سمير رمزي
تَجَنَّبت أغلب الحركات المُسلحة السودانية الانخراط العلني في الاشتباكات التي بدأت في 15 أبريل 2023، بين قوات الجيش والدعم السريع، ودعت، كلاً على حدة، طرفي القتال إلى إيجاد تسوية سياسية للأزمة، وإيجاد حل توافقي لترتيبات دمج قوات الدعم السريع في هيكل قيادي وعملياتي موحَّد مع الجيش، بعد أن تسببت تناقضات طرفي القتال حيال هذه القضية في اندلاع الحرب الراهنة.
ولعوامل تتعلق بامتلاك الحركات لقدرات عسكرية تتيح لها التدخُّل في المواجهات المُسلحة، يعد موقفها من النزاع أحد أبرز العوامل التي قد تنعكس على مستقبله. وفي هذا الإطار، تُركِّز الورقة على تحليل المواقف الحالية للحركات المسلحة القريبة جغرافياً من المواجهات المستمرة بين قوات الجيش والدعم السريع، وتستكشف مستقبل توجهاتها حيال الصراع بينهما.
الوضع الراهن للصراع
بعد مرور نحو ستة أسابيع من اندلاع النزاع المُسلح، صَعَّبت التطورات العسكرية من احتمال لجوء الحركات المُسلحة إلى دعم أحد طرفي القتال بشكل علني، بسبب صعوبة الرهان على أن أحدهما يستطيع حسم المواجهة العسكرية في المدى القريب، لاسيما في الأماكن التي توجد بها الحركات المسلحة بشكل مكثف، والواقعة في إقليم دارفور.
وفي مقابل سيطرة الجيش السوداني شبه الكاملة على ولايات شرق السودان التي يكاد ينعدم بها تواجُد الحركات المُسلحة، تنخفض نسبة سيطرته على الأوضاع الميدانية في الخرطوم وإقليم دارفور، غرب البلاد، مقارنة بقوات الدعم السريع، التي تُسيطر على عدد من مقار الحُكم في العاصمة، مثل القصر الرئاسي وهيئة الإذاعة والتليفزيون.
وتتركز المواجهات المُسلحة إلى حد بعيد في العاصمة، وبعض مناطق ولايات جنوب دارفور وغربه، حيث تحاول قوات الجيش السيطرة على الحدود الغربية للبلاد، بعد أن أشارت تقارير إخبارية إلى استخدامها من جانب الدعم السريع في الحصول على امدادات لوجستية قادمة من الخارج، كما تعد مناطق غرب السودان المصدر الرئيس لإمدادات قوات الدعم الموجودة بالخرطوم، نظراً لأنها تُمثِّل نقاط تمركزها التقليدية.
وعلى رغم التوازن النسبي في الموقف الميداني لطرفي النزاع، لا توجد مؤشرات كافية على اتجاههما للبحث عن تسوية سياسية نهائية للأزمة، وعلى العكس، تباطأت خطوات الوساطات الخارجية التي رمت إلى دفع الطرفين لتسوية الأزمة، وأكَّد الجيش السوداني أن توقيعه على مبادرة لوقف إطلاق النار بوساطة ورقابة أمريكية-سعودية جاء لدوافع إنسانية، ولا يتعلق بهدفه من النزاع، والذي يتمثل في إخضاع الدعم السريع للدمج في الجيش بشكل فوري، فيما تتمسك الأخيرة بتنفيذ عملية الدمج بشكل تدريجي، ضمن إصلاحات شاملة في المؤسسة العسكرية.
مواقف الحركات المسلحة من صراع الجيش والدعم السريع
بسبب ضعف مؤسسات الدولة السودانية تاريخياً، يوجد في السودان عشرات المجموعات المُسلحة (حيث تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 87 حركة مسلحة في عموم البلاد، 84 منها في منطقة دارفور وحدها)، ولجأت السلطات عقب الإطاحة بنظام البشير في أبريل 2019، إلى دعوة عدد محدد منها للتفاوض على إعادة توزيع السلطة والثروة، وتعد هذه الحركات محل التركيز الرئيس في هذا المحور، ولعل أبرزها هي الحركات الموقِّعة على اتفاق سلام جوبا في أكتوبر 2020، والتي مُنحَت نسبة تمثيل في السُلطة الانتقالية، كما أقر الاتفاق خطة لدمج مقاتليها في صفوف الجيش السوداني.
وعلى رغم غياب أي إحصاءات دقيقة عن أعداد مقاتليها، فإن هناك بعض المؤشرات على امتلاك حركات اتفاق جوبا لآلاف المقاتلين على أقل تقدير، وأشار تقرير صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة في يناير 2021 إلى أن حركة مثل تحرير السودان (مناوي) قد جَنَّدَت 3000 مقاتل بين عامي 2019 و2020.
وإلى جانب حركات اتفاق جوبا، سعت السلطات السودانية عقب الإطاحة بالبشير إلى التفاوض مع أكبر حركتين مُسلحتين بالبلاد، وهما تحرير السودان (عبد الواحد النور)، والحركة الشعبية (عبد العزيز الحلو)، وتعثَّرت هذه المساعي، مع وجود اتفاق ضمني مع الحركتين على وقف الأعمال العدائية، يُختَرَق من حين لآخر.
وتتفاوت حسابات الحركات القريبة من بؤر الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، وذلك على النحو الآتي[1]:
1. مواقف الحركات المُسلحة الموقِّعة على اتفاق جوبا
بسبب تباين موقفها من العملية السياسية، تنقسم الحركات الموقِّعة على اتفاق جوبا، في الوقت الحالي، إلى ثلاث مجموعات رئيسة: تضم الأولى الحركات المسلحة الأكبر عدداً، وتنطوي تحت تحالف الكتلة الديمقراطية، ويعد أبرزها حركتي العدل والمساواة (جبريل إبراهيم)، وتحرير السودان (أركو مناوي)، وتقع أغلب قواتهما في شمال إقليم دارفور وغربه. وانحازت الكتلة الديمقراطية قبل اندلاع النزاع إلى رؤية قادة الجيش لترتيبات الإصلاح العسكري والأمني، وأيَّدت مطلبه الخاص بخضوع الدعم السريع لقيادته المباشرة.
وتميل مجموعة ثانية من الحركات إلى دعم رؤية قادة الدعم السريع حيال عملية الإصلاح العسكري، ويُمثِّل هذه المجموعة تحالف الجبهة الثورية، الذي يضم حركات تحرير السودان (المجلس الانتقالي) بقيادة الهادي إدريس، وتجمع قوى تحرير السودان (الطاهر حجر)، وتوجد قواتهم كذلك في إقليم دارفور. وهم حلفاء لمجموعة المجلس المركزي للحرية والتغيير، والتي مثَّلت خلال المرحلة الانتقالية الرافد الرئيس للمكون المدني بالسُلطة.
وانبثقت المجموعة الأخيرة من الحركات المسلحة من انشقاق مجموعة منها عن الجبهة الثورية، بسبب الاختلاف معها حول الموقف من تطورات العملية السياسية، وتشمل هذه المجموعة الحركة الشعبية (مالك عقار)، التي يوجد عناصرها في ولاية النيل الأزرق جنوب البلاد، كما تضم حركة تحرير السودان (خميس أبكر) التي توجد بشكل رئيس في دارفور، إلى جانب حركة كوش بشمال البلاد.
ورغم هذه التباينات، تتفق مصالح جميع الحركات المسلحة المذكورة على هدف تحييد اتفاق جوبا عن النزاع المُسلح بين الجيش والدعم السريع، وتجنَّبت جميعها التدخل فيه بشكل علني، لما قد ينتج عن هذا من مخاطر. فمن جهة، قد يقود تحالف الحركات مع قوات الجيش إلى وقوع حرب أهلية واسعة في إقليم دارفور، نظراً للخلافات التقليدية بين القبائل الإفريقية التي تنتمي لها الحركات المسلحة، والقبائل العربية التي ينتمي لها أغلب أعضاء الدعم السريع.
ومن جهة أخرى، قد يقود انحياز الحركات المسلحة للدعم السريع إلى تخلي قادة الجيش عن اتفاق جوبا، والتراجُع عن منح قادة الحركات المسلحة مناصب مختلفة في هيكل السُلطة الانتقالية بموجب الاتفاق، وذلك بعد أن عُيِّن كلٌّ من مالك عقار والطاهر حجر والهادي إدريس في مجلس السيادة السوداني، على غرار ممثلي المكون العسكري. كما مُنِح جبريل إبراهيم وأركو مناوي وأحمد بادي (حركة مالك عقار) مناصب وزير المالية، وحاكم إقليم دارفور، وحاكم النيل الأزرق على الترتيب. وعُينِّ كذلك نمر عبد الرحمن القيادي بحركة المجلس الانتقالي والياً لشمال دارفور، بينما كُلِّف خميس أبكر بولاية غرب دارفور.
وأظهر سلوك قادة الحركات المسلحة عقب اندلاع النزاع بين الجيش والدعم السريع مدى تمسُّكهم بهذه المناصب، ولجأ أغلبهم إلى ممارسة مهام أعماله الرسمية على الرغم من ظروف الحرب. ومنهم وزير المالية الذي انتقل من الخرطوم إلى ولاية البحر الأحمر، وترأس بعض الاجتماعات الرسمية، رغم عدم امتلاكه عملياً أي معلومات تسمح له بمعالجة الأزمة المصرفية التي نتجت عن غلق المصارف الرئيسة في العاصمة بسبب الاشتباكات.
وبالإضافة للحفاظ على مكسب المُشاركة في السُلطة، تتعزز جاذبية خيار الحياد العلني بالنسبة لقادة الحركات المسلحة، لكونه يمنحهم أريحية نسبية في تنفيذ إجراءات من شأنها تعزيز قدراتهم العسكرية، واستثمار عدم تفضيل قادة الجيش والدعم السريع إثارة أي توترات حالية معهم. وفي هذا السياق، سعت الحركات المسلحة إلى تعزيز شرعية حيازتها للسلاح، وأعاد بعضها نشر قواته بإقليم دارفور، وشكَّلت لجاناً أمنية مشتركة مع قوات الشُرطة للحفاظ على الأمن بالإقليم، كما عمد أركو مناوي إلى العودة لشمال دارفور على رأس حشد عسكري كبير، قادماً من الخرطوم، في مشهد يمكن اعتباره استعراضاً للقوة.
وربما تستغل الحركات ظروف الأزمة في تسريع وتيرة عملية ضم مقاتلين جدد لمقاتليها، بعد أن كشفت تقارير الأمم المتحدة عن تسارع عملية التجنيد في دارفور خلال الفترة السابقة على النزاع، حيث يرغب كل طرف في تعزيز وزنه النسبي قبل تنفيذ خطة دمج قوات الحركات في الجيش، خاصة أن الاتفاق لم يحدد عدد مقاتلي الحركات المُقرر دمجهم.
ويُلاحظ أن الحركات المُسلحة قد تجنَّبت طرح مبادرة جادة لتسوية الأزمة، واقتصرت جهودها في هذا الصدد على دعوة طرفي القتال بشكل منفرد لوقف إطلاق النار كما سبقت الإشارة، فضلاً عن إقامة مناطق عازلة بين طرفي الصراع تحت إدارة الشرطة بولاية شمال دارفور، وتُعزِّز هذه التطورات من فرضية تفضيل قادة الحركات استمرار النزاع العسكري، بغية التمتُّع بمميزات الحياد العلني حيال طرفيه.
2. مواقف حركتيّ عبد العزيز الحلو وعبد الواحد النور
على غرار حركات اتفاق جوبا، تجنَّبت حركتا الشعبية لتحرير السودان (عبد العزيز الحلو) وتحرير السودان (عبد الواحد النور) الإعلان عن دعم أي من طرفي النزاع، نظراً لأن أغلب قادة الجيش والدعم السريع يعدون خصوماً تقليديين للحركتين.
ويعد النزاع بالنسبة للحركتين بمثابة استنزاف لقدرات خصومهما التقليديين، وخاصة أنه قد يعوق أي مساعٍ حكومية لتحجيم أنشطة الحركتين الاقتصادية، والتي يتركز قدر كبير منها على التجارة الحدودية مع دولة جنوب السودان، بما في ذلك أنشطة غير مشروعة لتهريب الذهب من مناطق تقع تحت سيطرة حركة عبد الواحد نور، ورصدتها تقارير خبراء الأمم المتحدة.
ويَسَّرَت خريطة الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع من مهمة اتخاذ الحركتين موقفاً حيادياً على الصعيد العسكري، وذلك لأن المناطق الواقعة تحت سيطرة كلا منهما تعد معزولة نسبياً عن بؤر الاشتباكات. فمن جانبها، تسيطر حركة عبد العزيز الحلو بشكل منفرد على مناطق واسعة في ولايتيّ النيل الأزرق وجنوب كردفان، بما في ذلك منطقة جبال النوبة، وهي مناطق وعرة نسبياً، ومن الصعب الوصول لها بواسطة السيارات. وقد تحظى هذه المنطقة بأهمية نسبية لطرفي النزاع المُسلح، لقُربها من الحدود مع دولة جنوب السودان، في وقت يزداد اهتمام قوات الجيش والدعم السريع بفرض السيطرة على الحدود، بغرض منع الطرف الآخر من استقدام إمدادات لوجستية وعسكرية من خلالها.
وتجدر الإشارة إلى أن النزاع بين الجيش والدعم السريع قد يُعزِّز مصداقية موقف قياداتها الداعي لمنح المناطق الواقعة تحت سيطرتهم الحق في تقرير المصير، إذ يتشكك قادة الحركة في امتلاك قادة الجيش رغبة حقيقية في التخلص من عناصر نظام البشير، وإقرار مبدأ علمانية الدولة.
ولا يختلف وضع حركة عبد الواحد نور كثيراً عن موقف الحركة الشعبية، حيث تقع المناطق التي تُسيطر عليها الأولى على مسافة بعيدة نسبياً عن بؤر الاشتباكات، وتشمل مناطق مختلفة في جبل مرة بولاية وسط دارفور. وتُصعِّب تضاريس الجبل من فُرصة مهاجمته من قبِل أي قوى مُسلحة، نظراً لارتفاعه النسبي عن الأراضي المحيطة به، حيث يصل ارتفاعه إلى 3000 متر عن سطح الأرض.
وانعكست هذه المعطيات على المواقف السياسية المُعلَنة للحركتين من النزاع، إذ وصفتاه بأنه مجرد صراع بين نُخب عسكرية سلطوية، ونأت حركة الحلو بنفسها عن التحالف مع أي قوى سياسية. بينما انضمت حركة عبد الواحد نور للجبهة المدنية الداعية لوقف القتال، والعودة للعملية السياسية، وتعد الجبهة محسوبة على المجلس المركزي للحرية والتغيير، ويعود انضمام الحركة لها إلى رغبتها في الحيلولة دون حدوث المزيد من التردي في الأوضاع الإنسانية بإقليم دارفور، حيث توجد قبيلة آل فور، التي تعد الرافد الرئيس لمقاتلي الحركة.
تحديات حفاظ الحركات المُسلحة على الحياد العلني
تتعدد التحديات التي قد تقف حائلاً أمام حفاظ الحركات المسلحة السودانية على حالة الحياد العلني من طرفي النزاع، ويمكن اعتبار رغبة الجيش والدعم السريع في استمالة تلك الحركات، من أبرز هذه التحديات.
فمن جانبهم، سعى قادة الجيش السوداني إلى توظيف ورقة المناصب الحكومية في محاولة كسب دعم قادة الحركات المُسلحة، وأعلن قائد الجيش عبد الفتاح البُرهان في 19 مايو الماضي تعيين مالك عقار نائباً لرئيس مجلس السيادة، بالتزامن مع إقالة قائد الدعم السريع حمدان دقلو من نفس المنصب.
وربما تؤدي تطورات الصراع دوراً في تحفيز الحركات المسلحة نحو الانخراط في العملية العسكرية، خاصة إذا ما تعرضت مصالحها المرتبطة بالتجارة الحدودية للخطر، في وقت يُمثِّل ملف التجارة الحدودية أحد المصادر الرئيسة لتمويل الحركات المسلحة، وحَضَر الملف بشكل مكثف في اجتماع عقده أركو مناوي بصفته حاكم دارفور مع عدد من القادة الحكوميين والأهليين في الإقليم، في 15 مايو. وقرر الاجتماع تشكيل غرفة تجارية مشتركة للإقليم مع الغرفة التجارية الليبية لإعادة تنشيط التجارة العابرة للحدود، بعد قيام قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر بإغلاق الحدود الليبية مع السودان. وقرر نفس الاجتماع إرسال وفود رسمية لدعوة دول الجوار لفتح الحدود، كما تضمنت قرارات الاجتماع تشكيل قوات أمنية من الحركات والشرطة والنيابة لتأمين الحركة التجارية من وإلى الإقليم.
وبالإضافة للمصالح التجارية والعسكرية، ربما تؤدي الخلافات القبلية-القبلية دوراً في انخراط الحركات عسكرياً في النزاع، وعزز بعض المؤشرات من فُرصة حدوث هذا الاحتمال، إذ هاجمت قوات محسوبة على جيش حركة تحرير السودان (خميس أبكر) عناصر الدعم السريع في منطقة الجنينة في غرب دارفور، بالتزامن مع اشتباك الأخيرة مع قوات الجيش بنفس المنطقة، وذلك على خلفية العداء القبلي التي تجمع بين عناصر الحركة بنظرائهم في الدعم السريع.
وفي المقابل، أعلن بعض قبائل دارفور العربية انحيازها إلى قوات الدعم، ومنها قبيلة المسيرية العربية بقيادة التيجاني عبد القادر، والتي تعد من أبرز قبائل الإقليم، واشتبكت خلال الأعوام القليلة السابقة مع قبائل ذات أصول أفريقية، بعضها ينتمي للحركة الشعبية (عبد العزيز الحلو) في غرب كردفان.
ورغم اتخاذ أغلب الأطراف الخارجية موقفاً رسمياً يميل إلى تسوية النزاع، ومنها دول مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، تتضمن تحديات حفاظ الحركات المسلحة على حيادها احتمالية قيام أي طرف إقليمي بتحفيزها على الانحياز لأحد جانبيّ الصراع. وقد يؤدي العامل القبلي دوراً في هذا الإطار، إذ تتداخل صراعات القبائل بين السودان ودول جواره الحدودي؛ فعلى سبيل المثال، تعد قبيلة الزغاوة المكون الرئيس لقيادات حركتي أركو مناوي وجبريل إبراهيم، كما ينتمي إليها أغلب عناصر النخبة الحاكمة في دولة تشاد، وهي على خلاف تقليدي مع القبائل العربية الموجودة في دولتي تشاد والسودان، ومنها قبيلة الرزيقات التي ينتمي إليها قائد الدعم السريع حمدان دقلو.
وإلى جانب ما سبق، قد يقود تردِّي الحالة الاقتصادية والإنسانية والأمنية في إقليم دارفور إلى قيام بعض عناصر الحركات المسلحة بتعزيز أنشطتهم غير المشروعة بهدف جنيّ المال، وتُعزِّز هذه الوضعية من احتمالات وقوع احتكاكات بين أبناء الإقليم، والتأثر السلبي بالمناخ الاستقطابي الذي يجمع قوات الجيش والدعم السريع.
مستقبل موقف الحركات المسلحة من الصراع الراهن
في ضوء ما سبق، يمكن الإشارة إلى خمسة عوامل رئيسة تتحكم في موقف الحركات المسلحة السودانية من الصراع الدائر بين الجيش والدعم السريع، وهي:
- النطاق الجغرافي للاشتباكات.
- مدى نجاح الحركات المسلحة في تأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية.
- تحييد العامل القبلي عن النزاع.
- مستوى إصرار قادة الجيش والدعم السريع على توريط الحركات المسلحة في النزاع.
- دور العامل الخارجي في احتمالات دفع الحركات المسلحة إلى التدخل في النزاع.
وبناء على هذه العوامل، يُمكن حصر موقف الحركات من النزاع على المدى القريب في احتمالين/سيناريوهين رئيسين، هما:
1. الحفاظ على حالة الحياد النسبي: ربما تميل الحركات المسلحة إلى الحفاظ على حالة الحياد النسبي من النزاع بين الجيش والدعم السريع، نظراً للمخاطر التي قد تنتج عن جنوحها للتحالف مع أحد الطرفين، ويتطلب تحقق هذا السيناريو/الاحتمال نجاح الحركات في تأمين مصالحها الاقتصادية من التجارة العابرة للحدود، وابتعاد عناصرها عن مناطق الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، بالتزامن مع تهدئة التوترات القبلية بإقليم دارفور وولايات جنوب وغرب كردفان، والنيل الأزرق.
وتتعاظم إمكانية تحقُّق هذا السيناريو في حال مالت التوازنات الدولية والإقليمية إلى تخفيض فُرصة قيام أي طرف خارجي بدفع الحركات للتدخل في النزاع السوداني، لأن هذه الخطوة قد تضعه في مواجهة مع واشنطن. ومن شأنها تعقيد مساعي تسوية الأزمة، ودَفع طرفي القتال إلى إيجاد الدعم من أطراف خارجية أخرى.
ويبدو أن الحركات لا زالت تُفضِّل هذا الخيار، وهو ما يمكن استنتاجه من حرصها على إقامة مناطق عازلة بين قوات الجيش والدعم السريع في بعض بؤر الاشتباكات، بالتزامن مع بحثها عن آليات دبلوماسية سلمية لدفع دول الجوار إلى إعادة فتح الحدود مع السودان. وينتج عن هذا السيناريو فُرص متنوعة للحركات المسلحة، من بينها تعزيز وزنها السياسي محلياً ودولياً، في شكل قد يجعلها محل ثقة من جانب مختلف الأطراف لمراقبة والإشراف على خطط تسوية النزاع، سواء من الناحيتين العسكرية أو السياسية.
ويعد هذا السيناريو أكثر ترجيحاً على المدى القريب، لكنه يُعبِّر عن وضع هش نسبياً، ويُمكن تغييره في أية لحظة، بسبب الخلافات القبلية-القبلية، والتي قد تؤدي إلى اشتراك بعض عناصر الحركات المُسلحة في النزاع، ولو من دون اتخاذ قياداتها قراراً معلناً بذلك.
2. تقديم الدعم العسكري لأحد طرفي النزاع: قد يلجأ عددٌ من الحركات المُسلحة السودانية إلى الانخراط في النزاع الدائر بين الجيش والدعم السريع، في حال طال أمده، وتَسَبَّب في الإضرار بمصالحها المرتبطة بانسياب حركة التجارة بين الحدود، أو في حالة تدخل أحد الأطراف الخارجية بنجاح في دفع الحركات المسلحة الى الانحياز لقوات الجيش أو الدعم السريع. وسيكون انحياز حركات كلٍّ من جبريل إبراهيم وأركو مناوي وخميس أبكر ومالك عقار لصالح قوات الجيش الاحتمال الأكبر في هذه الحالة، نظراً لتوافق رؤيتهم مع قادة الجيش على سُبل معالجة أسباب الأزمة.
وقد تُعزز الخلافات القبلية التي تجمعهم بقادة الدعم السريع من هذا الاحتمال، ولا تعد حركة عبد العزيز الحلو بعيدة بشكل كبير عن هذا السياق. وربما ترتفع فُرص حدوث هذا السيناريو في حال استمرت حالة التوازن العسكري النسبي بين الجيش والدعم السريع، بما يدفعهما إلى تكثيف مساعي استمالة الحركات المُسلحة، كوسيلة لحسم الصراع، وتعزيز السيطرة على الحدود الجنوبية والغربية، بغرض قطع إمدادات الطرف الآخر.
ومن المحتمل كذلك أن تؤدي عوامل مثل شيوع حالة من عدم الثقة بين الفرقاء السودانيين دوراً في تعظيم احتمالات تحقق هذا السيناريو، والذي قد تُزكي فُرص حدوثه الخلافات فيما بين الحركات المسلحة. ففي حالة انضمام إحداها للنزاع، سيميل منافسوها إلى التدخُّل لدعم الطرف المُقابِل.
وتتعزز فُرص تحقق هذا السيناريو على المدى المتوسط، نظراً للتداعيات الاقتصادية والأمنية المتوقعة جراء غلق الحدود، واستمرار الاشتباكات العسكرية في بؤر جغرافية معروفة بالتوترات القبلية-القبلية.
.
رابط المصدر: