وسط تطورات متلاحقة على المستويين الإقليمي والدولي، استضاف الأردن اليوم القمة الثانية لدول الجوار العراقي، والتي تعرف باسم “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة – بغداد 2″، التي تعد النسخة الثانية من مؤتمر دول الجوار “بغداد-1” الذي استضافته العاصمة العراقية بغداد في أغسطس 2021.
على مستوى الدول المشاركة، شارك كل من البحرين وسلطنة عمان للمرة الأولى في هذه القمة، بجانب الدول التي شاركت في النسخة السابقة، وهي: العراق، والإمارات العربية المتحدة، ومصر والمملكة العربية السعودية، وتركيا، وقطر، وإيران، وفرنسا، وشاركت أيضًا في قمة اليوم شخصيات ومنظمات إقليمية ودولية، خاصة أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وأمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وممثلون عن الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ومعاونه إنريكي مورا -وهو المنسق الأساسي لمباحثات إيران النووية- بجانب سفراء الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي ومجموعة العشرين والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن المعتمدين لدى الأردن.
من حيث الشكل، بات من الواضح حرص الدول المشاركة في قمة اليوم على تحويل “قمة بغداد” إلى قمة دورية ومنصة إقليمية ودولية لها ثقل ووزن، وإن كانت الظروف الإقليمية والدولية التي تعقد فيها نسخة هذا العام تبقى أشد وطأة مما كان الحال عليه إبان نسخة العام الماضي، فحينها كان التفاؤل سائدًا بقرب التوصل الى صيغة جديدة لإعادة العمل بخطة العمل المشتركة حول الملف النووي الإيراني، وكانت الظروف الاقتصادية والسياسية وبشكل عام في معظم الدول المشاركة في هذه القمة -خاصة الأردن والعراق وتركيا وإيران- أفضل بكثير مما عليه الوضع الآن، ناهيك عن عدم اشتعال نزاع كبير -مثل الحرب الروسية الأوكرانية- بالتزامن مع انعقاد القمة الأولى.
من هذه الزاوية، تأتي الملفات التي تم تناولها في قمة اليوم متزامنة مع ظرف إقليمي ودولي صعب على كافة المستويات، وقد فرض ملفات تزايد الخروقات التي تمت خلال الأسابيع الأخيرة للسيادة العراقية من جانب إيران وتركيا، واستمرار الانتهاكات التركية للسيادة السورية، ناهيك عن المؤشرات المقلقة -على كافة المستويات- فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية في عدة دول عربية؛ نفسها كملفات رئيسة بحثتها القمة التي اكتسبت زخمًا إضافيًا وقيمة مضافة، خاصة وأن الظروف الإقليمية الحالية تترافق مع “شبه إعادة تشكيل” للمشهد الدولي، ومحاولات أمريكية وفرنسية لإعادة التموضع السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، ومحاولات عربية مقابلة لإيجاد مقاربة مختلفة للعلاقات مع القوى الإقليمية والدولية، خاصة إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
العناوين “المعلنة” للقمة ارتبطت -مثلها مثل نسخة العام الماضي- بالعراق، حيث عُقدت القمة تحت شعار “الشراكة والتعاون وكيف نعمل معًا من أجل دعم العراق واستمرارية دعمه”، وهو الشعار الذي تم الحديث عنه خلال المناسبتين اللتين تم الإعلان خلالهما عن موعد انعقاد قمة اليوم، الأولى كانت خلال المكالمة الهاتفية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي، والثانية كانت خلال اللقاء الذي جمع بين وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ونظيريه الأردني أيمن الصفدي والمصري سامح شكري أوائل الشهر الجاري.
هذا العنوان الأساسي لم يكن الوحيد على طاولة مباحثات هذه القمة التي اتسمت بمروحة واسعة من الملفات الإقليمية والدولية التي تم بحثها خلالها، خاصة ما يتعلق بالعلاقات العربية – الإيرانية، والتغيرات المناخية وأمن الطاقة والغذاء والإرهاب وتداعيات حرب أوكرانيا، بجانب الملف النووي الإيراني والأزمات في سوريا وليبيا واليمن وتأثيرها على المنطقة وكذلك أزمة اللاجئين السوريين.
