أعلن تنظيم “داعش” مسئوليته عن الهجوم الذي استهدف مدينة “كرمان” الإيرانية يوم الأربعاء الموافق 3 يناير الجاري، وقال التنظيم في البيان له: إن عنصرين من عناصره، انطلقا نحو تجمع “للمشركين” بالقرب من قبر “قائدهم القتيل “قاسم سليماني”، وفجًرا سترتيهما الناسفتين في وسط التجمع.
يأتي ذلك التفجير بالتزامن مع إحياء ذكرى الأخير، الذي قُتل في العراق عام 2020. كذلك يأتي أيضًا بالتزامن مع التسجيل الصوتي الذي أصدره التنظيم في يناير الجاري بعنوان “واقتلوهم حيث وجدتموهم” للمتحدث الرسمي باسم التنظيم “أبي حذيفة الأنصاري” والذي أشار فيه إلى الحرب في قطاع غزة، داعيًا عناصر التنظيم إلى استهدف الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران.
كيف ينظر “داعش” إلى إيران؟
تميزت العلاقة بين إيران وتنظيم “القاعدة” بتعزيز المصالح البرجماتية مقابل تنحية الاختلافات الأيديولوجية، وذلك على خلفية وجود عدو مشترك لهما ممثلًا في الولايات المتحدة، إذ أتاح وجود قيادات “القاعدة” في الداخل الإيراني قيام التنظيم بتنفيذ عدد من العمليات المهمة، والتي مثلت تحديًا للولايات المتحدة وحلفائها. وفي المقابل، ساهم الملاذ الإيراني في الحفاظ على بقاء التنظيم.
وعلى الرغم من أن تنظيم “داعش” خرج من رحم تنظيم “القاعدة”، إلا أن الأول اختلف عن الثاني في التعاطي مع إيران، وذلك في ضوء تباين موقفهما من الشيعة. فبالنسبة لتنظيم “القاعدة”، نجد أنه لم يعط الأولوية لمحاربة الشيعة، بل رأى أن أفضل طرق التعامل معهم، هي الدعوة وليس الصراع الطائفي.
وتبلور هذا الطرح في رسالة “أيمن الظواهري” (الرجل الثاني في تنظيم القاعدة آنذاك) عام 2005 إلى “أبي مصعب الزرقاوي” (زعيم تنظيم القاعدة في العراق في ذلك الوقت) حيث اعترض الأول على استهداف المدنيين الشيعة في العراق، قائلًا: “لماذا الهجوم على عوام الشيعة؟!” “بينما يجب علينا مخاطبتهم بالدعوة والبيان والتبليغ لهدايتهم للحق”، وتساءل “هل حاولت أية دولة إسلامية في التاريخ ذلك؟، ولماذا يقتل عوام الشيعة مع أنهم معذورون بالجهل؟”. مع إشارته إلى احتفاظ إيران بما يزيد عن 100 أسير من عناصر تنظيم “القاعدة” آنذاك.
أما بالنسبة لتنظيم “داعش”، فقد ذهب إلى تكفير الشيعة بمذاهبها، حيث يرى التنظيم طبقًا لعقيدته أن “الرافضة طائفة شرك وردة”، ويُمكن فهم العلاقة بين إيران وتنظيم “داعش” باستعراض كلمة “أبي محمد العدناني”(المتحدث الرسمي لتنظيم داعش آنذاك) في مايو 2014، والتي جاءت تحت عنوان “عذرًا أمير القاعدة“، حيث نفى أن تنظيم “داعش” فرعًا لتنظيم “القاعدة”، لكنه أكد على أن تنظيمه كان يمتثل لتوجيهات الأخير، ومن بين تلك التوجيهات عدم تنفيذ ضربات على الأراضي الإيرانية. قائًلا: “لم تضرب الدولة الإسلامية الروافض في إيران منذ نشأتها.. امتثالًا لأمر القاعدة للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران”.
عليه، تمكنت إيران من التحييد المؤقت لضربات تنظيم “داعش” لأراضيها لسنوات، غير أنه مع فك الارتباط بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش” شرع الأخير في استهداف إيران بعمليات إرهابية، عُدّ أبرزها الهجوم ضد “مجلس الشورى” الإيراني، وضريح “آية الله الخميني” في عام 2017، ناهيك عن استهدافه ضريح “شاه جراغ” في مدينة شيراز في عام 2022.
كذلك لا يمكن غض الطرف عن الدور الذي لعبته الفصائل المدعومة من إيران في الضغط الأمني على تنظيم “داعش” في معاقله التقليدية، إذ شارك الحرس الثوري الإيراني في تحرير مناطق كانت خاضعة لسيطرة التنظيم في العراق. ناهيك عن دوره في تنسيق العمليات العسكرية في سوريا لاستعادة المناطق التي سيطر عليها التنظيم، وبالتالي هناك عوامل متضافرة ساهمت في تأطير العداء بين “داعش” وإيران.
