لماذا يرفض المواطنون إجراءات الحجر الصحي؟

مسلم عباس

تداولت حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي خبرا مفاده ان حالة وفاة بفيروس كورونا كانت في قسم الباطنية في مستشفى الحسيني بمدينة كربلاء ولم تخضع لاجراءات الحجر الصحي لان ذوي المصابة أنكروا سفرها الى إيران التي تعاني من كورونا، ما دفع السلطات المحلية الى تطبيق إجراءات الحجر الصحي على جميع الأطباء المتواجدين في القسم المذكور.

على اثر الحادثة اعلن محافظ كربلاء عن احالة أي مواطن الى القضاء عند قيامه بإخفاء معلومات عن سفره لان ذلك يعد خطراً على سلامته وسلامة عائلته والمجتمع وقد تصل مدة الحكم الى 5 سنوات، وفي لدعم وزارة الصحة أصدر مجلس القضاء الاعلى أعماما الى رئاسة الادعاء العام ومحاكم الاستئناف الاتحادية كافة باتخاذ الاجراءات القانونية بحق كل من يخالف التوصيات الصادرة عن لجنة خلية الازمة بخصوص الاجراءات المتخذة للحد من فيروس كورونا عملا باحكام قانون الصحة العامة رقم (89) لسنة 1989 وقانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 اذ يعاقب القانون العراقي بالحبس كل من يتسبب بانتشار مرض خطير يؤدي الى موت مواطنين اخرين، اما من لا يؤمون بالقانون الوضحي ويتخذون من الدين قيمة عليا لتنظيم حياتهم فان الشريعة الإسلامية تحرم على الناس التسبب في إصابة غيرهم بالامراض، وتحرم على المتواجد في منطقة تفشي الفيروس من الانتقال الى بلدة أخرى منعا لانتقاله للمنطقة الجديدة.

اذا كانت كل هذه العقوبات امام انكار الإصابة والتسبب بمرض الاخرين، فما الذي يدفع الناس لانكار اصابتهم بالامراض؟ هل هناك ثقافة عامة تعيق من إجراءات الحجر الصحي؟ وهل هناك علاقة بين ضعف المؤسسة الصحية وعدم ثقة المواطنين بها؟ ان ضعف الالتزام القانوني او الديني وعدم الإفصاح للجهات المختصة يؤدي الى تفشي حالة الانكار؟ طرحت السؤال على مستخدمي فيس بوك فجاءت الإجابات في ثلاثة جوانب وجميعها بحاجة الى التفاتة من الجهات المختصة:

ثقافة عامة

يرى بعض الناس ان خضوعهم لإجراءات الحجر الصحي يمثل وصمة عار عليه وعلى اسرته، لأننا نعيش في مجتمع يمثل فيه التواصل بين الناس القيمة العليا، فالشخص النبيل هو الذي يملك اكبر عدد من الأصدقاء والمعارف ومن يزورون بيته كل يوم او يقوم هو بزيارتهم، يشارهم مناسباتهم بالافراح والاحزان، ويدخل المجالس حيث يقف الجميع ليرد عليه التحية، واذا اصابته وعكة صحية يزوره الناس يومياً حتى يعلن عن شفائه التام، اما اليوم وبعد انتشار فيروس كورونا فان أي شخص يصاب به، سيعيش في عزلة تامة لا يزوره احد، يصبح شخصا منبوذا ولا يحصل على قبلة على الخد كما كان يحدث معه سابقا، واذا مات سيدفن وحيدا دون جنازة كبيرة، فالعزلة في بلد مثل العراق شيء مخيف، لانها تعني النهاية للإنسان في ظل مجتمع يعتمد على تشابك العلاقات، فهل نفهم الان لماذا يخاف الناس من الحجر الصحي؟ هي ليست الجهل، بل الثقافة العامة السائدة، واذا اردنا تحقيق تقدم في مجال مكافحة الامراض المعدية فنحن امام طريقتين: اما القيام بتغيير الثقافة وعدم مهاجمة الناس بانهم جهلة، لانهم في النهاية حاصل جمع الممارسات اليومية التي نقوم بها جميعاً، او تغيير القوانين لتتوافق مع الثقافة العامة السائدة، وبما ان الثقافة السائدة تتعارض مع الإجراءات الصحية من الأفضل العمل من الان على ترويض هذه الثقافة.

الصورة النمطية للطبيب

الصورة النمطية للطبيب العراقي، هو انسان جشع يبحث عن المال، يجلس في المستشفى الحكومي من ان اجل تحديد عدد من الموراجعين ودعوتهم الى عيادته الخاصة مساءً، وهناك تبدأ مجزرة المال، تستنفذ ميزانية شهر كامل على وعكة صحية بسيطة، فكيف الحال مع فيروس معدٍ، بالتأكيد يحتاج الى ميزانية إضافية قد تجبر المريض على بيع جزء من ممتلكاته، وحتى لو وصلنا الى هذه المرحلة فان المواطن قد يرضى بالخاسرة المالية، لكنه من الصعب ان يرضى الرقود في مستشفى حكومي لانه يعرف طبيعة الخدمة العلاجية التي سوف تقدم له.
يعرف المواطن ان الخدمات التي تقدم في هذه المؤسسات الصحية الرسمية بائسة ولا تستحق الاحترام، هنا لا توجد معايير النظافة البسيطة، ولا يوجد اهتمام بالمريض، الطبيب يتعامل مع عدد كبير من المرضى وعدد قليل من الأدوات اللازمة لمعالجتهم، الأجهزة الطبيبة قديمة ومتهالكة، والعلاجات غير موجودة الا البسيطة منها، المواطن يرى ان جلوسه في بيته وانتظار المصير المحتوم بين الاحباب افضل من الموت بين جدرات المستشفيات التي لا تقدم الخدمة ولا الاحترام وابسط مقومات الرعاية الصحية.

انتقائية الحكومة في إجراءات الحجر الصحي

المواطن ينفذ القانون لان التزامه فيه يوفر له الحماية، بمعنى انني عندما اتوقف عن نشاط معين فذلك لان القانون نفسه سيجبر الاخرين على التوقف عن هذا النشاط ما يعزز العدالة بين المواطنين، ويشعرهم بوجود سلطة عليها تسهر على حماية مصالحهم، وتحدد ما ينفعهم وما يضرهم ولا تميز بين شخص واخر، لتحقيق هدف واحد، وهو سلامة الجميع، لكن عندما يطبق القانون على مواطن معين، ويستثنى منه اخر، تنشأ لدينا حالة من الطبقية بين المواطنين، وخاصة عندما يطبق على الضعفاء ويستثني الجهات المتنفذة، يتحول القانون الى منتج لمخالفيه، فمن يخضع للقانون يظهر امام الاخرين باعتباره مواطنا ضعيفا والانسان بطبعه لا يحب الا ان يكون قوياً، ونتذكر جيدا عندما بدأت إجراءات الحجر الصحي كيف تغاضت الحكومة عن بعض الزعماء والسياسيين ولم تطبق عليهم إجراءات الحجر الصحي رغم انهم قدموا من دول تعاني من تفشي فيروس كورونا.

بعض الزعماء لم يتجاوز قانون الحجر الصحي وحسب، بل مارس نشاطه بين المواطنين، ما انتج نموذجا لخرق القانون، وقلل من الثقة بالإجراءات الصحية وقتل أي محاولة لاقناع المواطنين ان ما يطبق من إجراءات هي في الواقع تصب بصالحهم من اجل الحد من تفشي انتشار فيروس لا يملك العالم أدوات العلاج منه.

الازمة التي تمر بها البلاد يجب ان تنبهنا الى الكثير من الزوايا المعتمة، فعدم التزام المواطن بالقانون لا يتعلق بجهله بالمواد القانونية وفائدتها، الثقافة العامة المتعارضة مع القانون لها تاثير على التزام المواطنين، والخدمة التي تقدمها المؤسسة الحكومية الرسمية يفترض ان تصل الى مستوى الطموح حتى يثق المواطن بها، اما مسألة الانتقائية في تطبيق القانون، فهي القاتل الصامت الذي يحطم كل تقدم في بناء الدولة الدولة العراقية سواء في المجال الصحي او أي مجال اخر تتشابك فيه مصالح الناس.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/22476

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M