استحوذ الاتفاق الثنائي الذي تم التوصل إليه بين المملكة العربية السعودية وإيران بوساطة صينية في بكين يوم 10 مارس 2023 على اهتمام واسع للغاية من جانب مختلف الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية الناطقة بالفارسية في طهران، حيث جاء هذا الاتفاق بعد 7 سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، ويعتزم البلدان بموجبه استعادة علاقتهما الدبلوماسية وفتح سفارتي البلدين بعد انقطاع هذه العلاقات في يناير 2016 إثر مهاجمة موالين للنظام في إيران مقرّي السفارة والقنصلية السعوديتين في العاصمة طهران ومدينة مشهد شرقًا، وما تلاه لاحقًا من هجمات مجموعات موالية لطهران على مرافق سعودية.
ويكتسب هذا الاتفاق بين طهران والرياض أهمية خاصة؛ بالنظر إلى أنه جاء بعد سنوات من توتر العلاقات بين البلدين، وبعد عقد عدة جولات مطولة من المحادثات بين البلدين بوساطة عراقية في السابق. ولهذا، نجد اهتمامًا كبيرًا من جانب وسائل الإعلام الإيرانية لتناول هذا الحدث. وفيما يلي، نرصد أبرز توجهات الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية إزاء الاتفاق السعودي الإيراني، وذلك حسبما وردت في تقاريرها الصادرة لاحقًا، خاصة في اليوم التالي للاتفاق:
نهاية قطيعة دامت 7 سنوات
كان هذا هو العنوان الأبرز والأكثر انتشارًا بين الصحف الإيرانية ووسائل الإعلام في طهران خلال اليوم التالي للاتفاق السعودي الإيراني الذي تم التوصل إليه في 10 مارس الجاري بالعاصمة الصينية بكين. حيث تطرقت أغلب التقارير المعنونة على هذا النحو إلى أن الاتفاق مثل نهاية لسبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وأنه قد تعززت فرص التوصل إليه بعد المباحثات السعودية الإيرانية خلال الأشهر الماضية وبعد الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى بكين في منتصف فبراير الماضي وتلقي دعوة صينية للوساطة في هذا الأمر، إلى أن تم الإعلان عن الاتفاق في العاشر من مارس الجاري.
وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة “تجارت” في عددها الصادر يوم 11 مارس 2023 تقريرًا تحت عنوان “نهاية قطيعة دامت 7 سنوات” قالت فيه إن الاتفاق بين الرياض وطهران قد جاء بعد “مفاوضات مكثّفة قام بها الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في بكين مع نظيره السعودي (مستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان) من أجل وضع تسوية نهائية للقضايا المشتركة بين إيران والسعودية”.
وأضافت الصحيفة أن “وزير الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، قد رحّب قبل ذلك بعود العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران إلى حالتها الطبيعية وعودة سفارتي البلدين”. وأشارت الصحيفة إلى تصريحات شمخاني التي شدد فيها على أن إحدى الأهداف الرئيسة لزيارة الرئيس “رئيسي” إلى بكين الأخيرة في فبراير 2022 كانت من أجل الحديث حول عودة العلاقات مع الرياض.
“بدء صفحة جديدة في العلاقات السعودية الإيرانية”
وصف العديد من الصحف ووسائل الإعلام في إيران الاتفاق الثنائي الأخير بين الدولتين بأنه بداية “لصفحة جديدة من العلاقات الثنائية” وأنه “مهم ويبعث على التفاؤل”، حيث ذهب العديد من المنافذ الإعلامية في طهران إلى أن الاتفاق يفتح المجال للتعاون في عدد من المجالات، ومن بينها تسوية عدد من الملفات الإقليمية.
وفي هذا السياق، أجرت صحيفة “آفتاب يزد” في عددها الصادر يوم 11 مارس الجاري تحت عنوان “التوقيع على اتفاق طهران-الرياض في بكين: مهم ويبعث على التفاؤل وذو معنى” حوارًا مع أستاذ الدراسات الجيوسياسية، عبد الرضا فرجي، قال خلاله إن إحدى النقاط المهمة للغاية والإيجابية في هذه الخطوة هو “إمكانية عبور الرياض وطهران للمشكلات القائمة في ظل بيئة هادئة”.
وأضاف الاستاذ الجامعي الإيراني أن “المسار السليم للمصالح الاقتصادية يمكن أن يقود إلى تخفيف مستوى التوتر بين إيران والعديد من الدول”، مشيرًا إلى أن تحسن العلاقات بين الدولتين سينعكس على عدد آخر من المجالات والقضايا الإقليمية. وحسب عبد الرضا فرجي، فإن الاتفاق “سيعزز من مساعي دول أخرى إلى تحسين العلاقات مع طهران ومن بينهم باكستان”. وفي الوقت نفسه، ذكر الاستاذ الإيراني قائلًا إن “روسيا سوف ترحب حتمًا بهذا الاتفاق؛ ذلك لأن الصين مشاركة به”، حسب قوله.
“تفعيل الدور الصيني مقابل نظيره الأمريكي”
لعل من أبرز توجهات الإعلام الإيراني خلال الساعات الماضية كانت تلك المتعلقة بتناوله الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط ومقارنته بنظيره الصيني. فقد رأت وسائل الإعلام الإيرانية الناطقة بالفارسية أن عقد الاتفاق بوساطة صينية يعني “انتصارًا لبكين” وأنه في الوقت نفسه يُعد “مؤشرًا على تراجع الحضور الأمريكي في المنطقة”، حسب الرؤية الإيرانية.
وحول ذلك، نشر الموقع التحليلي الإيراني البارز “الدبلوماسية الإيرانية” تقريرًا يوم 10 مارس الجاري بقلم الكاتبين “سيد وحيد كريمي وسيد علي موسوي خلخالي” تحت عنوان “5 دروس حول دور الصين في تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية” ذكرا خلاله أن هناك 5 دروس مستفادة من “تحسن العلاقات الإيرانية السعودية الذي حدث بوساطة صينية وبعد 5 أيام من المفاوضات المكثفة في بكين”.
ويرى هذان الكاتبان الإيرانيان البارزان أن هذه الدروس الخمسة هي:
● “أن هذا الاتفاق يُعد انتصارًا مهمًا للصين؛ إذ يمكن القول إن هذه هي أول خطوة ناجحة للصين فيما يتعلق بلعب دور خارج الإقليم في الشرق الأوسط والذي كان قبل ذلك في حوزة واشنطن. ومع ذلك، فإن الصين تذهب الآن لملء الفراغ الأمريكي وتتبدل مع ذلك الثقة التي كانت لدى دول المنطقة في الولايات المتحدة إلى الصين”، حسب تعبير الكاتبين الإيرانيين.
● “حاجة دول غرب آسيا، والتي تشمل الجمهورية الإسلامية، إلى وسيط دائم. فعلى الرغم من رغبة إيران في حل دول المنطقة خلافاتها عن طريق الحوار المشترك بينها بدون الوساطة الخارجية، فإننا رأينا في النهاية أن هذه الرغبة لم تتحقق وانخرطت بدلًا من ذلك دولة كبرى خارج الإقليم”.
● صحة النظرية القائلة بأن الدول الكبرى قد تتعاون في حل المشكلات الخارجية المشتركة بينهما وأن “هذا التعاون لا يتنافى مع خلافاتهم”.
● اضطرار إيران إلى التقارب بشكل أكبر مع الصين على حساب العلاقات مع الولايات المتحدة.
● “عدم صحة جملة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بشأن مدى حيوية الدعم الأمريكي للسعودية”.
“المساهمة في تراجع حالة العزلة”
رأى العديد من الكتاب الإيرانيين أن عودة العلاقات الإيرانية مع الرياض قد تسهم في تخلص طهران من حالة العزلة الإقليمية التي تشهدها منذ سنوات. وفي هذا الصدد، عنونت صحيفة “شهروند” إحدى تقاريرها الصادرة يوم 11 مارس 2023 بـ “هزيمة مشروع العزلة“، حيث رأت أن الاتفاق الإيراني السعودي الأخير، الذي تم بوساطة صينية، قد يسهم في تراجع حالة العزلة السياسية التي يشهدها النظام الإيراني منذ سنوات.
وأشادت الصحيفة بجهود الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في التوصل إلى هذا الاتفاق مع المملكة العربية السعودية.
.
رابط المصدر: