ما بعد شمخاني: دلالات إقالة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وتداعياتها

محمد الزغول

 

في 22 مايو 2023، أذاعت وسائل إعلام إيرانية خبر استقالة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الأدميرال علي شمخاني، من منصبه، الذي شغله نحو عشرة أعوام. ويُعدُّ “المجلس الأعلى للأمن القومي” إحدى المؤسسات السياديّة الرئيسة في إيران، وقد أنيطت به مهام جسيمة على مرّ العقود الماضية، سواء على صعيد السياسة الداخلية، أو على صعيد السياسة الخارجية.

 

وقد حظي هذا التغيير الذي طال موقعاً حسّاساً في هرم السلطة باهتمام كبير في المجال السياسي الإيراني؛ حيث خصصت الصحف عناوينها الافتتاحية لدراسة خلفيات وتداعيات التعيين الذي من المفترض أن يترك أثراً في سلوك طهران إزاء العديد من الملفات. مع ذلك، لا يمكن القول بأن هذا التغيير كان مفاجئاً؛ فقد جاء بعد سلسلة محاولات غير ناجحة سابقة من جانب بعض القوى لإبعاد شمخاني عن منصبه.

 

خلفيّات إقالة شمخاني: الأسباب الهيكليّة والمباشرة

عكست مواقف الحكومة الإيرانية خلال العامين الماضيين رغبة رئيسها، إبراهيم رئيسي، الذي يرأس بحكم منصبه أيضاً “المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني”، بإقالة أمين “المجلس الأعلى”، الأدميرال علي شمخاني، واستبداله بوجه آخر مقرب من رئيس الجمهورية. وتعود هذه الرغبة في جزء أساسي منها إلى تنازع الصلاحيات داخل هرم السلطة الإيراني؛ إذ ينظر رئيس الجمهورية إلى المجلس باعتباره ذراعاً تابعاً لصلاحياته بحكم الدستور، وبحكم كون رئيس الجمهورية فإنه أيضاً رئيس “المجلس الأعلى”، لكنّ “المجلس الأعلى” يتمتع مع ذلك، بصلاحيات يمكن أن تُخلّ بقوة الحكومة، ورئيسها في معالجة بعض الملفات. ولطالما رأى شمخاني الذي يُعيّن عمليّاً بإرادة القائد الأعلى علي خامنئي، أن “المجلس الأعلى” ليس مؤسسة تابعة للحكومة، بمقدار ما هو مؤسسة سياديّة رديفة للحكومة، وتحتل مكانة أعلى منها في بعض الأحيان، وذلك بالنظر إلى كونها مؤسسة تعمل تحت عباءة القائد الأعلى، وإشرافه المباشر.

 

وأظهرت تطورات تاريخية أن خلافاً بين “المجلس الأعلى” والحكومة يمكنه أن يُضعِف من تأثير الحكومة وفاعليتها في العديد من الملفات؛ فعلى سبيل المثال، أدّى الخلاف بين رئيس الجمهورية الأسبق، أحمدي نجاد، وأمين “المجلس الأعلى” السابق، علي لاريجاني، حول الملف النووي إلى إبعاد الحكومة عن التأثير في هذا الملف السيادي لعدّة سنوات، قبل أن يُعادَ الملف لاحقاً إلى دائرة صلاحيات الحكومة في عهد الرئيس حسن روحاني في خطوةٍ اعتُبرت آنذاك، تمهيداً من جانب النظام، للدخول في مفاوضات الاتفاق النووي لعام 2015.

 

ولا يتعلّق الأمر فقط بتنازُع الصلاحيات، بل إن شخصيّة شمخاني السياسية، وموقعه التاريخي في نظام الجمهورية الإسلامية، أدَّيا دوراً في رغبة الحكومة باستبداله؛ فالأوساط المقربة من الحكومة، رأت في شمخاني لاعباً سياسيّاً مُقرّباً من الأوساط المعتدلة في النظام الإيراني. كما رأت فيه نِدّاً سياسيّاً لرئيس الحكومة، وشخصية وازِنةً، قد لا ترى أنّ من شأنها أنْ تكون تابعةً لمواقف الحكومة، ومُنقادةً لها.

 

ويُعدُّ شمخاني شخصية مرموقة، ولها وزن مهمّ في المجال السياسي الإيراني، إذ شغل مناصب سياديّة عديدة: إذ كان وزيراً للحرس الثوري، وقائداً لبحرية الحرس، ثم قائداً عاماً للقوات البحرية الإيرانية، ثم وزيراً للدفاع في حكومة محمد خاتمي، ثم ممثلاً للقائد الأعلى في “المجلس الأعلى للأمن القومي”، ثم أميناً عاماً للمجلس. وهو ما قد يخلق لديه رغبة في ترك بصمته الخاصة على مجريات الأمور، وعدم الانقياد لأجندة معينة.

 

وفي سياق تنافُس القوى السياسية على التأثير في الملفات السيادية، شنَّت “جبهة الصمود” التي تمثل الجناح الأكثر تشدُّداً ضمن التيارات المحافظة، وأقربها إلى “الحرس الثوري”، خلال العامين الماضيين، أكثر من هجمة ضدّ علي شمخاني. وجاءت أهم هذه الهجمات على خلفية احتجاجات العام الماضي، إذْ رأى رموز الجبهة أنّ شمخاني يُبدي تهاوناً مع المحتجين؛ حيث سعى إلى رأب الصدع بين المحتجين والنظام، من خلال إقامة اجتماعات تشاورية مع مختلف القوى السياسية، بما فيها القوى الإصلاحية المنبوذة من قبل التيار المحافظ المتشدّد. وفي تلك الأثناء طالب حميد رسائي، الذي يعتبر من رموز “جبهة الصمود”، صراحةً بإقالة شمخاني، بل وإحالته إلى المحاكمة.

 

وفي المقابل، اتّهمت “وكالة نور للأنباء” المقربة من علي شمخاني، “جبهة الصمود” بالوقوف خلف محاولة إزاحة شمخاني، لتعيين وجوهٍ مقربةٍ منها، لخلافة الرجل في المنصب، مثل: الجنرال أحمد وحيدي، وزير الداخلية في حكومة رئيسي، والزعيم اليميني المتشدّد سعيد جليلي.

 

وقُبيل الإعلان عن توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في بيجين، شهد المجال السياسي الإيراني محاولة أخرى للإطاحة بشمخاني، والتمهيد لإبعاده، وذلك بعد الكشف عن إعدام علي رضا أكبري بتهمة التخابر لصالح أجهزة المخابرات البريطانية؛ حيث ركزت الصحافة المقربة من الحرس الثوري، و”جبهة الصمود” على علاقات أكبري بشمخاني، إذ كان أكبري مُساعِد شمخاني حينَ كان الأخير وزيراً للدفاع، وكان أيضاً مستشاره حين تولى منصب أمين “المجلس الأعلى”. وشهدت الأسابيع القليلة الماضية أيضاً حملة أخرى ضدّ شمخاني استهدفت السلوك التجاري لأسرته، حيثُ عرضت وثائق، وصفتها الصحافة بأنها حساسة، ولا يمكن الحصول عليها إلّا عبر مصادر مُرتبطة بالسلطة.

 

ولا شكّ أنّ طبيعة “المجلس الأعلى للأمن القومي” باعتباره مؤسسة سيادية ذات صلاحيات واسعة في ملفّات حسّاسة عديدة، زادت خلال الأعوام العشر الماضية من وزن شمخاني السياسي في هرم السلطة الإيراني. وعلى الرغم من أن رئيس الجمهورية السابق، حسن روحاني، كان قد أخرج صلاحيات التفاوض بشأن “الملف النووي” من دائرة صلاحيات “المجلس الأعلى”، ونقلها إلى وزارة الخارجية الإيرانية تمهيداً للمفاوضات التي قادت إلى اتفاق 2015، لكنّ المجلس بزعامة شمخاني، ظلّ يحتفظ بهيمنة سياسيّة واضحة على الملف النووي. كما أنيطت بالمجلس الأعلى، صلاحيات واسعة في ترتيب العلاقات الخارجية مع روسيا والصين (باعتبارها إحدى أولويات السياسة الخارجية للدولة العميقة)، ثم جاء نجاح شمخاني الأخير في إدارة ملف الحوار الإقليمي ليزيد من وزن المجلس الأعلى، ويُسلِّط الضوء على دوره، وإمكاناته الدبلوماسية، وذلك على حساب تراجُع القيمة الدبلوماسية للخارجية الإيرانية. كما أن هنالك فارقاً جوهريّاً بين أولويّات الدولة العميقة في عهد روحاني، وأولويّاتها في عهد رئيسي؛ ففي زمن روحاني كانت الأجندة الحكومية غير منسجمة مع أجندة الدولة العميقة، فاضطرت الأخيرة إلى فتح المجال أمام مؤسسات بديلة لتسيير الشؤون الدبلوماسية وفق أجندتها، وعملت بشكل ممنهج على تهميش دور وزارة الخارجية في العديد من الملفات. وامتدّ أثر هذه الأولويات إلى عهد رئيسي على الرغم من قربه من الدولة العميقة، وانسجامه مع أجندتها. وغابت وزارة الخارجية خلال العام الماضي عن غالبية الملفات الأساسية، وأسهم في تعزيز هذا الغياب ضعفُ وزيرها أمير عبد اللهيان.

 

وربما رأت حكومة رئيسي، ووزارة خارجيتها المقربة من الدولة العميقة أنّ الوقت قد حان لإعادة المياه إلى مجاريها. وترافق ذلك مع رغبة مؤسسات الدولة العميقة التي كانت قد وظفت شمخاني، و”المجلس الأعلى” سابقاً لتسيير أجندتها، لكنّها أضحت مقتنعة بأنّ أجندة “المجلس الأعلى” باتت مختلفة جزئيّاً عن أجندتها. وعلى سبيل المثال، ظهر تباينٌ في المواقف بين “المجلس الأعلى” و”الحرس الثوري” حول مقترح جوسيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، بشأن المفاوضات النووية في مايو 2022؛ إذ عارضت الحكومة المقترح، وعارضه “الحرس الثوري”، لكن أيَّده أمين “المجلس الأعلى”.

 

ويُمكِن ملاحظة مثل هذا التباين بين الأجندة التي يطبقها أمين “المجلس الأعلى” والأجندة التي تواصل تطبيقها حكومة المحافظين (أو على الأقل تلك الأجزاء من الأكثر تشدداً منها، والأقرب إلى الحرس الثوري) على صعيد العلاقات الإقليمية، حيث رأت مجموعات من المحافظين أنّ التقارب الإيراني السعودي جاء على حساب نفوذها الإقليمي، وعلى حساب تراجُع ملفات تعتبر من صلاحياتها، فلم تبارك اتفاق بيجين، أو على الأقلّ لم تتحمّس له، كما فعل شمخاني، ومعه مجموعة من المستشارين المقربين من القائد الأعلى، علي خامنئي.

 

في دلالات تعيين الجنرال أحمديان ودوافعه

في حين كانت التوقعات تُسير إلى تعيين وجه بارز مثل سعيد جليلي، أو برويز فتاح، أو أحمد وحيدي، خلفاً لشمخاني في أمانة “المجلس الأعلى”، فإن الاختيار الذي وقع الجنرال علي أكبر أحمديان شكّل مفاجأة؛ إذ لا يعتبر أحمديان من وجوه الصف الأول في “الحرس الثوري”، ولا يُعرَف عنه كذلك سوابق نشاط في المجال السياسي الإيراني، على الأقل في الصفوف الأولى. مع ذلك بدا هذا الاختيار منطقيّاً من عدة وجوه؛ إذ يعد أحمديان من أقدم قادة “الحرس الثوري”، وسبق أن عُيِّنَ في 1985 قائداً لأركان القوات البحرية التابعة للحرس الثوري، ليحتل بعد ذلك منصب نائب قائد القوات البحرية للحرس بين 1990 حتى 1997. وفي عام 1997 خلف الرجل الأدميرال شمخاني في منصب قيادة القوات البحرية التابعة للحرس الثوري، قبل أن تُحال إليه في عام 2000، مهمة قيادة الأركان العامة للحرس الثوري حتى عام 2007. ومنذ 2007 شغل الجنرال أحمديان منصب رئيس المركز الاستراتيجي التابع للحرس الثوري؛ ما جعل الرجل يغيب عن دائرة الأضواء، باعتبار أن المركز مؤسسة بحثية تُعني بالتخطيط والدراسات، وتقع على عاتقها مهمة تدوين استراتيجيات الحرس الثوري العسكرية.

 

وبالنظر إلى السيرة الذاتية، والمناصب السابقة، يمكن اعتبار الجنرال أحمديان قائداً من المستويات العميقة للحرس الثوري، كما يمكن اعتباره منظّراً لاستراتيجيات الحرس الثوري العسكرية والأمنية. وأخيراً تربط الجنرال أحمديان علاقات قوية بجيل من قادة الحرس الثوري (مثل الجنرال كوثري، والجنرال أمير آبادي، والجنرال ذو النوري) ممّن يُعتبرون من الوجوه البارزة لـ “جبهة الصمود” في البرلمان الإيراني.

