مؤشّرات تطوّر مراحل الانتقال السياسي في غرب أفريقيا

نسرين الصباحى

 

تمر العديد من دول منطقة غرب أفريقيا وتحديدًا الساحل الأفريقي وخليج غينيا (مالي، وبوركينافاسو، وتشاد، وغينيا-كونكاري) بمراحل انتقالية متعثرة وأخرى متجمدة. ضمن هذا السياق، سيتم توضيح مُستجدات التحولات الانتقالية السياسية في هذه الدول عقب التغييرات غير الدستورية للحكومات، لتُفرز مزيدًا من التعقيد للأزمات الأمنية والإنسانية والسياسية في المنطقة، وتنامي ما يُعرف بمتلازمة الرجل القوي وتصاعد عدوى الانقلابات واقتحام هذه المجتمعات بثقافة الثكنات بعد سنوات من الهدوء النسبي. على هذا تراجعت مؤشرات مسار التحوّل الديمقراطي الأفريقي.

تقدم محدود للمرحلة الانتقالية في مالي 

تسببت الانقلابات المتتالية في أغسطس 2020 ومايو 2021 في اندلاع الاضطرابات في مالي مع استمرار العنف في المناطق الريفية، وتم تحديد برنامج عمل المرحلة الانتقالية، من خلال إصلاح النظام الانتخابي لمنح المواطنين بدائل حقيقية في صناديق الاقتراع، وخلق الظروف المناسبة لاعتماد قانون انتخابي جديد وميثاق جديد للأحزاب، والتحول في العلاقات الخارجية وتحديدًا مع فرنسا وروسيا.

علاوة على ذلك، في إطار الإصلاحات الأكثر تقدمًا المدرجة في خارطة الطريق (لا سيما التعديلات الدستورية) أجرت الحكومة الانتقالية مشاورات عامة وطنية لتحديد العقبات وإعطاء السلطات المنتخبة ديمقراطيًا مسئولية تنظيم استفتاء على مسودة دستور جديدة، وما أعقب ذلك من عملية إجراء الاستفتاء في 18 يونيو 2023، لاعتماد الدستور الجديد وضمان انتقال السلطة إلى حكومة مدنية في فبراير 2024، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من حكم المجلس العسكري الانتقالي، لكن هناك حالة من الجدل حيال طبيعة الدستور، البعض يرى أهميته لتعزيز المؤسسات السياسية الهشة وتتويج عملية التجديد الديمقراطي. بينما يرى البعض الآخر أن الدستور الجديد يُعطي الرئيس مزيدًا من السلطة المفرطة على المستوى التشريعي.

 بناءً على ذلك، من ضمن الإنجازات المحققة في البلاد: إقرار قانون الانتخابات، وإنشاء هيئة لإدارة الانتخابات، وتشكيل لجنة لوضع دستور جديد، كما تم تحديث اتفاق السلام والمصالحة، لكن تُواجه في نفس الوقت الإرهاب والنزاعات الطائفية والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وأزمة الثقة بين السلطات المالية وبعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، وتحديدًا بعد طلب الحكومة المالية انسحابها دون تأخير، قبل قرار تمديد التفويض الجديد، وجاء ذلك نتيجة الإخفاقات في مُعالجة التحديات الأمنية.

جمود المرحلة الانتقالية في تشاد 

شهد الوضع في تشاد تطورين هامين؛ الأول توقيع اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية في تشاد وحوالي 40 مجموعة سياسية عسكرية في قطر بعد أكثر من خمسة أشهر من محادثات السلام. أما التطور الرئيسي الثاني فهو إطلاق الحوار الوطني الشامل الذي استمر 21 يومًا بعد توقيع اتفاقية الدوحة، لكن بعد الانطلاق واجه الحوار تحديات إجرائية وتم تأجيله، وقاطعه تحالف كبير من جماعات المعارضة ومجموعات المجتمع المدني.

في هذا السياق، كان من المفترض أن تستغرق عملية الانتقال السياسي في تشاد 18 شهرًا من أبريل 2021 إلى سبتمبر 2022، لكن تم تمديد الفترة الانتقالية لمدة 18 شهرًا إضافية، لإجراء الانتخابات في أكتوبر 2024، في ظل مُعاناة البلاد من تحديات أمنية داخلية وعلى حدودها، ونقص كبير في الاحتياجات الغذائية وسوء الإدارة العامة. قد يؤدي تأخير الانتقال إلى مزيد من الاضطرابات في ضوء ضبابية العودة إلى النظام الدستوري والتوترات بين المجلس العسكري الانتقالي وحركات التمرد للتوصل إلى اتفاق، وتحديدًا جبهة التغيير والوفاق (الجماعة المتمردة الرئيسية التي كانت وراء هجوم أبريل أودى بحياة الرئيس السابق “إدريس ديبي إنتو”)، مما يحد من نجاح محادثات الدوحة للسلام، وتعثر عملية الانتقال السياسي في الموعد المحدد. بالإضافة إلى الارتدادات الخطرة للصراع السوداني المسلح على المشهد السياسي والأمني في البلاد.

تعثر المرحلة الانتقالية في بوركينافاسو 

بعد حدوث انقلاب عسكري ثانٍ في بوركينافاسو في أقل من تسعة أشهر من الانقلاب الأول، حيث أطاح النقيب “إبراهيم تراوري” بحكومة “بول هنري داميبا” في 30 سبتمبر 2022، بطريقة مماثلة للإطاحة بالرئيس المؤقت “روش مارك كريستيان كابوري” في يناير 2022، في ظل تشابه أسباب ودوافع الانقلابين، بما في ذلك العوامل الداخلية ونشاط الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش والعوامل الخارجية، ثم قام المجلس العسكري الانتقالي بتحديد فترة انتقالية أقصر من الجدول الزمني الأولي البالغ 36 شهرًا، بالعودة إلى النظام الدستوري قبل يوليو 2024، وهو التاريخ المقرر لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، حيث كانت مدة الانتقال مصدر خلاف بين سلطات بوركينافاسو والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس).

في هذا السياق، يُحدد ميثاق الانتقال المهام الأساسية للمرحلة الانتقالية وهي: استعادة الأمن وتعزيزه في جميع أنحاء التراب الوطني من خلال مُقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب، وتوفير استجابة عاجلة وفعالة للأزمة الإنسانية، وتعزيز الحكم الرشيد ومكافحة الفساد، والانخراط في إصلاحات سياسية وإدارية ومؤسسية، وتحقيق المصالحة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وضمان تنظيم انتخابات حرة وشفافة ونزيهة وشاملة. على الرغم من هذه الطموحات، ما زالت البلاد تُعاني من تصاعد هجمات الجماعات الإرهابية، في ظل عدم استعداد جيشها للتعامل مع تكتيكات الكر والفر، وقوة الشرطة خارج العاصمة لا تتمتع بالتجهيز الكافي. وعلاوةً على ذلك، تم إرباك المشهد الأمني ​​في بوركينافاسو، باعتماد الحكومة في عام 2020 مرسومًا بإنشاء “مجموعات الدفاع الذاتي”. وبالتالي يصعب هذا المشهد المركب عملية إجراء الانتخابات، حيث يربط المجلس الانتقالي مستقبل العملية السياسية بمُعالجة الوضع الأمني المتدهور.

إطالة أمد المرحلة الانتقالية في غينيا 

وفقًا لخارطة الطريق الانتقالية في غينيا للعودة إلى الحكم الدستوري التي حددت الأولويات الحكومية، لكنها تفتقر إلى أي جدول زمني واضح، وبعد اتفاق ديسمبر عام 2022 مع جماعة (الإيكواس) تم تحديد 24 شهرًا لمدة المرحلة الانتقالية اعتبارًا من يناير 2023، لتنتهي عام ٢٠٢٥؛ إذ شهدت غينيا انقلابًا عسكريًا في 5 سبتمبر 2021 عندما أطاحت القوات الخاصة الغينية بالرئيس السابق “ألفا كوندي”، باعتباره انقلابًا تصحيحيًا. بذلك، دخلت البلاد حالة من الاضطراب السياسي والأمني بعد الإعلان عن فترة انتقالية طويلة. ضمن هذا الإطار، تضمنت محاور الانتقال السياسي أولويات هي: إجراء نوعين من التعداد السكاني، وإصلاحات الخدمة المدنية، وإعداد الإجراءات للعملية الانتخابية، واعتماد دستور جديد، وإنشاء هيئة لإدارة وتنظيم الانتخابات (المحلية، والتشريعية، والرئاسية).

بعد أقل من عامين من استيلاء الجيش الغيني على السلطة، يواجه المجلس العسكري موجة من الاحتجاجات واندلاع أعمال العنف في العاصمة في مايو ٢٠٢٣ اعتراضًا على تأخير العودة إلى النظام الدستورى. وعلى الرغم من تحديات المرحلة الانتقالية، تواصل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية دعم عودة غينيا إلى الحكم الديمقراطي من خلال برامج لإنشاء عملية انتخابية أكثر شمولًا وذات مصداقية وشفافية، وتشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات والعملية السياسية. كما تدعم حقوق الإنسان لجميع الأشخاص الذين يعيشون في غينيا من خلال دعم المشاركة السلمية، وتحسين قطاع العدالة، وتقديم خدمات عامة من خلال تعزيز الحكم المحلي.

حاصل ما تقدم، في حين أن النخب العسكرية في مالي وبوركينافاسو وتشاد وغينيا تتجه نظريًا نحو نهاية الفترة الانتقالية، لكن لا تزال أزمة الحكم أساسًا لانتكاس العملية الديمقراطية، وقد تؤخر المخاطر الأمنية العودة إلى الحكم المدني، في ظل تنامي نشاط الجماعات الإرهابية وتشابكها مع أزمات الهجرة والنزوح والصراعات الداخلية، والتحالفات الإرهابية مع العصابات الإجرامية، وتمدد جغرافيا الإرهاب واتساعها. وعليه لا بد من دعم المراحل الانتقالية في الدول الأربع من خلال تنفيذ اتفاقيات السلام، والحوار الوطني الشامل، من أجل تجنب الحكم السلطوي وتقليل انتشار التطرف العنيف والجريمة العابرة للحدود، وتعزيز الجهود المبذولة لبناء الديمقراطية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/35012/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M