دعم عربي – عربي حيال تحديات المرحلة المقبلة
واجه العراق خلال الفترة التي تلت قمة بغداد في أغسطس 2021 تحديات صعبة على المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني، ورغم تحقيقه لاختراق مهم في ما يتعلق بالمستوى السياسي ونجاحه في تعيين الرئاسات الثلاث وحلحلة الوضع السياسي، تبقى الأوضاع السياسية في البلاد تحت توتر مستمر، وسط تجاذبات داخلية ما زالت أصداؤها واضحة، وهي تجاذبات دخلت على خطها توترات أمنية خطيرة، لا تتمثل فقط في الضربات الصاروخية الإيرانية، والغارات الجوية التركية المستمرة على المواقع الكردية شمال العراق، بل تتمثل أيضًا بالنشاط المتزايد لتنظيم “داعش” الإرهابي في عدة نطاقات عراقية، وآخرها نطاق محافظة ديالي، حيث تعرضت أهالي قرية “البوبالي” مساء أمس لهجوم من عناصر التنظيم، أسفر عن ضحايا ومصابين.
هذه التحديات، مضافًا إليها ما يتعلق بالأمن الغذائي والأمن الدوائي وأمن الطاقة، وتزايد حاجة العراق لتضامن عربي وإقليمي ودولي معه لمواجهة هذه التحديات، فرضت عقد هذه القمة التي تأخرت نتيجة للحالة السابقة من عدم الاستقرار السياسي في بغداد.
عقد نسخة هذا العام من “قمة بغداد” على الأراضي الأردنية يرتبط كذلك بملف “الدعم العربي – العربي”، فالأردن يواجه أيضًا تحديات جدية على المستوى الأمني والاجتماعي، حيث شهدت المناطق الجنوبية من المملكة الأردنية خلال الأسابيع الأخيرة موجة من القلاقل والاضطرابات، خاصة في مدينتي معان والكرك، ترافقت مع أحداث أمنية سقط على إثرها شهداء وجرحى، آخرهم ثلاثة شهداء من الأمن العام الأردني قضوا خلال مداهمة نفذتها قوات الشرطة في محافظة معان استهدفت الخلية التي اغتالت في وقت سابق نائب شرطة محافظة معان العقيد عبد الرازق الدلابيح. سياق الأوضاع الداخلية في الأردن، يأتي على وقع معاناة عمّان من أوضاع اقتصادية صعبة.
إذًا من هذه الزاوية يمكن قراءة الهدف الأول من انعقاد قمة اليوم وهو إظهار الدعم العربي والإقليمي والدولي لكل من العراق والأردن حيال ما يواجهانه من تحديات على المستويين الأمني والاقتصادي، ولهذا كان من البديهي أن يتم -على هامش القمة- لقاء آخر ضمن “آلية التعاون الثلاثي” التي تجمع بين مصر والأردن والعراق، التي باتت بمثابة نموذج للتعاون العربي والشرق أوسطي، بداية من انعقاد القمة الأولى التي جمعت قادة الدول الثلاث في مارس 2019، وصولًا إلى لقاء اليوم بين قادة الدول الثلاث، والذي سبقه لقاء جمع وزراء خارجية الدول الثلاث في الأول من نوفمبر الماضي.
تفعيل هذه الآلية بشكل أكبر، وتركيز التعاون بين البلدان الثلاث في قطاعات: التجارة، والصناعة، والاقتصاد، والنقل البري، والربط الكهربائي والطاقة، سيشكل جانبًا مهمًا من جوانب التضامن العربي، ودفعة مهمة لكل من بغداد وعمّان نحو مزيد من التعافي على كافة المستويات.
