كورونا يمحو ملايين الوظائف: تعرف على أكبر أزمة بطالة في تاريخ العالم

دلال العكيلي

 

في ظل جائحة كورونا الحالية التي تلقي بظلالها على مشهد سوق العمل العالمي، شهد العالم أزمة اقتصادية على مستوى كافة الدول، حيث انخفضت أسعار النفط، واتجهت العديد من الشركات العالمية إلى اتباع استراتيجية احترازية، والتي تتسم بالاعتماد على الواردات المنتظمة والاحتفاظ بمخزون منخفض من المنتجات أو المكونات أو المواد التي يتم تداولها عبر التجارة الدولية، لقد كان سوق العمل قوياً جداً لدرجة أن بعض المرشحين كانوا لا يأتون للعمل في أول يوم دوام لهم، نظراً لخيارات الوظائف التي كانت متاحة أمامهم ولكن الأوقات تغيرت حتماً، لتصبح تلك أيام مضت، وفي ظل تداعيات فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد العالمي، من المتوقع أن تتزايد أعداد المتعطلين خلال عام 2020، ومن ثم معدلات البطالة تباعا، وقد وضعت منظمة العمل الدولية 3 سيناريوهات في هذا الخصوص تعتمد على مدى انتشار الفيروس وآثاره الاقتصادية ومدى فاعلية الإجراءات المتبعة لاحتواء الأزمة.

جاء في السيناريو المرتفع احتمال فقدان نحو 28 مليون وظيفة مقابل 5 ملايين وظيفة في حالة السيناريو المتفائل، و13 مليون وظيفة في حال تبنى السيناريو المتوسط، ومنها 7.4 مليون وظيفة في الدول مرتفعة الدخل.

وهذا يعني احتمال تصاعد أعداد المتعطلين من 188 مليون متعطل عام 2019 إلى 193 مليون أو 201 مليون أو 213 مليون متعطل عام 2020، بنسب زيادة تتراوح بين 2.7% و13.3% حسب السيناريو الذى تستند إليه التوقعات، وقد اعتمدت التقديرات المشار إليها بعالية على ما يسببه انتشار فيروس كورونا المستجد من تقييد التحركات الأفراد بين الدول وداخل الدولة الواحدة، وأيضا على الأثر الناجم عن إغلاق بعض المؤسسات والمنشآت.

اما التقديرات الأكثر تشاؤما عن مستقبل سوق العمل أوردها تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث يشير إلى توقع فقدان وظائف في حدود 50 مليون وظيفة على مستوى العالم في ضوء مُستجدات الأزمة، منها 30 مليون في آسيا، و7 ملايين في أوروبا، و5 ملايين في الولايات المتحدة الأمريكية.

وخاصة في ظل الأحوال التي يشهدها العالم بأكمله، حيث قد تبدو رحلة البحث عن وظيفة جديدة أمراً ساحقاً في هذه الأوقات، فقد قدًر البنك الدولي أن التحويلات العالمية ستنخفض 142 مليار دولار في 2020، وهو أكبر هبوط في التاريخ الحديث، بينما تكبح أزمة فيروس كورونا التحويلات النقدية إلى أسر تشتد حاجتها إليها في الدول الأكثر فقرا، وقال البنك إن انخفاض الأموال التي ترسلها العمالة المهاجرة إلى بلدانها بحوالي 20 بالمئة، وهى نسبة مرتفعة نحو أربع مرات عن مستوياتها ابان الأزمة المالية في 2009، يرجع إلى حد بعيد إلى انخفاض أجورهم والوظائف في الخارج.

وقال رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس “التحويلات مصدر حيوي للدخل في الدول النامية الركود الاقتصادي الحالي بسبب كوفيد- 19 يؤثر بشدة على القدرة علي تحويل أموال للوطن ويزيد من أهمية تقليص فترة التعافي للاقتصادات المتقدمة”، وقال ديليب راثا الذي قاد فريقا وضع التقرير الجديد للبنك الدولي عن تأثير كوفيد-19 على التحويلات، إن انخفاض التحويلات منذ بداية العام الجاري هو الأكبر منذ بدأ البنك تسجيل بيانات في عام 1980.

إحلال الروبوتات محل العمالة البشرية

بينما يجتاح خطر “كورونا” العالم، لم يعد الخوف من إحلال الروبوتات محل البشر هو الخطر الأكبر الآن الذي يهيمن على عقول البشر الآن، وبغض النظر عما إذا كان الأمر مفيدا أم لا فإن عددا من الخبراء يعتقد بأن الروبوت سيحل محل البشر في أكثر من مجال، وهو الأمر الذي يبدو أن تفشي فيروس كورونا قد سارع من وتيرته، “كان الناس يقولون إنهم يريدون عنصرا بشريا ليخدمهم ويتفاعل معهم، لكن ذلك تغير الآن، فانتشار كورونا يغير تفضيلات الناس وخياراتهم ويفتح المجال لفرص استخدام أكبر للآلات”، كما يقول مارتن فورد، وهو خبير في شؤون المستقبل كتب عن كيفية استخدام الإنسان الآلي في مناحي الاقتصاد المختلفة في العقود القادمة.

تقوم الشركات، الصغيرة منها والكبيرة، بتوسيع مجالات استخدامها للإنسان الآلي لتجنب احتكاك البشر وتقليل عدد الموظفين الذي يجب حضورهم للعمل في المكتب، ويستخدم الروبوت أيضا لإنجاز أعمال لا يستطيع الموظفون إنجازها من منازلهم، تستخدم سلسلة “وولمارت” التجارية الأمريكية إنسانا آليا لمسح البلاط، وفي كوريا الجنوبية استخدمت روبوتات لقياس الحرارة وتوزيع المواد المعقمة، ومع تحذير خبراء الصحة من أن ضرورة التباعد قد تمتد إلى عام 2021 تصبح الحاجة للإنسان الآلي أكثر إلحاحا.

وشهدت الشركات التي تنتج مواد التنظيف والتعقيم ازدياد الطلب على منتجاتها بشكل كبير، شحنت شركة UDV Robots الدنماركية، التي تقوم بتصنيع الروبوتات التي تقوم بالتعقيم باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، المئات من منتوجاتها إلى مستشفيات في الصين وأوروبا، ويزداد استخدام المطاعم التي تعرض بيع الوجبات لأخذها للبيت لهذه الآلات، ويقول الخبراء إنه كلما زاد عدد المصالح التجارية التي تعود إلى العمل ستضح رؤيتنا لاستخدام هذه الآلات، وقد نرى إنسانا آليا ينطف مدرستنا أو مكتبنا، “يهتم الزبائن أكثر بسلامتهم وسلامة وصحة العاملين الصحيين”، كما يقول بليك مورغان مؤلف كتاب “زبون المستقبل”، ويصيف أن الانتقال إلى استخدام الآلات سيجعل حياتنا أكثر صحية ، وسيكافئ الزبائن الشركات التي تهتم بذلك، ولكن لا تزال هناك بعض القيود والعوائق، فيقول مورغان إن استخدام الماكنات في البقالات يقلل الاحتكاك بالبشر، لكن هذه الماكنات لا تعمل بشكل جيد دائما ، وكثيرا ما تتعطل ، لذلك يتجنبها الزبائن ويفضلون الذهاب لموظفي المحاسبة.

نموذج تطبيق

يحظى فريق من الروبوتات التي تتحرك على عجلات وتقوم بتوصيل مستلزمات التسوق في مدينة ميلتون كينز الإنجليزية بشعبية متزايدة بين السكان الذين يلزمون بيوتهم امتثالا لقيود العزل العام بهدف مكافحة فيروس كورونا، ولا يتجاوز طول الروبوت الواحد ارتفاع ركبة شخص بالغ ويبدو مثل صندوق بلاستيكي أبيض يسير على ست عجلات سوداء ومن الشائع رؤية هذه الروبوتات في المدينة حيث تقوم بتوصيل مستلزمات البقالة منذ أكثر من عامين.

لكن منذ أن طبقت الحكومة إجراءات التباعد الاجتماعي المشددة في 23 مارس آذار أصبحت الروبوتات مشغولة أكثر من أي وقت مضى حيث تقوم بالتوصيل مجانا للعاملين في هيئة الصحة الوطنية وتواجه زيادة في الطلب من السكان، وقال هنري هاريس-بيرلاند من شركة ستارشيب التي تصنع هذه الروبوتات “نقدم الآن خدمة التوصيل المجاني للعاملين في هيئة الصحة الوطنية داخل المدينة نريد أن نسهل الأمور قليلا على هؤلاء الناس في هذا الوقت العصيب”.

وأضاف “الكثير منهم يعملون… ثمانين ساعة أسبوعيا ولا يملكون وقتا كافيا للذهاب إلى متجر البقالة المحلي، لذلك نستخدم الروبوت للتسوق من أجلهم يشرفنا أن نكون جزءا من الحل” والروبوتات مزودة بما يشبه الهوائي وفي آخره راية حمراء صغيرة لتسهيل رصدها أثناء التحرك وحجمها كبير بما يكفي لحمل عدة حقائب تسوق وكذلك عبوة زجاجات، وضاعفت ستارشيب أسطولها من روبوتات التوصيل في ميلتون كينز إلى 70 وقال هاريس-بيرلاند إنها نفذت 100 ألف عملية توصيل في المدينة، وتابع “يتصل بنا الكثير من السكان عبر الإنترنت لطلب خدمة توصيل إلى أحيائهم”، وأضاف “نفعل كل ما بوسعنا وبأسرع ما يمكن لتوسيع نطاق الخدمة إلى المزيد من الناس لا سيما في هذا التوقيت المهم”.

العمال الهنود العالقون في ملاجئ أقيمت لمكافحة كورونا

سيق عشرات آلاف العمال الذين تقطعت بهم السبل في الهند إلى مخيمات وملاجئ في أنحاء البلاد مثل مجمع يامونا الرياضي في نيودلهي، لكن تم تناسيهم كلياً وسط إجراءات إغلاق هي الأكبر من نوعها في العالم للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد، وتعبق رائحة البول داخل صالات المجمع الذي استخدم خلال ألعاب الكومنولوث عام 2010، وحيث يعيش 900 رجل وامرأة أوقفوا عقب صدور أوامر الإغلاق الحكومية في 24 آذار/مارس.

وتعيش اليد العاملة المهاجرة في الهند المقدر عدد أفرادها بنحو 45 مليون عامل، على رواتب يومية زهيدة، ولم تمنح أولوية مع بدء تنفيذ إجراءات منع تفشي وباء كوفيد-19.

سر ملايين المهاجرين عملهم بين ليلة وضحاها في أكبر المدن مثل نيودلهي وبومباي. وقطع العديد منهم مئات الكيومترات للوصول إلى قراهم وتوفي 12 على الأقل منهم على الطريق، وفق تقارير وسائل إعلام، وتكشف الوجوه المتشائمة الخائفة في مجمع يامونا عن استياء هؤلاء الأشخاص إزاء طريقة معاملتهم. وقالت الحكومة إن الإغلاق سيستمر حتى 3 أيار/مايو على الأقل، وبعدما أوقفوا في الشوارع أو في محطات حافلات، باتوا الآن ينامون على حصر رفيعة في ممرات ويحظر عليهم مغادرة المجمع. وتفرض عليهم إجراءات عيش صارمة في الحرارة الخانقة.

يتم إعداد ثلاث وجبات طعام يوميا في مطابخ مفتوحة يتطاير فيها الذباب وكل يوم يُرغَم مئات الرجال على القيام بتمارين رياضية يقودها مدرب يرتدي لباسا أسود يلف رأسه بعصابة مثل محاربي النينجا، ويصيح الرجل “استقيموا أو أضرب بقوة” ممسكا بعصا فيما يقوم العمال الواقفين في صفوف بحركات القفز بتوتر، وقام مهاجرون في بومباي ومدن أخرى بتظاهرات مطالبين بالعودة إلى ديارهم وتلك كانت رغبة العديد في ملعب نيودلهي، وجلست امرأة تحتضن طفلها المريض وشبه العاري وخاطبت شرطيين كانوا يمرون قائلة إنها تريد أن تكون مع زوجها في ملجأ آخر، وقال موكيش ياداف، ويعمل في جر العربات اليدوية، إن الشرطة أوقفته لدى انطلاقه في رحلة إلى ولاية بيهار (شرق) ليكون مع والده المريض، ولم يسمح له بالعودة إلى زوجته وأطفاله الثلاثة في نيودلهي القديمة وقال “أشعر بالقلق لإن مؤنهم ستبدأ بالنفاد قريبا من سيعتني بهم؟”.

عمال أجانب يموتون بدون وداع في دول الخليج

يعمل ملايين المغتربين في الإمارات ودول الخليج الأخرى، وقد شكّلوا على مدى عقود طويلة العمود الفقري للقوة العاملة في مستشفيات ومصارف ومصانع وورش البناء في هذه الدول الثرية وأمضى العديد منهم سنوات طويلة وهم يكدون في عملهم لإرسال المال لذويهم، حالمين بالعودة يوماً إلى موطنهم لبدء عملهم الخاص أو حتى بناء منزل لكن حتى وهم جثة هامدة، فإن نقلهم إلى أوطانهم في زمن فيروس كورونا المعدي أمر شبه مستحيل.

وبقيت جثة المواطن الهندي الذي توفّي في دبي جرّاء إصابته بفيروس كورونا المستجد داخل سيارة الإسعاف مقابل غرفة حرق الجثث في انتظار وصول صديق أو زميل يلقي عليه نظرة وداع، لكن بعد ساعة تقريبا لم يظهر أحد، وبصمت مطبق، بدأ أربعة رجال ارتدوا ملابس الحماية من الفيروس مهمّتهم، فحملوا الجثة التي لفّت بغطاء أبيض إلى غرفة المحرقة حيث تحوّلت في غضون ساعتين ونصف إلى مجرد رماد في علبة فضية، ويقول ايشوار كومار، المسؤول في مركز حرق الجثث في موقع صحراوي بعيد عن المناطق السكنية في جنوب دبي، “العالم كله تغيّر لم يعد يأتي أحد، ولا أحد يلمس شيئا، ولا أحد يقول وداعا”.

ويضيف أنّه قبل بدء اجتياح الفيروس للعالم في نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي، “كان الناس يأتون إلى هنا، 200 أو 250 شخصا، للبكاء وتقديم الورود الآن يموت الأشخاص وحيدين”، وغالبية ضحايا الفيروس في الخليج وعددهم أكثر من 170، وغالبية المصابين الذين تجاوز عددهم 29 ألفا، هم من العمّال المغتربين الباحثين عن لقمة عيشهم بعيدا عن بلدانهم وبينها الهند، وباكستان، وبنغلادش، والفيليبين والنبيال، قبل ساعات من حرق جثة المواطن الهندي الذي كان في الخمسين من عمره وهو شريك تجاري في شركة سياحية في دبي، واجهت جثة اختصاصية تجميل فيليبينية المصير ذاته في الموقع نفسه.

وحملت شهادتا وفاتهما عبارة مشتركة هي “التهاب رئوي جراء فيروس كورونا” كسبب للوفاة وعادة تُسلّم العلبة الفضية التي تُشترى من سلسلة متاجر محلية كبرى ويوضع فيها الرماد، إلى قريب أو شخص مسؤول عن مصالح الضحايا إذا تواجد في بلد الوفاة، أو تُرسل إلى السفارة، ورغم وقف الرحلات الجوية في غالبية دول الخليج لوقف انتشار الفيروس، تحاول الحكومات في المنطقة تسيير رحلات خاصة لترحيل العديد من العمّال الذين بات كثيرون منهم بلا عمل غير أنّ التعامل مع جثث الضحايا هو تحدٍّ من نوع آخر، إذ إن وجود مرض معد يستوجب الدفن أو الحرق من دون تأخير.

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M