ما هو تأثير أزمة المناخ على الأعمال التجارية في أفريقيا وكيف تتصدى لهذا التحدي؟ – وجد تقرير المناخ للاقتصاديات الناشئة لعام 2022 الصادر عن مؤسسة بريتيش إنترناشونال انفستمنت البريطانية أن الجفاف والإجهاد المائي يعدان من المخاطر المناخية الرئيسة لـ 36٪ من كبار الشركات العالمية العاملة في الأفريقية.
وبالرغم من أن الدول الأفريقية ليست المسؤولة عن التسبب في تغير المناخ؛ ولكنها من بين الأكثر عرضة لتأثيراته، وبالتالي ستتحمل العبء الأكبر من أزمة المناخ. وهذا ما عرضه تقرير الاقتصاديات الناشئة؛ فالدول العشر الأكثر عرضة للتأثر بالمناخ في العالم كلها أفريقية. وبالتالي فالكثير من الناس الذين يعيشون في هذه المناطق قد تأثروا بالفعل. هذا العام على سبيل المثال، شهدنا حالات جفاف شديدة على جانبي القارة الأفريقية، بالإضافة إلى موجات السيول الجارفة، فأصبح من الواضح أن هذه الظواهر المناخية المتطرفة المتزايدة ستعرض الملايين من الناس لانعدام الأمن الغذائي والمائي الحاد.
الطوارئ المناخية
أثرت حالة الطوارئ المناخية بشكل عميق على الشركات في الدول الأفريقية؛ فعلى سبيل المثال، ذكر تقرير المناخ للاقتصادات الناشئة البريطانية للاستثمار الدولي BII)) أن تغير المناخ يؤثر بالفعل على الأعمال تأثيرًا سلبيا.[1] وقدم التقرير الذي شمل كبار المسؤولين التنفيذيين العاملين في الشركات والصناديق الاستثمارية في أفريقيا بعض الأفكار الصارخة حول كيفية تأثر الشركات بشكل متزايد بآثار تغير المناخ. ووجد أن 58% من الشركات في أفريقيا قد تعرضت لأحداث مثل الفيضانات الشديدة أو العواصف أو الجفاف خلال العام الماضي، مقارنةً مع 48% فقط من المشاركين في استطلاع العام السابق.[2]
وشهد هذا العام كذلك موجات جفاف شديدة على جانبي القارة الأفريقية؛ فعلى سبيل المثال يوضح الجفاف المستمر في الصومال الروابط بين تغير المناخ والأزمة الإنسانية، في حين أدى هطول الأمطار الغزيرة في جنوب أفريقيا والفيضانات المدمرة في السودان ونيجيريا وجنوب أفريقيا بشكل مباشر إلى خسائر في أرواح البشر والحيوان والنبات، الأمر الذي سيعرض ملايين الأشخاص في أفريقيا لانعدام الأمن الغذائي والمائي الحاد في السنوات القادمة. لذا من الواضح أن الدول الأفريقية بحاجة إلى إجراءات مناخية عاجلة، فقد سجلت 131 كارثة متعلقة بالطقس المتطرف والمتعلقة بتغير المناخ في قارة أفريقيا في عامي 2020 و2021 ، منها 99 كارثة فيضانات و16 عاصفة و14 حالة جفاف و2 حريق هائل.
على سبيل المثال، تأثر 39% من الشركات في أفريقيا بالفيضانات، بينما تأثر 23% بالجفاف مما شكل خسائر على المحاصيل والبضائع. ومع ذلك، ربما يكون من اللافت للنظر أنه بالرغم من ارتفاع المناطق التي تعرضت للفيضانات؛ إلا أن الأكثر تأثيرًا من حيث المخاوف بشأن المخاطر المادية على الشركات الأفريقية كان الجفاف والإجهاد المائي الذي أتى في المقدمة.[3]
حجم الخسائر
رصدت التقارير أن الأحداث المناخية المتطرفة في أفريقيا قتلت ما لا يقل عن 4000 شخص، وأثرت على 19 مليون آخرين منذ بداية عام 2022. وإذا تم الوضع في الحسبان أن العديد من الحالات لا يتم الابلاغ عنها وبالتالي لا يتم رصدها تصبح الارقام السابقة هي الحد الأدنى مع احتمال ارتفاع الارقام الحقيقية عن السابق.
فعلى سبيل المثال؛ لقي أكثر من 600 شخص حتفهم في أسوأ فيضانات في نيجيريا منذ عقد، ومن بين هؤلاء 76 شخصا لقوا مصرعهم عندما انقلب قارب يقل ضحايا الفيضانات. وتعرضت دول جنوب أفريقيا بما في ذلك مدغشقر وموزمبيق لست عواصف شديدة هذا العام، مما أسفر عن مقتل 890 شخصًا على الأقل. ووصلت درجات الحرارة في تونس إلى 48 درجة مئوية في يوليو، مما أشعل نيران حرائق الغابات الشديدة. أيضًا تضرر ما يقرب من مليوني شخص في تشاد من الفيضانات في أغسطس وأكتوبر. وأودى الجفاف والمجاعة بحياة 2500 شخص في أوغندا، وأثرا على ثمانية ملايين في إثيوبيا هذا العام.[4]
لذا تعد الخسائر الناجمة عن الطقس المتطرف على حياة الأفارقة هي أحد الأمثلة على “الخسائر والأضرار” مما يظهر كيف أن تغير المناخ يضر بالفعل بالناس، وخاصة الأكثر ضعفًا في العالم. هذا عن الخسائر البشرية؛ أما بالنسبة للخسائر المادية فإنها لا تقل عن البشرية؛ فتأثير تغير المناخ على الحياة وسبل العيش يكلف أفريقيا بالفعل ما بين 5 و15٪ من نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا.[5]
قدرت التكاليف الاقتصادية لأحداث الطقس المتطرفة في أفريقيا في حدود 7-15 مليار دولار عام 2020 ويمكن أن تصل إلى 45-50 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2040 أي ما يعادل 7% من الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا بحلول عام 2100. باختصار، يمثل تغير المناخ مخاطر جسيمة على الاقتصادات الأفريقية؛ يهدد حياة وسبل عيش عشرات الملايين من الناس؛ ويمكنه التراجع عن التقدم الذي تم تحقيقه بشق الأنفس في تحقيق بعض الأهداف الرئيسة للتنمية المستدامةSDGs ، وأجندة 2063 للاتحاد الأفريقي، وأجندة الخمسة الكبار للبنك.
ولمجابهة هذه الخسائر تحتاج أفريقيا 1.6 تريليون دولار بين عامي 2022 – 2030؛ تلقت البلدان الأفريقية فقط 18.3 مليار دولار في تمويل المناخ بين عامي 2016 و2019. وهذا يترك فجوة في تمويل المناخ تصل إلى 1288.2 مليار دولار سنويًا من 2020 إلى 2030.[6]
الحلول
تؤثر أزمة المناخ بالفعل بشكل كبير على الاقتصاد الأفريقي وخاصة الشركات في أفريقيا، ومن الواضح انتشار القلق بشأن تأثيرها في المستقبل أيضًا. لذا يجب اتخاذ تدابير من الجميع على مستوى الحكومات والشركات بل وحتى الأفراد:
● على الشركات التعامل مع التغير المناخي بوصفه أمرًا واقعًا من خلال ادراج خطط للحد من أضراره في استراتيجيتها المالية والتخطيط المستقبلي، مثل السياسات التأمينية، والاستعانة بدراسات مستقبلية للمناخ .. إلخ.
● على قادة رواد الأعمال الدعوة إلى المزيد من التوجيه العملي بالإضافة إلى رأس المال؛ فمثل هذه المبادرات حاسمة لتمكين الاقتصادات الأفريقية من الانتقال إلى صافي الصفر الكربوني وتصبح أكثر مرونة في مواجهة مخاطر المناخ.
● يجب إنشاء بورصة إقليمية وبناء نظام تجاري/مالي/بيئي لتجارة الكربون؛ لخلق طريقًا مباشرًا لمشاريع ائتمان الكربون الأفريقية عالية الجودة لبيعها مباشرة في الأسواق الدولية وربط القطاعات الاقتصادية الأفريقية بها.
