كورونا في القرن الإفريقي: أبعادها الاقتصادية وتداعياتها الإنسانية المحتملة

الشافعي أبتدون

ينتشر فيروس (كوفيد 19) في منطقة القرن الإفريقي كالنار في الهشيم، فمنذ تسجيل أول حالة إصابة بالمرض في كل من إثيوبيا وكينيا مطلع شهر مارس/آذار الماضي (2020)؛ تزداد المخاوف الإقليمية من حدوث أزمات اجتماعية واقتصادية وإنسانية في المنطقة، التي لا تتوافر فيها معدات طبية حديثة لمواجهة أزمة كورونا الصحية عالميًّا، فضلًا عن غياب الدعائم الاقتصادية والكوادر البشرية لمواجهة داء عضال، لم يجد له العالم بعد علاجًا ناجعًا لمنع انتشاره وتمدده نحو دول جديدة إفريقيًّا وعالميًّا.

اللافت في الأمر أن دول القرن الإفريقي اتخذت تدابير احترازية للحيلولة دون اتساع رقعة هذا المرض، بعضها وُصفت بأنها أشبه بموت بطيء يشل القطاعات الحيوية الاقتصادية في دول المنطقة، إلى جانب أن المجتمعات شرق الإفريقية تعتمد حياتها على الدخل اليومي المحدود، فتوقف الحياة اليومية يعني بالنسبة لهم موتًا مؤجلًا سلفًا أخطر من تداعيات كورونا الإنسانية والاقتصادية.

في هذا التقرير نتناول أبعاد وتداعيات فيروس كورونا (كوفيد 19) على اقتصادات دول شرق إفريقيا، ورصد تأثيراتها على الوضع الإنساني والصحي بالنسبة للكثير من اللاجئين والنازحين في دول المنطقة من الصومال وكينيا وإثيوبيا والسودان، وذلك في ظل ما تعانيه المنطقة من آثار بيئية متكررة جرَّاء غزو الجراد للمناطق الزراعية وانعدام الأمن الغذائي، هذا إلى جانب وجود تبعات أخرى لأزمة كورونا المستجدة.

كورونا في القرن الإفريقي: خريطة الانتشار والتوسع

ككرة الثلج تتسع رقعة انتشار الوباء العالمي، في كل من كينيا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال والسودان، مسجلة أرقامًا جديدة بشكل ملحوظ، ففي كينيا سجلت 129 حالة إصابة بكوفيد 19؛ وهي الأكثر عددًا حتى الآن بمصابي الفيروس في القرن الإفريقي، ثم أوغندا التي سجلت 44 إصابة، تليها إثيوبيا التي سجلت 35 إصابة بالوباء، أما جيبوتي فهي الرابعة من حيث عدد الإصابات بـ33 حالة، وتأتي خلفها إريتريا التي سجلت حتى الآن 23 حالة، أما السودان فأكد تسجيل 10 حالات حتى الآن، أما الصومال فهو الأقل بـ7 حالات فقط.

اللافت للنظر، أن ارتفاع أعداد المصابين في دول القرن الإفريقي، له صلة مباشرة بالعلاقات الاقتصادية لدول المنطقة مع الصين وشركاتها الاقتصادية العملاقة، وخاصة لكل من إثيوبيا وجيبوتي؛ حيث من المرجح أن سعة الاستيراد والعلاقات التجارية مع الصين باتت العامل الأول والمحدد للتعرض للعدوى من الصين لنحو 18 دولة إفريقية، بينما شملت قائمة الدول الأكثر هشاشة وعُرضة لتفشي المرض: الصومال، وتشاد، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وموريتانيا(1).

