد أو الشاحنات إلى مصافي النفط للمعالجة والتكرير.

ويعتبر مضيق هرمز أهم نقطة عبور نفطية في العالم. إذ يمر عبره حوالي 20% من النفط العالمي و35% من النفط المتداول عن طريق البحر. وقد أنشأت المملكة العربية السعودية ما أطلق عليه “أنبوب النفط العراقي” عبر المملكة، في محاولة لتجاوز الحظر الإيراني على مضيق هرمز خلال الحرب الإيرانية – العراقية. لكن هذا الخط لم يستخدم منذ غزو العراق للكويت عام 1990. وقد أدت التوترات حول برنامج إيران النووي إلى دراسة إعادة فتح خط الأنابيب هذا لتأمين طرق بديلة لتصدير النفط. كما أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة خط أنابيب جديدًا ينقل النفط من حقول “حبشان” في أبوظبي إلى ميناء الفجيرة متجنبة بذلك مضيق هرمز

.

تخزين الغاز الطبيعي ونقله

يتم تخزين الغاز الطبيعي في مكامن جيولوجية مهيأة للتخزين أو في نظام خطوط الأنابيب عن طريق ضبط درجة الضغط فيها.

وتعتمد خيارات نقل الغاز على الشكل الذي تتخذه هذه المادة. إذ يمكن نقل سوائل الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب أو شاحنات الصهريج، ولكن لا يمكن نقل الغاز الجاف (الميثان) إلا عبر خطوط الأنابيب وتوصيله مباشرة إلى المستهلك النهائي كمحطات توليد الطاقة. وتتطلب مشاريع خطوط الغاز إستثمارات كبيرة، ولا تكون مجدية إلا مع خطة واضحة تحدّد مصادر التمويل والمستهلكين المعنيين والتسعير، ناهيك عن الإعتبارات الجيوسياسية التي عادة ما تخضع لها هذه الأنابيب.[12]

وكان أول خط أنابيب عابر للحدود في منطقة دول مجلس التعاون هو مشروع “دولفين” الذي أنشئ عام 1999 لنقل الغاز الطبيعي من حقل الشمال القطري إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. وقد أجريت في السنوات الأخيرة محادثات حول شبكة خطوط أنابيب للغاز من قطر إلى دول خليجية أخرى كالبحرين والكويت، وحتى إلى أوروبا عبر العراق وتركيا.

ويعتبر الغاز الطبيعي المسال (الذي سنتطرق إليه في الجزء التالي) طريقة أخرى لنقل الغاز. فمنذ عام 2009 شكلت صادرات الغاز الطبيعي المسال أكثر من 70% من صادرات الغاز في قطر.

تكرير النفط

تكرير النفط هو عبارة عن عمليات مختلفة تفصل الجزيئات الهيدروكربونية الموجودة في النفط الخام وتحوّلها إلى منتجات بترولية مختلفة ذات قيمة أكبر. ويتم تصنيف المنتجات البترولية إلى ثلاث فئات: 1– نواتج التقطير الخفيفة (light distillates) كغاز البترول المسال والبنزين والنفتا، 2– نواتج التقطير المتوسطة (middle distillates) كالكيروسين والديزل، 3– المقطرات الثقيلة والبواقي (heavy distillates & residuum) كزيت الوقود الثقيل وزيوت التشحيم والشمع والإسفلت. ويستند هذا التصنيف على كيفية تقطير النفط الخام وفصله إلى أجزاء مختلفة.

وهناك ثلاثة إستخدامات رئيسية للمنتجات النفطية، هي: (1) للمواصلات (2) لتوليد الطاقة الكهربائية و(3) للتدفئة. وهناك أيضاً إستخدامات غير متعلقة بتوليد الطاقة كإستخدام المواد النفطية في صناعة البتروكيماويات.

وقد وصلت قدرة التكرير في العالم عام 2011 إلى 92 مليون برميل يوميًا، وتمثل نسبة دول الشرق الأوسط فيها 9%، ودول مجلس التعاون 5% أي 4.6 مليون برميل يوميًا.

تملك الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قدرة تكرير نفط في العالم، تليها روسيا واليابان والصين. والجدير بالذكر أن 90% من الطاقة التكريرية للنفط موجودة في دول غير أعضاء في منظمة “أوبك”، ولا تعتبر غنية بالموارد النفطية كسنغافورة وكوريا الجنوبية وهولندا. ويعود ذلك إلى إعتماد جدوى تكرير النفط على عوامل إقتصادية وتقنية عدة من الصعب أن تتوفر في أي مكان.

ويتوقع أن تنخفض نسبة الطلب على النفط في الدول المتقدمة في المستقبل. ولذلك تتركز معظم إستثمارات مصانع التكرير في الدول الآسيوية كونها إقتصاديات ذات معدل نمو كبير، وفي دول مجلس التعاون والشرق الأوسط كونها تمتلك أكبر إحتياطيات نفط في العالم.

معالجة الغاز الطبيعي

يتكون الغاز الطبيعي في شكل أساسي من غاز الميثان مع كميات مختلفة من الهيدروكربونات الثقيلة. ويخضع لعمليات مختلفة تفصل الشوائب عنه ليصبح مناسبًا للنقل وتلبية مواصفات الوقود المطلوبة في السوق. وإلى جانب غاز الميثان، تشمل منتجات الغاز الطبيعي ما يلي:

· سوائل الغاز الطبيعي (Natural Gas Liquids): سوائل الغاز الطبيعي هي الهيدروكربونات الغازية الثقيلة الموجودة في الغاز الطبيعي الخام (وتشمل مواد الإيثان والبروبان والبيوتان وغيرها)، وتستخدم في التدفئة والطبخ وكمواد خام لصناعة البتروكيماويات وكوقود للمحركات.

· الغاز الطبيعي المسال (Liquefied Natural Gas or LNG): الغاز الطبيعي المسال هو الغاز الذي يتم تحويله إلى سائل لتسهيل عملية تخزينه ونقله. وتقوم هذه العملية على تبريد الغاز في محطات بالقرب من مصانع معالجة الغاز حتى يُسيَّل، ومن ثم يُخزّن في صهاريج معزولة قبل أن يتم تحميله في صهاريج مبردة مخصصة للشحن، ثم يعاد تحويله إلى حالته الغازية ونقله إلى المستهلكين النهائيين عبر شبكات أنابيب الغاز المحلية.

· الغاز المحوّل إلى سائل (Gas-to-Liquid or GTL): تحويل الغاز إلى سائل i, عملية تكريرية تستخدم في تحويل الغاز الطبيعي إلى منتجات متنوعة عادة ما تصنّع من النفط الخام، وتشمل وقود النقل والنافتا وزيوت التشحيم. وتعتبر مشاريع تحويل الغاز الطبيعي وسيلة مغرية إقتصاديًا لاستغلال إحتياطيات الغاز. ويعتبر مشروع “بيرل” القطري (وهو شراكة بين “قطر للبترول” وشركة “شل”) أكبر مصنع في العالم لتحويل الغاز إلى وقود سائل.

في 2007 كان أكثر من 70% من إنتاج الغاز العالمي يستهلك محليًا، فيما كان 18% من الغاز يصدّر عبر خطوط الأنابيب و8% كغاز مسال. ويتوقع أن تزداد نسبة تداول الغاز وتصديره كغاز مسال بسبب إنخفاض إنتاج الغاز محليًا في معظم الدول وإرتفاع الطلب عليه عالميًا.

أسواق النفط والغاز العالمية

النفط هو أكثر السلع تداولًا في العالم، ويتأثر سعره بعوامل مختلفة، منها عوامل العرض والطلب والموقع الجغرافي لمنافذ التصدير وسعر صرف الدولار وأسواق المنتجات النفطية وفائض طاقة “أوبك” الإنتاجية ومخزون النفط الخام لدى الدول المستهلكة وعوامل إقتصادية وجيوسياسية أخرى.

ونظرًا إلى وجود أنواع وأصناف مختلفة من النفط الخام، تمّ إعتماد أنواع محدّدة كمعيار للجودة والتسعير. فعلى مستوى العالم، يُعتمد خام “برنت” في المملكة المتحدة كمرجع عالمي مستخدم لتسعير ثلثي إنتاج النفط العالمي. وفي منطقة دول مجلس التعاون، يستخدم خام دبي كمعيار للتسعير، أما في الولايات المتحدة فيستخدم خام غرب تكساس المتوسط (WTI). وقد وضعت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) نظامًا مرجعيًا خاصًا بها عُرف بـ “سلّة أوبك”، هو عبارة عن متوسط سبعة خامات مختلفة.

على عكس أسواق النفط، تعتبر أسواق الغاز إقليمية وغير منفتحة إقتصاديًا، ولكنها، في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، تعدّ أسواقًا محررة وذات شفافية أكبر مقارنة بأسواق الغاز في أوروبا. وعمومًا، يُسعّر الغاز الطبيعي على أساس محتوى الطاقة فيه وقربه من أسواق الإستهلاك. ولكن آليات التسعير تختلف إختلافًا كبيرًا بين الدول. ففي الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم نقطة “هنري هب” في ولاية لويزيانا كمعيار لتسعير الغاز، إذ أنها نقطة الربط الفعلي في خط أنابيب الغاز والتي يتم توصيل معظم الغاز إليها. أما في أوروبا، فيباع معظم الغاز ضمن عقود طويلة المدى ومرتبطة بسعر النفط، وذلك لأنه يُوجَب على المنتجين الأوروبيين أن يضمنوا أسوًاقاً للغاز قبل الإستثمار في أي مشروع لتطويره، ويتم ذلك من خلال بيع الغاز مقدمًا تحت آلية تسعير متفق عليها مسبقًا.

البتروكيماويات

البتروكيماويات هي مواد كيمياوية مستخرجة من النفط والغاز الطبيعي من خلال عمليات مختلفة يتم فيها تكسير الجزئيات الهيدروكربونية الكبيرة إلى جزئيات أصغر تُكوّن ما يسمى بـ “البتروكيماويات الأساسية”. وتنقسم هذه المواد البتروكيماوية إلى ثلاث مجموعات أساسية، هي: الأوليفينات والعطريات والغازات الإصطناعية. ويعتبر الإيثيلين والبروبيلين من أكثر المواد البتروكيماوية إنتاجًا ويمثلان نقطة البداية لأكثر من نصف البتروكيماويات المنتجة عالميًا.

تتم معالجة المواد البتروكيماوية الأساسية لإنتاج مواد وسيطة تعالج بدورها لإنتاج مواد نهائية تستخدم في صناعة مجموعة واسعة من المنتجات المختلفة. وينصبّ حوالي 80% من إنتاج البتروكيماويات في صناعة البوليمرات، وهي المواد الأولية لصناعة البلاستيك. ويعتبر البولي إيثيلين أكثر البوليمرات إنتاجًا، تليه مادة البولي بروبيلين والبوليستر. وإضافة إلى إنتاج البلاستيك، تستخدم البتروكيماويات في إنتاج عدد لا يحصى من المنتجات التي نستهلكها في حياتنا اليومية من أدوية ومذيبات وأسمدة ومستحضرات تجميل وإلكترونيات ومواد بناء ومنتجات أخرى.

قطاع البتروكيماويات في دول مجلس التعاون

يقدر أن تنتج منطقة الشرق الأوسط 20% من الإنتاج العالمي للبتروكيماويات بحلول عام 2015. وتتصدر المملكة العربية السعودية قطاع البتروكيماويات في المنطقة حيث تمثل 7% من العرض العالمي للمنتجات البتروكيماوية الأساسية، و70% من الناتج الإجمالي لدول مجلس التعاون.[13]

تتصدر شركة “سابك” قطاع البتروكيماويات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتبلغ حصتها في سوق المنطقة نحو 62% (إستناداً إلى إجمالي إيرادات عام 2009) مما يجعلها واحدة من أكبر عشر شركات للبتروكيماويات في العالم.[14]

إضافة إلى “سابك”، تشمل قائمة اللاعبين الرئيسيين في صناعة البتروكيماويات في دول مجلس التعاون الشركات التالية: “بترورابغ” و”شركة صناعات قطر” و”المجموعة الصناعية السعودية للإستثمار”،[15] وتملك أو تساهم هذه الشركات في عدد كبير من مشاريع البتروكيماويات في المنطقة والعالم.

النافتا وغاز الإيثان هما المادتان الأولييان الرئيسيتان لشركات البتروكيماويات في العالم. وفي حين تعتمد أكثر من 50% من مصانع الإيثيلين في العالم على النافتا كمادة أولية، تستخدم مصانع البتروكيماويات في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الإيثان بسبب وفرته وسعره المنخفض نسبيًا.

ونتيجة إنخفاض تكلفة المواد الأولية في دول مجلس التعاون، تتمتع شركات البتروكيماويات في المنطقة بهوامش تشغيل أعلى مقارنة بالشركات العالمية.[16] لذلك تمكّنت دول كالمملكة العربية السعودية من بناء قاعدة صناعية قوية للبتروكيماويات، وخصوصًا مادة الإيثيلين ومشتقاتها.

والجدير بالذكر أن سعر الإيثان في المنطقة بدأ بالإرتفاع التدريجي، بسبب إنخفاض عمليات الإستكشاف والإنتاج من جهة، وزيادة الطلب على الغاز لمشاريع البتروكيماويات وتوليد الكهرباء من جهة أخرى،[17] الأمر الذي سيضعف الميزة التنافسية لدى المنتجين في دول مجلس التعاون الذين بدأوا في التوجه إلى إستخدام النافتا وغيرها من سوائل الغاز الطبيعي (كمزيج من الإيثان والبروبان والبيوتان) كمواد أولية بديلة يمكن إستخدامها لإنتاج منتجات أكثر تنوعًا وتعقيدًا، وبالتالي ذات قيمة مضافة أكبر.هذا التحول التدريجي إلى إستخدام سلة من المواد الأولية المختلفة يتماشى مع الخطط الصناعية لدول مجلس التعاون التي تسعى إلى تعزيز إنتاج المواد البتروكيماوية والبلاستيكية ذات القيمة المضافة التي تساهم في شكل أكبر في دعم التنمية الإقتصادية. وقد تم بالفعل تحديد مناطق لتحويل البلاستيك، بالقرب من مراكز إنتاج البتروكيماويات الكبرى في السعودية، للإستفادة من البتروكيماويات الأساسية والبوليمرات بشكل أكبر وتزويدها للصناعات المحلية مثل صناعة السيارات ومواد التعبئة والتغليف والمنتجات الإستهلاكية ومواد البناء ومنتجات تحويلية أخرى، وعلى الرغم من أن هذا التوجه لا يؤدي إلى تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، إلا أنه يساهم في ضمان حصول اقتصاديات دول المجلس على أكبر نسبة ممكنة من القيمة المضافة في أسواق النفط والغاز ومشتقاتهما عالميا. أما بالنسبة إلى تنويع مصادر الدخل في دول مجلس التعاون بعيداً عن قطاع النفط ومشتقاته، فالأمل معقود على الرؤى التنموية لهذه الدول، وخططها المطروحة في هذا الإتجاه، والتي نتطرق إليها في القسم التالي من هذا الإصدار.

لقراءة الجزء التالي من الاصدار

لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf) 

لتصفح محتويات الاصدار الكترونيا


[1] Economist Intelligence Unit (EIU). The GCC in 2020: Broadening the economy. 2010.

[2] KPMG. Key Issues for Rising National Oil Companies. June 2008.

[3] Energy Information Administration (EIA). Country Analysis Briefs. 2011. >http://www.eia.doe.gov<

[4] Energy Information Administration (EIA). Country Analysis Briefs. 2011. >http://www.eia.doe.gov<

[5] المصدر نفسه.

[6] Tatweer Petroleum. Bahrain Oil Field. 2012. >http://tatweerpetroleum.com/en/oilfield/global/oil-field-title.html<

[7] Energy Information Administration (EIA). Country Analysis Briefs. 2011. >http://www.eia.doe.gov<

[8] Van Meurs, Pedro. Government Take and Petroleum Fiscal Regimes. May 25, 2008.

[9] Standard & Poor’s. Key Credit Factors: Criteria for Rating the Global Oil Refining Industry. November 26, 2011.

[10] Ahmad AlMufti. Petroleum Fiscal Regimes. 2008. >http://www.bahrainlaw.net/post165.html<

[11] World Bank Group. The Petroleum Sector Value Chain. June 2009

[12] World Bank Group. The Petroleum Sector Value Chain. June 2009.

[13] Al Masah Capital Limited. MENA Petrochemicals: A Global Advantage. 2010.

[14] Riyad Capital. Saudi Arabian Petrochemicals. November 30, 2011

[15] Al Masah Capital Limited. MENA Petrochemicals: A Global Advantage. 2010.

[16] المصدر نفسه.

[17] Alpen Capital. The Gulf Petrochemicals Industry. March 7, 2010.

 

رابط المصدر:

http://gulfpolicies.org/index.php?option=com_content&view=article&id=1748:31-&catid=199:2014-05-20-07-03-50&Itemid=471

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M