وفقًا لتقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، فإن العالم يجب أن يجد طريقة لخفض الانبعاثات الكربونية من الغلاف الجوي والوصول إلى صافي الصفر الكربوني بحلول عام 2050؛ تجنبًا لمزيد من الأحداث المتطرفة لتغير المناخ، والحفاظ على درجة حرارة الأرض عند أقل من 1.5 درجة مئوية.
فما شهده العالم أجمع خلال العقد الماضي من تهديدات واضحة جراء تغير المناخ ظهرت في: نوبات حرارة لم تشهدها أوروبا من قبل، وفيضانات في آسيا أدت إلى كثير من الخسائر، وحرائق للغابات في أوروبا وأمريكا، ونوبات جفاف وتغير في معدلات هطول الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر وتهديدات لمدن وجزر بالاختفاء؛ أبرز الحاجة إلى تحديِث الدول لالتزاماتها الوطنية لتغير المناخ والإعلان عن خطط واستراتيجيات طموحة تهدف في المقام الأول إلى التحول الطاقي نحو الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، والاقتصاد منخفض الكربون. وأُعلن بالفعل عن عدد كبير من الاستراتيجيات للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050، وخفض ما يصل إلى 43% من الانبعاثات الكربونية بحلول 2030-2040.
وعلي الرغم من الآمال التي تجددت مع تلك التعهدات وخاصة بعد رجوع الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ مرة أخرى بعد انسحابها في عهد الرئيس ترامب، فإن الأزمات العالمية المتلاحقة من: انتشار جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وتراجع الاقتصاد العالمي؛ أدت إلى مزيد من التحديات والصعوبات في الوفاء بتلك التعهدات، وأعلنت بعض الدول استمرارها في الاعتماد على الوقود الاحفوري بل ورجوع الفحم أيضا كما في الصين، وتأجيل التحول إلى الطاقة المتجددة في محاولة لتعافي الاقتصاد العالمي واستقرار الأوضاع الدولية. ومن هنا كان لابد من استخدام تكنولوجيا تقلل من الانبعاثات الصادرة عن الوقود الأحفوري أو على أقل تقدير تخفض من تأثيراتها السلبية في الغلاف الجوي.
الكربون وقطاع الطاقة
لا شك أن الطاقة الأحفورية (النفط والغاز الطبيعي والفحم) هي المصدر الرئيس للانبعاثات الكربونية. وبحسب التقديرات التي أعلنتها الوكالة الدولية للطاقة لعام 2022، فقد زادت الانبعاثات الكربونية المرتبطة بقطاع الطاقة بنسبة 0.9% أو 321 مليون طن حتي وصلت إلى 36.8 جيجا طن، ما يمثل أكثر من 50% من إجمالي الانبعاثات.
ومع تفاقم الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة في أوروبا، ووسط موجة التحول من الغاز إلى الفحم خلال أزمة الطاقة العالمية؛ زادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الفحم بنسبة 1.6٪ أو 243 مليون طن، متجاوزة بكثير متوسط معدل النمو في العقد الماضي، ووصلت إلى أعلى مستوى جديد على الإطلاق بلغ 15.5 جيجا طن.
ونمت الانبعاثات من النفط أكثر من الانبعاثات من الفحم، حيث ارتفعت بنسبة 2.5٪ أو 268 مليون طن إلى 11.2 جيجا طن. وجاءت أكبر زيادة قطاعية في الانبعاثات في عام 2022 من توليد الكهرباء والحرارة اللتين ارتفعت انبعاثاتهما بنسبة 1.8٪ أو 261 مليون طن. الأمر الذي جعل الوكالة تعلن عن ضرورة التوقف عن الاستثمار في مشاريع النفط والغاز الجديدة في حال أرادت الدول الوصول إلى الأهداف المناخية التي التزمت بها في اتفاقية باريس، والحفاظ على تغير المناخ.
الطاقة النظيفة تساعد في منع زيادة الانبعاثات الكربونية
ساعد النمو في توليد الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح بحوالي 275 تيراوات ساعة في منع حوالي 465 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في انبعاثات قطاع الطاقة. وساعدت تقنيات الطاقة النظيفة الأخرى -بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة الأخرى والمركبات الكهربائية والمضخات الحرارية- في منع ما يقرب من 85 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. بدون هذا النمو المتزايد في نشر الطاقة النظيفة لكانت الزيادة السنوية في الانبعاثات المرتبطة بالطاقة ثلاثة أضعاف تقريبًا. وقد نتج خفض الانبعاثات أيضًا من التباطؤ الاقتصادي، بما في ذلك حوالي 155 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن انخفاض الإنتاج الصناعي كثيف الطاقة ولا سيما في الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا وأمريكا الشمالية.
الشكل (1): يوضح الزيادة في الانبعاثات الكربونية خلال الفترة الماضية وفقًا لكل قطاع (الطاقة – الصناعة – النقل – المباني) وفقًا للوكالة الدولية للطاقة 2022.
- مسارات خفض الكربون
حدد أحدث تقرير للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ عدة مسارات تقنية تمكن من خفض الانبعاثات الكربونية إلى مستويات معتدلة بحيث يصل العالم إلى وضع لا يتسبب في زيادة انبعاثات الكربون بنهاية القرن وفقا لأربعة مسارات:
● يقع تخفيض الانبعاثات الكربونية في إنتاج الكهرباء في العالم إلى ما يقرب من الصفر بحلول عام 2050 تقريبا في صميم المرحلة الانتقالية لوقف الانبعاثات الكربونية. ويعتمد هذا المسار بشكل كبير على البلدان مرتفعة الدخل وبلدان الاقتصادات الصاعدة كالصين والهند وجنوب أفريقيا، في خفض انبعاثاتها الكربونية الناتجة عن إنتاج الكهرباء بحلول منتصف القرن، بالإضافة إلى باقي الدول منخفضة الدخل رغم قلة صادراتها من الانبعاثات الكربونية. ويشمل الهدف كذلك زيادة الاعتماد على المصادر المتجددة عديمة الكربون في إنتاج الكهرباء .
● استبدال استعمال الوقود الأحفوري في إنتاج الكهرباء لتحل محله وسائل أخرى منخفضة الكربون، وهو ما من شأنه أن يخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة كبيرة في القطاعات التي تتطلب استخدامًا كثيفًا للطاقة، كالنقل والبناء والصناعة.
● تعزيز كفاءة استخدام الطاقة في قطاعات البناء والنقل والصناعة، وفي قطاع الزراعة والغابات؛ إذ يسهم تحقيق كفاءة استخدام الطاقة في زيادة إمدادات المنتجات الأقل كثافة للانبعاثات الغازية، ويخفض من قيمة استهلاك الطاقة.
● تحسين إدارة المناطق الطبيعية وزيادة قدرتها للعمل كبالوعات صافية للكربون، واستخدام تقنيات احتجاز الكربون في العمليات الصناعية المختلفة.
- تقنيات احتجاز الكربون
تقنية احتجاز الكربون وتخزينه أو (CCUS) هي تقنية تستخدم لالتقاط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من العمليات الصناعية بما في ذلك محطات توليد الطاقة -الصناعات الثقيلة (مثل الإسمنت والصلب)- وإنتاج الهيدروجين، عن طريق فصله وضغطه وتخزينه في تكوينات جيولوجية تحت الأرض (بالوعات الكربون) أو استخدامه في صناعة منتجات أخرى.
على الرغم من التوسع السريع في توليد الطاقة المتجددة، فإن الحجم الهائل لانبعاثات قطاع الطاقة الحالية والدور الحيوي للكهرباء يعني أنه يجب على البلدان معالجة انبعاثاتها من الطاقة بشكل عاجل؛ لتحقيق أهداف المناخ العالمية، ويتعين على قطاع الطاقة أن يقلل بشكل كبير من كثافة الكربون. وفقًا لتحليلات الوكالة الدولية للطاقة، يمكن أن تلعب تقنيات التقاط الكربون واحتجازه واستخدامه وتخزينه دورًا مهمًا في التحول الطاقي بحلول 2040، بثلاث طرق:
أولاً: تعد إضافة تقنيات احتجاز الكربون حلًا مهمًا لتجنب الانبعاثات من محطات الطاقة الحالية التي تعمل بالوقود الأحفوري مع تزويد مالكي المحطات باستراتيجية حماية الأصول للاستثمارات الحديثة. هذا مهم بشكل خاص في آسيا، حيث يبلغ متوسط عمر محطات الطاقة التي تعمل بالفحم 12 عامًا فقط، مما يسمح لهم بمواصلة العمل مع تحقيق الأهداف المناخية.
ثانيًا: يمكن الاعتماد على تقنيات احتجاز الكربون كحل مع استخدام البطاريات وغيرها من التقنيات التي توفر مرونة للنظام في حال استخدام الطاقات المتجددة غير المستقرة للشبكة. ولكن تقنيات التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه هي أيضًا جزء من مجموعة التقنيات منخفضة الكربون القادرة على تلبية الحاجة المتزايدة إلى المرونة في تحويل نظام الطاقة.
ثالثًا: من خلال دمجها مع الطاقة الحيوية، يمكن لتقنيات احتجاز الكربون تمكين محطات توليد الطاقة ذات الانبعاثات السلبية. ويجب أن يسلط الضوء على تحسين التكنولوجيا مع مزيد من البحث والتطوير والنشر وإمكانية خفض التكاليف بشكل كبير، مما يساعد على حث الاستثمار على المدى القريب في محطات توليد الطاقة المجهزة بتكنولوجيا “CCUS” أو احتجاز الكربون، والتي تولد حاليًا أقل من 1.5% فقط من الطاقة العالمية. ووفقا لسيناريو التنمية المستدامة الذي تقدمه الوكالة الدولية للطاقة يمكن أن تصل قدرات الطاقة المنتجة باستخدام تقنيات احتجاز الكربون إلى 1900 تيراوات ساعة بحلول 2040، أي ما يصل إلى 5% من الطاقة العالمية. وفقا للشكل التالي.
الشكل (2): توليد الطاقة من المحطات المجهزة باحتجاز الكربون وتخزينه وفقا لسيناريو التنمية المستدامة للوكالة الدولية للطاقة 2022.
وأخيرًا؛ يمكن أن يؤدي تضمين احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه في مجموعة خيارات التكنولوجيا إلى تقليل التكلفة الإجمالية لتحويل نظام الطاقة. وتصبح تقنيات احتجاز الكربون أكثر تنافسية في نظام الطاقة عندما تُقيّم مرونتها وموثوقيتها وكثافة الكربون بشكل كامل.
المصادر:
.
رابط المصدر: