كيف يصبح تفشي كورونا (Covid-19) حافزًا قويًا للقيادة التحويلية؟

بقلم : كريستوف فون توجينبرج

ترجمة : د. جميل أبو العباس الريان

– لماذا يحتاج القادة إلى نسيان معظم ما يعرفونه عن القيادة؟

منذ فترة ليست بالبعيدة عندما كان تأثير الفيروس المُستَجَد (كورونا كوفيد-19)، لا يزال كبيرًا على بلدان الشرق الأقصى، استمرَّت الحياة والأعمال في أوروبا كما هو معتاد – لبعض الوقت- وبدا وكأنَّ الفيروس تم احتواؤه محليًا.

وبقلق عميق حِيال انتشار الفيروس ومتابعته ومتابعة كلّ منّا زملاءه كان الجميع في حالة طوارئ، وأدركنا أنَّه لم يكن هناك الوقت الكافي للاستعداد لتفشي محتمل للفيروس، وعلى حين غفلة كانت الموجة الأولى من الفيروس متبوعة بالعديد من الموجات مثلما حدث في إعصار تسونامي.

وبما أنَّ أي أزمة تتطلب إجراءات حاسمة ووضوحًا، أدركت ذلك من خلال عملي لمدة عقد من الزمن في النزاعات حول العالم، كما تتطلب القيادة في الأوقات غير العادية التعامل مع مستوى عالٍ من عدم اليقين، وبما أنَّ (كورونا كوفيد-19) هو “عدو” غير مرئي ولا حدود له كان على القادة -حتى أكثر القادة سذاجة- كان عليهم أن يدركوا أنّ أيّ يوم يضيع في الاستجابة والاستعداد عبارة عن يوم تتعرض فيه الأرواح للخطر، وكان عليهم أن يُدركوا أنَّ هذه الأزمة ليست الأزمة التي يتم خلالها تفادي الأمر بواسطة كبش فداء؛ حيث إن توجيه أصابع الاتهام إلى كبش الفداء لا يُساعد في مثل هذه المواقف.

على حين غرة، تعرض موطني الأم سويسرا لضربات شديدة. فنحن كدولة، كنا مستعدين جيدًا ولكننا لم نواجه أية أزمة وطنية منذ الحرب العالمية الثانية. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تعد سويسرا واحدة من أكثر البلدان تضرراً في أوروبا. على الرغم من أن الموقف يمثل تحديًا، إلا أنني مُمتن أيضًا لامتلاك “رفاهية” القدرة على الوصول إلى أحد أفضل الأنظمة الصحية في العالم. في حين أن البعض الآخر لم يحالفهم الحظ. وخصوصًا عندما نُفَكّر في إمكانية انتشار الفيروس وسط الكثير من اللاجئين المكتظين في المخيمات أو عدد لا يحصى من اللاجئين الذين لا يمكنهم حتى الوصول إلى أي مرفق صحي، هل يمكنك أن تتخيل ماذا يعني تفشي المرض بالنسبة لهم؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للقادة حول العالم؟ ماذا يعني أن تقود في مثل هذه الأوقات الصعبة؟ أين يمكنني أن أضع الأولويات وما الذي يجب أن أتوقف عن القيام به؟

فيما يلي بعض النصائح:

– انسَ كلَّ ما تعرفه عن القيادة:

في ظل الأزمات التي لا يمكن التنبؤ بها مثل أزمة فيروس (كورونا) تكون القيادة مختلفة؛ لأنَّ الأزمة هنا ليست أزمة تباطؤ في سير العملية الإصلاحية في البلاد أو في انخفاض الاقتصاد، بل أزمة صحية تهدد العالم كلَّه، مما يتطلب من القادة أو مَن هم معتادين أن يقودوا أن يصنعوا صنيعًا مختلفًا ويتصرفوا تصرُّفًا مختلفًا عما اعتادوا عليه؛ لأنّه قد لا يكون للقرار آثار على العمل أو المنظمة فحسب، بل قد يكون له أيضًا آثار على المجتمع ككل وهنا تكون الخطورة أكبر وأكثر تأثيرًا.

وعندما فَحَصَت دراسة نُشرت عام 2016 في Group Organization Management القيادة في المؤسسات التي نجت من أزمة، توصلت إلى أن “حتى عندما كانت الحياة على المحك، كان أفضل القادة قادرين على مساعدة الموظفين على تجربة المشاعر الإيجابية، والتي كانت المفتاح للحفاظ على القوى الذهنية للموظفين. وكلما كان الموظفون أكثر مرونة، كانت المنظَّمة ككل أكثر مرونة”.

وهذا يعني أنَّه قد يتعين اتخاذ بعض القرارات بشكل أسرع وأكثر جرأة؛ فهل تعتقد -على سبيل المثال- أنه في كل مرة يضطرُّ فيها الموظف إلى الانتقال من وإلى العمل، فإنه يتعرض لخطر محتمل يمثل تهديدًا محتملاً للفريق أو الركَّاب الآخرين؟

لذلك، القيادة أثناء الأزمة مختلفة. فكن مستعدًا للتعلم بسرعة الضوء وانس معظم ما تعرفه عن القيادة.

– كن قائدًا:

في الأزمات يجب أن يكون هناك قائدًا مستنيرًا؛ فإدارة الأزمات ليست عملية ديموقراطية، يجب أن يكون هناك قائد واحد؛  لكن هذا لا يعني أنه على القائد اتخاذ القرارات بمفرده. بل يجب العمل مع فريق من المستشارين الذين يكونون من الخبراء، والإدارة العليا والموظفين من مختلف أقسام المؤسسة، وهذا يُساعد فريق القيادة على فهم ما يشعر به الموظفون من مخاوف.

لقد كان ونستون تشرشل بارعًا في تلخيص التحديات وتقديم الرد في نفس الوقت. حيث قال عندما تولى منصبه عام 1940، “أنت تسأل، ما هو هدفنا؟ أستطيع الإجابة في كلمة واحدة. إنه النصر، النصر بأي ثمن. النصر بالرغم من كل رعب. النصر، مهما كان الطريق طويلًا وصعبًا، لأنه بدون النصر لا بقاء”.

لذلك كن مستعدًا لاتخاذ القرارات والوقوف وراءها. لا تفشل أبدًا في تصحيح المسار السَّريع وأحِط نفسك بأصوات الخبراء الواقعية والمفيدة.

– القادة يأكلون أخيرًا

اشتهر (سيمون سينيك) من خلال كتابه “القادة يأكلون أخيرًا” الذي وضع من خلاله شروط القيادة التي تُظهر أنَّ القادة في الأزمات يجب أن يتسموا بالوضوح ويجب أن يكون غرضهم المصلحة للفريق والمنظمة والمجتمع ككل، كما يجب على القائد عدم القفز من السفينة والبقاء على السطح خلال الأوقات العاصفة، فمهمة القائد هي طمأنة الفِرق والعملاء على حد سواء، وهذا ليس بالأمر السهل دائمًا خاصة في الأوقات التي لا يمكن التنبؤ بها مثل هذه الأوقات.

هذا هو معنى القيادة الخادمة المتواضعة، يجب أن يهتم القادة، ويستمعوا ويتصرفوا وفقًا لمصلحة الآخرين. حتى في حالة غرق السفينة، لا يغادر القائد السفينة إلا بعد إجلاء آخر شخص.

لذلك يجب عليك كقائد أن تُفكِّر في الفريق، والمنظمة، والغرض منها قبل أن تُفكِّر في نفسك.

– استخدم تعبيرات الشكر:

يجب على القائد أن يكون دائمًا مع فريقه في أوقات عملهم لا يجب أن يتركهم؛ ففي معظم الأوقات، يتعيَّن على الفرق التي تتعامل مع الأزمات أن تعمل فوق قدرها وأكثر من طاقتها، هذا يعني أنّه يجب على القائد أن يكون هناك، وأن يستمع، والأهم من ذلك كله أن يعبر عن شكره لفريقه. لا يوجد شيء أكثر إحباطًا للموظفين من الشعور بأنّهم مجرد آلات وليسوا بشرًا.

حدث شيء رائع في مدريد (إسبانيا) في 14 مارس 2020: في الساعة 10 مساءً، وقف الناس في جميع أنحاء المدينة على شرفاتهم وصفَّقوا للطاقم الطبِّي الذين يتعاملون مع أزمة كورونا. مظهر جميل من مظاهر الامتنان، ومنذ ذلك الحين قاد العديد من الأشخاص حملات للتعبير عن امتنانهم.

لذلك، أشكر بسخاء ، أشكر كثيرًا ، أشكر الجميع.

– التواصل والتعامل بإيجابية مع الموقف:

يجب على القادة أن لا يكونوا مثل الموظفين العاديين- وإلا لمَ هم قادة؟- حيث من المعروف أن معظم الموظفين يخافون بشدة من اتخاذ القرار، وأنَّ اعتمادهم على القيادة يجعلهم عرضة للخطر؛ لذلك على القادة أن يكونوا واضحين وإيجابيين حيث إنَّ الوضوح والشفافية أمران أساسيان في مثل هذه الأوقات ويجب عليهم عدم الخوف من اتخاذ القرارات الجريئة وهذا ليس معناه أنَّ القادة لا يخافون ربما يكونون مذعورين لكن دورهم هو توصيل الإيجابية والثقة لباقي الفريق. والمعلومات هي المرساة التي يتمسك بها الناس. لكن يجب أن تكون قصيرة وواقعية وواضحة ومفهومة، ولا تنس أن تشرح السبب.

لذلك، قم بالإبلاغ بانتظام وإبقاء الجميع على اطلاع دائم.

– التوقُّع والتخطيط:

يجب أن يكون القائد وفريقه دائمًا متقدمين على الموقف؛ فعلى سبيل المثال، مع (كوفيد-19)، هناك بعض التدابير التي فرضتها السلطات المختلفة ومنها أنه قد يتعين تغيير القرارات في لحظة؛ لذلك يجب على القادة أن يكون لديهم خطط مختلفة وأن يُحضروا (سيناريوهات) مختلفة وهذا هو مفتاح العبور من الأزمة، -على سبيل المثال-، هل سيتم تقييد الحركة غدًا؟ هل سينغمس الفريق بأكمله في الحجر الصحي بسبب إصابة أحد أعضاء الفريق بمرض (كوفيد -19)؟ فقد تضطرَّنا الأزمة أن نرمي كلَّ ما تعلمناه بالأمس عرض الحائط فقد يُصبح كل شيء تعلمناه بالأمس عفا عليه الزمن غدًا. ومن هذا فالمرونة أو السلاسة هي المهارة الأساسية المطلوبة في هذه المواقف والتي يجب أن يتحلى بها القائد.

لذلك، قم بإنشاء سيناريوهات مختلفة وإعدادها بحيث يكون لديك خطة جاهزة لكل منها. على سبيل المثال، قمنا بإعداد 4 سيناريوهات من البداية إلى الحد الأقصى.

– الخوف ناصح سيُّ:

يمنعنا الخوف من التفكير بوضوح والتصرف بشكل عملي، لذا لا يعد أبدًا ناصحًا أمينًا، والخوف مفيد في بعض الأحيان فإذا نظرنا للخوف “من منظور تطوري، فإنَّ مشاعر الخوف تحمي البشر من الحيوانات المفترسة والتهديدات الأخرى لبقاء الأنواع؛ لذلك لا عجب أنَّ بعض المخاطر تثير هذه المشاعر؛ لأن الخوف يساعد في حمايتك وبالتالي فهو قابل للتكيف وعملي وضروري.” لقد جعلنا الخوف ننتقل إلى سيناريو الكر والفر، قد يكون هذا مفيدًا للبقاء في البرية، لكنه قد يؤدي إلى قرارات سيئة ومتسرعة في أزمة كهذه.

يمكن أن يتسلل الخوف إلى نفوس بعض البشر بسهولة، مثل الفيروس، ويصيب فريقًا بأكمله. في دراسة للمخاطرة، قام المشاركون الذين كانوا خائفين باستمرار بإصدار أحكام وخيارات كانت متشائمة نسبيًا وعزَّزوا تصورهم للمخاطر في موقف معين، على عكس المشاركين السعداء أو الغاضبين الذين كانوا أكثر عرضة لتجاهل المخاطر من خلال جعلهم متفائلين نسبيًا. الأحكام والاختيارات (ليرنر وكيلتنر ، 2001).

لذلك، يجب على القائد استخدام نهج هادئ وواضح وإيجابي. وإنشاء ضوابط وتوازنات تساعد على التخفيف من مخاطر اتخاذ قرارات متسرعة في المواقف التي يقودها الخوف.

– تعطَّل وتعلَّم بسرعة:

عندما تبدأ الاستعداد للطوارئ يجب أن تُدرك عدد التحديات التي عليك التغلب عليها حتى تكون مستعدًا في الوقت المناسب؛ لأنّ التغيير ليس فقط تغيير الإعدادات التقنية (التكنولوجيا) لكيفية العمل كـ(أنظمة تكنولوجيا المعلومات، وسير العمل، والعمليات، وما إلى ذلك)؛ لأنّه يجب عليك كونك قائدًا في أي أزمة أن تعمل على تغيير عقلية الأشخاص، والتأثير على ثقافتهم، بالإضافة إلى ذلك، ساعد الفريق من خلال الإرشادات والروابط والتدريب لفهم استخدام الأدوات التعاونية الجديدة، تعطّل لكن بسرعة وتعلَّم القضاء على الكثير من أوجه القصور، ساعد على تغيير طريقة عمل الفريق وعلى النظر بشكل مختلف في كل عملية تقريبًا.

لذلك، لا تخافوا من التعطيل ورؤية هذا التحدي كفرصة للتجديد.

– أنت لست وحدك ولكن متصل:

نحن الآن نواجه أزمة لم يعرفها العِلم من قبل ولم يعرف أزمة مماثلة لها في الخطورة على أرواح الناس في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ونحن الآن في عالم يُعطي وزنًا كبيرًا للفرد وحياته الشخصية، ورغم هذا فإننا فقدنا جزءًا كبيرًا مما نشأ عليه أجدادنا حيث نشأ أجدادنا في عالم كان على الجميع فيه مساعدة بعضهم بعضًا للتغلب على تحديات الحرب وما بعدها، في عالم مدفوع بالناتج المحلي الإجمالي والتمكين الاقتصادي الفردي، إلا أننا فقدنا جزءًا كبيرًا من هذا الشعور الجماعي؛ ولكن هذه الأزمة تؤثر على كلِّ شخص وتتطلب استجابة مشتركة؛ لأنّ الفيروس لا يعرف الحدود، ولا العرق، ولا الوضع المالي. يبحث فقط عن المضيفين، بغض النظر عن مكانهم ومقدار ما يمتلكونه. لهذا السبب، على الرغم من الحاجة إلى التباعد الاجتماعي، يحتاج القادة وفِرقهم إلى العمل معًا، إلى التعاون والرعاية. يكون ذلك بدعم بعضنا بعضًا واحترام القواعد، على سبيل المثال، أدركنا أن التباعد الاجتماعي لا يعني أننا نعمل جميعًا في صوامع أو أننا محصورون في منازلنا. بفضل الأدوات العديدة الموجودة اليوم، يمكننا التعاون عن بُعد دون تجنب العزلة الكاملة.

تخيل، كيف جمعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أو تسونامي عام 2004 الناس من جميع أنحاء العالم معًا وأثارت التضامن العالمي. آمل بشدة أن تكون هذه فرصة أخرى لنكون قادة من أجل الصالح العام. إنه عصر جديد للتعاطف والعمل والرؤية.

– الكل قائد:

القادة بغض النظر عن مكان وجودهم يجب عليهم اغتنام الفرص وعدم التعامل وفق الألقاب التي توضع أمام أسمائهم وفقط فالقيادة ليست بالألقاب، نحن جميعًا قادة ولم يولد القادة، بل يظهروا في مواقف يحتاجون فيها إلى ذلك.

ولكن على كل واحد منا أن يغتنم هذه الفرصة والمسؤولية. فقيادة الآخرين تعني أولاً وقبل كل شيء قيادة الذات.

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=70601

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M