 

وبذلك، فإن خطوة استبدال شمخاني بأحمديان، يمكن وصفها بخطوة في سبيل تنفيذ ما أطلق عليه علي لاريجاني “استراتيجية التخليص”، مؤكداً أن تيارات متشدّدة من المحافظين، تُمارسها من أجل الاستحواذ الكامل على السلطة، وإنهاء أيّ وجود للوجوه التي لا تنضوي تحت رايتهم. وفي نفس الوقت، فإنها تخدم رغبة الحكومة في سبيل ترويض “المجلس الأعلى”، وإعادته إلى دائر صلاحيّاتها، بعد أن خرج منها ليقيم في دائرة صلاحيات مكتب القائد الأعلى طيلة الأعوام الماضية.

 

وبهذا المعنى، فإن تعيين الجنرال أحمديان يُشير إلى حلٍّ توافقي، يؤمِّنُ مصالح تحالفٍ صاعدٍ بين الحكومة، و”جبهة الصمود” المتشددة، وتُفيد مؤشرات أوليّة إلى أنّ هذا التحالف، يطمح إلى تحقيق مزيد من المكتسبات، إذ يرجح المراقبون أن يعمل هذا التحالف على إقصاء نائب الرئيس الإيراني محمد مخبر الذي يُنظرُ إليه بوصفه شخصية مفروضة على الحكومة من طرف القائد الأعلى. كما قد يَعمل هذا التحالف على تحجيم طموحات رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف السياسية، من خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستُجرى في غضون تسعة أشهر. ويبدو أن طرفيّ هذا التحالف يتكوّنان من الحكومة، مع جزء مؤثر من الدولة العميقة يتمظهر سياسيّاً بـ “جبهة الصمود”، في مواجهة مجموعة من كبار المستشارين والموظفين الذي يجمعهم معاً، قُربهم من مكتب القائد الأعلى علي خامنئي، أو ما يُعرف اصطلاحاً في إيران بـ “بيت القائد”.

 

حدود التغيير المُتوقَّع في بُنية القرار، والسياسات الإقليمية

يُعدّ “المجلس الأعلى للأمن القومي” مؤسسة سياديّة ذات نظام متكامل، ويعكس تكوينها تمثيلاً لمختلف مراكز صنع القرار السيادي الإيراني؛ إذْ يتشكّل “المجلس الأعلى” من نحو 15 شخصاً، يمثلون مختلف مراكز القوة في النظام. لكنّ شخصيّة “أمين المجلس” تبدو مركزيةً في التعبير عن توجُّهاته، وطبيعة الموقع الذي يحتله في عمليّة صنع القرار.

 

وأظهرت تطورات العقود الماضية أنّ احتلال منصب أمين المجلس، يمنح الأمين موقعاً متميِّزاً في الهرم السياسي الإيراني. كما تمنحه دوراً مركزيّاً في عمليّة القرار، سواء داخل “المجلس الأعلى” نفسه، أو في بُنية النظام السياسي بشكل عام. ومن هذا المنطلق، فإنّ أيَّ تغييرٍ في المنصب، يتركُ أثراً مباشراً في سلوك المجلس، وطبيعة قراراته، كما يترك أثراً في خريطة توزيع القوة داخل النظام.

 

وإذ كان علي شمخاني يُعدّ من ضمن قادة “الحرس الثوري”، لكنّه ينتمي إلى جيلٍ القادة المؤسسين الذين غادروا مؤسسة “الحرس الثوري” على مرّ العقدين الماضيين، ولا يمكن اعتبار شمخاني بطبيعة الحال جزءاً من التركيبة المؤثرة حاليّاً في صياغة قرار مؤسسة “الحرس الثوري”. وذلك على العكس تماماً من أحمديان الذي ينتمي إلى الجيل الجديد من قادة “الحرس”. وبناء على ذلك، فإن قرار تعيين أحمديان أميناً لـ “المجلس الأعلى”، يبدو أشبه بعمليّة توسُّعٍ داخليّةٍ جديدة للحرس الثوري، إذْ من المرجّح بعد هذا التعيين أنْ يُصبِح “المجلس الأعلى” أكثر انسجاماً مع أجندة “الحرس”، خصوصاً أنّ أحمديان (خلافاً لأمناء المجلس السابقين الذين كانوا يُعدون رجال سياسة رغم خلفياتهم العسكرية) رجل عسكريّ صرف، ويمثّل وجهة نظر “الحرس الثوري” فقط. ومن هذا المنطلق، يبدو مرتقباً جدّاً أن تلتزم القرارات المستقبليّة الصادرة عن “المجلس الأعلى”، وكذلك أنشطته الإقليمية، بأولويات “الحرس الثوري”، وتعمل على تعزيز صلاحياته في الملفات الإقليمية.

 

وفي هذا السياق، تبدو خبرة أحمديان ذات مغزى واضح الدلالة على تكريس نهجٍ مُعيّن في السياسة الإقليمية الإيرانية؛ إذ يُعرَفُ أحمديان بأنّه مُبتَكِرُ، ومُطوِّرُ أسلوب الحروب غير المتكافئة في بحرية الحرس الثوري على مر العقود الثلاثة الماضية، قبل أنْ تُتاح له فرصة تعميم هذه الاستراتيجية في قوات “الحرس الثوري” الأخرى. ومن الطبيعي أنْ ننتظر بروز توجُّهات من “المجلس الأعلى” خلال فترة مسؤولية أحمديان، تتناسب مع هذه الاستراتيجية، وتدعمها. ودعمت هذه الاستراتيجية حضور “الحرس الثوري” في مياه الخليج، من خلال إنتاج الكثير القطع البحرية الصغيرة، والسريعة، فيما عُرفَ بـ “أسراب الدبُّور” في قواته البحرية. كما دعمت توجه “الحرس” نحو تطوير الطائرات المسيرة، ومختلف الأسلحة الأخرى الملائمة لنموذج الحرب غير المتناظرة. وبعبارة أخرى، بينما شهدنا خلال الشهور الماضية مشاركة “المجلس الأعلى” لرأب الصّدع الإقليمي في منطقة الخليج، ومحاولةً لإدارة ملفات تعد من صلاحية “الحرس” فإن الفترة المقبلة ستشهد على الأرجح إعادة ملف العلاقات مع الخليج لتتبع أجندة “الحرس الثوري”.

 

وبالنّظر إلى حقيقة أنّ أحمديان يُعدُّ رجلاً عسكريّاً صرفاً، لا يتمتع بخبرة سياسية، وليس له مكانة مرموقة في المجال السياسي، فمن المرجّح أن يتّخذ نهجاً مُختلفاً عن سلفه شمخاني؛ بحيث يستجيب أكثر إلى رغبة “الحرس الثوري” بالهيمنة على الملفات الإقليمية، ورغبة الحكومة بترويض “المجلس الأعلى” الذي كان قد خرج عن دائرة صلاحيات الحكومة خلال السنوات الماضية، بحكم شخصية أمينه العام.

 

ونظريّاً، يُفترض أنْ يؤدي هذا التعيين على الصعيد الداخلي إلى تناغُم أكبر بين مواقف الحكومة ومواقف “المجلس الأعلى” في مختلف الملفات. أما على الصعيد الإقليمي، فيُفترضُ أنْ يؤدي إلى إخراج مُنافسٍ قويٍّ، من دائرة تنافس مراكز القوة، على إدارة الملفّات الإقليميّة. وبينما كانت المرحلة السابقة تتسم بازدواجية في مراكز صنع القرار الدبلوماسي (وخصوصا الإقليمي)، فإن المرحلة المقبلة سوف تُنهي هذه الازدواجية، عبر تحييد “المجلس الأعلى” من دائرة القرار الإقليمي الفعال، وتعيده إلى “الحرس الثوري” المهيمن على الملفات الإقليمية. ومن الناحية الإجرائية قد يعمل هذا التغيير على إبطاء مسار التقارُب السعودي-الإيراني، لأنه يجعل فرص التوافق السعودي-الإيراني حول الملفات الإقليمية أكثرَ صعوبةً.  لكنه في المقابل، يجعل أي توافق يمكن التوصل إليه مع الجانب الإيراني (متمثلاً في الحكومة ومجلس الأمن القومي) توافقاً قويّاً، لأنه يُعبِّر عن حالة إجماعٍ داخل النظام الإيراني بين الحكومة، و”الحرس”، و”المجلس الأعلى”، بخلاف الفترة الماضية.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/brief/ma-baad-shamkhani-dalalat-iqalat-amin-almajlis-al-ala-lil-amn-alqawmi-al-irani-watadaeiatuha

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M