ومنعًا لانتشار وباء كورونا اتخذت دول شرق إفريقيا خططًا استراتيجية وتدابير احترازية، وذلك بعد تزايد ملحوظ لأعداد المصابين بالمرض؛ حيث علَّق الصومال رحلاته الدولية والمحلية القادمة والمغادرة من مطار مقديشو، وهو قرار شمل أيضًا جميع المطارات في الولايات الفيدرالية، كما عُلِّقت الدراسة في المدارس والجامعات حتى إشعار آخر، ما عكس تخوفًا محليًّا من انتقال العدوى من الدول المجاورة سيما كينيا وإثيوبيا، نظرًا للتبادل التجاري معهما؛ حيث توقفت تجارة تصدير نبتة القات المخدرة، من البلدين نحو الصومال. قرارات مشابهة اتخذتها أيضًا معظم دول القرن الإفريقي، بينما ذهبت كينيا إلى أبعد من ذلك بفرضها حظر تجوال يشمل العاصمة والمناطق المتضررة من الوباء المستجد، ولجأت الشرطة الكينية إلى العنف لمطاردة المخالفين لتطبيق الإجراءات الصادرة من الحكومة الكينية؛ الأمر الذي دفع المحكمة العليا في كينيا إلى إصدار قانون يمنع استخدام القوة المفرطة أثناء فرض قرار حظر التجوال(2)، بينما أغلقت جيبوتي حيًّا بأكمله (حي مكة المكرمة) بعد تسجيل حالات عدوى كوفيد 19 منعًا لانتقال الفيروس منه إلى الأحياء الجيبوتية الأخرى(3).

ويبين الجدول التالي خريطة انتشار فيروس كورونا من حيث عدد الإصابات والوفيات وحالات الشفاء في دول القرن الإفريقي 

الدولة الإصابات الوفيات الشفاء
1 كينيا 129 4 4
2 أوغندا 44 0 0
3 إثيوبيا 35 0 4
4 جيبوتي 33 0 0
5 إريتريا 23 0 0
6 السودان 10 2 0
7 الصومال 7 0 1
الإجمالي 281 6 9

 

وعلى الرغم من كل تلك الإجراءات والتدابير الاحترازية للحد من مخاطر انتشار فيروس كورونا المستجد، إلا أن تلك الحزمة من التدابير الصارمة، كان لها إيقاع مختلف في دول المنطقة، ومن المتوقع أن تتفاقم أوضاع سكان دول شرق إفريقيا من حيث تأثرها بالتداعيات الاقتصادية لهذا الوباء، كما تتباين اقتصادات تلك الدول من حيث مواردها الطبيعية والبشرية كمًّا وكيفًا، لكن القاسم المشترك فيما بينها أنها تعاني من فقر حاد وتراجع في منتوجاتها الزراعية نتيجة التغير المناخي، وارتفاع نسبة البطالة وخاصة في أوساط فئة الشباب الذين يشكِّلون العمود الفقري للمجتمعات المحلية، إلى جانب تدنى العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية الطاغية على اقتصادات دول المنطقة، وهذا يتزامن في ظل وباء عالمي يقود العالم نحو أزمة مالية جديدة.

أبعاد “كورونا “على اقتصادات دول القرن الإفريقي

تُعرف القارة الإفريقية اقتصاديًّا بـ”القارة المستهلِكة”، والتي ما تنفك اقتصاداتها عن الارتباط بالحركة الاقتصادية العالمية، إذ تستورد الكثير من دولها الغذاء والدواء بشكل كامل من الخارج، مع إنفاق القارة ككل -الذي يصل نحو 65 مليار دولار- على واردات الغذاء في العام 2017. ولا يُتوقع اضطراب التجارة العالمية التي تُعَوِّل عليها إفريقيا بسبب الوباء؛ حيث لا تدفع تكلفة الطاقة المرتفعة أسعار الغذاء لأعلى، كما تم في العام 2007-2008، إبان الأزمة المالية العالمية التي شلَّت قطاعات حيوية في العالم(4).

وبهذا الارتباط الاقتصادي الوثيق بين إفريقيا كقارة ودول العالم المصنِّعة والمصدِّرة لإفريقيا، فإن مما لا شك فيه أن القارة السمراء ستتأثر سلبًا بالتطورات الاقتصادية المتسارعة، والتي أحدثها فيروس كورونا الذي يُطِلُّ برأسه من جديد على دول عدة في القارة ذاتها. وتعد دول شرق إفريقيا من الدول ذات العلاقات التجارية مع الصين وأوروبا، موطن الوباء حاليًّا، لسدِّ احتياجات أسواقها، التي تعلو أرففها القطع الصناعية والغذائية والأدوية المستوردة من الخارج. إذن، ما هي القطاعات الحيوية الاقتصادية المتضررة من وباء كورونا؟

يمكن من خلال النقاط التالية أن نتناول أبرز القطاعات المتأثرة بتفشي فيروس كورونا عالميًّا ومحليًّا:

  1. قطاع الاستيراد والشحن: ترتبط اقتصادات دول القرن الإفريقي، وخاصة الصومال وجيبوتي وإثيوبيا، بالأسواق الصينية على نحو كبير في استيراد بضائعها من الأغذية وقطع الغيار والملابس والإلكترونيات، لكن مع توقف حركة التصدير من الصين نحو دول شرق إفريقيا، فإن ذلك سيؤثر حتمًا على اقتصادات تلك الدول؛ حيث إن أسواق الصومال كغيرها باتت عرضة لارتدادات اقتصادية نتيجة انتشار الفيروس، فالسوق الصومالية تعتمد بنسبة نحو 80 في المئة على المنتجات الصينية؛ ما قد يضع تجارة البلاد في مأزق كبير غير مسبوق. فغالبية السلع غير الغذائية تأتي إليه من الصين، مثل الهواتف وأدوات الكهرباء والبناء والأدوات المكتبية وأجهزة الحواسيب والألعاب والملابس وأدوات التجميل، وهي من السلع التي يُتوقع نفادها من الأسواق، في حال استمرار تداعيات الفيروس على الصين. كما أن تداعيات من هذا القبيل تواجهها دول المنطقة التي ارتبطت اقتصاديًّا بالصين في السنوات العشر الأخيرة نتيجة الإقبال على الأسواق والمنتجات الصينية(5).أما قطاع الشحن وخاصة بين دول المنطقة، فتوقف إبَّان إغلاق المعابر الحدودية وخاصة بين كل من الصومال وكينيا وإثيوبيا وجنوب السودان؛ حيث كانت حركة تنقل رؤوس الأموال عبر الحركة التجارية النشطة تتدفق وتدر مدخرات مالية ضخمة لخزينة تلك الدول، ما كان ينعش اقتصادات دول المنطقة الضعيفة، والتي تواجه أصلًا عجزًا تجاريًّا منذ عقود.
  2. قطاع المال والحوالات: يعد قطاع البنوك والحوالات المالية بالنسبة لدول المنطقة الرافعة الثانية في سدِّ عجزها التجاري السنوي؛ حيث إن ما تصدِّره دول القرن الإفريقي إلى الخارج لا يساوي 10% مما تستورده من الخارج؛ ما يعني أن الحوالات المالية التي تتدفق عليها من دول أوروبا والخليج والولايات المتحدة، تعد بمنزلة طوق نجاة لاقتصاداتها الهشة. ففي كينيا مثلًا شهد قطاع الصادرات تذبذبًا حادًّا وعاش في انخفاض مطَّرد في العقد الماضي، وكانت احتياطياته من النقد الأجنبي مدفوعة في المقام الأول بالتحويلات بدلًا من أرباح الصادرات، وهذا ما يشكِّل خطرًا على الاقتصاد الكيني، بسبب الطبيعة المتقلبة لنمو التحويلات السنوية، ففي عام 2019، بلغت التحويلات المالية من الخارج في كينيا 285.5 مليار شلن، بزيادة 13.6 مليار شلن عام 2018(6).أما الصومال، فيعتمد تحويلات المغتربين والمنح المالية المقدمة من المجتمع الدولي في سدِّ عجزه التجاري الذي يقدر بنحو 70 في المئة؛ حيث إن الصادرات أقل بكثير من الواردات منذ عقود نتيجة توقف صادراته إلى الخارج بفعل الحرب، ونتيجة غياب خطط وسياسات اقتصادية تشجع على التصدير بدل الإقبال على المنتجات الأجنبية المستوردة من الخارج. وتقدر نسبة التحويلات المالية التي تأتي إليه من الخارج بأكثر من مليار دولار أميركي سنويًّا(7).
  3. ونتيجة لتوقف الرحلات الدولية والإقليمية في القرن الإفريقي، فإن تداعيات كورونا الاقتصادية وخاصة في قطاع المال والحوالات ستؤثر سلبًا على تعافي اقتصادات كل من إثيوبيا وكينيا والصومال، وتوقف حركة تدفق الأموال العابرة عبر القارات، وتهدد عجلة النمو الاقتصادي، من خلال عدم تحديد موازنات مالية جديدة، وخاصة بين ما هو متوفر من احتياطيات النقد في الداخل، وما هو مفقود أو معلَّق في الخارج نتيجة شلل في حركة انتقال رؤوس الأموال من وإلى الداخل، ما قد يوقف عمل الكثير من قطاعات المال والحوالات، التي كانت تُنقل عبر الطائرات من دول المنطقة إلى الخارج، والعكس تمامًا.
  4. قطاع الثروة الزراعية والحيوانية: يمثل غياب الأمن الغذائي في دول القرن الإفريقي عاملًا رئيسًا في تفجر أزمات اجتماعية وحدوث كوارث إنسانية، في مقدمتها المجاعة، التي تضرب دول الإقليم مرة بعد كل عقد من الزمن، ففي كينيا أظهرت شبكة الإنذار المبكر عن المجاعة في مارس/آذار الماضي (2020) أن 17 مقاطعة تعاني من الجفاف، وهناك احتمال بأن تعاني من النقص الحاد في المواد التموينية حتى مايو/أيار القادم. وذلك في ظل مخاوف من حظر سيشمل تحركات المزارعين، نتيجة ارتفاع أعداد المصابين في الريف التي سجلت نحو 50 مصابًا بالوباء؛ مما قد يؤدي إلى تراجع قطاع الزراعة في كينيا(8).أما في الصومال، الذي بدأ في السنوات الأخيرة الاهتمام بإنتاج زراعة الغلات النقدية وتصديرها إلى الخارج (السمسم، والليمون، واللوبان)، فإن هذا القطاع سيدفع ثمنًا باهظًا، إثر وقف التصدير البطيء من موانئ الصومال، هذا إلى جانب توقف عمليات تصدير الماشية إلى دول الخليج، وخاصة بالنسبة لموسم الحج المقبل؛ حيث كان هذا القطاع يحقق أرباحًا جيدة في السنوات الخمس الأخيرة، لكن من المحتمل أن يتضرر هذا القطاع بسبب تداعيات كورونا على التجارة المحلية، ما قد يفاقم ارتفاع عجز الموازنة التجارية الصومالية، ويوقف نبض شريان اقتصادي ضعيف منذ عقود.

وتأتي تداعيات كورونا لتفرض نفسها بقوة على اقتصادات دول شرق إفريقيا، في وقت كانت تعاني فيه من غزو أسراب الجراد التي كانت تنتقل من بلد لآخر، ابتداءً من الصومال مرورًا بإثيوبيا وانتهاء بكينيا؛ ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، يمكن أن يسافر الجراد الصحراوي، وهو أخطر أنواع الجراد، لمسافة تصل إلى 150 كيلومترًا (95 ميلًا) في اليوم، ويتناول وزن جسمه من المساحات الخضراء، بحيث إن سربًا واحدًا يتألف من 40-80 مليون حشرة يمكن أن يقضي على مساحات زراعية شاسعة، وهو ما شكَّل –ولا يزال- خطرًا على المحاصيل الزراعية والمراعي الخضراء التي كانت تقصدها ماشية دول المنطقة، وهو ما يضع تلك البلدان بين سندان الجراد الصحراوي ومطرقة تداعيات كورونا الاقتصادية(9).

تداعيات كورونا الإنسانية المحتملة

ليست اقتصادات دول القرن الإفريقي هي المتضررة وحدها في خضم مواجهة وباء عالمي تتسع رقعته جغرافيًّا وتزداد أعداد المصابين بشكل منقطع النظير، بل إن تداعيات إنسانية تنجم عن هذه الكارثة الصحية التي تهدد النسق الاجتماعي الإقليمي والدولي؛ حيث إن منطقة القرن الإفريقي تحتضن مئات من مخيمات اللجوء للاجئين الأفارقة والمشردين والنازحين داخل تلك الدول، وخاصة في كل من الصومال وكينيا وإثيوبيا والسودان، حيث تقدر أعداد اللاجئين والنازحين المكتظة في دول المنطقة بنحو 18 مليون شخص، أي إنهم يشكِّلون 26 في المئة عالميًّا، ورقم فلكي من المتضررين من الأزمات والحروب والكوارث البيئية، وهو ما يشير إلى أن هؤلاء سيواجهون حتمًا متاعب جمَّة في تأمين مستلزمات حياتهم اليومية، إذا استمرت جائحة كورونا الإنسانية على هذا المنوال(10).

ومن المحتمل أن تواجه دول القرن الإفريقي تداعيات إنسانية جرَّاء فيروس كورونا، والتي يمكن إيجازها في الحقول الآتية:

  • تقلص مستوى الدعم الإنساني: اعتمدت دول كثيرة في القرن الإفريقي على الدعم الخارجي والمنح الدولية والمساعدات العربية في مواجهة أزمات اجتماعية داخلية، لكنَّ انشغال دول العالم، وخاصة الدول المانحة وبعض الدول الخليجية التي كانت القوة الخيِّرة الداعمة في اقتصادات دول شرق إفريقيا، سواء بالقروض أو المنح المالية أو الاستثمارات، في احتواء أزمة كورونا الصحية، جعل من الصعوبة بمكان في الوضع الراهن توافر دعم أجنبي في الأشهر المقبلة، وذلك في ظل تقلص مستوى الدعم الإنساني سابقًا، نتيجة تراجع أسعار النفط عالميًّا، والتنافس الجيوسياسي في المنطقة، فضلًا عن مشاكل الجغرافيا المتقلبة والتغيرات المناخية، التي تسببت في حدوث أزمات إنسانية في كل من الصومال وإثيوبيا. ويواجه ملايين من النازحين واللاجئين في كل من كينيا والصومال وإثيوبيا، مشكلة نقص المواد الغذائية الصيف المقبل، ما لم تنقشع غيمة فيروس كورونا التي تطل برأسها الأسود على المنطقة؛ حيث كان موسم شهر رمضان، بمنزلة انفراجة منتظرة لسدِّ حاجاتهم من الأغذية، حيث توفر معظم الهيئات الإنسانية أطنانًا من المعونات الإغاثية للنازحين، وهو ما يقلق حاليًّا ربع مليون صومالي من إمكانية حدوث أزمة إنسانية جديدة، في حال فُرض عليهم حظر التجوال ولم تتوافر للدول التي تحتضنهم استراتيجية بديلة لدعم هؤلاء البسطاء.
  • الأيدي العاملة والفلاحين: تمثل حركة العمال في أسواق شرق إفريقيا والمزارعين في الحقول الزراعية، الطبقات الأكثر تضررًا بسبب الإجراءات المتبعة حاليًّا في فرض حظر جزئي أو كلي في دول المنطقة، فكينيا مثلًا التي فرضت حظر التجوال على شعبها، منعًا لانتشار الوباء، تواجه مشكلة كبيرة في سدِّ احتياجات الأسر الفقيرة والمزارعين، على الرغم من أن الحكومة الكينية تحاول استيراد مليوني كيس من الذرة للاستهلاك الآدمي، ومليوني كيس من الذرة الصفراء لتجهيزها كعلف حيواني، وذلك للحيلولة دون تفاقم الأزمة الغذائية التي تواجهها البلاد، أما في السودان، فالأزمة الغذائية هي كالأخطبوط، وتتفرع منها مشاكل ضخمة؛ إذ تواجه الخرطوم مشكلة ندرة السلع الضرورية مثل المحروقات والقمح، والدقيق وغاز الطبخ، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي للاستيراد، كما تعاني البلاد من اختلال في الميزان التجاري بما يتجاوز 4 مليارات دولار، وتُقدَّر الصادرات السودانية بنحو 3 مليارات دولار، والواردات بـ7 مليارات دولار. أي إن هناك عجزًا تجاريًّا يتراوح ما بين 70 و80 في المئة(11).أما في الصومال، فمن المستبعد حتى في ظل حكومة فيدرالية تحظى باعتراف ودعم دولي أن تتوافر فيه استراتيجيات لدعم الأيدي العاملة وصغار التجار، الذين ترتبط حياتهم بمعاش الأجرة اليومية، على الرغم من أن الحكومة الصومالية جهزت مبلغ 5 ملايين دولار أميركي لموجهة جائحة كورونا، لكن ما زال الغموض يكتنف آلية تقسيم هذا المبلغ الضئيل لمواجهة الفيروس صحيًّا أم علاج حالات اجتماعية إنسانية ناجمة عن تداعيات كورونا الإنسانية(12).
  • المستشفيات والأدوية: من المحتمل أن تشهد المستشفيات نقصًا حادًّا في المعدات الطبية الحديثة لمقاومة فيروس كورونا، وكذلك صعوبة توفير عنابر مجهزة بالمعدات الطبية، لاستقبال مرضى كوفيد-19، وهو ما يمثل تحديًا بالنسبة لدول القرن الإفريقي، لتوفير احتياجات القطاع الصحي، من الكمامات وأجهزة التنفس والأَسِرَّة المزودة بالمعدات الحديثة؛ ففي إثيوبيا ما زال عدد الأسرة غير كاف (500 سرير حتى الآن) مقارنة بالكثافة السكانية الهائلة للبلاد، في حال تفشى الفيروس، أما في الصومال، فخصصت الحكومة الفيدرالية منطقة داخل معسكر حلني لإيواء مصابي كورونا، فهي منطقة أُقيم فيها حاليًّا عشرات من الخيام وتحوي 81 سريرًا مزودة بأجهزة التنفس ومعدات طبية أخرى، لكن يأتي النقص الحاد في إيجاد أجهزة فحص الفيروس، ناهيك عن توافر مختبرات لكشف عدوى كورونا، وأرسلت طلبًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO) بشأن تزويدها بهذه المعدات، وهو ما قد يشكِّل خطرًا حقيقيًّا ينتج تفشي الفيروس، نظرًا لقلة الاستعدادات وغياب الكادر البشري لمواجهة الوباء(13).

استراتيجيات دول القرن الإفريقي لمواجهة تداعيات كورونا الاقتصادية

لعل السؤال الذي يقفز إلى الأذهان: ما الاستراتيجيات والبدائل المتاحة حاليًّا أمام قادة دول القرن الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) للحد من تداعيات جائحة كورونا على اقتصادات دول المنطقة؟ وهل بإمكانها أن تنجح في كبح جماح تدهور اقتصادي محتمل، أمام انهيار البورصات العالمية والإقليمية وتضخم الأسعار وخاصة السلع الاستهلاكية الضرورية؟
لبحث تداعيات آثار كورونا على دول المنطقة، عقدت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) اجتماعًا طارئًا عاجلًا عبر الإنترنت لرؤساء دول المنطقة، وتمخض عنه قرارات كان من أبرزها صياغة استراتيجية كاستجابة إقليمية شاملة وتكليف أمانة الهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد) بوضع خطة تنفيذ مصاحبة للتصدي لوباء كورونا، وإنشاء صندوق طوارئ لمكافحة الأمراض الوبائية وسبل الوقاية منها(14).

أما على صعيد الدول الإقليمية، فقد أعلن الصومال عن خفض الضرائب المفروضة على التجار المحليين، وذلك منعًا لانهيار يشل هذا القطاع بكامله، وذلك في مقابل الحد من ارتفاع أسعار السلع الضرورية. أما في كينيا، فأعلن وزير الزارعة الكيني عن دعم حكومته للقطاع الزراعي بدعم الأسواق والمزارعين بمحاصيل الذرة للاستهلاك المحلي، تفاديًا للنقص المحتمل في المخزون الغذائي المتوافر حاليًّا. أما في جيبوتي، فتبنت الحكومة المحلية إجراءات ضريبية عامة ومحددة لدعم الشركات والقطاعات الاقتصادية الأخرى المتضررة من هذه الأزمة الصحية، وذلك من خلال إنشاء لجنة جديدة تُعنى بتنسيق الأنشطة الحكومية، لإدارة جائحة فيروس كورونا المستجد.

تداعيات أخرى

لا تنحصر تداعيات كورونا على الشقين الإنساني والاقتصادي فقط في القرن الإفريقي، بل من المحتمل جدًّا، أن تمتد ألسنة نارها إلى الوضع السياسي في المنطقة، وخاصة في الصومال وإثيوبيا والسودان؛ حيث الأوضاع السياسية المتقلبة هناك حينًا بعد الآخر، وأعلنت اللجنة الانتخابية في إثيوبيا عن إرجاء الانتخابات العامة التي كان من المقرر إجراؤها أغسطس/آب المقبل (2020) بسبب فيروس كورونا المستجد، في نكسة للعملية الانتقالية الديمقراطية الهشة في البلاد(15). ومن المحتمل أن يتأثر مشروع سد النهضة الإثيوبي بتداعيات فيروس كورونا، ويتأجل موعد ملء السد على الرغم من التحذيرات والتهديدات المتبادلة بين القاهرة وأديس أبابا، لكن حكومة آبي أحمد مصرَّة على ملء خزانات المياه الصيف القادم، رغم تحديات كورونا الاقتصادية والاجتماعية على المنطقة.

أما في الصومال، فمن المتوقع أن تستغل الحكومة الفيدرالية الفرصة المواتية في تمديد فترتها التي تنتهي مع مطلع فبراير/شباط عام 2021، إلى عام على الأقل، تحت ذريعة فيروس كورونا واستنادًا إلى مادة في الدستور الصومالي التي تقر بتأجيل موعد الانتخابات في حال حدوث كوارث بيئية وأوبئة وحروب تحول دون إمكانية إجراء انتخابات عامة.

سودانيًّا، بدت أزمة كورونا هي الطاغية على المشهد السوداني برمته، وبحسب خبراء، فإنه من المتوقع أن تطول هذا الأزمة عملية الانتقال السياسي السلمية في السودان، الذي ما زال يحاول الخروج من عنق عنفوان الثورة السودانية الأخيرة، فالوضع فيه ملبَّد بغيوم فوضى أمنية وسياسية، وآخرها محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوداني “حمدوك”، فضلًا عن نقاشات حادة داخل البيت السوداني حول التطبيع مع إسرائيل وقضية سد النهضة الإثيوبي، أزمات سياسية كلها تزداد حجمًا وتأثرًا بجائحة كورونا التي تحمل أبعادًا مختلفة وتداعيات على أكثر من مستوى في القرن الإفريقي.

خلاصة

أخيرًا، يمكن القول: إن دول القرن الإفريقي مقبلة على معضلة إنسانية واقتصادية وسياسية صعبة نتيجة انتشار سريع لوباء كورونا، فضلًا عن عدم توافر -حتى الآن- استراتيجيات اقتصادية دقيقة وخطط تنموية طموحة، ففي حال تفاقمت أوضاع تلك الدول إنسانيًّا وصحيًّا، فإن موتًا مؤجلًا –لا قدَّر الله- سيحصد سكان المنطقة بشكل يومي، وستكون أرقامه أكثر رعبًا وقلقًا مما يحصده الفيروس في كل من بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية، نتيجة تدني مستوى الاستعداد الرسمي لدى دول المشرق الإفريقي لمجابهة هذا الوباء.

كما أن انتشار هذا الفيروس سيحمل في طياته تداعيات جيوسياسية أخرى ستخلط أوراق وموازين وتحالفات دول المنطقة، وخاصة الصراع بين الرامبو الأميركي والتنين الصيني، ففي حال استمرت الأوضاع المتدهورة الصحية في الدول العظمى وانتقال العدوى وانتشارها بشكل مخيف في المنطقة، فإن دعمًا خارجيًّا أكبر ستفقده دول المنطقة بكل تأكيد؛ ما يُدخلها إلى أتون صراعات سياسية داخلية، وخاصة تلك التي لا تتوافر فيها موارد طبيعية وبشرية هائلة لالتقاط أنفاسها على الأقل في فترة الاحتضار المريرة التي يشهدها العالم حاليًّا بسبب وباء كورونا المستجد.

 

مراجع

(1) أحمد عبد الكريم، محمد، خريطة فيروس كورونا الإفريقية: ما الدول الأكثر عرضة للخطر؟، قراءات إفريقية، 3 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/3bX6MjD 

(2) المحكمة تمنع الشرطة من استخدام القوة المفرطة أثناء حظر التجول، كينيا بالعربي، 31 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2020):  https://bit.ly/3aNm7Ty

(3) رئيس الوزراء يترأس اجتماعًا حول الإجراءات المتخذة لمواجهة كورونا، جريدة القرن الجيبوتية، 30 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2020): http://www.alqarn.dj/site/more/10084 

(4) أحمد عبدالكريم، محمد، خطة الاقتصادات الإفريقية لمواجهة وباء كورونا، قراءات إفريقية، 30 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2020):  https://bit.ly/2JGG9Ds

(5) جيدي، نور، “كورونا” يخنق أسواق مقديشو..، وكالة الأناضول، 31 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2wTOrVP

(6) Allan Olingo, Why Kenya’s economy is down on its knees, Daily Nation, MARCH 9 2020, (visited: 3 April 2020)  nation.co.ke/business/Kenyan-economy-down-on-its-knees/996-5483480-fimr1d/index.html

(7)Abdulrazak Mohamed Ahmed, saameenta dhaqaale ee coronavirus ku yeelan doono Somalia, Halbeeg, 27 march 2020 (visited: 3 April 2020) https://halbeeg.com/2020/03/27/saamaynta-dhaqaale-ee-coronavirus-ku-yee… /

(8)  وزير الزراعة: الحكومة ستوفر الذرة للمواطن ولا داعي للذعر، كينيا بالعربي، 3 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 4 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2JDFdiX 

(9) Jean Shaoul, Horn of Africa and East Africa face coronavirus and locust swarm, WSWS, 27 March 2020, (visited: 4 April 4, 2020) https://www.wsws.org/en/articles/2020/03/27/locu-m27.html 

(10) مرجع سابق.

(11) إزيرق البلولة، خالد، «كورونا» يزيد معاناة الاقتصاد السوداني «المتردي»، الشرق الأوسط، 30 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2JBMsYD 

(12) Somali Government allocates 5 Million USD to combat Corona-virus outbreak, Sonna, March 18 2020, (visited: 5 April 4, 2020) https://sonna.so/en/somali-government-allocates-5-million-usd-to-combat… /

(13) الحكومة الفيدرالية تطالب منظمة الصحة العالمية بمختبرات كشف كورونا، وكالة صونا، 29 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): https://bit.ly/2X7hFeo 

(14) قرارات القمة الاستثنائية لمنظمة إيغاد، جريدة القرن الجيبوتية، 2 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2020): http://www.alqarn.dj/site/more/10097 

(15) إثيوبيا ترجئ الانتخابات العامة بسبب فيروس كورونا‎، إرم نيوز، 31 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 5 أبريل / نيسان 2020): https://www.eremnews.com/news/world/2236160 

 

رابط المصدر:

https://studies.aljazeera.net/ar/article/4636

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M