لماذا افتعل بوتين هذه الازمة؟

رياض محمد

 

يبدو – ومن المعطيات المتوفرة – ان هدف الهجوم الروسي هو السيطرة على المناطق التي لا تزال خاضعة للحكومة الاوكرانية في اقليم دونباس، وللتوضيح – واجابة على الاسئلة بهذا الخصوص – فان هذا الاقليم يضم سكانا من اصول روسية وفيه اعلنت الجمهوريتان الانفصاليتان. لكن هذه الجمهوريتان لا تسيطران على كامل اراضي الاقليم. وهذا هو هدف الهجوم الروسي على ما يبدو.

ولانجاح هذا الهجوم لابد من تعطيل قدرة الخصم على الدفاع ولهذا تم مهاجمة المطارات والدفاع الجوي واهداف القيادة الاخرى في أوكرانيا، لازلت اعتقد ان بوتين ليس احمقا الى حد غزو اوكرانيا بالكامل.

رد الفعل الغربي – الامريكي والاوروبي – سيكون بعقوبات مشددة تصل الى حد الحصار، لكن الفارق بينها وبين العقوبات التي فرضت على العراق مثلا انها لن تكون عقوبات دولية. فالصين وغيرها من الدول ستستمر بالتجارة والتعامل الاقتصادي مع روسيا. ومع هذا فستكون هذه العقوبات قاسية خصوصا على القطاع المالي الروسي.

هناك قضية مهمة وهي سلاح امدادات النفط والغاز الروسية لاوروبا. فالمانيا مثلا تستورد 20% من مصادر طاقتها (نفط وغاز) من روسيا. وتختلف هذه النسب مع دول اوروبية أخرى، توقف هذه الامدادات سيكون سلاح ضغط روسي على المانيا واوروبا لكني اميل الى رأي ان المانيا واوروبا بشكل عام ستتحمل هذا الضغط لانهم يعتقدون – وهم مصيبون – ان هذه نقطة تحول فاصلة في العلاقة مع روسيا وديكتاتورها بوتين وانه يجب ان يوقف عند حده.

لاوروبا ذاكرة حرب فعالة والاوروبيون بشكل عام يتحسسون من اي (عدوان) داخل القارة العجوز يعيد شبح الحروب العالمية والاوروبية التي مزقت القارة لقرون.

في رأيي ان الغرب اخطأ عندما التقى قادته عبر الفيديو – مثل بايدن – او بزيارات لموسكو – مثل ماكرون ومستشار المانيا – مع بوتين. لا استطيع الا ان اتذكر مساومات ميونيخ مع هتلر التي سبقت الحرب العالمية الثانية.

كما ان رئيس اوكرانيا اخطأ هو الاخر عندما حاول الاتصال ببوتين يوم امس، بوتين الان بالنسبة لقادة الغرب اشبه بصدام من منظور حسني مبارك والملك فهد. فبعد زيارات ولقاءات متعددة، اصر صدام على غزو الكويت.

امر اخر مثير للانتباه هو ان المخابرات الامريكية والغربية عموما علمت بخطط بوتين وبالتفصيل منذ اشهر وقد اعلنت حكومات هذه الدول ما سيفعله بوتين وقد طبق ما قالوه بحذافيره بما في ذلك الهجوم الاوكراني الزائف الذي اتخذه ذريعة لعدوانه.

هذا مرده اساسا الى حقيقة ان مجتمع المخابرات الامريكية فيه عدد هائل من الخبراء في الشؤون الروسي لان روسيا كانت العدو الرئيسي في امريكا منذ حقبة ترومان والى بوش الاب وخلال هذه الفترة الطويلة تم اعداد اجيال من الخبراء في شؤون روسيا (على عكس قضايا العراق والعرب بشكل عام التي لا تزال تعاني من مشاكل نقص هائل في العاملين باجهزة المخابرات ممن يجيدون العربية).

يبقى السؤال المهم هو: لماذا افتعل بوتين هذه الازمة؟ الاجابة – وكما افادني من اثق بهم من الروس – هي انه يعاني انخفاض في شعبيته بين الروس وقد يستفيد من ازمة ونصر وهميان يحشد خلالهما الروس حوله.

واغلب الظن ان هذه العملية العسكرية ستنتهي بسيطرة روسيا الكاملة على اقليم دونباس وخضوعها لعقوبات مؤثرة – خصوصا على القطاع المالي – وطويلة الامد هذه المرة، كما ان اثار هذا الهجوم على الاقتصاد العالمي قد تدوم لاشهر بما في ذلك ارتفاع اسعار النفط وسلع اخرى مثل الحبوب.

تاريخ روسيا يعلمنا ان حروب روسيا الخارجية تنتهي في اغلب الاحيان بهزيمتها (الحرب مع اليابان 1905 والحرب العالمية الاولى وحرب افغانستان وغيرها). كما ان لروسيا تاريخ (كريه) من التدخل في اوروبا الشرقية (المانيا 1956 وهنغاريا 1956 وتشيكوسلوفاكيا 1968).

من جهة اخرى تنتصر روسيا عندما تدافع عن نفسها في ارضها كما حدث مع نابليون والحرب العالمية الثانية والحرب الاهلية بعد ثورة اوكتوبر.

فيما اصبح واضحا الان ان هدف العملية العسكرية الروسية هو اسقاط الحكومة الاوكرانية وتنصيب اخرى موالية لموسكو او على الاقل اجبار الحكومة الحالية على الانصياع لرغبات موسكو – التعهد بعدم الانضمام الى الى الناتو…الخ. وهذا يتحقق بغزو يشمل العاصمة كييف.

العقوبات التي فرضها الغرب حتى الان كبدت الاقتصاد الروسي خسائر بعشرات المليارات اغلبها ارصدة لمليارديرات روس وتدهور البورصة والروبل.

لكن هذه العقوبات – بما فيها العقوبات التقنية والعسكرية وغيرها – لن تؤثر على مجرى الاحداث في اوكرانيا الان، كما ان هذه العقوبات لم تشمل – حتى الان – قطاع النفط والغاز الروسي، وعلى المدى القريب لدى روسيا ما يكفي من رصيد احتياط – يبلغ 630 مليار دولار – للصمود في وجه العقوبات.

هناك من يتهم الغرب والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والناتو بخذلان اوكرانيا. وهنا يجب التوضيح ان اوكرانيا ليست عضوا في حلف الناتو كما انني لم اسمع مطلقا من اي مسؤول غربي تعهد بالتدخل عسكريا قبل الغزو الروسي.

الغرب بشكل عام بذل جهودا غير قليلة لثني بوتين عن الغزو، هناك من يقارن بين رد الفعل الامريكي على غزو الكويت وغزو أوكرانيا، هذه المقارنة غير صحيحة لان العراق – مهما بلغت قوته حينها – كان ولا يزال دولة عالم ثالث. الحرب مع العراق ليست حرب عالمية.

الحرب مع روسيا هي حرفيا حرب عالمية ثالثة لا يريدها الغرب. مع ذلك فقد اوضح بايدن ان امريكا ستتدخل عسكريا اذا امتد الغزو الروسي لاي دولة أخرى، وهناك ايضا من يلوم الرئيس الاوكراني بانه ورط بلاده في هذا المأزق. لكن الحقائق لا تدعم هذا الطرح. اوكرانيا دولة مستقلة ولم تقدم حكومتها على اي استفزاز لروسيا. ومزاعم بوتين ليست الا اكاذيب.

الخطأ الحقيقي الذي ارتكبه حكام اوكرانيا بعد الاستقلال هو التخلي عن الترسانة النووية وتخفيض القدرات العسكرية اعتمادا على حسن نوايا روسيا، هذا اشبه الى حد ما بما حدث للعراق بعد عام 2003 الذي وجد نفسه بلا سلاح حقيقي وسط جوار ايراني وتركي مسلح الى حد التخمة!

السؤال هو: ماذا بعد اسقاط الحكومة الاوكرانية او اجبار الحكومة الحالية على الرضوخ للمطالب الروسية؟ هنا سيبدأ المأزق الروسي الحقيقي. اما ان تنسحب القوات الروسية بعد تنصيب حكومة جديدة او رضوخ الحكومة الخالية وهذا يعني ان هذه الحكومة او الحكومة الجديدة لن تصمد طويلا دون دعم روسيا العسكري المباشر، واما ان يستمر الوجود العسكري الروسي في اوكرانيا وهذا يعني باختصار افغانستان جديدة لروسيا.

 

.

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/30272

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M