عبد الامير رويح
جائحة كورونا التي اثرت بشكل سلبي على الأوضاع الاقتصادية في جميع دول العالم دون استثناء، وتسببت تسببت بخسائر مالية ضخمة أفرزت ايضاً وبحسب بعض المصادر، فرصاً اقتصادية مهمة للعديد من الاثرياء واصحاب رؤوس الاموال، حيث سجل 75% من أغنياء العالم زيادة في ثرواتهم، وفقا لصحيفة غارديان، وحقق أكثر من 600 ملياردير أميركي أرباحا تقدر بـ 580 مليار دولار، خلال ثلاثة أشهر فقط من الجائحة. ويبدو أن لهؤلاء الاشخاص الخبرة في اقتناص فرص الأزمات.
وكشفت دراسة أجراها مصرف “يو بي إس” السويسري وشركة “برايس ووترهاوس” الاستشارية أن الثروة المتراكمة لأصحاب المليارات تصل إلى ما لا يقل عن 10200 مليار دولار، وهو مستوى قياسي جديد يتجاوز ذلك المسجّل العام 2017 وهو 8900 ملياراً. ورغم انهيار البورصة في مارس الفائت، سرعان ما استعادة ثروات أصحاب المليارات عافيتها بفضل الشركات العملاقة في قطاعي التكنولوجيا والصحة. وأشارت الدراسة التي تحمل عنوان “تقرير أصحاب المليارات” وتصدرها المؤسستان سنوياً إلى أن عدد أصحاب المليارات وصل إلى 2189 في نهاية يوليو الماضي، أي بزيادة 31 عما كان عليه العام 2017.
وكانت الأزمة الصحية أدت في مارس الماضي إلى انهيار مفاجئ في الأسواق المالية بفعل المخاوف في شأن النمو الاقتصادي واحتمال إفلاس عدد كبير من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإمكان تأثر حجم الطلب وفرص العمل. وانعكس ذلك على ثروات أصحاب المليارات إذ انخفض مجموعها بنسبة 6,6 في المئة في غضون أسابيع، بين فبراير ومارس، بحسب الدراسة، ولكنها ما لبثت أن انتعشت وقفزت مجدداً بنسبة 27,5 في المئة بين أبريل ونهاية يوليو. ولاحظت الدراسة أن الثروات باتت تتركز على رواد الأعمال الذين يحدثون ثورات في قطاعات التكنولوجيا والصحة والتجهيزات الصحية.
فمنذ 2018، زادت ثروة أصحاب المليارات المنتمين إلى قطاع التكنولوجيا بنسبة 42,5 في المئة أو بما يعادل 1800 مليار دولار، وفق الدراسة نفسها. أما ثروة المنتمين إلى القطاع الصحي، فزادت بنسبة 50,3 في المئة، أي بقيمة 658,6 مليار دولار. أما الثروة الصافية للمنتمين إلى قطاعات الترفيه والخدمات المالية والعقارات فلم ترتفع سوى بنسبة عشرة في المئة.
اثرياء بلا حدود
ازدادت جيف بيزوس أغنى رجل في العالم ثروته مرة أخرى، مسجلاً رقماً قياسياً جديداً كأول شخص تتخطى ثروته حاجز الـ200 مليار دولار. وبلغت ثروة الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، نهاية الأسبوع الماضي، حوالي 202 مليار دولار، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، مع ارتفاع أسهم شركته، أي بارتفاع يزيد مقداره عن 87 مليار دولار منذ يناير/ كانون الثاني الماضي.
ويعود النمو الهائل في ثروة بيزوس إلى مقتنياته في أمازون، حيث ارتفع سهم الشركة بحوالي 25٪ خلال الأشهر الـ3 الماضية وبنسبة 86٪ حتى الآن هذا العام، وفقاً لبيانات رفينيتيف. ويستمر بيزوس، الذي أسس أمازون في العام 1994، بتحطيم أرقام ثروته القياسية، بعد أن أصبح في العام 2017 أغنى شخص في العالم، ليعود مجدداً الشهر الماضي ويسجل رقماً قياسياً جديداً حين قفزت ثروته الصافية لتصل 172 مليار دولار، مسجلة بذلك ارتفاعاً عالمياً جديداً لم يسجل مسبقاً.
ولا يعد بيزوس الملياردير الوحيد الذي تستمر ثروته بالارتفاع، إذ ازدادت ثروة كبار عالم التكنولوجيا الآخرين أيضاً خلال الجائحة، مع استمرار نمو الطلب على سلع وخدمات شركاتهم.. فيما تراجع تصنيف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد أن أثر فيروس كورونا بشدة على نشاط المباني الإدارية والفنادق والمنتجعات التابعة له. وزاد إجمالي الثروة في قائمة فوربس لأغنى 400 أمريكي إلى رقم قياسي بلغ 3.2 تريليون دولار، حيث يواصل الأثرياء في الولايات المتحدة تحقيق أداء جيد على الرغم من أن الوباء ألحق أضرارا بالاقتصاد وتسبب في فقدان أكثر من 1.8 مليون أمريكي لوظائفهم.
كان إريك يوان، الرئيس التنفيذي لشركة زوم للاتصالات بطريق الفيديو عبر الإنترنت، التي أصبحت متواجدة في كل مكان في عصر العمل من المنازل، واحدا من بين 18 وافدا جديدا على القائمة بقيمة صافية بلغت 11 مليار دولار. وتراجع ترتيب ترامب إلى المرتبة 352 نزولا من 275 في العام الماضي بعد انخفاض صافي ثروته إلى 2.5 مليار دولار من 3.1 مليار دولار، بسبب معاناة أنشطة المباني الإدارية والفندقية والمنتجعات خلال الوباء. وتمتلك شركته التي تحمل اسم مؤسسة ترامب عقارات في الفئات الثلاث. بحسب رويترز.
ويرفض ترامب منذ زمن طويل الكشف عن سجلاته الضريبية، ودخل في معركة مع المدعي العام لمنطقة مانهاتن سايروس فانس، الذي أصدر أوامر لترامب بتقديم إقرارات عوائده الضريبية الشخصية وتلك الخاصة بشركاته على مدى ثماني سنوات. وقالت كيري دولان، مساعد مدير التحرير في قسم الثروة في فوربس، إن القائمة السنوية قد تصبح وسيلة لتتبع أثرى أثرياء البلاد أصحاب القسم الأكبر من النفوذ فيها. وأضافت “علينا جميعا كمجتمع أن نعرف من يقف وراء أكبر الشركات وماذا يفعلون بأموالهم”.
كما أظهرت قائمة مجلة فوربس للمليارديرات الحاليين أن صافي قيمة ثروة المستثمر إيلون ماسك تجاوز مئة مليار دولار، في وقت قفزت فيه أسهم شركة صناعة السيارات الكهربية تسلا بأكثر من خمسة أمثال قيمتها هذا العام. وتقول فوربس إن جزءا كبيرا من ثروة ماسك يأتي من حصته في تسلا التي تبلغ نسبتها 21 في المئة. وصارت الشركة أعلى شركات صناعة السيارات في العالم قيمة من حيث رأس المال السوقي في الأول من يوليو تموز عندما تجاوزت شركة تويوتا موتور التي كانت في المقدمة. وجعلت الشركة كثيرا من المستثمرين الأفراد فيها مليونيرات في السنوات العشر الماضية. وماسك الآن جزء من نادي نخبة يضم أربعة آخرين فقط يتكون صافي قيمة ثروة كل منهم من 12 رقما.
من جانب اخر قال مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرغ، إن ثروته الشخصية ارتفعت إلى 100 مليار دولار أمريكي في أعقاب إطلاق ميزة الصيغة القصيرة للفيديوهات الجديدة. وأعلن فيسبوك عن إطلاق إنستاغرام ريلز، الذي ينافس التطبيق الصيني تيك توك المثير للجدل. وارتفعت أسهم فيسبوك أكثر من 6 في المئة. ويملك زوكربيرغ نسبة 13 في المئة من أسهم الشركة. ولم يكن بالإمكان إطلاق هذه الميزة في وقت أفضل بالنسبة إلى زوكربيرغ في ظل إصدار الرئيس الأمريكي، أمرا تنفيذيا للتعامل مع ما أطلق عليه ترامب “تهديدا” يشكله تطبيق تيك توك على الولايات المتحدة. وتعرض من يُطلق عليهم عمالقة التكنولوجيا، بمن فيهم زوكربيرغ، إلى تدقيق متزايد من طرف المشرعين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن مزاعم بأن قوة وتأثير هذه الشركات أضحى خارج نطاق السيطرة.
وتملك شركات التكنولوجية العملاقة الخمس في الولايات المتحدة حاليا، وهي آبل، وأمازون، وألفابيت، وفيسبوك، ومايكروسوفت، قيمة سوقية تعادل نحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. وكشف عضو مجلس الشيوخ والمرشح الرئاسي السابق، بيرني ساندرز خطة لفرض ضرائب على ما أطلق عليه “مكاسب الثروة الفاحشة” التي راكمها الملياردرات خلال وباء فيروس كورونا. وكان من شأن “قانون إلزام الملياردير بالدفع”، فرض ضريبة بقيمة 60 في المئة من الزيادة في صافي ثروة المليارديرات من بداية الوباء وحتى نهاية السنة.
ويقترح ساندرز أن تذهب ضريبة الدخل المكتسبة إلى تغطية نفقات العناية الصحية الخاصة بالأمريكيين الذين لا يملكون قيمة هذه النفقات. وقال زوكربيرغ سابقا إنه يخطط للتنازل عن 99 في المئة من أسهم فيسبوك خلال مشوار حياته لصالح المؤسسة الخيرية التي أنشأها برفقة زوجته بريسيلا تشان.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
في السياق ذاته ازدادت ثروة مليارديرات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحوالي 10 مليارات دولار منذ تفشي جائحة كورونا في مارس/ آذار الماضي. وكشف تقرير من منظمة أوكسفام يحمل اسم “لأجل عقد من الأمل وليس التقشف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، أن مليارديرات المنطقة جمّعوا منذ مارس/ آذار أكثر من ضعف الأموال الإٍقليمية الطارئة التي قدمها صندوق النقد الدولي للاستجابة للوباء، وحوالي 5 أضعاف دعم الأمم المتحدة الإنساني لجائحة كوفيد-19 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفي بيان نشرته المنظمة، قال نبيل عبده، كبير مستشاري منظمة أوكسفام للسياسات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن الوباء كشف عن “التفاوتات العميقة والفشل الهائل في أنظمتنا الاقتصادية، ما ترك الملايين في المنطقة بدون وظائف أو رعاية صحية أو أي نوع من الضمان الاجتماعي، في حين سمح للمليارديرات بإضافة أكثر من 63 مليون دولار إلى ثرواتهم كل يوم منذ بداية الجائحة”.
ويشير التقرير إلى أنه في هذه الأثناء، قد يتعرض أكثر من 45 مليون شخص آخرين في المنطقة للفقر نتيجة لتفشي الوباء. وينوه التقرير إلى أهمية اتخاد حكومات المنطقة خطوات سريعة لزيادة الإيرادات وحماية الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، مضيفاً أنه في حال كانت قد فرضت ضريبة ثروة صافية تضامنية في لبنان العام الماضي مثلاً، تبلغ نسبتها 5٪، لكان من الممكن تحقيق 3.7 مليار دولار من عائدات الضرائب للمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية للكهرباء والمياه وتوفير الخدمات للحفاظ على سلامة الناس في أعقاب الانفجار الأخير الذي شهدته البلاد. بحسب CNN.
كما يذكر التقرير أنه قبل انتشار الفيروس، كانت تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من كونها واحدة من أكثر مناطق العالم تفاوتاً، إلّا أن الجائحة تسببت بتعمق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث بات يذهب 76٪ من دخل المنطقة إلى 10٪ فقط من السكان، في حين يمتلك 37 مليارديراً ما يملكه نصف أفقر السكان البالغين. ويضيف عبدو أن المنطقة كان بإمكانها تجنب التقشف الساحق في السنوات الأخيرة إذا ما كان قد دفع الأغنياء المزيد من الضرائب، تكلفة يمكنهم تحملها بسهولة.
تبرعات مستمرة
الى جانب ذلك قال المؤسس المشارك لتويتر والمدير التنفيذي، جاك دورسي، إنه سيخصص أكثر من ربع ثروته لصندوق جديد للقضايا الخيرية، مع تركيز فوري على جهود مكافحة فيروس كورونا. وقال دورسي في سلسلة تغريدات إنه سينقل مليار دولار من أسهمه في “سكوير”، شركة المدفوعات الرقمية التي شارك في تأسيسها، إلى شركة ذات مسؤولية محدودة تسمى “ستارت سمول”. وقال دورسي إن هذا المبلغ يمثل حوالي 28٪ من ثروته.
ووفقاً لوثيقة شاركها على “غوغل دوك” لتتبع جميع المنح، سيخصص 100 مليون دولار أمريكي، لصندوق الغذاء الأمريكي لتقديم وجبات الطعام للمتأثرين بفيروس كورونا. ولم يحدد دورسي كم من التزامه البالغ مليار دولار سيوجه خصيصاً لمواجهة فيروس كورونا مقارنة مع الجهود الخيرية الأخرى التي ستخصص بعد انتهاء الوباء. وقال دورسي إنه بعد التغلب على الوباء، سينتقل التركيز إلى صحة الفتيات وتعليمهن والدخل الأساسي الشامل، مضيفاً: “أعتقد أنها تمثل أفضل الحلول طويلة الأجل للمشاكل الوجودية التي تواجه العالم”.
ويأتي إعلان دورسي بعد جهود مماثلة من قبل رجال أعمال كبار في مجال التكنولوجيا، حيث تعهد كل من جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، وبيل غيتس، المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، وهما أغنى شخصين في العالم، بتقديم 100 مليون دولار لمواجهة أزمة فيروس كورونا. كما تبرع الملياردير وارن بافيت بنحو 2.9 مليار دولار من أسهم مؤسسة بيركشاير هاثاواي لأربع مؤسسات خيرية عائلية ومؤسسة بيل وميليندا جيتس وذلك في أحدث، وليس أكبر، مساهمة خيرية يقدمها ضمن خطته للتنازل عن ثروته. وقالت مؤسسة بيركشاير في بيان إن التبرع السنوي الخامس عشر لبافيت بلغ 15.97 مليون سهم من الفئة ”ب“ في بيركشاير. ويرفع هذا التبرع للمؤسسات الخيرية ما قدمه بافيت لأكثر من 37.4 مليار دولار منذ بدأ التبرع بأسهم شركته في 2006.
ويبلغ بافيت العام التسعين من عمره ويُخصص أربعة أخماس هذا التبرع لمؤسسة جيتس. ويُخصص الباقي لمؤسسة سوزان تومسون بافيت، التي تحمل اسم زوجة بافيت الأولى الراحلة ومؤسسات خيرية يديرها أبناؤه هوارد وسوزان وبيتر وهي مؤسسة هوارد جيه بافيت ومؤسسة شيروود ومؤسسة نوفو. وبلغ أكبر تبرع لبافيت 3.61 مليار دولار في 2019 عندما كان سعر سهم بيركشاير مرتفعا. وعلى الرغم من تبرع بافيت بنسبة 48 في المئة من أسهمه في بيركشاير فإنه ما زال يملك نحو 15.2 في المئة من أسهم الشركة التي تقع في مدينة أوماها بولاية نبراسكا الأمريكية ويسيطر على ما يقرب من ثلث قوتها التصويتية. وقالت مجلة فوربس إن ثروة بافيت ما زالت تقدر بنحو 71.4 مليار دولار يحتل بها المركز السابع لأغنى أغنياء العالم.
رابط المصدر: