عُلا الرفاعي
بينما ينصب تركيز واشنطن على فيروس كورونا والسباق الرئاسي إلى البيت الأبيض، يشهد آخر معاقل الثوار في سوريا بوادر كارثةٍ إنسانية مدمرة. وقد حان الوقت للطبقة السياسية الأمريكية لفعل شيء حيال ذلك.
في الخامس عشر من آذار/مارس، دخلت الحرب الأهلية السورية عامها العاشر. وفي الأيام التي سبقت هذه الذكرى الأليمة، أعلنت الولايات المتحدة في العاشر من هذا الشهر عن حزمة مساعدات إضافية بقيمة 108 ملايين دولار لتوفير المواد الأساسية كالطعام والعناية الطبية ومياه الشرب المأمونة لما يقدر بـ 3 ملايين شخص محاصرون في إدلب. ومع ذلك، لا يكفي هذا المبلغ لإحداث فرق يُذكر، ولكن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم تضع خطةً لتسليم هذه المساعدات بطريقة فعالة، نظراً لرفض روسيا والصين، في كانون الأول/ديسمبر، خطة مجلس الأمن الدولي بشأن تقديم المساعدات عبر الحدود إلى سوريا.
وفي الحادي عشر من آذار/مارس، عندما كان أحد المنشقّين السوريين يدلي بشهادته أمام “لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي”، ناشد واشنطن اتخاذ إجراءات لحماية المدنيين بدلاً من تقديم المزيد من الأموال للتخفيف من معاناتهم. وقال رائد الصالح، مدير قوة الإنقاذ التطوعية “الخوذ البيضاء”: “حين تمنحوننا المزيد من المال، تقولون لنا إنكم لن توقفوا الفظائع التي تحدث”.
إنّ الوضع في إدلب رهيب. فقد اضطر مليون مدني إلى الفرار من منازلهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية. كما أن المخيمات المزدحمة أرغمت الكثيرين على العيش في العراء، حيث تعرّضوا لطقس الشتاء القاسي لدرجة أن بعض الأطفال ماتوا من شدة البرد، والبعض الآخر يتضورون جوعاً. وفي حين حقّق وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض حوله بين روسيا وتركيا قدراً من الارتياح، إلا أن القليل من الناس يتوقعون استمراره في ضوء إعلان الرئيس السوري بشار الأسد تصميمه على استعادة “كل شبرٍ” من سوريا.
ولا ينبغي لنا أن نتوقع من إدارة ترامب أن تفعل الكثير إذا استُئنف القصف الجوي. وحتى الآن، لم تُصدر وزارة الخارجية الأمريكية أي بيانٍ يوضح عواقب انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا الموقع عام 2018. ولم يغرّد الرئيس ترامب بشأنه حتى كتابة هذه السطور. وعندما غرّد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مقدّماً “تعازيه” لعائلات الجنود الأتراك الذين قُتلوا في غارة جوية شنّتها مؤخراً القوات السورية المدعومة من روسيا على إدلب، لم يشر إلى مقتل مئات المدنيين السوريين في هجمات مماثلة. يبدو أن هذا الهمود الذي تبديه إدارة ترامب بشأن سوريا هو واحد من التركات الوحيدة التي تبنّاها الرئيس الأمريكي من فترة أوباما.
لكن تبعات هذا الهمود واضحة. فالمجتمع الدولي لم يدرك خطورة العواقب الإنسانية المترتبة عن حملة الأسد في حلب عام 2016 حين تسبب الهاربون من المجزرة بتفاقم أزمة اللاجئين في أوروبا وتعاظم النزعة الشعبوية لليمين المتطرف في القارة الأوروبية.
وفي الواقع أن عدد النازحين في إدلب – حوالي 80٪ منهم من النساء والأطفال – يفوق عدد الأشخاص الذين هجّرهم الحصار على حلب. فضلاً عن ذلك، أن الطبيعة الطائفية للصراع – النظام الذي تهيمن عليه الأقليات الطائفية العلوية والقوات البرية المتحالفة مع الأسد التي هي ميليشيات مدعومة من إيران – سيزرع بذور التمرد السني المقبل في سوريا، والذي يمكن أن يغذي مجدداً مجموعةً كبيرة من الشبكات المماثلة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في الخارج.
ويتمحور اليوم الجدال في السياسة الأمريكية حول ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة “وضع حدٍّ للحروب التي لا تنتهي”. وقد يفسر ذلك سبب قلّة النقاشات حول الأزمة السورية خلال الحملة الانتخابية لعام 2020. فخلال جلسة نقاش لمرشحي الحزب الديمقراطي التي عقدت في 25 شباط/فبراير، سُئل اثنان فقط من أصل سبعة مرشحين آنذاك عن طريقة تعاملهما مع أزمة إدلب، وكلاهما أعطى جواباً مبهماً، حيث قام بيت بوتيجيج بتغيير الموضوع وتحدّث عن التأمين على الحياة والتأمين الصحي في الدنمارك، في حين لم تطرح إليزابيث وارن أي خطوات محددة لإنهاء الكارثة. وفي استطلاع رأي أجرته صحيفة “واشنطن بوست” في وقت سابق من جلسة النقاش، أجاب ثلاثة فقط من المرشحين الرئاسيين الثمانية من الحزب الديمقراطي بـ “النفي” عند سؤالهم عن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأسد، الرجل الذي أظهر استخفافاً صارخاً بحياة شعبه، إن لم يكن تبجّحاً بإنهائها شخصياً.
إذاً، ما الذي يجب فعله؟ أولاً، على واشنطن أن تتعاون مع حلفائها الأوروبيين لفرض مفاوضات سياسية جادة حول سوريا. وحيث دعا الاتحاد الأوروبي مؤخراً نظام الأسد والجهات الداعمة له إلى إنهاء الهجوم على إدلب، تستطيع واشنطن أن تخطو خطوة أبعد في هذا الخصوص عبر الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإقناع الأسد بالمشاركة في المحادثات. يجب على إدارة ترامب فرض عقوبات على الروس الذين ارتكبوا جرائم حرب في سوريا.
ثانياً، يجب على واشنطن توفير المعلومات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع للحكومة التركية لإنشاء منطقة حظر طيران لحماية وإيواء المدنيين السوريين الفارين من الهجمات الجوية التي ستُستأنف على الأرجح.
ثالثاً، على واشنطن حشد الدعم الدبلوماسي لوضع حد لاستخدام روسيا والصين حق النقض (“الفيتو”) مجدداً في مجلس الأمن، لمنع امتداد نطاق المساعدات الإنسانية عبر الحدود التركية. وقد اقترح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إضافة حدود تل أبيض كنقطة عبور. يجب أن يحدث هذا الأمر قبل وقت طويل من الموعد النهائي الذي حدده مجلس الأمن في 10 تموز/يوليو لقرار تمديد تفويضه بشأن تقديم المساعدات عبر الحدود.
قد يكون غض الطرف حالياً أمراً مغرياً، لكن التاريخ لن ينظر بلطف إلى أولئك الذين يفعلون ذلك. بوسع زعماء العالم الاختباء وراء قرارات الأمم المتحدة عديمة الفاعلية، أو رفع أيديهم بسبب عدم وجود حلٍّ سهل. لكن هناك ثلاثة ملايين شخص يعتمدون عليهم. إن سياسة إبادة السكان المدنيين التي ينتهجها نظام الأسد هي جريمة ضد الإنسانية. يجب على أي حكومة أمريكية ألا تسمح بمثل هذا السلوك.
رابط المصدر: