كورونا في أوروبا: تفاؤل حذر وأسبوع حاسم

عبد الامير رويح

 

مع استمرار تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي اصاب اكثر من 3 ملايين وأودى بحياة اكثر من 200 ألف شخص نحو 90% منهم في أوروبا والولايات المتحدة منذ بدء انتشاره في ديسمبر/كانون الأول، ماتزال العديد من دول العالم تواصل اجراءاتها الصحية لمواجهة هذا الوباء، الذي اثر سلباً بالنشاط الاقتصادي العالمي، بسبب الإغلاق العام والإجراءات الوقائية المتخذة التي اتخذتها العديد من دول العالم، ومنها دول الاتحاد الاوروبي التي سعت اليوم وبسبب الضغوط والخسائر المالية الكبيرة، كما ذكرت بعض المصادر البدء بتخفيف حظر التجول والإغلاق، وأبدت منظمة الصحة العالمية تحفظات حيال فكرة إصدار “جوازات مرور مناعية” عرضتها بعض الدول لمواكبة رفع إجراءات العزل.

وقد بددت المنظمة آمال الذين كانوا يراهنون على مناعة محتملة لدى الأشخاص الذين أصيبوا بالفيروس وتعافوا، باعتبار أنها مقدمة لاستعادة النشاط الاقتصادي، عبر إصدار “جوازات مرور مناعية”. وحذرت منظمة الصحة من أنه “ليس هناك حاليا أي إثبات على أن الأشخاص الذين تماثلوا للشفاء من كوفيد-19 ولديهم أجسام مضادة باتت لديهم مناعة تقيهم الإصابة به مرة ثانية”. وأوضحت أنه لا توجد “عناصر كافية” لتقييم مدى موثوقية “جوازات المرور المناعية” و”استخدام تلك الشهادات قد يزيد من خطر انتقال العدوى”، إذ قد يعتقد الأشخاص “أنهم محصنون” ويتجاهلون التدابير الصحية.

إسبانيا

وفي هذا الشأن خرج الأطفال في إسبانيا أخيرا من منازلهم بعد ستة أسابيع طوال عاشوا خلالها وسط واحدة من أكثر إجراءات العزل العام صرامة في أوروبا للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. وجاء تخفيف القيود مع تسجيل إسبانيا، واحدة من أكثر دول العالم التي شهدت إصابات ووفيات بكوفيد-19، أقل معدل زيادة يومية للوفيات بكورونا منذ أكثر من شهر.

وسمحت السلطات للأطفال بالخروج في مدريد مع ارتداء كمامات في أول مرة يسمح فيها لمن هم دون الرابعة عشرة بالخروج من منازلهم منذ أن أعلنت الحكومة حالة طوارئ وأوقفت أغلب الأنشطة في 14 مارس آذار. ويمكن الآن للأطفال القيام بنشاط في الخارج لمدة ساعة واحدة وبإشراف الكبار ما بين التاسعة صباحا والتاسعة مساء في محيط كيلومتر واحد من منازلهم. ويمكن للكبار اصطحاب ما يصل إلى ثلاثة أطفال لكن لن يسمح للصغار باستخدام ساحات اللعب وعليهم أن يلتزموا بإرشادات التباعد الاجتماعي بالبقاء على بعد مترين على الأقل من الآخرين. وقالت إسبانيا إن العدد اليومي للوفيات ذات الصلة بفيروس كورونا تراجع إلى أدنى مستوى. بحسب رويترز.

وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيث في خطاب بثه التلفزيون إن قيود العزل العام ستشهد مزيدا من التخفيف إذا استمرت أعداد الوفيات والإصابة في الانخفاض. كما أوضح أن هناك خطة أوسع نطاقا من الحكومة لتخفيف القيود بسرعات متفاوتة في الأماكن المختلفة بناء على استيفاء المعايير التي حددتها منظمة الصحة العالمية.

وتفرض إسبانيا أحد أكثر أنظمة العزل العام صرامة في أوروبا بهدف كبح معدل انتشار العدوى وعدد الوفيات اليومي، إلا أن هذا أدى إلى تعثر الاقتصاد على نحو ”بالغ الشدة“ كما قال البنك المركزي. وتوقع البنك انكماش اقتصاد البلاد ما بين 6.8 و12.4 بالمئة هذا العام بناء على مدة استمرار العزل العام. وسمحت السلطات لبعض الشركات في قطاعي التصنيع والبناء باستئناف العمل، لكن معظم السكان لا يزالون في منازلهم. وقال رئيس الوزراء بيدرو سانتشيث إنه سيسعى إلى موافقة البرلمان على تمديد إجراءات العزل العام حتى التاسع من مايو أيار لكن مع تخفيف بعض القيود.

فرنسا

وفي فرنسا التي تعيش ايضا في حالة إغلاق منذ 17 آذار/مارس قرّرتها الحكومة لاحتواء فيروس كورونا المستجد، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أن القيود المفروضة ستخفف تدريجيا اعتبارا من 11 أيار/مايو. وسيعرف الفرنسيون الاستراتيجية الوطنية التي أعدتها الحكومة لبدء الخروج التدريجي من الحجر الصحي المنزلي الذي فرضه تفشي فيروس كورونا، ومن المرتقب أن يعرض رئيس الوزراء إدوار فيليب الخطوط العريضة للخطة.

وتم تحديد سبع عشرة أولوية لإخراج البلاد تدريجيا من حالة الإغلاق، اعتبارا من 11 أيارمايو، وتشمل إعادة فتح المدارس، واستئناف عمل الشركات، وعودة حركة وسائل النقل العام إلى طبيعتها، وتوفير كمامات ومعقمات، ودعم كبار السن. وسيتم الكشف عن تطبيق إلكتروني لتعقب أثر الأشخاص الذين خالطوا مصابين بالفيروس.

من جانب اخر أعلنت مسؤولة في العاصمة الفرنسية أنه تبين وجود “آثار ضئيلة” لفيروس كورونا المستجد في مياه باريس غير المخصصة للشرب على غرار تلك المستخدمة في تنظيف الشوارع، لكنها شددت على أن مياه الشرب غير معرّضة لخطر التلوّث، وقالت أرفع مسؤولة بيئية في المدينة سيليا بلويل لوكالة الأنباء الفرنسية، إن المختبر التابع لهيئة المياه في باريس اكتشف وجود كميات ضئيلة للغاية من الفيروس في أربع من 27 عيّنة جمعت من أنحاء العاصمة، ما دفع السلطات لإغلاق الشبكة فورا كإجراء احترازي.

لكنها شددت على أن مياه الشرب تصل من شبكة “مستقلة تماما” و”يمكن استهلاكها بدون أي مخاطر”. وتستخدم المياه غير الصالحة للشرب والتي يتم جرها من نهر السين وقناة أورك في تنظيف الشوارع، وسقي العشب في متنزهات وحدائق المدينة المغلقة حاليا أمام العامة، كما تزوّد نوافيرها بالمياه. وأوردت بلويل إن مدينة باريس تتشاور مع وكالة الصحة التابعة للمنطقة لتحليل درجة الخطر قبل اتّخاذ أي قرار.

ألمانيا

على صعيد متصل شجع انخفاض عدد الإصابات السلطات في ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، على إعادة فتح المتاجر الصغيرة إلى جانب محال بيع السيارات والدراجات والمكتبات، شريطة الالتزام بقواعد صارمة للتباعد الاجتماعي والنظافة. وقال معهد الأمراض المعدية إن عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا المستجد في البلاد يجب أن ينخفض إلى بضع مئات في اليوم قبل القيام بمزيد من الخطوات لتخفيف إجراءات العزل العام، كما دعا إلى إجراء اختبارات على نطاق أوسع. وقال لارس شاديه نائب رئيس معهد روبرت كوخ ”يجب ألا نخفض دفاعاتنا الآن“.

كما وسع معهد روبرت كوخ توصياته لمن يجب إجراء الفحص عليهم ليشمل أي شخص يعاني من أعراض التهابات الجهاز التنفسي بغض النظر عما إذا كان قد خالط في السابق حالة إصابة مؤكدة بمرض كوفيد-19 الناتج عن الفيروس. وقال شاديه ”الآن بعد أن قامت الحكومة بتخفيف القيود تدريجيا… من المهم بشكل خاص أن تكون قادرا على رصد كوفيد-19 في الأشخاص الذين يعانون فقط من أعراض طفيفة“. وتجري الدولة فحوصا لنحو 260 ألف شخص أسبوعيا، لكن تم تدعيم المختبرات بما يتيح لها فحص 640 ألف حالة أسبوعيا إذا دعت الحاجة لذلك.

الى جانب ذلك نقلت صحيفة عن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس تحذيره من الإسراع بإعادة فتح المقاصد السياحية قبل الأوان وقال إن على أوروبا الاتفاق على مسار مشترك للعودة لحرية السفر والتنقل بعد القيود التي فرضت للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. وأضاف ماس لصحيفة بيلد أم زونتاج ”السباق الأوروبي على من يسمح بحركة السياحة أولا سيؤدي لمخاطر غير مقبولة“. وأشار ماس لارتفاع عدد حالات العدوى في منتجع إيشجل النمساوي للتزلج حيث يُعتقد أن الكثير من السياح الألمان التقطوا العدوى. وقال ”لقد شهدنا بالفعل ما يمكن أن تفعله العدوى الجماعية في منتجع عطلات مزدحم في الدول التي أتى منها السياح. لا يجب أن يتكرر ذلك“. بحسب رويترز.

ويعتقد أن مئات من السياح من دول مختلفة بينها ألمانيا والنرويج وإيسلندا أصيبوا بالمرض في إيشجل. وواجهت السلطات المحلية اتهامات بالتراخي في التحرك بعد أن اتضح أن الفيروس وجد أرضا خصبة في حانات المنتجعات المزدحمة وانتشر في إيشجل لمدة شهر قبل أن يتم فرض حجر صحي هناك في 13 مارس آذار. وقال ماس إن أوروبا بحاجة للاتفاق على معايير مشتركة لعودة حرية التنقل والسفر ”في أسرع وقت ممكن لكن بكل المسؤولية التي تقتضيها الضرورة“. وأضاف ”لا يجب علينا أن نترك النجاحات التي حققناها بعد عناء في الأسابيع القليلة الماضية تذهب هباء“ مشيرا أن التعجل قد يؤدي لفرض قيود على السفر لفترات أطول بكثير.

بريطانيا

يستأنف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي كان قد أصيب بفيروس كورونا المستجد، عمله على رأس الحكومة تحت ضغط متزايد لكشف خططه المتعلقة بالعزل. ومنذ خروجه من المستشفى في 12 نيسان/ابريل، يمضي رئيس الحكومة المحافظ البالغ من العمر 55 عاما فترة نقاهة في شيكرز المقر الريفي لرؤساء الوزراء البريطانيين، بينما يواجه فريقه انتقادات على إدارته لأزمة طويلة الأمد.

وأكدت مصادر في مقر الحكومة البريطانية أن بوريس جونسون سيعود إلى مكتبه وأنه “ينتظر بفارغ الصبر” ذلك. وجاءت هذه التصريحات لتؤكد ما نشرته صحيفة “ديلي تلغراف” المؤيدة للسلطة المحافظة. وأكد وزير الصحة البريطاني مات هانكوك أن جونسون “في حالة جيدة جدا”. ودعي البريطانيون منذ أكثر من شهر إلى البقاء في بيوتهم. ومن ارتفاع معدل البطالة إلى توقف معالجة أمراض أخرى غير كوفيد-19 وإغلاق المدارس، تعقد آمال كبيرة على كشف جونسون لخططه لمحاولة تشغيل الاقتصاد وتوضيح مستقبل العزل الذي فرض في 23 آذار/مارس وتم تمديده حتى السابع من ايار/مايو.

وقد حل محله وزير الخارجية في حكومته دومينيك راب الذي ترأس عددا من اجتماعات الأزمة المتتالية. لكنه يحتاج إلى موافقة ككل الحكومة التي تقول الصحف إنها منقسمة، لاتخاذ أي قرار كبير. وتقاسم وزير الخارجية أعباء المهمة مع مايكل غوف، مساعد جونسون ومات هانكوك خلال هذه الفترة التي تزامنت حسب السلطات مع ذروة الوباء.

أما في ما يتعلق بانعكاسات الوباء على الاقتصاد، فقد حذر بنك انكلترا من أن البلاد قد تواجه أسوأ ركود “منذ عدة قرون”. ويؤيد الرأي العام العزل، لكن كبار مسؤولي الحكومة واجهوا في غياب جونسون انتقادات متزايدة. فقد اتهم زعيم المعارضة العمالية الجديد كير ستارمر السلطة بالبطء سواء في ما يتعلق بإجراءات العزل أو كشف المرض أو تأمين معدات الوقاية التي يحتاج إليها بشدة المعالجون وكذلك بشأن دور المسنين. ورفضت الحكومة حتى الآن تحديد أي موعد لتخفيف إجراءات العزل، مؤكدة أنها تخشى تزايدا في عدد الإصابات وأنها تنتظر رأي العلماء. بحسب رويترز.

وأثار حضور دومينيك كامينغز مستشار جونسون، كما كشفت صحيفة “ذي غادريان”، عددا من اجتماعات اللجنة العلمية المكلفة توضيح الوضع للحكومة بما في ذلك اجتماع 23 آذار/مارس، تاريخ اليوم الذي فرض فيه العزل، شكوكا في استقلالية هذه الهيئة. وأكدت رئاسة الحكومة أن المستشارين السياسيين “لا يلعبون أي دور” في اللجنة، منتقدة بالمناسبة وسائل الإعلام. لكن المعارضة العمالية تعتبر أن ذلك يهز ثقة البريطانيين.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/reports/23033

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M