النقطة المهمة المتعلقة بالبعد العربي لهذه القمة كان حقيقة أن هذه القمة -وإن كانت لدول “جوار العراق”- فإنها تضم دولًا لا يوجد بينها وبين العراق رابط جغرافي، وهذا يضاف إلى حقيقة أن المناقشات التي تمت خلال هذه القمة تلامست مع ملفات عربية وإقليمية مهمة أخرى، على رأسها الملف اللبناني، فبيروت -غير الممثلة في قمة اليوم- استبقت هذه القمة ودخلت في مشاورات مع بعض الدول العربية، بداية من المملكة العربية السعودية التي زارها رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، وصولًا إلى زيارة المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم إلى العاصمة العراقية مؤخرًا، وهي لقاءات كان الهدف منها وضع الجانب العربي في صورة الوضع اللبناني الحالي الذي تشوبه أزمة معيشية وسياسية خانقة، تعاني فيها البلاد من فراغ رئاسي وحكومي ممتد، دون القدرة على إيجاد توافق داخلي واضح يفضي لانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
الملف السوري لم يغب بطبيعة الحال عن أذهان الوفود الحاضرة لهذه القمة، وهو ملف يطغى الطابع الأمني والإنساني عليه بشكل كبير، فقضية اللاجئين السوريين والعراقيين يبقى في دائرة اهتمام الدول المشاركة، خاصة أن العاصمة الأردنية احتضنت خلال الفترة الأخيرة لقاءات عربية وغربية مع ممثلي المنظمات الأممية كالمفوضية السامية لشؤون النازحين والأونروا؛ لمقاربة بعض الملفات المتعلقة بهذه القضية، لا سيما القضايا المعيشية والاقتصادية الخاصة بالنازحين السوريين والعراقيين. الجانب الأمني من الملف السوري يحظى أيضًا باهتمام عربي ودولي، وسط خشية من تجدد نشاط تنظيم داعش في النطاق الشرقي السوري، وكذا تصاعد الانتهاكات التركية للسيادة السورية، وظهور مؤشرات واضحة على بروز توترات اجتماعية في الجنوب السوري.
جدير بالذكر هنا أن الجانب السياسي من البعد العربي لهذه القمة يرتبط برغبة كل من عمّان وبغداد في إعادة توطيد علاقاتهما العربية والاقليمية، فرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يسعى إلى ترميم علاقات بلاده مع جيرانها، واستعادة الدور الإقليمي لها، والبناء على خطوات سابقة تمت في هذا الإطار أبان حكومة الكاظمي السابقة، عبر احتضان خمس جولات من المفاوضات بين المملكة العربية السعودية وإيران. في حين يسعى الأردن إلى إعادة تموضعه في واجهة الأدوار الإقليمية المؤثرة، بعد فترة من خفوت هذا الدور خلال العامين الأخيرين، وهذا يمكن قراءته بشكل أكبر من خلال متابعة نشاط العاهل الأردني في الفترات السابقة.
الملفات الإقليمية … التوصل لتفاهمات مع أنقرة وطهران
الملف الرئيس الثاني الذي تم بحثه في قمة اليوم كان الملف الإقليمي الذي يحظى -بطبيعة الحال- بارتباطات وثيقة بالوضع العربي، فما زال ملف الدور الإيراني في دول مثل اليمن وسوريا والعراق العنوان الرئيس الذي يقف عائقًا بين تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإيران، وهو ما تصاعد بشكل أكبر بسبب عدم وصول مسار التطبيع بين طهران والرياض إلى محطة واضحة، وكذا لجوء طهران -عدة مرات- إلى قصف الأراضي العراقية بحجة مواجهة الأنشطة المعادية لطهران، وهنا يجدر ذكر أن قمة اليوم ناقشت ملف “أنشطة المعارضة الكردية الإيرانية” شمال العراق، وهو ما يؤشر إلى رغبة في حل هذا الملف؛ لمنع وجود أية أنشطة مناهضة لإيران، تتخذها الأخيرة ذريعة لقصف الأراضي العراقية.
كان من المأمول أن يشارك في قمة اليوم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي؛ بهدف إحداث اختراق في هذا الملف، لكن جاءت مشاركة طهران ممثلة في وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، وهي مشاركة لها أهمية ودلالة، بالنظر إلى أن هذه الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها عبد اللهيان إلى الأردن منذ توليه منصبه، وهي كذلك أول زيارة لمسؤول إيراني رفيع إلى الأردن، بعد نحو 7 أشهر من تحذير العاهل الأردني، من احتمال ملء إيران ووكلائها الفراغ الناتج عن تراجع روسيا في سورية، وما يمكن أن ينتج عنه من مشاكل على طول الحدود المشتركة بين الأردن وسوريا.
مشاركة وزير الخارجية الأردني واللقاءات التي أجراها في عمان تحمل إمكانية كبيرة للاستثمار في تحسن العلاقات بين الرياض وطهران، خاصة بعد تبادل كلا الجانبين خلال الفترة الماضية التصريحات الإيجابية، مثل تصريحه نفسه، على هامش منتدى طهران الثالث للحوار، الذي قال فيه “محادثاتنا مع السعودية تسير على طريق الدبلوماسية الرسمية ومستعدون للعودة إلى العلاقات الطبيعية وفتح السفارات كلما كان الجانب السعودي مستعدًا”، في حين قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في تصريحات سابقة عقب القمة الخليجية – الصينية في الرياض، إن إيران “جزء من المنطقة وجارة وسنستمر في مد اليد؛ سعيًا إلى علاقة إيجابية تخدم استقرار المنطقة ورفاهية شعوبنا”.
يضاف إلى ذلك قبول طهران طلب الرياض إجراء اجتماع مباشر، تحدث عنه وزير الخارجية العراقي، في يوليو الماضي، وهو اجتماع كانت التوقعات تشير إلى أنه قد يحدث اليوم في عمان، لكن ربما قريبًا تتم هذه الخطوة في عاصمة أخرى، قد تكون بغداد او العاصمة العمانية مسقط؛ فالملفات التي ما زالت مفتوحة بين الجانبين لا تزال تحتاج إلى تقريب وجهات النظر حولها، خاصة الملف اليمني، الذي تمت فيها اختراقات ايجابية مهمة، لكنه ما زال قريبًا من التدهور في أي لحظة، وكذلك الملف اللبناني، وهي جميعها ملفات سيسهم اللقاء المباشر بين وزير الخارجية الإيراني والمسؤولين العرب، في تهدئة الخواطر حولها، والتمهيد لحلول جذرية بشأنها، وهل ملفات تنسحب إلى الملفات الإيرانية المرتبطة بالوضع الدولي، مثل ملف الاتفاق النووي، الذي تم تناوله خلال لقاء عبد اللهيان اليوم مع مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
الملف التركي -بالنظر إلى مشاركة تركيا للمرة الثانية في “قمة بغداد”- يبقى من الملفات الإقليمية المهمة التي تمت مناقشتها اليوم؛ فتركيا لها ملفات مفتوحة ومهمة مع معظم الدول المشاركة في قمة اليوم، بما في ذلك مصر وفرنسا والمملكة العربية السعودية والعراق، ولكن يبقى ملف العملية العسكرية التركية في سوريا والعراق المسماة “المخلب-السيف” على رأس هذه الملفات، في ظل إعراب معظم الدول المشاركة في قمة اليوم، وعلى رأسها مصر، عن رفضها لأي انتهاك للسيادة السورية او العراقية، وفي نفس الوقت هناك رغبة حقيقية في تطبيع العلاقات مع أنقرة، والوصول إلى نقاط مشتركة للتفاهم حول القضايا الإقليمية المختلفة.
فرنسا … قراءة جديدة للمشهد الإقليمي وانعكاساته الدولية
من نافلة القول ذكر أن فرنسا تعد من أكثر الدول المتحمسة لانعقاد قمة اليوم من عدة زوايا، منها أن مشاركتها في هذه القمة تعد عاملًا مساعدًا في سياق رغبتها الواضحة في تعزيز دورها في الشرق الأوسط، وهو ما ظهر بشكل واضح منذ القمة الأمريكية الفرنسية التي جمعت الرئيسين جو بايدن وإيمانويل ماكرون مؤخرًا، ومن خلالها دشنت باريس وواشنطن صيغة جديدة من العلاقات بينهما، بعد فترة من التوتر على خلفية تحالف “أوكوس” وإلغاء صفقة الغواصات الفرنسية لأستراليا. بطبيعة الحال، كانت هذه الصيغة نتيجة أخرى لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، لكن الأكيد أن فرنسا قد باتت لها حرية حركة أكبر في الشرق الأوسط، وأن شهيتها لتوسيع قاعدة تعاونها مع كافة الدول العربية أصبحت أكبر مما سبق.
التوجهات الفرنسية نحو بعض الدول العربية -خاصة العراق- ظهرت بشكل أكبر من خلال زيارة ماكرون إلى بغداد في سبتمبر 2020، وحينها تناقش ماكرون مع القيادة العراقية حول جملة من القضايا، منها التعاون في مجال الطاقة والعمل على مشروع نووي يمكنه التغلب على النقص المزمن في الكهرباء بالعراق، وهو ما تمت ترجمته في العام التالي -خلال قمة “بغداد-1”- والتي شهدت اختراقًا على مستوى الملف اللبناني، أدى إلى تشكيل حكومة نجيب ميقاتي.
وهو الملف الذي بحثته باريس في قمة اليوم بشكل مفصل، في ضوء المناقشات التي تمت بين ماكرون والقيادة القطرية في الدوحة، علمًا بأن الدوحة استقبلت خلال الفترة الماضية عدة شخصيات لبنانية، على رأسها قائد الجيش جوزيف عون، أحد المرشحين المحتملين لتبوء منصب رئاسة لبنان. تستهدف فرنسا من مشاركتها في قمة اليوم أيضًا طرح ملفات أخرى تتشاركها مع دول المنطقة، مثل: أمن الطاقة، والغذاء، والتغيرات المناخية، والربط الكهربائي، وملفات اقتصادية أخرى تتعلق بالغاز والنفط.
على ضوء القمة السالف الإشارة إليها بين ماكرون والرئيس الأمريكي، لا يمكن إغفال الجانب الأمريكي في قمة اليوم، خاصة أن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة -كان عمليًا- ترجمة لتوافق أمريكي إيراني، وهنا تبرز بعض الضغوط الأمريكية على بغداد، خاصة ما يتعلق بالتبادل النفطي بينها وبين دمشق، وأنشطة حزب الله اللبناني على الأراضي العراقية، وهي ملفات تحتاج بغداد إلى حسمها، وتحتاج إلى محيطها الإقليمي والعربي لإيجاد حلول لها، خاصة أن بغداد ستطرح خلال زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين المقبلة إلى واشنطن هذه الملفات وخطة مقترحة على الولايات المتحدة لمساعدة بغداد.
من جانبها، تعي واشنطن جيدًا أن تموضع بكين في العراق أصبح مهددًا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما بدأ عمليًا منذ توقيع العراق مع الصين في أكتوبر 2019 اتفاقية تفعيل برنامج “النفط مقابل إعادة الإعمار”، والذي تعهّدت بموجبه عشرات الشركات الصينية بالعمل في البنى التحتية العراقية، مقابل تلقّي بكين 100 ألف برميل نفط يوميًا، وباتت بكين منذ عام 2021 تستورد نحو 4% من نفط العراقي، وارتفع التبادل التجاري بينهما لحدود أكبر من 30 مليار دولار سنويًا، في ظل اعتبار بكين بغداد “الهدف الرئيس لمبادرة الحزام والطريق” عام 2021، ومنحتها تمويلًا بنحو 10.5 مليارات دولار، من أجل مشاريع متنوعة في مجال البنية التحتية.
خلاصة القول، إن قمة بغداد اليوم تأتي في ظل مسار إقليمي ودولي تتصدره الدول العربية بدأ التأسيس له “نظريًا” منذ قمة بغداد الأولى في أغسطس الماضي، و”عمليًا” منذ قمة جدة للتعاون والشراكة في أكتوبر الماضي، مرورًا بالقمم الثلاث التي احتضنتها الرياض مؤخرًا، وكذا القمة الأمريكية – الصينية الشهر الجاري. هذا المسار يحمل مضمونًا واضحًا مفاده أن الوضع الدولي والإقليمي بات محل تغيرات جذرية مهمة، وأن الحرب الروسية – الأوكرانية جعلت كافة القوى الدولية تغير من نظرتها لمنطقة الشرق الأوسط، ولطبيعة دور القوى الإقليمية الموجودة في هذا النطاق، بشكل يفرض إعادة تشكيل موازين القوى بشكل يواكب التغيرات السياسية والاقتصادية التي دخلت في أتونها دول العالم منذ نحو عامين.
.
رابط المصدر: