كورونا في أمريكا: هل سينقلب السحر على الساحر؟

عبد الامير رويح

اعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ومع ارتفاع اعداد الاصابات والوفيات بسبب فيروس كورونا (كوفيد-19) حالة الطوارئ في كامل الولايات المتحدة بسبب انتشار هذا الفايروس القاتل، الذي ظهر أول مرة في الصين في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وأودى بحياة أكثر 5 آلاف شخص حول العالم، فيما سُجلت نحو 141 ألف حالة إصابة جديدة في 124 بلدا ومنطقة. وأعلنت منظمة الصحة العالمية رسميا أن فيروس كورونا أصبح وباء عالميا مما يعني أنه ينتشر على نحو سريع في أنحاء العالم.

وقد اسهم انتشار الفايروس ايضاً في تفاقم المشكلات والازمات السياسية والاقتصادية حول العالم، خصوصا بعد ان اتهمت بعض الدول والحكومات الولايات المتحدة الامريكية بشن حرب بيولوجية ضد خصومها حيث اتهم مسؤول صيني الجيش الأمريكي بأنه قد يكون وراء انتشار فيروس كورونا في الصين، بينما ترى الولايات المتحدة بأن بكين وغيرها من الدول تتعمد الدعاية لنظرية المؤامرة ضدها واستهدافها.

وتسمح حالة الطوارئ لإدارة ترامب الفدرالية بتخصيص 50 مليار دولار في شكل مساعدات تمنح للولايات والمؤسسات الصحية المحلية لمكافحة الفيروس. وتخفف هذه الخطوة من أعباء التأمين الصحي وتعقيداته، وتحفز بناء مستشفيات جديدة، وتدعم البحوث الصيدلانية لإيجاد علاج للمرض. وسجلت الولايات المتحدة في وقت سابق 1701 إصابة بفيروس كوفيد-19، من بينها 40 حالة وفاة.

ويواجه ما بين 70 و150 مليون شخص خطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة، حسب ما توقع تقدير نُقل إلى مجلس الشيوخ الأميركي. وتشير الفرضية الأكثر تشاؤماً إلى احتمال أن يصاب بالفيروس ما نسبته 46% من الأميركيين البالغ تعدادهم 327 مليون نسمة. وتدور نسبة الوفيات حول 1%، حسب آخر التقديرات التي نقلها إلى الكونغرس انتوني فوكي، مدير المعهد الوطني للأمراض المعدية.

وبالاستناد إلى هذه النسبة وكما نقلت بعض المصادر، فإنّ هذا قد يعني تسجيل ما بين 700 ألف و1,5 مليون وفاة في الولايات المتحدة. ومن باب المقارنة، فإنّ أمراض القلب التي تعدّ السبب الأول للوفيات الناجمة عن أمراض في الولايات المتحدة، أسفرت عن 650 ألف وفاة في 2018، فيما أدى مرضا الانفلونزا والالتهاب الرئوي مجتمعين إلى وفاة 60 الفاً. ويرتفع خطر الوفاة نتيجة الإصابة بكورونا المستجد عند المصابين الذين تخطوا 60 عاماً، وهو أكبر لدى المصابين الذين تخطوا 80 عاماً والذين يعانون من أمراض أخرى على غرار داء السكّري والأمراض القلبية أو التنفسية، أو حتى لدى الذين يعانون من ضعف أجهزتهم المناعية.

اجراءات عاجلة

وفي هذا الشأن قرر جاي إنزلي حاكم ولاية واشنطن الأمريكية حظر التجمعات التي تضم أكثر من 250 شخصا في منطقة سياتل وقال إنه قد يغلق جميع المدارس ولم يستبعد فرض حالة إغلاق على المنطقة لمكافحة انتشار أسوأ تفشي لفيروس كورونا في الولايات المتحدة. ويشمل الحظر الأحداث الرياضية والحفلات الموسيقية والشعائر الدينية وبقية الأنشطة في مقاطعات كينج وسنوهوميش وبيرس.

وأعلنت مدارس سياتل الحكومية في وقت لاحق أنها ستعلق الدراسة لمدة لا تقل عن أسبوعين بسبب ”الانتشار المقلق للعدوى“. وقال إنزلي في مؤتمر صحفي ”سنكافح الوباء قدر المستطاع والسبب هو أننا لا نريد أن نرى جحافل من الناس تتوافد على مستشفياتنا ذات القدرات المحدودة“. وأضاف أن النظام الصحي قد يكون عليه توفير رعاية ضرورية لآلاف المصابين بفيروس كورونا في الشهور المقبلة. بحسب رويترز.

وتمثل هذه القرارات أشد خطوات الحد من ”التواصل الاجتماعي“ التي تتخذها أي ولاية أمريكية حتى الآن وتأتي فيما أعلنت واشنطن تسجيل 366 حالة إصابة بالفيروس أي أكثر من ربع الإجمالي في الولايات المتحدة و29 حالة وفاة من 32 على مستوى البلد. وردا على سؤال بشأن ما إن كان يدرس فرض حالة إغلاق عام مثلما حدث في الصين وإيطاليا قال إنزلي إنه يجرب كل ما يمكن للحيلولة دون ذلك وإن كان لا يمكن استبعاده. وقال جيفري دوتشين مسؤول‭ ‬الصحة في سياتل ومقاطعة كينج إنه يتعين على المدارس أن تستعد لتعليق الدراسة لأسابيع أو شهور. وأضاف ”نتوقع تفشيا كبير النطاق في غضون أسابيع“ مضيفا أنه سيكون ”المرض المعدي الذي يعادل زلزالا كبيرا“.