دوافع متعددة
ثمة دوافع متعددة تقف خلف الهجوم الداعشي على إيران، منها ما هو متعلق بإيران، ومنها ما هو مرتبط بالسياق الإقليمي، ومنها ما هو مقترن بالتنظيم ذاته، ويمكن استعراضها على النحو التالي:
تقويض التحالف الإيراني-السني: تأتي هذه العملية على خلفية تصاعد التنسيق بين إيران وعدد من الفواعل السنية في الساحة الإقليمية، إذ يهدف “داعش” إلى تقويض نفوذ هذا التحالف الذي يمثل تحديًا لهيمنته، وفي هذا السياق لفت التنظيم في الكلمة الصوتية التي جاءت بعنوان “واقتلوهم حيث وجدتموهم” في يناير الجاري إلى التنسيق بين حركة حماس وإيران قائلًا: “إن التحالف مع الرافضة خطيئة إخوانية.. وبلغت هذه الفتنة ذروتها في السنوات الأخيرة، وتمثلت بارتماء فصائل المقاومة في الحضن الإيراني وإعلانهم تشكيل ما يسمى بمحور المقاومة، وبذلك سمحت الفصائل الفلسطينية لإيران الرافضية أن تتصدر المشهد الفلسطيني وتظهر بمظهر المخلّص والمدافع عن فلسطين”.
مضيفًا: “كشفت الحرب الأخيرة على غزة حقيقية هذا المحور الوهمي، وأن إيران أنشأته لخدمة مشاريعها وأن الهدف الأول والأخير أن تنخرط الفصائل الفلسطينية في حرب بالوكالة عن إيران وليس العكس، وهو ما كان.. والرافضة لا يرون في القدس سوى وسيلة لركوب الموجة”. ومن ثم تُعد هذه العملية رسالة تهديد مباشرة لإيران من ناحية، فضلًا عن كونها ردًا على تصاعد نفوذها في ساحات تابعة للتنظيم من ناحية أخرى.
استعادة الزخم الدعائي: مع اندلاع الحرب في قطاع غزة، فقدت التنظيمات الإرهابية ذات التوجه السلفي الجهادي زخمها، في مقابل زيادة زخم الجماعات الشيعية الموالية لإيران، إذ نفذت هذه الجماعات عددًا من الهجمات على القواعد الأمريكية في كل من سوريا والعراق، بجانب استهدافها حركة الملاحة في البحر الأحمر، مؤكدةً في بياناتها أن الضربات تأتي استمرارًا للنهج الرافض للوجود العسكري الأمريكي في العراق والمنطقة، وردًا على حرب إسرائيل على غزة.
ما انعكس بصورة مباشرة على تصاعد التحليلات التي ترجح أن مستقبل الإرهاب في المنطقة قد يشهد تحولًا، من النموذج الذي تهيمن عليه الجماعات السلفية الجهادية كتنظيم “القاعدة” و”داعش” إلى الجماعات الشيعية المرتبطة بإيران، وبالتالي يأتي هذا الهجوم من قبل تنظيم “داعش” بهدف إعادة الزخم الدعائي والإعلامي لنشاطه.
تأكيد نفوذ “داعش خراسان”: أكدت العديد من التقارير مسئولية “داعش خرسان” عن تفجيري إيران، ويمكن القول إن التنظيم هدف من هذه العملية إلى التأكيد على وجوده وإثبات أنه فاعل رئيسي وأساسي في المنطقة لا يمكن تجاوزه. وفي هذا السياق، أفاد تقرير الأمم المتحدة الثاني والثلاثون الصادر في 25 يوليو 2023 بأن “داعش خراسان” يُعد أخطر تهديد في أفغانستان والمنطقة ككل، مضيفًا أن التنظيم يضم ما بين 4000 إلى 6000 عضوًا، مشيرًا إلى أنه أصبح أكثرًا تطورًا في هجماته ضد طالبان والأهداف الدولية على سواء، إذ أظهرت هجماته قدرة عملياتية قوية تشمل الاستطلاع والتخطيط والاتصال والتنفيذ، وارتباطًا بهذا الطرح تأتي عملية كرمان تأكيدًا لنفوذ “داعش خراسان”.
تخفيف حدة التراجع: يأتي الهجوم الذي نفذه تنظيم “داعش” في إيران، في وقت يعاني فيه التنظيم من تراجع عملياتي كبير خلال عام 2023، حيث تبنى التنظيم حوالي 838 عملية في 2023، باستثناء شهر ديسمبر، مقارنة بـ 1811 عملية خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يعني انخفاضًا في العمليات بنسبة 53%. وكنتيجة لعجزه عن تحقيق تمدد عملياتي كبير في معاقله الرئيسية الممثلة في العراق وسوريا، فضلًا عن تراجع زخمه الدعائي، يهدف التنظيم بهذا الهجوم إلى تجاوز هزائمه من ناحية، بجانب رفع الروح المعنوية لعناصره من ناحية أخرى.
مجمل القول، من المتوقع أن يزيد هذا الهجوم من تعقيد الساحة الإقليمية، إذ تشير العديد من الترجيحات إلى احتمالية تلاقي الأهداف المستقبلية بين تنظيم “داعش” والقوى التي ليست على وفاق مع إيران لا سيما مع رمزية استهداف التنظيم لقبر “قاسم سليماني” والذي مثّل صيدًا ثمينًا للولايات المتحدة، وبالتالي قد يشهد المستقبل تلاقي مصالح براجماتية بين بعض الدول التي على خلاف مع إيران و”داعش”.
المصدر : https://ecss.com.eg/42732/