- حمدي مالك
- كريسبين سميث
شهدت جهود حفظ ماء الوجه في إيران ما بعد هجوم نطنز إدعاء المقاومة العراقية زوراً بأنها شنت هجمات انتقامية ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية في العراق، مما يبرز حالة توجيه إيراني مركزي لعمليات إعلامية للمقاومة، وتنسيق إجراءات المقاومة العراقية مع عمليات حركية أوسع من قبل “محور المقاومة الإيراني”.
في 11 نيسان/أبريل 2021، أعلنت جمهورية إيران الإسلامية عن تعرض منشأة نطنز النووية لهجوم. وفي البداية، نسبت وسائل الإعلام الإسرائيلية ثم الإيرانية مسؤولية تنفيذ الهجوم إلى إسرائيل. وأفادت قناة “كان” الإسرائيلية أن “الموساد” يقف وراء الهجوم. وشكل ذلك ضربة مهينة للجمهورية الإسلامية، ولا سيما لأنه تم سابقاً استهداف هذه المنشأة النووية (في تموز/يوليو 2020)، مما ألحق أضراراً جسيمة بموقع تخصيب الوقود النووي الرئيسي في إيران. وفي هذا الإطار، علّق علي رضا زكاني، رئيس مركز البحوث في البرلمان الإيراني، على الانفجار الثاني في منشأة نطنز واصفاً إيران بأنها “جنة للجواسيس“.
وبهدف الردّ على الهجوم وإظهار قدرة إيران على الانتقام من إسرائيل، سارعت الجمهورية الإسلامية إلى تعبئة مواردها. ففي 12 نيسان/أبريل 2021، تعرضت سفينة إسرائيلية لهجوم قبالة الساحل الإماراتي. ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أن إيران كانت تقف وراء الاعتداء. كذلك، في 13 نيسان/أبريل أعلنت إيران أنها ستبدأ بتخصيب كميات من اليورانيوم إلى مستويات تصل إلى 60 في المائة.
كما حشدت طهران “المقاومة” العراقية، وعلى وجه التحديد من خلال جهود منسقة في أوساط قنوات التواصل الاجتماعي التابعة للمقاومة العراقية لنشر أخبار عن هجمات ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في البلاد. وليست الأخبار الكاذبة التي تنشرها المقاومة عبر حساباتها على “تويتر” و”تلغرام” بتكتيك جديد، لكن في أعقاب الهجوم على نطنز ارتفعت وتيرة الهجمات المزيفة بعض الشيء لبضعة أيام، في إطار حملة منسقة واضحة من الأخبار الكاذبة. وفيما يلي، نورد أبرز خبرين منها.
13 نيسان/أبريل: هجوم مزيف على المخابرات الإسرائيلية
في 13 نيسان/أبريل، نشرت “الوحدة 10000” رسالة على قناتها على “تلغرام” في الساعة 21:01 بالتوقيت المحلي، زعمت فيها أن مركزاً للمعلومات والعمليات الخاصة يعود لـ “الموساد” في شمالي العراق تعرض لهجوم [مما أدّى] إلى مقتل وجرح عدد من القوات الإسرائيلية (الشكل 1).
وسرعان ما حذت حسابات أخرى تابعة للمقاومة العراقية على موقع “تلغرام” ومرتبطة بمختلف الميليشيات المدعومة من إيران حذوها. ففي الساعة 21:02، أعادت “صابرين نيوز” نشر الرسالة ذاتها دون إعطاء الفضل لـ “الوحدة 10000“؛ وهذا مؤشر على أن الخبر كان عملية إعلامية موجهة من القيادة العليا (أي «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، القادر عموماً على فرض نوع من التنسيق بين مختلف االفصائل). (الشكل 2). ولكي تصل الرسالة إلى جمهور عالمي، نشرت قناة “صابرين” الرسالة باللغتين الفارسية والإنكليزية.
بعدها، قامت “وكالة أنباء فارس” التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» بنشر الخبر الكاذب بالفارسية. وهذا ما دفع بصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية إلى نشر الخبر، نقلاً عن “وكالة أنباء فارس”. كما قامت وكالات إخبارية أخرى مثل قناة “آر تي العربية” الروسية بنشر الخبر.بعد ذلك، نشرت قناة “برس تي في” [شبكة إيرانية تبث باللغة الإنجليزية مملوكة للدولة] خبر الهجوم عبر حسابها “PTVbreaking“ على موقع “تويتر”. وسرعان ما أعادت قناة “برس تي في” نشر التغريدة وقامت بتثبيتها عبر حسابها الرئيسي على “تويتر” الذي يتخطى عدد متابعيه 252,000 شخص.
15-16 نيسان/أبريل: هجمات مزيفة على قاعدة الأسد الجوية
في عملية إعلامية منسقة أخرى شاركت فيها قنوات دعائية عراقية مختلفة تابعة للمقاومة العراقية، تمّ نشر مزاعم مضللة عن تعرض “قاعدة الأسد الجوية” لهجومين.
الهجوم المزيف الأول هو الذي أعلنت عنه مجموعة قنوات تابعة لـ”كتائب حزب الله” مساء 15 نيسان/أبريل حوالي الساعة 20.10. وأثارت هذه المزاعم موجة من الحملات الدعائية المؤلفة من صور ومنشورات على مختلف شبكات «كتائب حزب الله» على الإنترنت. ومع ذلك، ففي الساعة 20.45، نشرت قناة “صابرين” بياناً أكّدت فيه أن الهجوم لم يحصل في الوقت الحالي.
لكن بعد ساعات، أي في تمام الساعة 03:41 من يوم 16 نيسان/أبريل، أعلنت “صابرين” خبراً (كاذباً) عن هجوم بطائرة بدون طيار على “قاعدة الأسد الجوية” (الشكل 3). وتم تداول هذا الخبر على نطاق واسع من قبل حسابات تابعة للميليشيات. ونشرت العشرات من قنوات المقاومة على مواقع التواصل الاجتماعي وحسابات “تلغرام” تفاصيل كاذبة عن الهجوم، بناء على رواية متكررة ومترابطة. ووفقاً لهذه المنشورات، تمّ قصف أهداف عالية القيمة مثل مركز عمليات القاعدة الجوية والأنظمة المضادة للصواريخ. ومرة أخرى، نشرت “صابرين” الخبر باللغتين الفارسية والإنكليزية. ونقلت وكالات إخبارية إيرانية على غرار “إيرنا” و”وكالة مهر للأنباء” الخبر الكاذب نقلاً عن “صابرين”. وعند جمع كافة المنشورات، بدت النتيجة وكأنها قصة ناشئة معقولة – على الرغم من عدم إطلاق أي طائرات بدون طيار أو صواريخ. وقبل يومين فقط من ذلك التاريخ، شنت المقاومة هجوماً (حقيقياً) على القوات الأمريكية في مطار أربيل، باستخدامها طائرة انتحارية بدون طيار.
وتُظهر هذه الأحداث أيضاً كيف تواصل إيران وحلفاؤها دمج أجنحة الدعاية المختلفة وشبكات عمليات المعلومات مع تأثيرات العالم الحقيقي. ويهدف الجمع بين الهجمات الحقيقية والملفقة إلى إرباك معارضي الميليشيات وسط إظهار رد فعل “قوي” مضلل على الهجوم على منشأة نطنز للجماهير الموالية للنظام الإيراني والمقاومة وما يتخطاهما. وسيستمر هذا التهجين في المعلومات والعمليات الحركية بشكل شبه مؤكد خلال الأشهر القادمة لأن تكاليفه ليست باهظة، وهو يضاعف القيمة الدعائية لعمليات الميليشيات وسط إضفاء طابع من الخداع.وشملت الاعتداءات المزيفة الأخرى هجمات صاروخية على “قاعدة بلد الجوية” وهجمات معينة بالعبوات الناسفة ضد المواكب. لكن على غرار وجود أخبار كاذبة، هناك أخبار حقيقية: فقد تمّ تنفيذ هجومين منفصلين (حقيقيين) بالصواريخ ضد قاعدة بغداد الجوية في النصف الثاني من نيسان/أبريل.
رابط المصدر: