كورونا في العراق: من التشاؤم إلى التفاؤل

حامد عبد الحسين الجبوري

 

ظهر فيروس كورونا في الاقتصاد الثاني عالمياً، الصين، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وكنتيجة لسرعة انتقاله وعدم وجود علاج للقضاء عليه أو للحد منه، لجأت الصين للإجراءات الوقائية وبالخصوص حظر التجول مما أسهم في إعادتها إلى طريق التعافي لكنه انتقل للدول الأخرى قبل ذلك مما جعل منه وباءاً عالمياً ضرب العالم برمته.

انتقاله لدول العالم الأخرى، مع استمرار العجز في الوصول لعلاج مناسب له لحد الآن، حتّم على هذه الدول إتباع الإجراءات الوقائية أيضاً وبالخصوص حظر التجول، فأصبح هو الخيار الأنسب، للقضاء على الفيروس أو للحد من انتشاره، وهذا الإجراء (حظر التجوال) تسبب في ركود الاقتصاد العالمي كما أشار صندوق النقد الدولي.

ضعف الاقتصاد العراقي

إن ركود الاقتصاد العالمي بسبب كورونا إضافة لفشل اتفاق روسيا مع السعودية بشأن تخفيض الإنتاج من النفط لتحقيق استقرار أسعار النفط، كلا الأمرين دفعا لانخفاض الطلب على النفط عالمياً ومحلياً، خصوصاً إذا ما علمنا إن الصين التي كانت منطلق الفيروس، هي أكبر مستورد للنفط في العالم، وفي مقدمة الدول المستوردة للنفط العراقي.

إن تفشي كورونا وفشل الاتفاق تسببا في زيادة العرض من النفط وانخفاض أسعاره وتضرر العراق بشكل كبير كونه يعتمد على النفط بأكثر من 50% في الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من 90% في الإيرادات المالية العامة وأكثر 98% في الصادرات السلعية، فكانت النتيجة تعثر إقرار الموازنة بسبب ارتفاع عجز الموازنة وانخفاض الاستثمار بفعل انخفاض أسعار النفط وانخفاض كميات التصدير، مما جعل التوقعات تشاؤمية في الأمد القصير على اقل تقدير بشأن البطالة والفقر.

ضعف القطاع الطبي والصحي

رُبما لم يكُن العراق الأفضل في التعاطي مع فيروس كورونا إلا إنه من بين الدول الأقل تأثراً مقارنة بالدول الأخرى كالصين وإيران وكوريا الجنوبية وإيطاليا وأمريكا والسعودية وتركيا وغيرها، وعلى الرغم من تواضع إمكانات القطاع الطبي والصحي إلا إن الحق يُقال، فقد استنفر هذا القطاع كل ما بوسعه من طاقات لمواجهة هذا الفيروس، ومع هذا الاستنفار فقد كان الأثر الأكبر في تقليص حجم الضرر يعود لحظر التجوال الذي فرضته خلية الأزمة وليس لقوة القطاع لان الأخير معروف لدى الجميع كم يُعاني من الضعف والإهمال قبل وقوع الأزمة فكيف سيكون الحال في ظل انعدام حظر التجوال؟!

كورونا والصورة تشاؤمية

إن ضعف القطاع الطبي والصحي المعهود الذي خسر العراق بسببه الكثير من العملات الصعبة، إضافة للواقع الاقتصادي المتردي بسبب الاعتماد المفرط على النفط، بالتزامن مع الفشل السياسي المزمن الذي يُعانيه النظام السياسي، هذه العوامل مجتمعةً أسهمت في رسم صورة تشاؤمية خلفها فيروس كورونا على الواقع العراقي الحالي والمنظور. ولكن هل من إمكانية لرسم صورة تفاؤلية للمستقبل العراقي اقتصادياً؟

كورونا من زاوية أخرى

نعم، من زاوية أخرى هناك صورة تفاؤلية لواقع الاقتصاد العراقي على مستوى الأمد المتوسط والبعيد، أخذت ملامحها تتشكل من الآن بسبب كورونا والنفط، خصوصاً إذا ما توفرت الإدارة الكفوءة والإرادة الوطنية لإدامة تشكيل هذه الملامح وتقويمها وتقويتها وعدم التفريط بها كونها فرصة لا يمكن أن تتكرر خصوصاً على المستوى الاجتماعي تجاه الشأن الاقتصادي.

حيث أجبر كورونا الأفراد والمجتمعات والجهات الرسمية على إعادة النظر في تفكيرها وعلى مختلف المجالات، إعادة النظر هذه، هي مسألة جيدة بحد ذاتها كونها تسهم في مراجعة المسيرة التاريخية وتشخيص نقاط القوة ونقاط الضعف، ثم يتم تحديد الخطوات اللازمة للحفاظ على الأولى ومعالجة الثانية.

تنويع مصادر الأفراد

فقد لجأ العديد من الأفراد وخصوصاً الموظفين وحتى المتقاعدون الجُدد، للتفكير بتنويع مصادر دخلهم كآلية للتخلص أو للحد من القلق الذي يرافق هذا المصدر الأحادي المرتبط بالنفط وتذبذب أسعاره بسبب الأزمات التي تضرب الاقتصاد العالمي كأزمة كورنا التي نعيشها في الوقت الحاضر.

حيث أصبح تنويع مصادر دخلهم ضرورة مُلحة في ظل طبيعة الأزمات التي يتعرض لها العراق، فإلى جانب الأزمات الدولية اقتصادياً، التي تخلف القلق، وصحياً، التي تخلف منع الحركة والنشاط، الأزمات الداخلية المزمنة المتمثلة في الأزمات السياسية، ذات الامتدادات الثقافية، التي تنعكس بشكل تلقائي على الوضع الأمني ثم الانفلات والفوضى.

ونظراً لهيمنة الدولة على النفط في العراق، فتفكير الأفراد وخصوصاً الموظفون بتنويع مصادر دخولهم، هو بداية التفكير بالابتعاد عن الدولة للتخلص من القلق المرافق لتذبذب النفط وكذلك التخلص من الروتين والرتابة التي يتسم بها العمل في الدولة والقطاع العام.

المجتمعات الريفية واستصلاح الأراضي

وعلى مستوى المجتمعات وبالخصوص الريفية فقد كانت هذه المجتمعات تبحث عن الكسب اليومي والسريع في المدينة وأسواقها تاركةً وراءها الأراضي تعاني الإهمال والضعف وانخفاض الإنتاجية لكن كورونا أفرز واقعاً جديداً مختلفاً عما سبقه متمثلاً بتجميد الأسواق والأعمال بواسطة حظر التجوال الذي منع الحركة لمنع تفشي الفيروس في صفوف المجتمع العراقي.

ونظراً لاختلاف طبيعة العمل الزراعي في الأرياف عن العمل في المدينة والصناعة والأسواق، كونه لا يتطلب تجمعاً بشرياً كما هو الحال في المدينة والصناعة الأسواق، فهو غير مُعرض لحظر التجول فكانت حركته أسهل مما دفع المجتمع الريفي نحو زيادة الاستثمار والاستصلاح الأراضي، وهذه بوادر جيدة لابُد من استكمالها بخطوات مُشجعه من قبل الدولة.

طرق أبواب العالم الافتراضي

بالإضافة للهوة الواسعة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية ومن بينها العراق من حيث التقدم والتخلف، جاء فيروس كورونا لتعميق هذه الهوة من خلال فرض حظر التجوال في وقت تستطيع البلدان المتقدمة من الانتقال للعالم الافتراضي وتعويض خسائرها في العالم الواقعي، في حين لم يكُن الأمر كذلك بالنسبة للبلدان النامية والعراق، وبالتالي ستكون خسارتها مركبة وتزاد الهوة بشكل أكبر كلما تقدم الزمن.

الخسارة المركبة التي شعرت بها البلدان النامية ومنها العراق بسبب كورونا وحظر التجوال دفع بها لطرق أبواب العالم الافتراضي وأكثر المسائل وضوحاً بهذا الشأن مسألة “التعليم الالكتروني” أو “التعليم عن بُعد” حيث نلاحظ التربية وبالخصوص التعليم أخذت تربط بين الطلبة والتدريسيين في صفوف الكترونية عبر الانترنت، وبما إن هذه المسألة حديثة التجربة في العراق ستشوبها الشكوك بلا أدنى شك فيما يتعلق بالجودة، وهذه الشكوك ستحصل اليوم أو غداً، فتطبيقها من هذه اللحظة أفضل بكثير من التأخير لأنها ستنضج شيئاً فشيئاً بمرور الوقت.

وللأسف إن الجهات الرسمية لم تكُن جاهزة للتعاطي الكترونياً مع المواطن في ظل أزمة كورونا عبر ما يُعرف بـ”حكومة المواطن الالكترونية”، ويمكن القول إن قطع شوطاً طويلاً في التربية والتعليم الكترونياً سيسهم في تطبيق حكومة المواطن الالكترونية بشكل سلسل لان هناك طبقة واسعة من المجتمع لديها معرفة بأبجديات بالولوج للعالم الافتراضي، لكن هذا لا يعفي الحكومات الحالية من التقصير بمسؤولياتها تجاه المواطن في الوقت الحاضر في ظل أزمة كورونا وغيرها.

كورونا والصورة التفاؤلية

وبناءاً على ما تقدم، فإن إعادة تفكير الأفراد خصوصاً الموظفين بمصدر دخلهم الأحادي باتجاه تنويعه بعيداً عن الدولة، ولجوء المجتمعات الريفية لاستصلاح أراضيها، وطرق أبواب العالم الافتراضي خصوصاً التربية والتعليم، هذه بوادر رسم صورة تفاؤلية يمكن الاهتمام بها والعمل على إخراجها بشكل جيد مستقبلاً على نحو سليم تخدم الاقتصاد العراقي بشكل حقيقي.

الخلاصة

خلاصة القول، كما أسهم فيروس كورونا في رسم صورة تشاؤمية في الوقت الحاضر وحتى الأمد القريب فمن زاوية أخرى هناك صورة تفاؤلية يمكن أن يعكسها هذا الفيروس إذا ما تم استثمارها وإدارتها بشكل أمثل.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/economicarticles/23015

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M