ماذا تعني آلية تحديد سقف لأسعار النفط الروسي للأسواق العالمية؟

بسنت جمال

 

وافق الاتحاد الأوروبي مبدئيًا على حد أقصى لسعر برميل النفط الروسي قدره 60 دولارًا للبرميل في ظل مساعيه الهادفة للحد من الإيرادات الروسية مع منع أسعار الطاقة العالمية من الارتفاع عن طريق الحفاظ على تدفق النفط الخام عبر الأسواق. ويأتي ذلك عقب تعثر المحادثات بين دول الاتحاد الأوروبي حول النطاق السعري الذي سيتم تحديده فيما يتراوح بين 65 إلى 70 دولارًا للبرميل، والذي اعتبرته بعض الدول مستوى منخفض في حين وصفه البعض الآخر بأنه مستوى مرتفع للغاية سيساعد موسكو على جني المزيد من الأرباح نظرًا لأن تكاليف الإنتاج تبلغ نحو 20 دولارا للبرميل.

وكان من المقرر أن يدخل الحد الأقصى حيز التنفيذ بحلول الخامس من ديسمبر، وهو التاريخ الذي كان من المفترض أن يفرض فيه الاتحاد الأوروبي حظرًا على النفط الروسي الذي يتم تسليمه عن طريق البحر فقط، حيث رأت مجموعة السبع أن يواصل الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى شراء الخام الروسي، ولكن فقط إذا كان سعره عند أو أقل من المستوى الذي تتفق عليه المجموعة.

مُحركات القرار

تستهدف الآلية المقترحة السماح للشركات الغربية بتقديم خدمات الشحن والتأمين لنقل النفط الروسي طالما كانت الشحنات المنقولة بسعر أقل أو يساوي الحد الأقصى المتفق عليه، وفي حالة مخالفة هذا السعر، فلا يُمكن لشركات الشحن أو المُستوردين الحصول على شحنات النفط الروسي، ومن المرجح أن تضمن تلك الآلية استمرار إمدادات النفط الروسي في الأسواق مع الحد من عائدات روسيا التي ارتفعت في أعقاب الحرب الأوكرانية، وهو ما دفع الدول الغربية لاتخاذ هذا القرار إلى جانب المُحركات الآتية:

الحد من الالتفاف على العقوبات: شهد العالم بالفعل تحولًا في تجارة النفط منذ بداية الحرب الأوكرانية حيث تراجعت صادرات روسيا القادمة إلى أوروبا بينما اشترت الدول الآسيوية كميات متزايدة من النفط الروسي مع تقديم خصومات بمستوى قدره 30 دولاراً للبرميل دون الأسعار السائدة في الأسواق، وقد أظهرت البيانات الصادرة عن إحصاءات الجمارك الصينية والهندية ارتفاع واردات الدولتين من النفط الروسي بنحو 11 مليون طن إضافي خلال الربع الثاني مقارنة بالربع الأول من عام 2022، وقد جاءت النسبة الأكبر من الزيادة من الهند حيث قفزت وارداتها من النفط الروسي إلى 8.42 مليون طن خلال الربع الثاني مقارنة مع 0.66 مليون طن خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الجاري. وقد ساهم هذا التحول في التجارة النفطية في تخفيف حدة العقوبات الدولية على واردات الوقود الأحفوري الروسي، وهو ما حفز الدول الغربية على ربط حزمة العقوبات الأوروبية -التي تقتضي حظر توفير التأمين والخدمات الأخرى للسفن التي تحمل الخام الروسي- مع آلية تحديد سقف لسعر بيعه، مما سيزيد من العوائق الماثلة أمام الدول الآسيوية لاستيراد المزيد من النفط الروسي بأي سعر يفوق المستوى المحدد مسبقًا حيث يقع مقر معظم شركات التأمين التي تغطي خدمات نقل النفط الخام في أوروبا أو مجموعة السبع.

• مواجهة الموجة التضخمية: تشهد اقتصادات الدول الأوروبية أسوأ موجة تضخمية في تاريخها حيث ارتفع التضخم في منطقة اليورو بشكل حاد خلال أكتوبر الماضي مسجلا مستوى قياسي يبلغ نحو 10.6% مقارنة بنحو 9.9% خلال سبتمبر، مدفوعًا بارتفاع أسعار الطاقة والغذاء الناجمة عن الحرب الأوكرانية، كما يتبين من الشكل الآتي:

الشكل 1- معدل التضخم في منطقة اليورو (%)

Source: Euro Stat, HICP – monthly data (annual rate of change).

وقد قفزت تكاليف الطاقة لأعلى مستوياتها خلال الشهر المنصرم بنسبة 41.9%، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمواد الكحولية خلال نفس الشهر بنحو 13.1% على أساس سنوي، وتسلط تلك البيانات الضوء على حدة الأزمة المعيشية التي يشهدها مواطنو أوروبا مما يضيف المزيد من الضغوطات المفروضة على البنك المركزي الأوروبي. وبناء على ذلك، تستهدف الدول الأوروبية بآلية تحديد أسعار النفط الروسي الحفاظ على إمدادات موثوقة من النفط الروسي المنقول بحراً إلى الأسواق العالمية، فضلًا عن تقليل الضغط التصاعدي على أسعار الطاقة.

حرمان روسيا من تدفقات النقد الأجنبي: تسعى الولايات المتحدة وأوروبا إلى الحد من التدفقات النقدية الوافدة للاقتصاد الروسي دون زيادة الضغط على الاقتصاد العالمي من خلال تقليل إمدادات الطاقة بشكل أكبر، اعتقادًا منها أن موسكو تستغل ارتفاع أسعار الطاقة لتحقيق مكاسب تساعدها على تمويل حربها ضد أوكرانيا، حيث تشير التقديرات إلى أن عائدات مبيعات النفط والغاز الروسية كانت تمثل حوالي 43% من الميزانية الروسية خلال الفترة بين عامي 2011 و2020. وبالإضافة إلى ذلك، يستهدف الاتحاد الأوروبي الإضرار بالاقتصاد الروسي الذي يعتمد على صادرات الطاقة في تأمين العملات الأجنبية، ولا سيما أن حصة صناعة النفط والغاز في الاقتصاد الروسي تمثل حوالي 15% حتى عام 2020. وبهذا، تعتقد الدول الغربية أن وضع سقف لسعر النفط الروسي سيجبر ” فلاديمير بوتين” على إعادة التفكير في إنهاء الحرب الأوكرانية.

تداعيات محتملة

يُنظر إلى آلية تحديد سقف لسعر بيع النفط الروسي كأحدث حلقة في سلسلة أزمات قطاع الطاقة العالمية المضطرب منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي، ولهذا فمن المرجح أن يترتب على تلك الخطوة العديد من التداعيات كتقييد العرض أو ارتفاع الأسعار من جديد، كما يتبين من التحليل الآتي:

• تصعيد روسي: قد تدفع آلية اتخاذ إجراءات مضادة للرد على هذه الخطوة، تتمثل أهمها في خفض أو قطع صادراتها من النفط والغاز الوافدة للأسواق الأوروبية؛ إذ أكد الكرملين أنه يعمل على صياغة مرسوم رئاسي يحظر على الشركات الروسية وأي تاجر يشتري النفط من روسيا بيعه إلى أي جهة أخرى تشارك في تحديد سقف الأسعار. وتعتبر هذه الخطوة منطقية بالنسبة لموسكو خاصة في ظل لجوئها المستمر إلى قطع إمدادات الغاز الطبيعي الوافدة للدول الأوروبية كلما ناقشت حكوماتها تحديد سقف لأسعار الطاقة.

• اضطراب أسواق الطاقة: من المؤكد أن تلك الخطوات التصاعدية سوف تؤدي إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة بما سيتسبب في حدوث المزيد من الزعزعة لأسواق الطاقة، وهو الأمر الذي سيضر باقتصادات أوروبا بشكل أكبر من الضرر الذي تسعى مجموعة السبع لإيقاعه على الاقتصاد الروسي.

• صعوبة التنفيذ: تواجه آلية تحديد سقف للأسعار عائقان أساسيان أمام تنفيذها مما قد يقلل من فعاليتها المستهدفة، وهما؛ عدم الإجماع الدولي على تطبيق هذا القرار، وصعوبة رصد ومتابعة تنفيذ تلك الآلية بسبب احتمالية تهرب الدول المستوردة من العقوبات من خلال عمليات النقل من سفينة إلى أخرى، وتجارة الناقلات غير المشروعة، فضلًا عن تواجد طرقًا للتغلب على المتطلبات المقترحة لتداول النفط الروسي عن طريق توثيق الصفقات بالسعر المُحدد مسبقًا مع دفع المزيد في الواقع، وهي أمور في غاية الصعوبة وتحتاج إلى عمليات مراقبة وتتبع معقدة.

حاصل القول إن دول مجموعة السبع والاقتصادات الأوروبية تواجه صعوبة في التوفيق بين سعر نفط يقلص من عائدات روسيا وفي الوقت نفسه يُبقي هذا السعر محفزًا لها على استمرار الإنتاج والتصدير، من المنتظر إذا أن يساعد تحديد سقف للأسعار عند 60 دولار للبرميل إلى ضمان استمرار إمدادات النفط الروسية إلى الأسواق عند مستويات أسعار تُعادل سعر تداول النفط الروسي حاليًا، مع ضمان عدم حظر خدمات الشحن والتأمين المُقدمة من قبل الشركات العاملة في الاقتصادات الغربية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/31501/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M