هل تتجه مصر إلى قيادة قاطرة الهيدروجين الأخضر في العالم؟

د. أحمد سلطان

 

هناك الكثير من الأسباب الفنية والبيئية والاقتصادية والسياسية وراء الاهتمام العالمي بالهيدروجين الأخضر؛ وذلك لكونه مصدرًا للطاقة، إلا أن قضية التغير المناخي وكونه وقودًا نظيفًا وصديقًا للبيئة هي السبب الرئيس لتبنيه في الوقت الراهن، وبالأخص مع وفرة تكنولوجيا إنتاج الطاقة المتجددة والتي من الممكن استغلالها لتوليد الكهرباء، ومن ثم استخدامها في عمليات إنتاج الهيدروجين، في وقت زادت فيه التحديات والطموحات العالمية حول ضرورة تعزيز تبني سياسات قوية للطاقة البديلة بفعل تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وضرورة تخفيف الاعتماد على مصادر الوقود الأحفوري.

لذلك تصدر الهيدروجين الأخضر مباحثات الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 11 مارس 2023 مع ليو زيشيانج رئيس مجلس إدارة مجموعة الصين الدولية للطاقة، والوفد المرافق له من كبار المسؤولين بالمجموعة، حيث أعلنت مجموعة الصين الدولية للطاقة عزمها إقامة مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر، باستثمارات تتراوح قيمتها من 5 إلى 8 مليارات دولار؛ وذلك في ضوء ما تتمتع به مصر من مقومات كبيرة في هذا الصدد.

وبشكل عام، تقترب مصر من تنفيذ العديد من مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر وبالشراكة مع كبرى الشركات العاملة في المجال، وتنفيذ خطة وطنية لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقيمة 40 مليار دولار في الفترة المقبلة؛ وذلك إدراكًا منها لأهمية إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا وتخزينهما وتجارتهما، في إطار إستراتيجيتها للتنمية الاقتصادية، والتى تستهدف الوصول إلى حوالي 8% من السوق العالمية للهيدروجين. ووفقًا لما سبق، سنتناول الرؤية المصرية وتوطين صناعة وإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر، مع إلقاء الضوء على مقومات الدولة المصرية والتي تتمتع بها في تلك الصناعة الاستراتيجية.

الرؤية المصرية وتوطين صناعة وإنتاج الهيدروجين الأخضر

تعتزم مصر إضافة الهيدروجين الأخضر إلى منظومة الطاقة المتكاملة لعام 2035، والمخطط انطلاقها بقيمة 40 مليار دولار. وفي يوليو 2021، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بإعداد استراتيجية وطنية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، لكونه وقود المستقبل الصديق للبيئة. وبشكل عام، ينوي العديد من دول العالم زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة والتوسع في استخدامها من خلال العديد من التقنيات الحديثة لتخزين ونقل واستخدام الطاقة الخضراء، والتى من ضمنها الهيدروجين الأخضر كخيار مهم لتخزين الكهرباء.

وفي هذا الإطار، كانت مصر من ضمن دول كثيرة تسعى حاليًا في إعداد استراتيجيات وطنية لتوطين إنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر، واتجهت أيضًا إلى دراسة الفرص المتاحة لجذب الاستثمارات في صناعة إنتاج الهيدروجين، ودراسة الفرص المستقبلية وفتح أسواق في مختلف دول العالم، حيث سعت إلى توقيع اتفاقات وشراكات ومذكرات تفاهم أولية بهدف ضمان حصص مستقبلية لها في التداول العالمي المتوقع للهيدروجين.

ووصل عدد المشروعات على مستوى العالم إلى أكثر من حوالي 700 مشروع بإجمالي حجم استثمارات أكثر من 500 مليار دولار، ووصل عدد الدول التي اهتمت بإعداد استراتيجيات وطنية وخطط تنموية لإنتاج الهيدروجين الأخضر حوالي 44 دولة كما هو موضح في الشكل التالي. وبلغ عدد الدول التي تعمل على الانتهاء من إعداد إستراتيجيات الهيدروجين الوطنية نحو 10 دول، من بينها مصر والتي أعدت استراتيجيتها الوطنية، وتُخضعها للمراجعة حاليًا تمهيدًا لإعلانها بشكل رسمي خلال الفترة القادمة.

من ناحيتها، تأتي مصر على رأس قائمة الدول العربية من حيث عدد المشروعات التي تهدف إلى توطين صناعة الهيدروجين الأخضر، بنحو 23 مشروعًا  (من إجمالي حوالي 73 مشروعًا في صناعة الهيدروجين على مستوى الوطن العربي) كما هو موضح في الشكل التالي. ولكن تُشكل كلفة الإنتاج الضخمة هي العقبة الرئيسة أمام تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر، فالكلفة التي يتطلبها إنتاج الهيدروجين الأخضر مازالت تحد من تنافسيته في الأسواق العالمية.

وهو الأمر الذي دفع الدولة المصرية إلى الإسراع في ضخ الاستثمارات إلى هذه الصناعة الخضراء ضمن الاستراتيجية المصرية لتوطين صناعة وإنتاج الهيدروجين الأخضر، كما هو موضح في الشكل التالي، ونشر وتسهيل أنظمة التحليل الكهربائي التي تُستخدم في صناعة الهيدروجين الأخضر، مع تشجيع عمليات الصناعة المحلية، وتذليل كافة العقبات أمام تلك الخطوة؛ وذلك لأن الهيدروجين الأخضر يُشكل الوسيلة الأمثل لاستثمار فائض إنتاج الطاقة من المصادر البديلة أو المتجددة والتي عجزت التكنولوجيا عن حل مسألة تخزينه.

وتم كذلك تنفيذ مشروعات تجريبية في مصر فيما يتعلق بإنتاج الهيدروجين الأخضر، ويتعاون صندوق مصر السيادي مع الشركة النرويجية سكاتيك وشركات أخرى لتشغيل محطة العين السخنة أول محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة إنتاجية تصل إلى حوالي 100 ميجا وات، والتي تم افتتاحها في نهاية العام الماضي.

وهنا تجب الإشارة إلى وصول معدل الإنتاج السنوي من الهيدروجين (عن طريق استخدام الغاز الطبيعي والفحم الأحفوري) إلى أكثر من 90 مليون طن. والجدير بالذكر أن هذه الطريقة تُمثل أكثر من 95% من إنتاج الهيدروجين عالميًا (وحوالي 1% من الهيدروجين النظيف)، ومن المتوقع أن يصل الإنتاج التقديري من الهيدروجين النظيف إلى حوالي 700 مليون طن بحلول عام 2050.

إن السعة العالمية لإنتاج الهيدروجين النظيف قد ارتفعت لأكثر من 109 كيلو أطنان سنويًا خلال العام الماضي، محققة بذلك زيادة حوالي 44% على أساس سنوي. وبالتالي ارتفاع عدد الصفقات الموقعة خلال العام الماضي، مما يساعد على الوصول إلى تحقيق هدف زيادة قدرة إنتاج الهيدروجين الأخضر لأكثر من حوالي 111 مليون طن سنويًا وذلك بحلول عام 2030، كما هو موضح في الشكل التالي.

مقومات مصر في صناعة وإنتاج الهيدروجين الأخضر

في ضوء استراتيجية مصر للمضي قدمًا في تفعيل آليات وأدوات التنمية المستدامة، كانت مصر نموذجًا أفريقيًا في مجال التحول نحو الاقتصاد الأخضر عبر العديد من المشاريع والتي من أهمها إنتاج الهيدروجين الأخضر، ويحظى الهيدروجين الأخضر في مصر باهتمام كبير ومتزايد، خاصةٍ مع توافر إمكانات الطاقة المتجددة.

ولذلك اجتذبت المشروعات الضخمة في مصر أنظار جميع دول ومستثمري العالم؛ وذلك لنجاح قطاع الطاقة المصري في تحقيق العديد من النجاحات في ظل التحديات والمتغيرات العالمية الكبيرة بعد عام 2014، ومع توافر العديد من المؤشرات والعوامل الإيجابية والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

● الموقع الاستراتيجي، بالإضافة إلى القرب من أسواق مثل الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط والتى قد تشهد طلبًا كبيرًا على الهيدروجين في السنوات القليلة المقبلة، حيث من المتوقع زيادة الطلب الأوروبي على الهيدروجين الأخضر من حوالي 3% إلى حوالي 20%.

● الإمكانات المرتفعة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مما أهلها لأن تحتل التريب الأول عربيًا في طاقتي الرياح والشمس.

● حجم وجودة البنية التحتية والصناعية والتي تم تشييدها وتحديثها في مصر خلال الفترة من 2014-2022، مما أتاح العديد من الفرص الاستثمارية الجديدة والتى لم تكن متوفرة من قبل.

● تقديم الحوافز الضريبية وتسهيل الإجراءات، فمن خلال الحصول على تصريح واحد فقط بإمكان المستثمر إنشاء مشروعات الهيدروجين الأخضر وتشغيلها وإدارتها.

● البنية التحتية للغاز الطبيعي ومحطات الإسالة العملاقة والموانئ البحرية والتى شهدت خلال الفترة الماضية تطورًا كبيرًا، وغيرها.

● امتلاك قناة السويس والتي تشهد نحو 12% من جميع الشحنات المنقولة بحرًا في العالم.

● توافر الموارد والبنية التحتية القوية، بالإضافة إلى عمليات التطوير والنهضة التى تشهدها حاليًا.

واستكمالًا لما سبق، هناك المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والتى تُعد أمل الدولة المصرية في توطين صناعة وإنتاج الهيدروجين الأخضر والتي من المتوقع لها أن تصبح عاصمة الهيدروجين في العالم في السنوات القليلة المقبلة، حيث تستهدف المنطقة توطين هذا النوع من الصناعات في مناطقها المتكاملة بالسخنة وشرق بورسعيد، وذلك للعديد من الأسباب من الممكن تلخيصها في النقاط التالية:

● قربها من ميناء السخنة أكبر موانئ البحر الأحمر، وما يشهده الميناء من أعمال تطوير ضخمة تؤهله لاستقطاب العديد من الاستثمارات وتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير.

● جاهزيتها بصفتها منطقة صناعية، مع الحوافز الاستثمارية التي تقدمها المنطقة الاقتصادية لمستثمريها ضمن استراتيجية خلق الفرصة.

● المنطقة الاقتصادية تضم أربع مناطق صناعية و6 موانئ محورية في خدمة التجارة العالمية بموقعها على البحرين المتوسط والأحمر.

● تستحوذ المنطقة الاقتصادية لقناة السويس على نحو 85% من مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر، بسعة إجمالية نحو 10.7 جيجاوات مما يعني إنتاجًا مستقبليًا لمصر حوالي 1.5 مليون طن من الهيدروجين الأخضر، ولذلك تشهد تسارع وتيرة الاتفاقيات التي توقعها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في الفترة الماضية بهدف توطين صناعة الهيدروجين الأخضر في مصر.

ولذلك ووفقًا لما سبق، تعتمد التنمية الاقتصادية في مصر على قطاع الطاقة والذى يُشكل حوالي 13% من الناتج المحلى الإجمالي. وأدركت الدولة المصرية الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه الهيدروجين في قطاع الطاقة، من أجل تقليل الأثر البيئي وإبطاء التغير المناخي. ويصير ذلك قابلًا للتحقق من خلال تمكين مصر من توليد واستخدام الهيدروجين الناتج عن الطاقة المتجددة، بدلًا عن الوقود الأحفوري.

وبالتالي تأتي مشروعات الطاقة المتجددة في قمة أولويات الدولة المصرية من خلال تنفيذ العديد من المشروعات المهمة في طاقتي الرياح والشمس ومن ضمنها محطة بنبان للطاقة الشمسية والتى أدت إلى إحداث ثورة في إمدادات الطاقة، والتي وضعت الدولة المصرية على خريطة الطاقة النظيفة، ويضم المشروع نحو حوالي 31 محطة للطاقة الشمسية بقدرة تصل إلى حوالي 1465 ميجاوات، أو ما يعادل حوالي 90% من الطاقة المنتجة ‏من السد العالي، ويوفر نحو حوالي 10 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، بإجمالي استثمارات يبلغ ‏ملياري دولار كما هو موضح في الشكل التالي.

ولم يكن مشروع بنبان الطفرة الوحيدة التي شهدتها مصر في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، فمصر من أولى الدول إنشاءً لمحطات طاقة الرياح منذ عام 2000، إذ تأتي في صدارة الدول العربية في مجال الطاقة المتجددة، وقام الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع وزارة الكهرباء والطاقة، بتدشين أضخم مزرعة رياح في إفريقيا بمحطة الزعفرانة، وجبل الزيت، وخليج السويس، حيث تُعد مزارع الرياح جزءًا مهمًا في استراتيجية الطاقة طويلة الأمد لمصر، والتى تهدف إلى استغلال مصادر الطاقة المتجددة المتوافرة بكثرة في مصر.

ولذلك، جاءت مصر في المرتبة الأولى في المنطقة العربية إنتاجًا للكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كما هو موضح في الشكل التالي، بمعدلات إنتاج تبلغ حوالي 3.5 جيجاوات، ومستهدف وصولها إلى حوالي 6.8 جيجاوات بحلول عام 2024، ومقسمة بين 1.6 جيجاوات من طاقة الرياح و1.9جيجاوات من محطات الطاقة الشمسية.

وأفريقيًا، احتلت مصر المركز الثاني فيما يتعلق بمساهمتها في إنتاج الطاقة الشمسية على مستوى القارة الأفريقية والتي بلغت حوالي 16%، فيما تأتي في المركز الثالث في إنتاج طاقة الرياح وبنسبة حوالي 21%، كما هو موضح في الشكل التالي.

توقعات وانعكاسات مختلفة على الاقتصاد المصري

يحظى الهيدروجين الأخضر في مصر باهتمام كبير ومتزايد، لما له من أهمية استراتيجية للدولة المصرية وذلك لمجموعة من الاعتبارات الرئيسة، والتي من الممكن تلخيصها في النقاط التالية:

● تحقيق تنوع مصادر الطاقة لمصر وهو الاتجاه الذي بدأ مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر، وضمن استراتيجية الدولة والتي تعتمد حاليًا على مزيج الطاقة وذلك من خلال تنويع مصادر الطاقة ووجود معادلة متزنة من الطاقة لمصر لأول مرة.

● من المتوقع أن يتضاعف اقتصاد الهيدروجين حوالي 7 مرات بحلول عام 2050، مما سيؤدي إلى توفير لمصر إمكانية الحصول على نسبة كبيرة من السوق الدولية للهيدروجين (حوالي 8%) وزيادة الناتج المحلي بحوالي 18 مليار دولار.

● حماية الاقتصاد المصري من حالة التذبذب والتقلب في أسعار النفط العالمية، وذلك عن طريق سرعة ضم الهيدروجين الأخضر إلى مزيج الطاقة المصري واستخدامه في الصناعات المختلفة.

● تُسهم مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر في تعزيز الجهود المصرية نحو هدفها كمركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة في المنطقة.

● تدخل مشروعات الهيدروجين الأخضر ضمن استراتيجية مصر للطاقة المتكاملة والمستدامة 2035 كما هو موضح في الشكل التالي، والتي تعكس التزام الدولة المصرية تجاه توفير قطاع طاقة نظيف ومستدام، من خلال تنويع مصادر الطاقة، حيث بلغت نسبة الطاقة البديلة ضمن مزيج الطاقة الكهربائية حوالي 20% في بداية العام الماضي، والمستهدف حوالي 37% بحلول عام 2030، والعمل على الوصول إلى نسبة حوالي 42% وذلك بحلول عام 2035.

● الإسهام في الوصول إلى حالة الاستقرار في منظومة الطاقة الداخلية للدولة المصرية، وبالتالي الحفاظ على الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي من الاستنزاف الحاد.

● تسهم فرص إنتاج الهيدروجين الأخضر في تعزيز مكانة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بأن تكون مركزًا إقليميًا رائدًا في صناعات الهيدروجين الأخضر، وذلك تزامنًا مع التحول العالمي لاستخدامات الطاقة النظيفة.

مجمل القول، يحظى الهيدروجين الأخضر باهتمام عالمي وإقليمي متزايد في الوقت الراهن؛ لكونه وقودًا نظيفًا، وبالنسبة للدولة المصرية توفر البنية التحتية المصرية الحالية فرصًا كبيرة لإنشاء وتوسيع الطلب على الهيدروجين، حيث تأتي مذكرات التفاهم في إطار الجهود المصرية الرامية إلى التوسع في مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر، بوصفه مصدرًا واعدًا للطاقة في المستقبل. ومن جهة أخرى تدعم المشروعات الجهود التي تقوم بها مصر لتصبح ممرًا لعبور الطاقة النظيفة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76025/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M