خطــــــــــــة البـــــــحث:
-المقدمة
-المبحث الأول:ماهية الاستهلاك.
-المطلب الأول:تعريف الاستهلاك.
-المطلب الثاني: المفهومات النظرية حول الاستهلاك.
-المطلب الثالث: العوامل المؤثرة في الاستهلاك.
-المطلب الرابع: العوامل المؤثرة في درجة حساسية المستهلك.
-المبحث الثاني: العلاقة بين الاستهلاك والدخل والنشاط الاقتصادي.
-المطلب الأول: العلاقة بين الاستهلاك والدخل.
-المطلب الثاني: نظريات الاستهلاك والدخل.
-المطلب الثالث: دور الاستهلاك في النشاط الاقتصادي.
-الخاتمة
المـــــقــدمـــــــة
إن تحديد ما يقصد بكلمتي المستَهْلِك والاستهلاك أمر معُقَّد نسبيًا؛ فالواقع أن فكرة الاستهلاك لم تتحدد إلا بالتدريج، وبعد مضي وقت طويل. ويبدو أن دور المستَهْلِك في النشاط الاقتصادي لم يكن معروفًا في بادئ الأمر، ثم أخذ يتحدد في مواجهة المنتِج، حتى ظهرت نظريات جديدة عن القيمة ورجحت كفته. وبالرغم من هذا التطور، لم تتخذ فكرة الاستهلاك صورة واضحة محدَّدة المعالم، و ما زال هناك خلاف بين الاقتصاديين المعاصرين حول تعريف الاستهلاك، وتحديد النشاط الاقتصادي الذي يدخل في نطاقه. ومن هنا تبرز لنا الإشكالية التالية: ما هو الاستهلاك, وما هو النشاط الاقتصادي, وما هو دور الاستهلاك في النشاط الاقتصادي
المبحث الأول: ماهية الاستهلاك
المطلب الأول: تعــريف الاسـلاك:
الاستهلاك consumption هو استخدام سلع أو إتلافها أو التمتع بخدمات، وذلك من أجل إشباع حاجات أو رغبات معينة. ويمكن النظر إلى الاستهلاك على أنه الهدف أو الغاية الأساسية لكل النشاطات الاقتصادية. وللاستهلاك علاقة عضوية بالإنتاج، فالاستهلاك يواجه دائماً إما بالسلع التي تنتج في ذلك الوقت وإما بالسلع التي أنتجت من قبل. وللاستهلاك دور أساسي في تركيب البنيان الاقتصادي وفي تحريك العجلة الاقتصادية، إذ إن الاستثمارات وفرص العمل هما أمران متعلقان بحجم الطلب الكلي على السلع والخدمات.
الاستهلاك هو النفقات على السلع والخدمات المستخدمة في تلبية احتياجات ورغبات خلال فترة معينة وهي في العادة سنة تقويمية، ويشمل استهلاك الدولة البضائع الاستهلاكية كالملبس والمأكل والأدوات المنزلية بالإضافة إلى المواد الخام كـ مواد البناء والقطن والوقود والمعادن .
للاستهلاك علاقة عضوية بـ الإنتاج، فالاستهلاك يواجه دائماً إما بالسلع التي تنتج في ذلك الوقت وإما بالسلع التي أنتجت من قبل. و يعتبر الاستهلاك أحد مكونات الدخل القومي لأي بلد، كما أنه أحد مؤشرات الرفاهية في المجتمع، وتصب كل دراسات سلوك المستهلك في محاولة معرفة مجددات الاستهلاك، وتوازن المستهلك، كما يعتبر الاستهلاك مفهوماً منافساً للادخار؛ حيث يعتبر الأخير تأجيلاً للاستهلاك في الوقت الحاضر إلى استهلاك مستقبلي، وبمعنى آخر على مستوى الاقتصاد الكلي هو تنازل الجيل الحالي عن جزء من الاستهلاك الحالي لصالح الأجيال القادمة؛ وذلك لأن الدخل يمكن تقسيمه إلى استهلاك إضافة إلى ادخار ولا بد من تحقيق موازنة معقولة بين الاثنين تؤدي إلى الوصول إلى مستوى الإشباع المطلوب.
يعادل استهلاك دولة ما حوالي 80% من الدخل الإجمالي. ويتضمن استهلاك الحكومة نفقات الدفاع. أما الاستهلاك الشخصي فهو نقود تصرفها العائلات على ما تحتاج من سلع وخدمات، ويرتبط المبلغ الذي تصرفه هذه العائلات بشكل رئيسي بالدخل المتاح أو الدخل بعد الحسم الضريبي ،وهو المبلغ المتبقي من الدخل بعد دفع ضريبة الدخل والضرائب الأخرى، ومن العوامل الأخرى التي تؤثّر على الاستهلاك الشخصي تكلفة الإيداعات المصرفية ومعدّل التضخُّم المالي اللذان يؤثران في نزعة الناس للتوفير.
يقصد بمصطلح سلوك المستهلك كافة الأنشطة التي يبذلها الأفراد في سبيل الحصول على السلع والخدمات والأفكار واستخدامها بما فيه الأنشطة التي تسبق قرار الشراء وتؤثر في عملية الشراء ذاتها
و هو مجموعة الأنشطة والتصرفات التي يقدم عليها المستهلكون أثناء بحثهم عن السلع والخدمات التي يحتاجون إليها بهدف إشباع حاجاتهم لها ورغباتهم فيها، وأثناء تقييمها لها والحصول عليها واستعمالها والتخلص منها، وما يصاحب ذلك من عمليات اتخاذ القرار.
المطلب الثاني:المفهومات النظرية حول الاستهلاك
تصدت المراجع الاقتصادية لمسائل الاستهلاك منذ زمن بعيد ويؤكد ذلك ما بقي من تراث الحضارات القديمة المختلفة. وفيما يتعلق بالتراث العربي فقد برز عدد من العلماء الذين تناولوا بعض جوانب موضوع الاستهلاك في كتاباتهم أمثال ابن خلدون والمقريزي وابن عبد السلام وغيرهم، بيد أنه من منظور اقتصادي صرف لابد من التركيز على علم الاقتصاد الحديث وإذ ذاك يبرز ما قدمه كينز J.M.Keynes حول مسألة الاستهلاك، وأهمية ما قدمه كينز لا تكمن في أنه جاء قبل غيره، إذ إن هناك عدداً كبيراً من الاقتصاديين قد عالجوا موضوع الاستهلاك قبله أمثال انجل E.Engel ومارشال A.Marshall وباريتوV.Pareto وبيغو A.C.Pigou وغيرهم، ولكن أهميته تكمن في طرحه لنظرية كاملة مترابطة تتناول مختلف جوانب المسألة الاقتصادية ومن ضمنها الاستهلاك الذي خصه كينز باهتمام كبير لدوره في تكوين الطلب الكلي للسلع والخدمات الذي يعدّه كينز المحرك الأساسي للعجلة الاقتصادية. ومع أن عدداً من النظريات التي وضعت بعد كينز قد جاءت بأسس، وتعديلات تختلف عن تلك التي قدمها، فإن نظريته مازالت تؤلف أحد المنطلقات الرئيسة التي لا يمكن الاستغناء عنها عند معالجة موضوع الاستهلاك. يبين كينز في «نظريته العامة» أن الأسس النفسية الراسخة لدى المستهلك تدفعه، على العموم إلى زيادة إنفاقه الاستهلاكي عند حدوث زيادة في دخله المتاح، بيد أنه يُبقي في العادة جزءاً من تلك الزيادة للادخار. وإن نسبة الادخار هذه تتزايد مع تزايد الدخل، وذلك كله بعد تجاوز حد معين من المستوى المعاشي يكون حداً كافياً لإشباع المتطلبات الاستهلاكية الضرورية. وإن هذا الكلام يتفق مع ما يعرف «بقانون أنجل» Engel’s Law، وهو إحصائي ألماني عاش في القرن التاسع عشر وكانت له أعمال رائدة في دراسة السلوك الاقتصادي للأفراد بشكل منهجي، ولاسيما العلاقة بين الدخل والإنفاق على المواد الغذائية، وينص ما يعرف بقانون على أنه: «بقدر ما تكون الأسرة أكثر فقراً تكون نسبة الإنفاق من دخلها على الطعام أكبر». ويؤكد كينز أن حركتي التغيير في مستوى الدخل وفي مستوى الاستهلاك تسيران في اتجاه واحد، فمع زيادة الدخل يزداد الإنفاق الاستهلاكي ولكن بنسبة تقل عن نسبة الزيادة في الدخل. وقد أُطلق على نظرية كينز في الاستهلاك «نظرية الدخل المطلق» لأنها ترى أن مستوى الدخل المطلق absolute level of income هو العامل الأساسي الذي يحدد حجم الإنفاق الاستهلاكي للفرد. ومما يذكر، أنه قد جاء بعد كينز عدد من الاقتصاديين دافعوا عن هذا الاتجاه وطوروه يذكر منهم توبن J.Tobin وسمثيز A.Smithies وآخرون.
ومع أن أعمال كينز كانت رائدة في حقل الاستهلاك، فإن تعرضه للأمد القصير من دون الالتفات إلى المتغيرات التي يمليها الزمن، إضافة إلى التطور النظري في علم الاقتصاد وإلى بروز عدد من الدراسات الإحصائية التي كانت نتائجها لاتتطابق بوجه أو بآخر مع الحيثيات التي تفرضها نظريته، قد أدى إلى ظهور نظريات أخرى حول الاستهلاك تختلف بجوهرها عن نظرية كينز. فقد برزت أفكار دوزنبري J.S.Duesenberry ونظريته التي عرفت بـ«نظرية الاستهلاك وفق نظرية الدخل النسبي» The Relative Income Theory والتي ارتكزت على مقولتين أساسيتين هما:
ـ أن السلوك الاستهلاكي لدى الأفراد هو سلوك متداخل يؤثر بعضُه في بعض.
ـ أن العلاقات الاستهلاكية هي ذات اتجاه واحد ولا تتراجع مع الزمن، مما يعني أن مستوى استهلاك الفرد لا ينخفض مباشرة عند حدوث تراجع في مستوى دخله.
وقد ركز دوزنبري على العامل والأثر البياني الترتيبي demonstration effect وأسهب شارحاً أن الإنفاق الاستهلاكي لأسرة ما لا يعتمد على مستوى دخلها المطلق بقدر ما يعتمد على مستوى دخلها إذا ووزن ببينه وبين دخول الأسر التي تربطها بها صلات ووشائج، سواء أكان ذلك في السكن أم في القربى أم في العلاقات الاجتماعية. وعليه، فإذا ما ارتفع دخل الأسرة في مرحلة من المراحل وشملت نسبة الارتفاع هذه جميع الأسر الأخرى التي لها علاقة بها، وبقي المستوى النسبي بين كل الأسر ثابتاً، فإن توزيع دخل الأسرة المعنية بين الإنفاق الاستهلاكي والادخار يبقى على ما كان عليه قبل ارتفاع الدخل مع أن مستوى الإنفاق الاستهلاكي ومستوى الادخار لتلك الأسرة يكون قد ارتفع ارتفاعاً مطلقاً. ووفق المقولة نفسها، فإذا ما ارتفع مستوى دخل الأسر الأخرى وبقي مستوى دخل الأسرة المعنية ثابتاً فإن المستوى المعيشي لتلك الأسرة يتراجع مع أن دخلها لم يتدنَّ، وذلك لأنها تجنح في العادة لزيادة إنفاقها الاستهلاكي تحت تأثير تقليد بقية الأسر التي طرأت زيادات على دخولها. ويلحّ أنصار هذه النظرية على الطبيعة المتأصلة لدى الناس لتقليد بعضهم بعضاً في طرائق الاستهلاك وأنماطه. وتنافسهم في ذلك إلى حدود المضاهاة والتفاخر، ويبينون أن الأسر ذات الدخل المحدود تجنح نحو المزيد من الإنفاق الاستهلاكي عندما تعيش في محيط من الأسر ذات الدخل الأعلى، أكثر مما يكون عليه الحال لو عاشت في محيط من الأسر ذات الدخل الأدنى.
كذلك فإن دوزنبري يبين أن للدورة الاقتصادية أثراً في إحداث تغيرات في مستوى الإنفاق الاستهلاكي بالنسبة إلى الدخل، ومع أن نظرية دوزنبري لاتخلو من الشفافية والتجديد فإنها لم تسلم من النقد لأسباب متعددة مما حدا ببعض الاقتصاديين ممن كانوا من دعاتها أمثال موديغلياني F.Modigliani على التنصل منها والتركيز على ما بات يعرف بنظرية الاستهلاك «وفق مفهوم الدخل الدائم The Permanent Income Theory التي نجح فريدمان M.Friedman في تطويرها. ولقد بيّن أصحاب الاتجاه الثالث أن الإنفاق العادي للمستهلك لا يتأثر آلياً وبسرعة بالمتغيرات التي قد تطرأ على دخل المستهلك في المدى القصير إذ إن استهلاك الفرد في شهر معين لا يعتمد بالضرورة على دخله في ذلك الشهر. كذلك فإن المستهلك لا يتوقف عن استهلاكه مثلاً إذا أصبح دخله في شهر من الأشهر مساوياً الصفر. ومن منطلقات كهذه يرى أصحاب هذه النظرية أن الاستهلاك يتأثر بالدخل في مدة زمنية أطول، وأن المستهلك ينظر إلى دخله السنوي كله وإلى مستوى دخله في العام السابق وإلى توقعات تطور دخله في المستقبل.
لذلك كله ولتفصيلات مشابهة يقول فريدمان: إن الاستهلاك على المدى الطويل هو جزء ثابت من الدخل الدائم، وإن هذا الجزء يعتمد على شروط وعوامل متعددة مثل معدل الفائدة المصرفية والدخل الآتي من دون جهد، كالإرث مثلاً وعلى الذوق الخاص للمستهلك الذي يعتمد على الطبيعة الاجتماعية للأسرة وأعمار أفرادها وغيرها.. لذلك يقول أصحاب هذا الرأي: إن الإنفاق الاستهلاكي لأي أسرة يتوقف على مستوى الدخل الدائم لها، ولما كانت هناك فروق خاصة بين أسرة وأخرى فإن ذلك الجزء من الدخل الذي تنفقه أي أسرة من الأسر على استهلاكها يختلف بين حالة وأخرى. أما إذا افترض أن الفروق التي تنجم عن عوامل مثل الذوق والعمر وغيرها متساوية، فحينئذ يصبح ذلك الجزء من الدخل الدائم الذي ينفق على الاستهلاك متساوياً بغض النظر عن كون الأسرة فقيرة أو غنية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدم أخذ فريدمان بالحسبان للاختلافات في النهج والتصرفات لطرائق الإنفاق لدى الأثرياء والمحرومين قد عرّض هذه النظرية للكثير من الانتقاد على الرغم من التجديدات التي أدخلتها على مسألة الاستهلاك بوجه عام:
وإذا كان ماتقدم يؤلف شرحاً مبسطاً ومختصراً لأهم المدارس أو الاتجاهات النظرية لمسألة الاستهلاك، فثمة تشعبات نظرية أخرى انطلقت من هذا الاتجاه أو من ذاك، ومازالت النصوص الاقتصادية تقدم باستمرار تجديدات في هذا الأمر، إلا أنه من الجدير ذكره أن لكل اتجاه من الاتجاهات النظرية المختلفة عدداً من الأبحاث الإحصائية والقياسية التي تدعم مقولته.
المطلب الثالث:العوامــل المؤثـرة في الاستهـلاك
إن العوامل المؤثرة في الاستهلاك هي العوامل التي تؤثر في العلاقة القائمة بين الدخل والإنفاق الاستهلاكي. ويركز أصحاب كل مدرسة من المدارس النظرية على «العوامل المؤثرة» التي تخدم التركيب البنياني لنظرياتهم. ولاشك في أن كينز كان أول من صنف تلك العوامل وأوضح العلاقة والدور لكل صنف. فهو يقول إنّ ثمة «عوامل ذاتية» Subjective Factors «وعوامل موضوعية» Objective Factors الأولى تنطلق من البنية النفسية للمستهلك ومن عاداته الاجتماعية ومن تأثره بأطر المؤسسات السائدة، والثانية تنطلق من متغيرات اقتصادية متنوعة. إلا أن عدم تبدل هذه العوامل، بصنفيها، في الأمد الآني والقصير يترك علاقة الارتباط المباشر قائمة بين مستوى الدخل ومستوى الإنفاق الاستهلاكي. ويتجلى أثر «العوامل الذاتية» في تجديد حجم الاستهلاك بالنسبة إلى مستوى الدخل المعين، وهو يؤثر في قرار المستهلك المتعلق بكيفية تقسيم دخله بين الإنفاق الاستهلاكي والادخار.
1 مستوى الدخل:
يعتبر الدخل من أهم العناصر التي تؤثر على الاستهلاك، فإذا لم يتوفر للفرد أي دخل فإنه يضطر
لإنفاق مدخراته أو الاستعانة بالآخرين وقد يضطر لبيع جزء من ثروته كالممتلكات العقارية وغيرها
وبالتالي نعتبر العلاقة قوية بين الدخل والاستهلاك فكلما ازداد الدخل يزداد الاستهلاك.
لقد قدم ملتون فريدمان رئيس المدرسة النقدية مدرسة شيكاغو تفسيرًا للعلاقة بين الدخل
والاستهلاك:عندما قال يتحدد الاستهلاك العائلي إلى حد كبير بالدخل المتوقع الحصول عليه خلال فترة طويلة في المستقبل أو الدخل الدائم، فالمواطن ينفق حسب دخله الدائم أو المستمر فإذا انخفض دخله فلن يخفض استهلاكه ويضطر للاستدانة وبالمقابل إذا زاد الدخل لفرد ما خلال الفترة القصيرة فلن يزداد الاستهلاك وإنما يخصص للادخار, أي يتحدد استهلاك الفرد أو العائلة بالدخل الدائم وليس الدخل الحالي وكل ما يحصل في الفترة القصيرة لا يعبر عن العلاقة بين الدخل والاستهلاك.
2 المستوى العام للأسعار:
يؤدي التضخم لارتفاع المستوى العام للأسعار وبالتالي تنخفض القوة الشرائية للدخل وينخفض
الاستهلاك، فالدخل الذي كان يحقق لصاحبه شراء 100 سلعة وخدمة فإنه بعد ارتفاع الأسعار لن
يستطيع شراء نفس الكمية من السلع والخدمات لذلك سوف يضحي بالادخار وإذا كان الارتفاع
شديدًا سوف ينخفض استهلاك الفرد أو قد يلجأ لبيع جزء من ممتلكاته العقارية لمواجهة هذه الظروف, فالأسعار تؤثر على الاستهلاك وعادة ما تحدد الدول والحكومات مستويات الأجور عند مستويات الأسعار وبالتالي فإن ارتفاع السعر سوف يدفع الحكومات لرفع مستوى الدخول ﺑﻬدف الحفاظ على مستوى مستقر من الاستهلاك للأفراد.
3 سعر الفائدة:
إن المتغير الاقتصادي الذي يوفق ويربط بين المقرضين والمقترضين في علاقات تمويلية هو سعر الفائدة، فهو يعتبر السعر الذي يدفعه المقترض لقاء استخدامه الأموال المقترضة لفترة زمنية معينة يتفق عليها أي سعر الائتمان، فمن وجهة نظر المقترض يعتبر سعر الفائدة عائدًا للأموال المستثمرة ومن وجهة نظر المقترض هو تكلفة لها وإذا ما احتفظ الأفراد بالأموال فإن سعر الفائدة هو تكلفة الفرصة البديلة أي مقدار التضحية.
وبطبيعة الحال فإن سعر الفائدة المرتفع سوف يشجع على الادخار ويكون الاستهلاك هو الضحية
حيث يخفض المستهلك كميات الشراء ﺑﻬدف الادخار والحصول على العائد المرتفع أي كما يقول
الكلاسيكيون, الفائدة هي تأجيل استهلاك اليوم لاستهلاك أكبر في المستقبل فكلما ازداد معدل سعر الفائدة تزداد المدخرات لدرجة أنه وصل سعر الفائدة إلى 15 % في كوريا ووصلت المدخرات إلى 33 % من الناتج المحلي الإجمالي, وبالمقابل عند انخفاض سعر الفائدة يزداد الاستهلاك لأن الأفراد يشعرون بأن الاحتفاظ بالأموال لن يجر لهم نفعًا في المستقبل لذلك يفضلون الاستهلاك الحالي لذلك عندما تحدد الدولة سعر الفائدة تأخذ الاستهلاك بعين الاعتبار لأن انخفاض حجم الاستهلاك سوف يؤثر على الإنتاج نفسه الذي تشجعه الدولة.
4 تشكيلة السلع والخدمات:
يتصرف المستهلك بدخله استنادًا لما يشاهده من سلع وخدمات، فإذا ازداد الدخل ولم يجد
المستهلك عرضًا وفيرًا من السلع والخدمات بأنه يضطر للادخار لذلك يتأثر الاستهلاك بالعرض،
والعرض يتأثر بدوره بالاستثمار ورأس المال وقوة العمل وتوفر المواد الأولية وغيرها وبشكل عام فإن القدرة الإنتاجية أو الطاقة الإنتاجية للاقتصاد الوطني تؤثر على الطلب الكلي وعلى الاستهلاك فكلما ازداد الاستثمار وتوفرت تشكيلة واسعة من السلع والخدمات يصبح اﻟﻤﺠال واسعًا لاستهلاك جديد
فالمقارنة بين عام 2007 وعام 1985 توضح لنا بأن مجالات توسع الاستهلاك وزيادته الآن هي أفضل بكثير من ذلك العام عندما كانت السلع غير متوفرة.
5العادات والتقاليد الاجتماعية:
هي مجموعة من العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الفئات الاجتماعية وداخل هذه الفئات
والجماعات في مجرى النشاط المشترك وتنقسم العلاقات الإجتماعية إلى مادية تتشكل بصورة مستقلة عن حياة وعي الأفراد وإدراكهم وإلى أيديولوجية تظهر على أرضية الأفكار الإجتماعية التي تعكس مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية وتظهر على شكل أفكار سياسة وقانونية وأخلاقية ودينية
إن العلاقات الاجتماعية في جانبها الروحي من أفكار وقيم وأخلاق عادات وتقاليد تؤثر بشكل مباشر على الاستهلاك والادخار معًا
6الدين والاستهلاك الإجتماعي:
لقد نظم الدين الإسلامي الإنفاق الإستهلاكي بشكل واضح فمنع الإسراف ودعا للتوسط في
الإنفاق قال تعالى: ﴿ وآت ذا القربى حقه والمساكين وابن السبيل ولاتبذر تبذيرًا إن المبذرين كانوا إخوان [ الشياطين﴾ [الإسراء : 26
إن المتوسط في الاستهلاك على النفس وعلى منافع اﻟﻤﺠتمع مع تحريم الإسراف والتبذير والربا
والاكتناز وتقديم الزكاة يؤدي إلى توفير المدخرات اللازمة للعملية الاستثمارية في اﻟﻤﺠتمع الأمر الذي يؤدي إلى تطوير وتحسين ظروف العمل وظروف اﻟﻤﺠتمع بشكل عام
ولقد ربط الإسلام الاستهلاك بظروف اﻟﻤﺠتمع وحدد طرقه وأهدافه:
1يجب على الفرد إشباع الحاجات الفردية (طعام ومسكن ولباس . . . . )
2 إشباع الحاجات شبه الفردية.
3 استهلاك الطيبات لمن كان دخله مرتفعًا
[ قال تعالى:﴿ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾[ الأعراف: 32
رواه الترمذي) ) « إن الله يحب إن يرى أثر نعمته على عبده » : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الإسلام ﺑﻬذه الحالة يربط الاستهلاك بالدخل فكلما ارتفع الدخل يزداد استهلاك الفرد من السلع
الكمالية ولا يجوز التقشف أو البخل لمن لديه الامكانيات والظروف المناسبة
وكانت السمة الأساسية للاستهلاك هي التوسط في الإنفاق.
7الثقافة الإجتماعية:
هي مجمل ألوان النشاط التحويري للإنسان واﻟﻤﺠتمع وكذلك نتاج هذا النشاط وتقسم الثقافة إلى قسمين:
الثقافة المادية: وتتضمن أساليب إنتاج الخيرات المادية.
الثقافة الروحية: وتتضمن كافة أشكال الوعي الإجتماعي ( الفلسفة الأخلاق العلم
الحق الفن الدين)
إن عناصر الثقافة المادية والروحية وثيقة الارتباط ببعضها البعض وتضرب جذورها في التاريخ وهي
حصيلة المعارف التي طورها الإنسان، فالإنسان يسعى لتغيير الوسط الطبيعي الذي يعيش فيه باتجاه الأفضل ومع هذا التغيير تتطور العادات والتقاليد وأنماط الاستهلاك.
إن فروع الإنتاج المادي المسؤولة عن إنتاج السلع تقدم لنا تشكيلة واسعة من السلع والخدمات والجانب الروحي للثقافة يدفعنا لاستهلاك وزيادة النزعة الاستهلاكية وإلا كيف يعرف الإنسان المنتجات الجديدة وما هي مزاياها وكيف يستعملها وكيف يقوم بالصيانة.
المطلب الرابع:العوامـل المؤثرة في درجة حساسيــة المستهـــلك
يؤكد الاقتصاديون وأخصائيو التسعير على وجود عوامل مهمة تؤثر في درجة حساسية المستهلك للسعر، ومثل هذه العوامل تعد مؤشرات هامة لابد أن يسترشد بها رجل التسويق المختص بالأسعار عند تحديده لهيكل السعر، وتتمثل أهم هذه العوامل فيما يلي:
١- تأثير القيمة الفريدة
عندما يكون المنتج الذي يرغب المستهلك بشرائه من المنتجات الفريدة، فإن المستهلك يكون أقل حساسية للسعر عند الشراء، والعكس صحيح إذا كان المنتج لا يختلف كثيراً من وجهة نظر المستهلك عن غيره من المنتجات المتاحة في السوق، فإن المستهلك يكون أكثر حساسية للسعر عند الشراء، لذلك فإن السعر سيلعب دوراً هاماً وكبيراً في التأثير على قرار المستهلك بالشراء.
2_تأثير جودة المنتج
عادة ما يكون المستهلك أقل حساسية لأسعار تلك المنتجات التي يرى أنها ذات جودة عالية وتمتاز
بخصائص مميزة لا تتوفر في المنتجات الأخرى، والعكس صحيح، أي أن المستهلك يكون أكثر حساسية لأسعار المنتجات التي يرى أنها تمتاز بمستوى منخفض من الجودة.
٣- تأثير درجة المنفعة
إن اختيار المستهلك للسلعة التي يرغب بشرائها يتوقف على مقدار وأهمية المنفعة التي يتوقع أن تحققها له هذه السلعة، إذ يكون المستهلك أقل حساسية لأسعار المنتجات التي يرى أنه يحصل منها على منفعة كبيرة، والعكس صحيح أي أن المستهلك يكون أكثر حساسية لأسعار المنتجات التي يرى أنه يحصل منها على منفعة أقل.
٤- تأثير المعرفة بالبديل
عندما يكون المستهلك على علم ومعرفة ببعض البدائل المتاحة في السوق، فإنه سوف يكون أكثر حساسية للسعر والعكس صحيح، إذ أن المستهلك الذي يجهل الأنماط المشابهة للمنتجات في السوق فإنه سيكون أقل حساسية للسعر.
٥- تأثير صعوبة المقارنة
إذا كان المستهلك يواجه صعوبة في المقارنات السعرية بين البدائل المختلفة المتاحة أمامه فإنه يكون أقل حساسية للسعر والعكس صحيح، أي أن المستهلك يكون أكثر حساسية للسعر عندما تسهل عليه المقارنة السعرية بين المنتجات البديلة في السوق.
٦- تأثير النفقات الكلية
عندما تُمثِّل النفقات الكلية للمستهلك نسبة قليلة من دخله فعندئذ درجة حساسيته للسعر تقل والعكس صحيح، بمعنى أنه عندما تُشِّكل المنتجات المراد شراؤها نسبة عالية من دخل المستهلك، فإن إنفاقه سيكون كبيراً لذا فإن درجة حساسية المستهلك للسعر ستكون أكبر.
٧- تأثير المنفعة النهائية
عندما يشتري المستهلك منتجاًُ وقد دفع فيه مبلغاً كبيراً من المال، فإن حساسيته لأسعار المنتجات المرافقة التي تستخدم معه تكون أقل كلما كانت النفقة الخاصة بالمنتج المرافق تمّثل جزءاً محدوداً من التكلفة الكلية للمنَتج الأساسي لأن التركيز الرئيسي قد وجه نحوه، فكلما كانت النفقة الخاصة بالمنتج المرافق تمّثل جزءاً أكبر من التكلفة الكلية للمنتج الأساسي زادت حساسية المستهلك لسعر هذا المنتج المرافق.
٨- تأثير التكلفة المشتركة
عندما يتم مشاركة التكلفة مع طرف آخر فعندئذٍ يكون المستهلك أقل حساسية للسعر مقارنة لتحمله التكلفة وحده والعكس صحيح، أي أن درجة حساسية المستهلك للسعر تزيد عندما يتحمل المستهلك عبء التكلفة منفرداً.
٩- تأثير المخزون
عندما لا يستطيع المستهلك القيام بتخزين المنتج لديه فإنه يكون أقل حساسية للسعر، والعكس صحيح فعندما يستطيع المستهلك القيام بتخزين المنتج لديه فإنه يكون أكثر حساسية للسعر.
مما سبق نجد أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر في درجة حساسية المستهلك تجاه سعر المنتج، الأمر الذي يتطلب من إدارة التسويق وتحديداً القسم الخاص بوضع الأسعار، التعامل بجدية معها إضافة إلى ضرورة دراسة إدراك السعر واستجابة المستهلك له، ودراسة العلاقة بين حساسية المستهلك للسعر وسياسة التسعير المتبعة في المنظمة الاقتصادية، لأن السعر موجه في النهاية إلى المستهلك وهو الذي سيقرر فيما إذا كان سيشري السلعة بهذا السعر المعروض أم لا، و الا فإن ذلك من شأنه أن يتسبب بخسارة المنظمة الاقتصادية وفشلها
المبحث الثاني: العلاقة بين الاستهلاك والدخل والنشاط الاقتصادي
المطلب الأول:العلاقة بين الاستهـلاك والدخـل:
يطلق على الانفاق العائلي الجاري على السلع والخدمات تعبير الاستهلاك، أما الجزء الذي لا
يستخدم فيطلق عليه الادخار.
فالادخار: هو الفرق بين الدخل الجاري الممكن التصرف به والجزء المخصص للسلع
الاستهلاكية وقد يكون الإنفاق أكبر من الدخل نفسه وحينئذ نكون أمام ادخار سلبي أي ننفق من المدخرات السابقة أو الممتلكات.
الدخل الممكن التصرف به = الاستهلاك + الادخار
د = س + خ
ولكن مالذي يحدد القدر من الدخل الذي ينفق للاستهلاك؟
لقد أكدت نظرية كينز في الاستهلاك هذا الأمر حين وضحت القانون النفسي الأساسي الذي يقرر
أن الأفراد يميلون كقاعدة وفي المتوسط، إلى زيادة استهلاكهم بزيادة دخلهم، ولكن ليس بنفس مقدار الزيادة في الدخل
أ الميل المتوسط للاستهلاك: هو النسبة بين الإنفاق الاستهلاكي الجاري والدخل الممكن
التصرف به.
الميل المتوسط للاستهلاك = الاستهلاك الجاري من الدخل الممكن التصرف به
ب الميل الحدي للاستهلاك:
هو الجزء من الدخل الإضافي الممكن التصرف به الذي ينفق على الاستهلاك
الميل الحدي للإستهلاك = الاستهلاك الإضافي من الدخل الممكن التصرف به الإضافي
ج المضاعف : هو الآثار المكررة التي تنتج عن الزيادة في الإنفاق بالنسبة للدخل، أو هو المعامل
العددي الذي يشير إلى الزيادة في الدخل القومي التي تتولد عن الزيادة الأصلية في الإنفاق عن طريق ما تزاد له هذه االزيادة الأخيرة من تأثير على الإنفاق القومي على الاستهلاك
كما ويمكن القول : بأن المضاعف هو العدد الذي يتضاعف به الاستثمار الأولي ليحقق زيادة كلية في الدخل .
المطلب الثاني: نظريـات الدخـل والاستهـلاك:
1 نظرية الدخل النسبي لدوسنبيري
تفترض هذه النظرية أن الاستهلاك يتأثر بعوامل نفسية خلال الدخل المادي. لذا فإن الاستهلاك لا
يعتمد على الدخل الحالي فقط وإنما على دخول الآخرين في البيئة نفسها. وكذلك على معدلات ونمط الاستهلاك في الفترات السابقة، بمعنى أن استهلاك الفرد يتوقف على أعلى دخل يحصل عليه في الفترة السابقة.
وتفترض النظرية أنه من السهل زيادة المستهلك لمعدلات استهلاكه عند زيادة دخله، ولكن من الصعب العودة على مستويات الاستهلاك السابقة عند انخفاض دخله. وعليه فإن معدلات الاستهلاك في المدى القصير في تزايد مستمر بسبب التقليد والمحاكاة.
2 نظرية الدخل الدائم لفريدمان
تفترض هذه النظرية كما صاغها فريدمان أن كلا من الدخل والاستهلاك يتكون من دخل دائم وعابر.وحسب ذلك التقسيم فإن العلاقة بين الدخل والاستهلاك هي بين الدخل الدائم والاستهلاك الدائم. حيث أن الاستهلاك لا يتأثر بالمتغيرات المفاجئة في الدخل وهو ما أسماه فريدمان بالدخل العابر أو الانتقالي
وافترض فريدمان أن الاستهلاك الدائم هو نسبة من الدخل الدائم، أي العلاقة بينهما علاقة تناسبية أي بدون ثابت.
3 نظرية دورة الحياة لمودغلياني وآندو
تفترض هذه النظرية أن الاستهلاك يتأثر بعوامل نفسية خلافًا لعامل الدخل، فالمستهلك يتخ ذ
قراراته الاستهلاكية حسب توقعات دخله المستقبلي بحيث يحاول المحافظة على نمط استهلاكي أو مستوى معيشة مستقر خلال سنوات حياته. لذا فإن الميل المتوسط للاستهلاك يكون منخفضًا خلال المراحل الأولى لتكوين سلة ادخار تساعده على التمتع والعيش برخاء حتى آخر مراحل الحياة.
ومن أبرز نتائج نظرية دورة الحياة العلاقة بين الاستهلاك وتغيرات أسعار سوق الأوراق المالية .
فقيمة ما يحتفظ به الأفراد من أوراق مالية إنما هي جزء من ثروﺗﻬم، فمث ً لا عند الرواج فإن ارتفاع أسعار الأوراق المالية يؤدي إلى تعظيم الثروة مما يدفع إلى زيادة الاستهلاك. وهذا ما حدث في الولايات المتحدة في ﻧﻬاية تسعينيات القرن العشرين. حيث أدت فقاعة أسواق المال في الولايات المتحدة والارتفاعات الهائلة في أسعار أسهم شركات الاتصلات والمعلوماتية إلى ارتفاع كبير في حجم الاستهلاك بسبب الشعور بالثروة وتمكن مالكي الأسهم من الاقتراض من المؤسسات المصرفية لتمويل إنفاقهم الاستهلاكي.
المطلب الثالث:دور الاستهـــلاك في النشـاط الاقتصـادي:
الفرع الأول: ماهية النشاط الاقتصادي
النشاط الاقتصادي Economic Activity وهو المجهود الذي يبذله الفرد لأشباع حاجاته أو الحصول على الأموال والخدمات. ويتميز النشاط اقتصادي بصفتين أحدهما اجتماعية والأخرى فردية، وتتمثل الصفة الإجتماعية بالتبعية المتبادلة بين الشخص وأفراد الهيئة الإجتماعية مع بعضهم بصفتهم منتجين. كما تقوم رابطة التبعية بين أفراد الهيئة الإجتماعية بصفتهم مستهلكين. أما الصفة الفردية في النشاط الأقتصادي فمصدرها إن قيمة الفرد كعنصر أقتصادي تعتمد إلى درجة كبيرة على صفاته الشخصية كالذكاء وحب النظام والرغبة في العمل وخدمة المجتمع وغيرها من الصفات والعوامل الخاصة.
يتألف أي اقتصاد حديث من شبكة معقدة من العلاقات المتبادلة والمتشابكة. ومن وجهة النظر الاقتصادية هنالك طرفان لأي علاقة منها: الأول هو القطاع المنزلي household sector والثاني هو قطاع الأعمال business sector، والنشاط الاقتصادي economic activity هو نتاج عملية التفاعل والمبادلة بين هذين القطاعين.
يصف الاقتصادي الأمريكي برادفورد ديلونغ Bradford W. Delong النشاط الاقتصادي بأنه «في أي وقت أنت تعمل فيه لدى شخص آخر ومقابل أجر، يُعد ذلك نشاطاً اقتصادياً، وفي أي وقت عندما يشتري المرء شيئاً ما من متجر، فإن ذلك يُعد نشاطاً اقتصادياً، وفي أي وقت تقوم الدولة بفرض ضريبة عليه وتقوم هي بإنفاق ما حصلت عليه من إيراد ضريبي لبناء جسر على سبيل المثال، فإن ذلك يعدّ نشاطاً اقتصادياً». وعموماً يمكن القول: إنه متى تم تضمين تدفق نقدي في صفقة (مبادلة) transaction، فإن الاقتصاديين يعدّون ذلك نشاطاً اقتصادياً.
يمثل النشاط الاقتصادي عادة في شكل بياني اصطلح على تسميته بالتدفق الدائري circular flow. والتدفق الدائري للنشاط الاقتصادي، الذي يسري شريان النشاط الاقتصادي، يحتوي على وجهي هذا النشاط، هما التدفق الحقيقي actual flow والتدفق النقدي cash flow.
يُمثل التدفق الحقيقي في جانب منه تدفق خدمات الأفراد، كعوامل إنتاج، وهي تتدفق من القطاع العائلي باتجاه قطاع الأعمال، في حين أن جانبه الثاني يمثل تدفق السلع والخدمات، ويكون مساره من قطاع الأعمال نحو القطاع المنزلي (العائلي).
الشكل (1)
يبين الشكل (1) نوعي التدفق المذكورين، حيث يضم التدفق العلوي دفق خدمات عوامل الإنتاج التي يمتلكها الأفراد، بصيغة إقراض أو إيجار، مقابل الحصول على عوائد على النحو الذي يشبع حاجاتهم في الحاضر وفي المستقبل. يقابل ذلك دفق نقدي يتمثل في أجور ورواتب مدفوعة للعمال وللإدارة، وأرباح يحصل عليها المستثمرون الذين يحولون الاستثمارات في الآلات والعُدد ومهمات رأسمالية أخرى إلى سلع وخدمات.
وتمثل هذه الأجور والرواتب وصيغ الدفع الأخرى التي يتسلّمها العمال والمستثمرون دخولاً لهم يستخدمونها لشراء السلع والخدمات. وهكذا فإن أفراد المجتمع الواحد يؤدون دوراً مزدوجاً في عملية الإنتاج، من ناحية كعوامل إنتاج تتسلّم دخلاً من مشروعات الإنتاج. ومن ناحية أخرى كمستهلكين ينفقون دخولهم في شراء السلع والخدمات التي تنتجها المشروعات.
ويقوم قطاع الأعمال بتوظيف ما يحصل عليه من القطاع المنزلي من خدمات عوامل الإنتاج في إنتاج سلع وخدمات. ثم يعرض ما أنتج من هذه السلع والخدمات على القطاع المنزلي ليحصل مقابل ذلك على إيرادات تتمثل بما ينفق القطاع المنزلي على مشترياته من السلع والخدمات وهو التدفق الخارجي الظاهر في الجزء الأسفل من الشكل.
يتفق الاقتصاديون على أن هناك ستة متغيرات أساسية يمكن من خلال متابعتها تكوين فكرة كافية حول مستوى النشاط الاقتصادي لاقتصاد ما. وهي تصوّر حالة الاقتصاد الكلي. وإذا ما أريد معرفة حالة الاقتصاد، وهل هو في وضع جيد أم لا، فإن ذلك يتوجب معرفة المتغيرات الستة الآتية وتحليلها:
ـ الناتج المحلي الحقيقي, نسبة البطالة,نسبة التضخم, معدل الفائدة, مستوى سوق الأسهم, سعر التبادل.
ويعدّ المؤشران الأول والثاني الأكثر أهمية بين جميع المؤشرات الأخرى لأنهما يرتبطان مباشرة بمستوى رفاهية الفرد.
إن جزءاً كبيراً من النشاط الاقتصادي يُفترض أن يُوجّه نحو المستقبل، فالدول عندما تستثمر في بناء مصنع جديد أو تستثمر في البنى التحتية، أو تحسين مستوى التعليم أو الإنفاق في مجال البحث والتطوير، فإنها في ذلك تدفع باتجاه تحفيز الإنتاجية على مستوى الاقتصاد الوطني. وعلى أساس هذه النظرية يمكن احتساب أن تطور مستوى المعيشة standard of living هو نتيجة لاستثمارات سابقة.
سبق التطرق إلى أطراف أي نشاط اقتصادي في اقتصاد السوق ، وظهر أنه يتكون من جانبين هما القطاع المنزلي (أو الأفراد)، وقطاع الأعمال، ولكن في الاقتصادات الحديثة تدخل الدولة لتكون عاملاً مهماً في اتخاذ القرارات، ولها أهمية كبيرة سواء من حيث كونها مهتمة بالنشاط الإنتاجي أم النشاط الاستهلاكي.
ويُصنّف النشاط الاقتصادي في نشاط إنتاجي أو خدمي، أو نشاط في قطاعات التوزيع. وقد يُصنف النشاط الاقتصادي في أكثر مما تقدم لتكون قطاعاته كالآتي:
ـ الزراعة والغابات والصيد, الصناعة الاستراتيجية, الصناعة التحويلية, الإنشاءات, الماء والكهرباء, الخدمات, التوزيع.
أما تصنيف النشاطات الاقتصادية في المنظور الاشتراكي فيقسم وفقاً لمجال الإنتاج المادي، وهو يغطي النشاطات التي تخلق سلعاً مادية أو نشاطاً في العمليات الإنتاجية ومجال النشاطات غير الإنتاجية التي تؤلف مجال الخدمات
الفرع الثاني: دور الاستهلاك في النشاط الاقتصادي
ويمكن النظر إلى الاستهلاك على أنه الهدف أو الغاية الأساسية لكل النشاطات الاقتصادية. ووللاستهلاك دور أساسي في تركيب البنيان الاقتصادي وفي تحريك العجلة الاقتصادية، إذ إن الاستثمارات وفرص العمل هما أمران متعلقان بحجم الطلب الكلي على السلع والخدمات [3].
يعتبر الاستهلاك أحد أهم مكونات الناتج الوطني الإجمالي. فهو يأتي على جانبي المعادلة حيث يعتبر دخلا وإنفاقا عند قياس الناتج الوطني الإجمالي. ومن هذا المنطلق فإن استهلاك فرد (إنفاقه) يعتبر دخلا لفرد آخر. ويعتمد الاستهلاك بشكل كبير على عوامل عدة لعل من أهمها الدخل، وفي هذه الحالة فإن الدخل يقسم إلى استهلاك وادخار. وفي الحالات التي يكون فيها الدخل منخفضا يستهلك الفرد أو العائلة مجمل هذا الدخل أو كله. أما عند زيادة الدخل فإن النسبة الموجهة من هذا الدخل تبدأ في الانخفاض. وقد بينت الدراسات الإحصائية أن نسبة الاستهلاك الإجمالي لبعض المجتمعات تصل إلى ما يقارب ٩٠٪ من الدخل ويذهب الباقي إلى الادخار. وتختلف نسبة الادخار والاستهلاك من مجتمع إلى مجتمع، فبعض المجتمعات يميل أكثر إلى الاستهلاك وبعضها ترتفع نسبة الادخار لديها. ولا يمكن أن نغفل أن للاستهلاك أهميته في النمو الاقتصادي، حيث إن زيادة الاستهلاك وخصوصا للسلع المعمرة يشجع على الإنتاج والذي بدوره يشجع على زيادة العمالة وخلق أعمال جديدة. كما أن الادخار الذي في الغالب يوجه للاستثمار يؤدي إلى تشجيع الاستثمارات والتي بطبعها تكون طويلة الأجل وهو ما يزيد في التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي وفي أثناء الازدهار الاقتصادي تتوفر فرص العمل، ويزداد حجم الإنفاق بأنواعه الاستهلاكي والاستثماري وينمو تبعا لذلك الحجم الحقيقي للناتج الوطني الإجمالي. ولا يمكن أن نغفل أنه في أي اقتصاد تكون هناك فترات ازدهار وتعقبها فترات كساد وهكذا أو ما يسمى بالدورات الاقتصادية، ففي فترات الكساد يتباطأ معدل نمو كل من الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الاستثماري، الأمر الذي يؤدي إلى انعدام الفرص الجديدة للعمل، وهو ما يؤدي إلى زيادة نسبة البطالة، وقد تحدث أزمات مالية تؤدي إلى فقدان البنوك، وأسواق رأس المال مقدرتها على أداء دورها بنجاح، وهذا قد يؤدي إلى انخفاض الأرباح وتعثر أسعار الأوراق المالية، هذا بالإضافة إلى انخفاض مستويات الإنتاج الوطني الإجمالي الحقيقي عن المستويات الممكن تحقيقها. وفي كل الأحوال تتعاقب الموجات المتتالية من حالات الانتعاش الاقتصادي والتدهور (الكساد) والذي معه يصبح من الأهمية بمكان تحديد المستوى الذي يجب أن ينمو إليه الإنتاج الوطني الحقيقي بحيث يتحقق مستوى التوظيف الكامل عن طريق استخدام السياسة المالية والنقدية المناسبة في كلتا الحالتين. إن من المهم التمييز بين الادخار والاستثمار بين العوامل المؤثرة في كل منهما، وهذا يعتبر أمرا حاسما ومهما بالنسبة للمحللين الاقتصاديين، حيث إن بعضهم يرى أن الاستثمار يؤدي الدور الأهم في النمو الاقتصادي وأنه الأكثر عرضة للتقلب بسبب التغير في توقعات المستثمرين وتعدد العوامل التي يمكن أن تؤثر في هذه التوقعات. وإلى جانب تأثير الدخل على الإنفاق الاستهلاكي هناك عوامل أخرى كثيرة يؤثر كل منها بدرجة ما على هذا الإنفاق، مثل مقدار الثروة التي يمتلكها الفرد، عمره وحالته الاجتماعية، توقعاته المستقبلية بالنسبة للأسعار والدخل المستقبلي، العادات والتقاليد السائدة في المجتمع (أو ما يعرف بالذوق) ومع ذلك فإن الاقتصاديين يعطون للدخل أهمية تفوق أهمية العوامل الأخرى، فقد أثبتت الدراسات التطبيقية أن حجم الإنفاق الاستهلاكي يتناسب طرديا مع حجم الدخل المثالي مع بقاء العوامل الأخرى على حالها. كما يجب التنبيه إلى اختلاف الأفراد في سلوكهم وعاداتهم الاستهلاكية والادخارية عند مستويات الدخول المختلفة. هذا بالإضافة إلى اختلاف الأفراد فيما بينهم من حيث التزامهم واتباعهم بعض العادات والتقاليد الاجتماعية مثل التقليد والمحاكاة. .
الخــــــــاتــمـة
تمثل الحاجة الواعز الأساسي للنشاط الاقتصادي حيث يسعى الإنسان لتلبيتها عن طريق الإنتاج. فلا وجود لإنتاج بدون توفّر الحاجة إلى تلك السلع سواء كان ذلك لدى نفس الشخص أو لدى باقي أفراد المجتمع ومن هنا يمثّل الاستهلاك أهمّ ركائز النشاط الاقتصادي.
المراجع:
د/السيد عبد المولى, أصول الاقتصاد, دار النهضة العربية, بيروت.1997.
رابط المصدر: