كيف سعت جبهة الإخوان في إسطنبول إلى الاستفادة من وفاة “إبراهيم منير”؟

محمد فوزي

 

بثت فضائية وطن التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية في 20 نوفمبر الجاري خطابًا مصورًا لزعيم جبهة إسطنبول محمود حسين، خرج فيه بصفته “قائمًا بأعمال المرشد العام للجماعة” ومفوضًا من مجلس الشورى العام لشغل هذا المنصب في أعقاب وفاة إبراهيم منير، الأمر الذي يمكن قراءته على أنه محاولة من “حسين” وجبهته لتكريس سيطرتهم على الجماعة، استغلالًا لحالة الارتباك التي تعيشها جبهة لندن إثر وفاة “منير”، وعدم الاستقرار حتى اللحظة على هيكل إداري واضح ومستقر خاص بالجبهة، والاكتفاء بتسمية “محيي الدين الزايط” قائمًا بأعمال المرشد.

تكريس لسيطرة جبهة إسطنبول

خرج محمود حسين في خطابه المتلفز مخاطبًا عموم قواعد تنظيم الإخوان بصفته مفوضًا من مجلس شورى الجماعة لتبوؤ منصب القائم بأعمال المرشد العام، ومتوجهًا بالشكر إلى اللجنة التي شكلها هو بالأساس للقيام بأعمال المرشد العام للتنظيم والتي كان يرأسها مصطفى طلبة، “على جهودها في الفترات الماضية”، وأكد “حسين” في خطابه أنه كُلف بمنصب القائم بأعمال مرشد الإخوان، وأنه متمسك بثوابت الجماعة وأن الجماعة ضد الذوبان وضد التطويع ومتمسكة بالثوابت التي أسسها الإخوان والأجيال التالية لمؤسس الجماعة.

وأكد “حسين” أن “الشورى ملزمة لكافة قواعد الإخوان” مشيرًا إلى ضرورة الانصياع لمخرجات الاجتماع الأخير لمجلس شورى التنظيم والتي كان أبرزها اختياره قائمًا بأعمال المرشد، ومنوهًا إلى أنه سيسعى في الفترة المقبلة إلى “استكمال تشكيل الهيئات الإدارية والقيادية الخاصة بالجماعة”. وفي تهديد واضح لمعارضيه وبالتحديد أعضاء وقيادات جبهة لندن، شدد “حسين” على أن “من سيسعى إلى نشر الفتنة في الجماعة وتقسيمها لن يكون له مكان في التنظيم وستزول عنه صفة الأخوة” وفق تعبيره.

لكن أبرز ما حمله خطاب “حسين” تمثل في تأكيده على أنه “على الرغم من عالمية دعوة الإخوان المسلمين وانتشارها في العديد من الأقطار والدول، إلا أن الجماعة تُسيطر عليها المركزية، وتظل الجماعة الأم في مصر هي المسؤولة عن تسيير شؤون التنظيم”، ويبدو أن “حسين” استهدف من خلال هذه النقطة التأكيد على هامشية دور التنظيم الدولي على مستوى قيادة الجماعة، وغلق الباب أمام تغول التنظيم الدولي الذي سيطرت عليه جبهة لندن على حساب جبهته، خصوصًا مع خشية جبهة إسطنبول من سيطرة قيادات التنظيم الدولي على الجماعة.

وأشار “حسين” -إلى جانب سعيه لاستكمال الهياكل القيادية والإدارية الخاصة بالجماعة- إلى حرصه على تطوير آليات العمل المؤسسي داخل التنظيم، بما يتواكب والمتغيرات على كافة المستويات، وبما يضمن تمكين “جيل المئوية الجديدة” وفق تعبيره، وهو “الجيل الذي سيقود الجماعة في المئوية الجديدة لها” وفق تعبيره؛ في محاولة على ما يبدو لدغدغة مشاعر جيل الشباب داخل الإخوان، وهو الجيل الذي مثّل أحد العناصر الأساسية للأزمة البنيوية الراهنة التي تعيشها الجماعة، في ضوء حالة الفتور وغياب الثقة التي تطغى على العلاقة بين هذا الجيل وبين “نسور الجماعة” وشيوخها.

وفي ذات السياق، وجه “حسين” التحية إلى قواعد الجماعة في الداخل المصري، خصوصًا نساء وشباب التنظيم، في محاولة على ما يبدو لفتح صفحة جديدة مع قواعد وأسر الجماعة في الداخل المصري، بعد أن شهدت علاقات جبهة إسطنبول بهذه القواعد حالة من التأزم؛ نتيجة ما أُثير بخصوص موالاة قطاع كبير من هذه الأسر لجبهة لندن.

ملاحظات رئيسة

تستهدف جبهة إسطنبول وقائدها محمود حسين من خلال تحركاتها الأخيرة التكريس لواقع جديد داخل تنظيم الإخوان، يقوم هذا الواقع على بسط الجبهة لسيطرتها على التنظيم في أعقاب وفاة إبراهيم منير، وتهميش جبهة لندن، وهنا توجد مجموعة من الملاحظات المهمة:

1- ركزت تحركات جبهة إسطنبول الأخيرة والمتمثلة في اختيار محمود حسين قائمًا بأعمال المرشد العام لتنظيم الإخوان، وكذا خطاب محمود حسين الأخير، على فكرة التكريس لسيطرة الجبهة على مفاصل الإخوان، وأنها الجهة الشرعية المعبرة عن الجماعة. وقد لوحظ أن “حسين” لم يتطرق في خطابه بشكل مباشر إلى جبهة لندن ولم يتحدث عنها، في محاولة رمزية لتهميش هذه الجبهة، وإظهارها على أنها لا تمثل موضع أزمة بالنسبة له، فضلًا عن تأكيد “حسين” على أن التنظيم المصري هو المُسير الرئيس لشؤون الجماعة وليس التنظيم الدولي، وهي نقطة تُخدم على نفس الهدف المتمثل في السعي إلى تهميش جبهة لندن التي تُعد المسيطر الرئيس على التنظيم الدولي.

الجدير بالذكر في هذا الصدد أن وفاة إبراهيم منير مثّلت فرصة كبيرة بالنسبة لمحمود حسين وجبهته؛ إذ إن “حسين” سعى منذ سنوات إلى الوصول إلى منصب المرشد العام للجماعة أو القائم بأعماله، فمع كون منصب الأمين العام لتنظيم الإخوان ملغيًا بشكل لائحي منذ العام 2012، سعى “حسين” وطلب أن يكون نائبًا لإبراهيم منير مع استحواذه على منصب القائم بأعمال المرشد، وهو طلب ارتبط برؤية “حسين” القائمة على أنه حال مرض “منير” أو وفاته فإن منصب القائم بالأعمال سيؤول إليه، ولما رُفض طلبه اندلعت الخلافات بينه وبين “منير”، وهي حقائق أكدها الداعية الإخواني عصام تليمة في مقال له في الموقع المحسوب على الإخوان “عربي 21” نُشر 17 نوفمبر الماضي، كما أكد “تليمة” في المقال أن صراع “حسين” كان بالأساس لأجل المصالح والأموال والسيطرة على الجماعة.

2- سعى محمود حسين في خطابه إلى دغدغة مشاعر قواعد التنظيم من الشباب والنساء، عبر التأكيد أن الإطار المؤسسي الجديد الذي سيؤسس له داخل الجماعة سيقوم بشكل رئيس على “جيل المئوية الجديدة” وفق تعبيره؛ في محاولة لفتح صفحة جديدة مع هذه القواعد، وترميم واحتواء الخلافات وحالة التأزم التي طغت على علاقته جبهته بهم.

3- روج “حسين” في بداية خطابه إلى “نظرية المؤامرة” مشيرًا إلى وجود جهات خارجية وداخلية مسؤولة عن التأزم داخل تنظيم الإخوان. وبعيدًا عن التناقض في حديثه حيث أشار في سياق لاحق إلى أن “التنظيم متماسك”، إلا أن العامل الأهم هنا هو أن “حسين” يحاول إبراء زمته أمام قواعد التنظيم من الأزمة البنيوية الراهنة التي يعيشها الإخوان، رغم أنه توقع في تصريحات له في العام 2014 أن جماعة الإخوان ستنقسم إلى 3 أو 4 جبهات، وفق الداعية الإخواني عصام تليمة. ويسعى “حسين” من هذا الخطاب إلى تعليق شماعة الفشل والتأزم الحالي على أطراف خارجية متمثلة بشكل رئيس في الدولة المصرية وفق زعمه، وأطراف داخل الجماعة متمثلة في جبهة لندن، والاتجاهات الإخوانية المناوئة له.

4- اللافت في هذه التطورات المهمة الخاصة بتنظيم الإخوان أن رد جبهة لندن على تحركات “حسين” ورفاقه لم يكن بالزخم والقوة الملائمة لنوعية تحركات جبهة إسطنبول؛ إذ اكتفت الجبهة منذ قرار تعيين “حسين” كقائم بأعمال المرشد بالتأكيد على الاستقرار على التركيبة المؤقتة التي أعلنتها في 5 نوفمبر، والمتمثلة في تعيين محيي الدين الزايط قائمًا بأعمال المرشد العام للجماعة، ويُعاونه حلمي الجزار ومحمد البحيري ومحمود الإبياري، مع استمرار صهيب عبد المقصود كمتحدث باسم الجبهة، على أن تكون هذه التركيبة لحين انعقاد مؤسسات الجماعة والاستقرار على إطار هيكلي مستدام وواضح حاكم للجبهة.

ويُمكن إحالة ردود الأفعال الضعيفة من قبل جبهة لندن إزاء تحركات جبهة إسطنبول إلى حالة الارتباك الكبيرة التي تعيشها الجبهة منذ وفاة إبراهيم منير، وعدم وجود قيادات كاريزمية بنفس ثقل إبراهيم منير لخلافته على رأس الجبهة؛ فالأسماء المرشحة لخلافة “منير” تعاني من إشكالات تحول دون تأديتها لنفس الأدوار التي كان يقوم بها إبراهيم منير.

السيناريوهات المتوقعة

في ضوء التطورات الأخيرة الخاصة بالأزمة البنيوية العميقة التي يعيشها تنظيم الإخوان، يبدو أن حالة الصراع داخل التنظيم سوف تستمر، لكن مآلات الأزمة على المدى المتوسط والبعيد ستكون مرتبطة بأحد السيناريوهات التالية:

1- سيطرة جبهة إسطنبول على التنظيم: ويتمثل هذا السيناريو في تبني جبهة إسطنبول في الأيام المقبلة لإجراءات تصعيدية جديدة، تضمن سيطرتها على مفاصل الجماعة، وبناء هياكل مؤسسية جديدة موالية لها، خصوصًا على مستوى السعي لتسمية أمين عام للتنظيم الدولي، والسيطرة على أصول واستثمارات الجماعة في الخارج، وتحجيم تحركات جبهة لندن المحتملة، فضلًا عن أنها سوف تُروج على مستوى أكبر لسردية أن “حسين” هو الأحق بمنصب القائم بأعمال المرشد، على اعتبار أنه عضو مكتب الإرشاد الوحيد حاليًا في إخوان الخارج. ويُرجح أن تسعى جبهة لندن في إطار هذا التوجه إلى استمالة جبهة “الكماليين”، فضلًا عن قواعد التنظيم في الداخل المصري.

2- تحركات جديدة من جبهة لندن: ربما تدفع تحركات جبهة إسطنبول التصعيدية جبهة لندن باتجاه التحرك في الساعات والأيام المقبلة من أجل سرعة إعادة بناء الهيكل الداخلي الخاص بها، وتسمية قائم بأعمال المرشد خلفًا  لإبراهيم منير، وأمينًا  عامًا  للتنظيم الدولي، بما يُغلق الباب أمام استغلال جبهة إسطنبول لحالة الفراغ التي خلفت وفاة إبراهيم منير، وسوف تستغل الجبهة في إطار هذا التوجه سيطرتها على أصول اقتصادية مهمة للجماعة، وعلاقاتها القوية ببعض الدول، وسردية أن “حسين” تم فصله من مكتب الإرشاد، وكذا التضييق الذي تمارسه السلطات التركية تجاه قادة جبهة إسطنبول، خصوصًا في ضوء تنامي المؤشرات على احتمالية استئناف المباحثات الاستكشافية بين مصر وتركيا، وهي الفرضية التي لو تحققت، فإن السلطات التركية سوف تتبنى المزيد من الإجراءات التصعيدية ضد قادة الإخوان في تركيا.

وفي الختام، يمكن القول إن قرارات وتحركات جبهة إسطنبول الأخيرة تزيد من حالة التأزم الداخلية التي يشهدها تنظيم الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من أن كافة المؤشرات تذهب باتجاه ترجيح سيطرة جبهة إسطنبول على مفاصل الجماعة، إلا أن موقف “الكماليين” وإخوان الداخل المصري، وكذا اقتصاديات كل جبهة، وموقف السلطات التركية من الإخوان، سوف تكون عوامل محددة رئيسة لمآلات الأزمة الإخوانية في الفترات المقبلة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74140/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M