اتهامات متبادلة: ما هي تداعيات تفجير سد “نوفا كاخوفكا” في أوكرانيا؟

أحمد السيد

 

مع تفجير سد “نوفا كاخوفكا” صباح يوم الثلاثاء 6 يونيو الجاري، أصاب الفزع المجتمع الدولي؛ فالسد يُخزن وراءه ما يقرب من 18 مليار متر مكعب من المياه، انطلقت عقب استهدافه لتُدمر القرى والمُدن الأوكرانية في كارثة بيئية جديدة، وأجبرت آلاف السكان على الفرار من منازلهم، إضافة إلى مخاطر مُحتملة من إحداث تأثيرات على محطات الطاقة النووية القريبة منه والتي تستخدم مياه النهر في عمليات التبريد للمفاعلات النووية. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة على حجم الدمار الذي سيترتب على تلك الحادثة، خاصة على الأراضي الزراعية والحياة البيئية.

ولا شك أن كارثة تدمير سد “نوفا كاخوفكا” مثال واضح على الثمن الرهيب الذي يدفعه المدنيون في الحرب؛ فتداعيات الأمر ستطال كافة المجالات الإنسانية والاقتصادية والبيئية، وستضع مزيدًا من الضغط على منطقة خط المواجهة بين القوات الروسية والأوكرانية. ومنذ اللحظة الأولى وكل من روسيا وأوكرانيا تتبادلان الاتهامات بشأن تدمير السد، الذي يقع على خطوط التماس بين قواتهما، ويتشاركان أيضًا في وصف ما جرى بأنه “هجوم إرهابي”.

أهمية سد “نوفا كاخوفكا” 

يُعد سد “نوفا كاخوفكا” أكبر سد في أوكرانيا، أُنشئ عام 1956 على “نهر دنيبر” على بعد حوالي 20 ميلًا (30 كم) شرق مدينة “خيرسون”. ويبلغ طوله 3270 مترًا، وعرضه 3.2 كم. وتتفرع عن السد قنوات مياه تغطي الجنوب بالكامل، ويُخزن وراءه ما يقرب من 18 مليار متر مكعب من المياه.

وتتأتى أهمية هذا السد من كونه أحد المصادر المهمة والأساسية في تزويد شبه جزيرة القرم بالمياه، تلك التي ضمتها روسيا عام 2014، كذلك يزود السد محطة “زابوريجيا” النووية بالمياه لتبريد المفاعلات.

ويساعد السد كذلك في تشغيل “محطة كاخوفكا” للطاقة الكهرومائية. ويحتوي على واحدة من أكبر منشاَت الطاقة في أوكرانيا، والتي توفر الكهرباء لأكثر من 3 ملايين شخص، والتي كانت ذات قيمة استراتيجية بالنسبة للروس مُنذ الأيام الأولى للحرب؛ فخزانها مصدر مهم للمياه لشبه جزيرة القرم. ولا شك أن تدمير السد ستترتب عليه تداعيات خطيرة ستؤثر بلا شك على مسار الحرب الروسية الأوكرانية.

ليست المرة الأولى 

منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وُضع سد “نوفا كاخوفكا” كهدف محتمل؛ لأهميته الاستراتيجية، والضرر الذي سيحدث حال تدميره، مما دفع روسيا إلى السيطرة عليه في بداية العملية العسكرية في فبراير 2022، وهي لا تزال تحكم سيطرتها على السد حتى الوقت الراهن.

وفي أكتوبر 2022، وبينما كانت أوكرانيا في خضم استعادة أجزاء كبيرة من مدينة “خيرسون”، حث الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” الغرب على تحذير روسيا من تفجير السد، محذرًا من أنه سيغرق منطقة كبيرة في جنوب أوكرانيا. وزعم حينها أن القوات الروسية زرعت متفجرات داخل السد، وأضاف إن “تدمير السد سيعني كارثة واسعة النطاق”، وقارن تداعيات مثل هذا العمل باستخدام أسلحة الدمار الشامل.

جدير بالذكر أن هناك سوابق تاريخية في تفجير السدود؛ ففي عام 1941 أمر الزعيم السوفيتي السابق “جوزيف ستالين” بتدمير سد عبر “نهر دنيبر” في مواجهة غزو القوات الألمانية. ومارست روسيا سياسة الأرض المحروقة أثناء غزو قوات “نابليون” عام 1812، تاركةً للجيش الفرنسي القليل للعيش عليه. ويرى البعض أن سياسة “التدمير “جزء من طريقة الحرب الروسية، لكن هذا لا يُبرر بحال من الأحوال أن تكون القوات الروسية هي المسؤولة عن تفجير سد “نوفا كاخوفكا”، فلا تزال الاتهامات متبادلة بين الجانبين.

اتهامات متبادلة

كان تأمين سد “نوفا كاخوفكا” مصدر قلق مستمر خلال الحرب في أوكرانيا؛ إذ اتهم الجانبان كلاهما الآخر بالتخطيط لتدميره. وعلى وقع الكارثة، تراشقت كل من روسيا وأوكرانيا الاتهامات حول من المتسبب في تفجير السد. ولم يتضح من المسؤول عن تدمير السد حتى الآن، لكن كييف وموسكو، ودون تقديم أدلة سرعان ما ألقوا باللوم على بعضهما البعض.

وفي هذا السياق، أشارت مصادر عسكرية غربية إلى أن الروس مسؤولين “بشكل شبه مؤكد” عن هذا الانفجار، مستندين إلى أن تفجير سد بهذا الحجم يتطلب وضع متفجرات بشكل مُسبق، وقد كان الروس يُسيطرون على السد مُنذ الأيام الأولى للحرب. ووصف الأمين العام لحلف النانو “ينس ستولتنبرج” ذلك العمل بأنه يُمثل وحشية الحرب الروسية في أوكرانيا.

على صعيد آخر، دعا الرئيس الاوكراني “فولوديمير زيلينسكي” إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بهذا الشأن، مُلقيًا باللوم على من وصفهم بـ “الإرهابيين الروس” في انفجار السد. ووجهت كييف اللوم على القوات الروسية متهمة إياها بتلغيم السد وأنها كانت تستعد لكارثة نووية من صُنعها لمنع تقدم القوات الأوكرانية لاستعادة المنطقة. وتستند كييف في تلك الاتهامات إلى تصريحات سبقت الحادث لمدونين عسكريين روس ذكروا أن القيمة العسكرية لتدمير السد يمكن أن تكون أكبر؛ كطريقة لجعل أي عملية أوكرانية لعبور لنهر “دنيبر” والدفع نحو الشرق أكثر صعوبة، خاصة مع إعلان كييف أنها تستعد لهجوم مُضاد لاستعادة أراضيها.

على الجانب الآخر، اتهمت “موسكو” كييف بارتكاب هذا العمل التخريبي بشكل مُتعمد، وذلك في حملتها لاستعادة السيطرة على خيرسون؛ بهدف حرمان شبه جزيرة القرم من المياه، حيث كانت مستويات المياه في الخزان أعلى من المعتاد وقت الاختراق، ما أدى إلى غمر المياه للمناطق الواقعة على ضفاف النهر في المنطقة، وإخلاء عدة قرى على طول الضفة الغربية لنهر “دنيبر” التي تُسيطر عليها أوكرانيا.

وزعمت أصوات موالية لروسيا أن هذه كانت عملية أوكرانية، وأن السد قد تعرض للقصف بصواريخ “أولخا” الأوكرانية متعددة الإطلاق. وألقى المتحدث باسم الكرملين “دميتري بيسكوف”، باللوم في تدمير السد على القوات الأوكرانية، ووصفه بأنه “هجوم تخريبي” يمكن أن يؤدي إلى “عواقب وخيمة للغاية” على السكان المحليين وعلى البيئة أيضًا. وألقى المدونون العسكريون المؤيدون لروسيا باللوم على كييف في تفجير السد، زاعمين أن تدميره كان نتيجة القصف المستمر من قبل القوات الأوكرانية منذ العام الماضي.

مخاطر تفجير السد

عقب استهداف السد؛ حث رئيس منطقة “خيرسون” السكان على إخلاء المنطقة، محذرًا من أن المياه ستصل إلى مستوى حرج، وأن استمرار تدفق المياه سيقود إلى غرق الكثير من القرى. وأمرت السلطات السكان بمغادرة المدينة التي تقع على بعد 37 ميلا جنوب غرب السد.  ومن المحتمل أن يترتب على تدمير السد مشكلات ستؤثر على قطاع الطاقة -المُتضرر بالفعل- بعد أن أمضت روسيا مُنذ بداية العملية العسكرية في استهداف البنية التحتية الحيوية. ومن المرجح أيضًا أن يقود انهيار السد إلى تدمر نظام القنوات الذي يروي معظم جنوب أوكرانيا.

ستؤثر الكارثة أيضًا على سُكان شبه جزيرة القرم؛ فهذه المنطقة  تعتمد بشكل أساسي على خزان “نوفا كاخوفكا” لمياه الشرب وكذلك لأغراض الري، وسيكون لقطع هذه الإمدادات آثار إنسانية واقتصادية فورية وطويلة الأجل، يصعب تقدير حجمها في هذا الوقت. بالإضافة إلى عواقب على عشرات المناطق القريبة من السد. علاوة على أن حجم الكارثة البيئية الناجمة عن التفجير سيتجاوز حدود أوكرانيا وربما تؤثر على منطقة البحر الأسود بأكملها.

ومن المحتمل أيضًا أن يؤدي الفيضان الناجم عن انهيار السد إلى تعقيد أي خطط أوكرانية لهجوم برمائي على المنطقة خلال هجومها المضاد المتوقع؛ لأن مُعظم الأراضي الواقعة على الجانب الذي تُسيطر عليه روسيا من نهر “دنيبر” ستكون مغمورة بالمياه تقريبًا.  فيما يكمن التخوف الأكبر من خطر قصف السد في محطة “زابوريجيا” الطاقة النووية، والتي تسحب المياه من خزان سد “كاخوفكا” لتبريد مفاعلاتها، لكن البيان الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية -التي تراقب المحطة- أكد أنه لا توجد مخاطر فورية على نظام سلامة المفاعل.

أيضًا سيؤدي تدمير السد إلى زيادة المخاطر التي تشكلها الألغام الأرضية، حيث يكشف الفيضان عن الألغام الجوفية التي زرعتها القوات الروسية والأوكرانية على ضفاف نهر دنيبر ويجرفها في اتجاه مجرى النهر. وفي هذا السياق، حذرت الأمم المتحدة من أن الفيضانات قد تنقل الألغام الأرضية والمتفجرات، مما يخلق مخاطر جديدة على مناطق كانت تعد آمنة في السابق. وستشكل الفيضانات كذلك تهديدًا لمجموعة متنوعة من الحياة البرية والنظم البيئية، ولا يزال الخبراء ينتظرون لفهم حجم الكارثة، مع توقع اشتداد الفيضانات مع استمرار تدفق المياه من خزان كاخوفكا.

وتصاعدت المخاوف بشأن التلوث الصناعي؛ إذ ذكرت الحكومة الأوكرانية أن 150 طنًا من زيت الماكينات قد تسربت إلى نهر دنيبر، وأن 300 طن أخرى معرضة لخطر التسرب إلى المجرى المائي، ويمكن أن يشكل ذلك كارثة سامة لأسماك النهر. ووفقًا لبعض البيانات المحلية، فإن الفيضانات غمرت أكثر من 2700 منزل، وجرى إجلاء حوالي 2200 شخص وفقد ثلاثة أشخاص في المناطق التي تسيطر عليها أوكرانيا. وفي السياق ذاته، أوضح وزير الزراعة الأوكراني إن 94% من أنظمة الري الزراعية في منطقة خيرسون و74% في منطقة زابوريجيا و30% في مدينة دنيبروبتروفسك ستُترك بدون مصدر للمياه.

في الأخير، سيبقى المتسبب عن تفجير السد مجهولًا في خضم الاتهامات المتبادلة من قبل الجانبين الروسي والأوكراني، وفي الوقت الذي يقول فيه خبراء الهندسة والذخائر إن الانفجار الداخلي المتعمد كان السبب الأكثر ترجيحًا للدمار، يرى البعض الآخر أنه لا يُمكن استبعاد تفجير السد من الخارج. وعلى أي حال وأيًا ما كان المُتسبب في تفجير السد، فإن عواقب التفجير الحالية وعلى المدى البعيد سيدفع ثمنها بلا شك “المواطنون المحليون” الذين وجدوا أنفسهم في لحظة من الزمن وبدون سابق إنذار في مرمى الحرب.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/77862/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M