من جانب اخر سارع مسافرون لتعديل مواعيد حجز رحلاتهم الجوية ومُنيت الأسواق العالمية بخسائر جديدة بعد أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قيودا كاسحة على السفر من أوروبا الأمر الذي ألحق أضرارا بشركات الطيران وتسبب في ازدياد القلق العالمي من فيروس كورونا. وقلل ترامب من المخاطر التي تواجهها الولايات المتحدة خلال الأزمة لكن مع امتداد تفشي الفيروس من إيران إلى إيطاليا وإسبانيا قرر منع رحلات الطيران من أوروبا لمدة 30 يوما. وأدى هذا الإعلان إلى اضطراب الأسواق حيث هوت الأسهم الأوروبية إلى أدنى مستوى خلال نحو أربعة أعوام وتراجعت أسعار النفط.

وقال ترامب إن قرار منع السفر من أوروبا، لن يسري على بريطانيا أو على الأمريكيين الذين يخضعون ”للفحوص المناسبة“. وكتب على تويتر ”الحظر يمنع الأشخاص لا البضائع“. وأبدى الاتحاد الأوروبي استياءه من قرار ترامب. وقالت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية في بيان ”يعبر الاتحاد الأوروبي عن استيائه لأن القرار الأمريكي بشأن منع السفر اتخذ بشكل أحادي ودون مشاورة“. وعلى الرغم من أن قرار ترامب يستثني بريطانيا التي لم تعد عضوا في الاتحاد الأوروبي فإنها عبرت أيضا عن استيائها وقالت إنه سيؤثر على اقتصادها.

علاج امريكي

على صعيد متصل أعلن نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس أنه قد يكون بالإمكان التوصل إلى عقار لعلاج فيروس كورونا المستجد بحلول هذا الصيف أو الخريف. وقال بنس خلال مؤتمر صحافي “اللقاح قد لا يتوفر حتى نهاية العام أو العام التالي، لكن العلاج لتخفيف آلام الاشخاص الذين يلتقطون الفيروس قد يصبح متوفرا بحلول الصيف أو بداية الخريف”.

وتم استخدام عقار ريميدسفير الذي تنتجه شركة “غيلياد ساينسيز” لمعالجة مصاب في الولايات المتحدة كجزء من التجارب الطبية، كما أن هذا المضاد للجراثيم أدرج ضمن التجارب والجهود التي تقوم بها دول آسيوية لمكافحة الفيروس. ومن بين العلاجات الأخرى المحتملة هناك عقار تطوره شركة “ريغينيرون” للأدوية التي تستخدم مضادات أحادية المنشأ لمحاربة العدوى سبق وأن أثبتت نجاعتها ضد فيروس إيبولا.

من جانب اخر أكدت شركة إنوفيو (Inovio) الأمريكية أنها توصلت لتصميم لقاح الحمض النووي للمصل العلاجي لفيروس كورونا المستجد، والذي تمت تسميته بـ (INO-4800). وقال د. جوزيف كيم رئيس شركة إنوفيو والمدير التنفيذي لها في بيان إن تجارب العقار ما قبل السريرية تجري حاليًا إذ تم إنتاج عينات أولية. أما التجارب السريرية فستبدأ بحلول أبريل/نيسان المقبل داخل الولايات المتحدة، وبعدها الصين وكوريا الجنوبية حيث يصيب الفيروس أعدادًا كبيرة من الأشخاص، على أن يتم إنتاج مليون جرعة علاجية بحلول نهاية العام الجاري، وفق رئيس الشركة.

وخلال مؤتمر صحافي سابق عقده في البيت الأبيض وخصّصه لعرض خطّته لمكافحة الفيروس الذي تفشّى في الصين ويواصل انتشاره في العالم، قال ترامب “أعلن الآن أنّني أعيّن نائب الرئيس مايك بنس مسؤولاً” عن ملف مكافحة الفيروس، مضيفاً أنّ بنس “سيعمل مع الاختصاصيين والأطباء وكل أفراد فريق العمل”. وأكّد الرئيس الأميركي أنّ إدارته مستعدّة لتعزيز إجراءاتها الرامية لمكافحة الوباء “على نطاق أوسع بكثير” إذا ما استدعى الأمر ذلك. وقال “لدينا بالفعل خطط للتعامل على نطاق أوسع بكثير إذا ما احتجنا إليها”، مضيفاً “لدينا مستشفيات في بعض الولايات تُخلي غرفاً وتبني أماكن للحجر الصحّي”. وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت الولايات المتحدة قد زادت مخزونها من معدّات الحماية مثل الكمّامات والرداءات، أجاب ترامب “لقد طلبنا الكثير منها، في حال احتجنا إليها فحسب”.

امريكا والصين

من جانب اخر استدعت الخارجية الأمريكية السفير الصيني لدى واشنطن احتجاجا على تصريحات صينية ألمحت إلى أن الجيش الأمريكي ربما يكون السبب في نشر فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية وسط تصاعد حدة التوترات بين البلدين حول مصدر انتشار الفيروس. وقال مسؤول في الخارجية الأمريكية إن ديفيد ستيلويل، كبير الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون منطقة شرق آسيا، وجه “خطابا شديد اللهجة” للسفير الصيني لدى واشنطن كيو تيانكاي الذي اتخذ موقفا “دفاعيا واضحا”.

وأضاف أن الصين تسعى إلى التخفيف من وطأة الانتقادات الدولية الموجهة إليها لدورها في “انتشار الفيروس وإخفاء الأمر عن العالم”. وتابع: “نشر نظريات المؤامرة خطير ومثير للسخرية. ونحذر الحكومة (الصينية) من أننا لن نتسامح مع ذلك لحرصنا على صالح الشعب الصيني والعالم أجمع”. وردا على سؤال حول “الروايات الغريبة” التي جاءت على لسان بعض المسؤولين الصينيين، بدا ترامب وكأنه يحاول تبديد أي مخاوف في هذا الشأن.

وقال الرئيس الأمريكي إنه قرأ مقالا عن هذا الموضوع، لكنه يرى أن تلك المزاعم لا تعبر عن المناقشات المتبادلة بينه وبين الرئيس الصيني شي جين بينغ. وأضاف ترامب، الذي وصف فيروس كورونا في خطاب وطني وجهه إلى الشعب الأمريكي الجمعة بأنه “فيروس أجنبي”: “إنهم يعلمون من أين جاء، وكلنا نعلم ذلك”.

وبدأت التوترات بين واشنطن وبكين بسبب التصريحات حول منشأ فيروس كورونا بتغريدة للمتحدث باسم الخارجية الصينية زهاو ليجيانغ على تويتر تساءل فيها: “متى ظهرت أول حالة في الولايات المتحدة؟ ما هو عدد الحالات هناك؟ ما هي أسماء المستشفيات التي تتعامل مع تلك الحالات؟ ربما يكون الجيش الأمريكي هو الذي أحضر الفيروس إلى ووهان. نرجو أن تتحلو بالشفافية، وأن تنشروا ما لديكم من بيانات! وأعتقد أن الولايات المتحدة مدينة لنا بتفسير!”، وهي التغريدة التي نشرها زهاو باللغة الإنجليزية.

وتمثل التوترات الحالية الحلقة الأحدث من مسلسل الحرب الكلامية بين الولايات المتحدة والصين التي تعكس تدهور العلاقات فيما بينهما في الفترة الأخيرة بسبب مشكلات منها ما يتعلق بالشأن التجاري، وحقوق الملكية الفكرية، علاوة على مشكلات أخرى بين البلدين بسبب حرية الصحافة التي احتلت دائرة الضوء مع بداية تفشي فيروس كورونا. وجاءت تصريحات زهاو بعد أيام قليلة من تصريحات روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي الأمريكي، قال فيها إن الصين كلفت العالم شهرين كان من الممكن أن يستغلهما في الاستعداد لمواجهة الفيروس.

الى جانب ذلك انتقدت الصين تصريحات مسؤولين أمريكيين تحمل استجابتها لفيروس كورونا المستجد المسؤولية عن تفاقم تأثير الوباء عالميا معتبرة أن هذه التصريحات ”غير أخلاقية وغير مسؤولة“. وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين قد اتهم الصين بالتقاعس عن الاستجابة للظهور الأولي للفيروس، قائلا إن هذا ربما كلف العالم شهرين بينما كان يمكن أن يستعد لانتشار المرض.

وردا على سؤال حول تصريحات أوبراين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ في مؤتمر صحفي في بكين إن التصريحات ”غير الأخلاقية وغير المسؤولة“ من بعض المسؤولين لن تساعد الجهود الأمريكية لمكافحة الوباء. وقال قنغ إن جهود الصين للحد من انتشار المرض وفرت للعالم كله وقتا للاستعداد لمواجهة الوباء. وقال ”نتمنى أن يركز عدد قليل من المسؤولين في الولايات المتحدة في هذا الوقت جهودهم على الاستجابة للفيروس وتعزيز التعاون، وليس على توجيه اللوم للصين.“ بحسب رويترز.

وظهر الفيروس في ديسمبر كانون الأول في مدينة ووهان في إقليم هوبي بوسط الصين، حيث تم تسجيل حوالي ثلثي الحالات العالمية حتى الآن. لكن في الأسابيع الأخيرة كانت الغالبية العظمى من الحالات الجديدة خارج الصين. واتخذت السلطات الصينية إجراءات احترازية حازمة في يناير كانون الثاني وفبراير شباط ، بما في ذلك إغلاق شبه كامل لإقليم هوبي، لمنع تفشي المرض في مدن صينية أخرى على نطاق ووهان وتحجيم الانتشار في الخارج.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/health/22520

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M