● على الأفراد التوقف عن التعامل مع البيئة باستهتار وعدم اكتراث بالتغيرات المناخية؛ فالخطط الشاملة الحكومية تنفذ بأفراد.
● أما الدول فعليها العمل على زيادة النمو طويل الأجل والقدرة التنافسية، والحد من الافتقار إلى الوصول إلى الطاقة للحد من الفقر، وخلق فرص العمل، وتوفير مستوى جيدة من الخدمات الصحية، والتعليم، ومجموعة من المجالات الأخرى ذات الصلة بأهداف التنمية المستدامة. أيضًا عليها دعم التحول الاقتصادي الأخضر في القارة السمراء، وسن القوانين واتخاذ خطوات لتقليل انبعاثات الكربون وتقليل التعرض لمخاطر تغير المناخ المادي ستكون أكثر نجاحًا على المدى الطويل.
● على المؤسسات الدولية والدول المتقدمة توفير الاستثمارات اللازمة لمجابهة آثار التغيرات المناخية واستهداف الحد من الانبعاثات والضعف والهشاشة البيئية التي تسببت فيها صناعاتهم وتدفع ثمنها الدول الأفريقية؛ مثل دعم الاستزراع في غابات حوض الكونغو التي تمتص ما يقرب من 1.2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام. حيث تتوقع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا أنه من خلال إزالة الكربون القائمة على الطبيعة، يمكن لأفريقيا أن تولد ما بين 15 و82 مليار دولار سنويًا. يؤكد تقرير تأثير أسواق رأس المال الصادر عن FSD Africa أن المشاريع الخضراء المتعلقة بتغير المناخ توفر فرصة استثمارية تبلغ 3 تريليونات دولار أمريكي في أفريقيا بحلول عام 2030، مع توقع 75٪ من الاستثمار من القطاع الخاص. أيضًا يجب على حكومات الدول الصناعية زيادة الضرائب على مشغلي الوقود الأحفوري في دولهم أسوة بمصنعي التبغ.
● أما الاعلام فيجب أن يسلط الضوء على الشركات المتهمة بالغسيل الأخضر أي زيادة رأس المال من خلال خطط ائتمان الكربون التي لا تحقق أي تأثير يمكن التحقق منه على أرض الواقع. يعد التدقيق مهمًا لتطوير القطاع، ولكن هناك خطرًا يتمثل في أن وسائل الإعلام تركز على بعض الأمثلة دون تمثيل الغالبية العظمى من الشركات التي تستخدم الكربون كما كان مقصودًا، كجزء من جهد أوسع لتقليل انبعاثات الكربون وتعويض ما يحدث. لا يمكن تخفيفها بعد.
● ولكي تبني أفريقيا أسواقًا خضراء مزدهرة ومتنوعة، يجب أن تكون هناك عدة أشياء: إرادة سياسية قوية ومستدامة، وإنشاء أو إصلاح السياسات واللوائح ذات الصلة، والرقابة التنظيمية الفعالة، وإنشاء سجلات وطنية للتحقق من الاعتمادات وتسجيلها، والوصول إلى البيانات والتكنولوجيا لإنشاء نماذج دقيقة لقياس الكربون والمشاركين ذوي الخبرة الفنية القوية لضمان امتثال مشاريعهم لأحدث الإرشادات.
[1] Emerging Economies Climate Report 2022, British International Investment ( London: British International Investment plc, 20 OCTOBER 2022)
[2] Majority of businesses in emerging economies impacted by extreme weather event in last 12 months, British International Investment (London : 24th. Oct. 2022)
[3] Majority of businesses in emerging economies impacted by extreme weather event in last 12 months, British International Investment ( London: British International Investment plc., 24 OCTOBER 2022)
[4] Daisy DUNNE: Analysis: Africa’s unreported extreme weather in 2022 and climate change, Carbon Brief (Los Angeles: 26 October 2022)
[5] African Development Bank VP Presents 2022 African Economic Outlook to Harvard community, calls for capacity building, research on impact of climate activities in Africa (Abidjan, Côte d’Ivoire: 25-Oct-2022)
[6] Drought key climate risk for 1/3 of businesses operating in Africa, says BII survey, Africa Report (Paris: 1st. Oct.)
.
رابط المصدر: