نادر ما تشاهد صورة لمرشح وحده بعيدا عن شخصية من الرعيل الأول في العملية السياسية، فكثيرا منهم يظهر بحالة ملاصقة وكأن المرشحين للانتخابات المقرر اجراءها في الثامن عشر من الشهر الجاري خاضعين للوصاية من قبل زعماء الأحزاب السياسية التقليدية.
موضوع الوصاية ليس حديث عهد في السياسة العراقية، اذ شهد العراق بعد وفاة الملك غازي سنة 1939، احداث متسارعة واضطرابات داخلية كثيرة، قطب الرحى فيها رئيس الوزراء حينها نوري السعيد، الذي لعب دورا كبيرا لعقد اجتماع في البلاط الملكي بحضور رئيس مجلس الأعيان السيد محمد الصدر ورئيس مجلس النواب مولود مخلص ورئيس الديوان الملكي رشيد عالي الكيلاني وعدد من الوزراء.
في الاجتماع المنعقد يوم الرابع من شهر نيسان من العام نفسه اُقر حصر الوصاية بالبيت الهاشمي، وعرضت الآراء والمقترحات حول المرشحين وهم كل من الأمير عبد ألله أمير شرق الأردن والأمير زيد بن الحسين عم الملك غازي والأمير عبد الإله خال الملك فيصل الثاني وشقيق الملكة عالية، وانتهى الاجتماع باختيار عبد الاله وصيا على عرش العراق ووليا للعهد.
ودعا نوري السعيد مجلسا النواب والأعيان إلى عقد جلسة مشتركة يوم الخميس 6 نيسان 1939، وكان عدد الحاضرين 122 عضواً فقط من مجموع المجلسين، جميعهم من السعيد، حيث قاطع الجلسة عدد كبير من النواب والأعيان، لكي لا يكونوا شهود زور على جريمة الاغتيال، وقد عرض عليهم نوري السعيد قرار مجلس الوزراء، وتمت الموافقة عليه بإجماع الحاضرين، وبذلك تم تنصيب عبد الإله وصياً على العرش.
أكثر من ستة عقود مرت على حادثة تنصيب الوصي عبد الاله ولا تزال محفورة في ذهنية السياسي العراقي، ويتجلى ذلك في الصور المنتشرة على جانبي الطرقات في عموم المدن العراقية، وقد يكون من الصعب نزول المرشح بصورة منفردة للمنازلة الانتخابية، فالصورة المزدوجة تعني ان حديثي الترشيح تحت وصاية الرئيس الكتلة او الحزب.
من مظاهر الوصاية على المرشحين الجُدد هو اجبارهم على الالتزام بجميع الشروط والتوصيات العامة التي يضعها زعيم الحزب، ويحرص على عدم تجاوزها بأي شكل من الاشكال وان تقدمت له جهات أخرى بامتيازات وعروض مغرية لسحب البساط من تحت القائمة المنتمي اليها.
ترسّخ مبدأ الوصاية السياسية في السنوات الأخيرة أكثر مما سبق، بفعل مستجدات العمل السياسي وكثرة المنافسين، فضلا عن صعود قوى جديدة تمكنت من حجز مقاعدها الى جانب أحزاب السلطة التي استولت على إدارة البلد منذ تغيير النظام الى وقتنا الحالي مع اختلاف مسمياتها وتشكيلاتها.
تفعيل الوصاية في الانتخابات المحلية القادمة يعني ان المرشح مهما بلغت شعبيه ومرجعيته غير قادر على اتخاذ القرار قبل اخذه الضوء الأخضر ممن يجانبه في البوستر الانتخابي، ويُفاد من هذا ان المرشح مسلوب الإرادة والقرار قبل الوصول الى مجلس اتخاذ القرار والمشاركة الفعلية بإدارة الحكومة المحلية.
المرشحون من هذا النوع يشكلون النسبة الأكبر من بين المرشحين الذين يدعون الاستقلالية، حكموا على أنفسهم بالفشل والانصياع لرغبات ورؤيا الزعماء الذين باركوا لهم الترشيح واعطوهم الاكسير المساعد على مواصلة المشوار لتحقيق المطلب والفوز بمقعد محلي او نيابي.
في أحيان كثيرة تكون الوصاية غير دائمة تنتهي بانتهاء الهدف منها وهو الوصول الى المقصد او الانتقال الى وصاية أخرى، فكثيرا ما نلحظ مرشحين مع جهة معينة، يُغيرون بوصلتهم بعد الفوز الى جهة اخرى، نظرا لجملة من الأسباب، يأتي في مقدمتها او اكثرها انسجاما مع التوصيف هو الوعود المعطاة من الكتل الأخرى وبذلك تنتهي صلاحية الوصاية وتخرج عن الخدمة.
الوصاية بمعناها العام تحمل بين طياتها عوامل إيجابية تتمثل في تحسين صورة الوصي امام جمهوره وتجنبه الوقوع في الأخطاء السياسية واتخاذ قرارات قد لا يدرك مدى خطورتها او تأثيرها على المدى القريب، وبذلك يكون الوصي بحاجة الى من يرشده ويوسع مداركه لخوض مضمار السياسة.
اما الوصاية القائمة في وقتنا الحالي يشوبها الكثير من المغالطات وتتحمل المزيد من التفسيرات والتأويلات، لذا يصح القول بانها لم تجلب الا السيء عبر تحديد المسارات للمرشح، وبذلك تكون الحكومات المحلية مشابهة لحكومة المركز القائمة على عنصر التوافق متناسية خدمة المواطن.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/37187