الوضع السياحي العالمي: انفراجة بعد كساد

أعلنت منظمة السياحة العالمية، في تقرير مقياس السياحة، عن زيادة بمعدل الضعف لأعداد الأشخاص الذين سافروا خلال الربع الأول من عام 2023 مقارنة بنفس الفترة من عام 2022، بالإضافة إلى وصول الوافدين الدوليين إلى ما يقارب 80٪ من مستويات ما قبل جائحة كورونا عام 2019، محققين إيرادات تخطت تريليون دولار. وقد حقق عام 2022 (66٪) من أعداد الوافدين قبل الجائحة، وبذلك تتسارع الحركة السياحية لاستعادة مستويات ما قبل جائحة كورونا 2019.

ولقد استطاعت منطقة الشرق الأوسط أن تفوز بالنصيب الأكبر من تلك الانتعاشة بزيادة تقدر
بـ( 15٪) في أعداد الوافدين خلال الربع الأول من 2023 بالمقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2019، وهي بذلك تعتبر المنطقة الوحيدة التي تعافت وتجاوزت معدلات ما قبل جائحة كورونا. وعلى مستوى الدول، نجحت قطر والسعودية في تحقيق طفرة في زيادة أعداد السائحين، بينما تصدرت باكستان ورومانيا وصربيا وتركيا معدلات مضاعفة الإيرادات السياحية. ونجحت مصر في تحقيق عائدات سياحية تقدر بـ8.2 مليارات دولار، وزيادة في أعداد السائحين لتجذب نحو 10 ملايين سائح.

تسارع نمو النشاط السياحي الدولي على مستوى جميع مناطق العالم، حيث وصل عدد السائحين الدوليين إلى 235 مليون سائح خلال الثلاثة أشهر الأولى من عام 2023، وهو ما يمثل ضعف أعداد السائحين المسجلة في عام 2022. حيث تصدر الشرق الأوسط المناطق الأكثر جذبًا للسائحين، واستطاع أن يتخطى معدلات 2019 قبل جائحة كورونا بما يقارب 15%، بينما حققت أوروبا 90٪ من مستويات ما قبل الجائحة، مدفوعة بالطلب القوي داخل المنطقة.

فيما جاوزت نسبة السائحين الواصلين إلى دول قارة أفريقيا 88٪ ودول الأمريكتين نحو 85٪ من مستويات 2019، واستردت آسيا والمحيط الهادئ تعافيهما بنسبة 54٪ من مستويات تلك الفترة. ولقد تمكنت بعض الدول من تسجيل طفرات استثنائية في معدلات النمو مثل: قطر (+ 98٪)، والمملكة العربية السعودية (+ 64٪)، وألبانيا (+ 54٪)، وسانت مارتن (+ 51٪)، وإثيوبيا (+ 46٪).

وقد بين مقياس السياحة الذي تُصدِره منظمة السياحة العالمية، نمو عائدات السياحة الدولية لتتخطى التريليون دولار في عام 2022، لتسجل زيادة قدرها 50٪ عن عام 2021. وقد بلغ إنفاق الزائرين الدوليين نحو 64٪ من مستويات الإنفاق قبل الجائحة بعام 2019. واستحوذت أوروبا على النصيب الأكبر في عام 2022 بحوالي 550 مليار دولار من عائدات السياحة، بما يعادل 87٪ عن 2019، واستعادت أفريقيا 75٪ من عائداتها قبل انتشار الوباء، وأحرز الشرق الأوسط 70٪ والأمريكتين 68٪، بينما حصلت مقاصد سياحية آسيوية على حوالي 28٪. تصدرت باكستان معدل نمو الإيرادات، حيث تضاعفت الإيرادات ثلاث مرات مقارنة بالربع الأول من عام 2019، واستطاع كل من رومانيا وصربيا وتركيا مضاعفة إيراداتهم السياحية.

تسبب وباء كورونا في انخفاض عدد السائحين الوافدين إلى مصر إلى 3.5 ملايين في عام 2020، كما أضرت الحرب الروسية الأوكرانية بمصر، حيث كان كلا البلدين من بين المصدرين الرئيسيين للسائحين إلى مصر في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فقد انتعشت الصناعة على الرغم من الحرب، حيث استقبلت ما يقرب من 11.7 مليون سائح في عام 2022، بزيادة قدرها 46 % عن عام 2021، الذي لم تستقبل فيه البلاد أكثر من ثمانية ملايين وافد، وهو ما يعادل 89% مقارنة بعام 2019 قبل الجائحة.

 استطاع قطاع السياحة أن يكمل مسيرة الانتعاش خلال الـ9 أشهر الأولى من العام المالي 2022/ 2023، وحقق زيادة في أعداد السائحين القادمين إلى مصر بنسبة 32% بما يعادل 10 ملايين سائح، مما أدى إلى زيادة عدد الليالي السياحية خلال الفترة نفسها بنسبة 26.8% لتسجل 110.5 ملايين ليلة. وأشار وزير السياحة “أحمد عيسى” إلى أن البلاد تتوقع وصول 15 مليون سائح في عام 2023، وبذلك سوف تتخطى الرقم القياسي البالغ 14.7 مليونًا الذي تم تسجيله في عام 2010.

الأوضاع داخل الأراضي الفلسطينية وتطوراتها أثرت بشكل مباشر على المقاصد السياحية المصرية بجنوب سيناء (طابا – نويبع – دهب – شرم الشيخ)، حيث أدت تلك الأحداث إلى إطلاق بعض الحكومات الغربية رسائل تحذيرية لمواطنيها بإرجاء السفر إلى دول منطقة الشرق الأوسط بشكل مؤقت لحين تهدئة الأوضاع القائمة، بجانب مطالبتهم بمغادرة المناطق الحدودية المتاخمة لساحات الصراع، مما أدى لإلغاء نسب كبيرة لحجوزات نهايات أكتوبر ونوفمبر مما نتج عنه انخفاض نسب الإشغال والنشاط السياحي ككل.

استطاع قطاع السياحة أن يقوم بدور اقتصادي فعّال خلال فترات الأزمات المتلاحقة بداية من جائحة كورونا ومرورًا بالأزمة الروسية الأوكرانية وتبعاتهما على الاقتصاد العالمي. على الرغم من التأثيرات السلبية لانخفاض قيمة العملة المحلية على الاقتصاد المصري، إلا أن المقصد السياحي المصري نجح في تعظيم الاستفادة من تلك الميزة التنافسية، فقد بلغت الإيرادات السياحية 10.7 مليارات دولار خلال العام المالي 2021 / 2022 مقابل 4.9 مليارات دولار خلال العام المالي 2020 / 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 121.1%.

استكمالًا لتلك النجاحات، حقق قطاع السياحة نموًا في الإيرادات خلال الـ9 أشهر الأولى من العام المالي 2022/ 2023، ليسجل 10.3 مليارات دولار، بزيادة 25.7% عن إيرادات الفترة نفسها من العام المالي السابق، والتي بلغت 8.2 مليارات دولار، طبقًا لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء بتقرير تطور إحصائيات السياحة. بذلك استطاع قطاع السياحة خلال الـ3 سنوات الماضية أن يوفر عملة أجنبية تقدر بـحوالي 25.9 مليارات دولار، مما ساهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية وأوجب الاستمرار في تعظيم الاستفادة من تلك الميزة التنافسية.

تعمل الحكومة المصرية حاليًّا على زيادة الشراكة مع القطاع الخاص في دعم آليات التنمية السياحية؛ حيث تقوم الحكومة بتنفيذ مخطط استراتيجي تستهدف من خلاله جذب 30 مليون سائح خلال الخمس سنوات المقبلة، وزيادة الغرف الفندقية بنحو 50 ألف غرفة خلال الفترة نفسها، من خلال استغلال المباني الحكومية الشاغرة بعد الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة وتحويلها إلى فنادق، مع زيادة الشراكة مع المستثمرين السياحيين، على أن تتولَّى الدولة بناء الفنادق، ويتولى المستثمرون الإدارة والتسويق من خلال الاستثمار السياحي في جزر البحر الأحمر، منها 15 ألف غرفة في شرم الشيخ والبحر الأحمر من المقرر افتتاحها خلال عام.

كما قدمت الحكومة دعمًا بنحو 10 مليارات جنيه لقطاع السياحة في إطار دعم القطاعات الإنتاجية، وخصصت 7 ملايين متر مربع للاستثمار الفندقي بمدينة العلمين الجديدة، وتعمل على توفير أكبر عدد ممكن من الطائرات مُنخفضة التكاليف، لزيادة أعداد السائحين الوافدين. وتسهيلًا ودعمًا للقطاع الخاص والمستثمرين، تمنح الحكومة الرخصة الذهبية للمشروعات السياحية المستكملة مستنداتها في مدة أقصاها 20 يومًا. علاوة على إطلاقها أول منصة إلكترونية لتنظيم دخول رحلات اليخوت، وتوفير جميع الخدمات الممكنة لتطوير سياحة اليخوت.

وقد أبرز موقع Travel off Path، وهو موقع إلكتروني متخصص في السياحة والسفر، في تقرير أهم الأسباب التي تجذب السائحين لزيارة المقاصد السياحية المصرية خلال العام الجاري، والذي من المتوقع أن يشهد أعدادًا قياسية من السائحين. وذكر التقرير أن مصر استقبلت أكثر من 7 ملايين سائح خلال النصف الأول من العام الجاري. ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 15 مليونًا بنهاية العام، وهو ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بعام 2022.

وأشار التقرير إلى أن مصر تزخر بالمدن السياحية النابضة بالحياة والآثار والأماكن القديمة والمناظر الطبيعية الخلابة، بالإضافة إلى أسعارها المعقولة. كما أشار إلى أن مصر أتاحت مؤخرًا تأشيرة دخول متعددة صالحة لمدة 5 سنوات، وأنه يمكن لـ180 جنسية الحصول على تأشيرات سياحية عند الوصول إلى مصر، مما يسهل على السائح الزيارة أكثر من أي وقت مضى وتكرار الزيارة دون أعباء إضافية. بالإضافة إلى تسهيلات استخدام البطاقات الائتمانية للسائحين في مصر، مع تطبيق نظام دفع غير نقدي لشراء تذاكر دخول إلى عدد من المواقع الأثرية والمتاحف الشهيرة. وأيضًا توفير مسارات ورحلات طيران جديدة سهلت الوصول إلى المقاصد السياحية المصرية.

كما تحدث التقرير عن الرحلات النيلية، مشيرًا إلى أنه بعد فيلم “الموت على النيل” الذي تم إنتاجه عام 2022، تضاعف عدد السائحين الذين يتوقون للإبحار في نهر النيل. هذا بالإضافة إلى المتحف المصري الكبير الذي من المقرر افتتاحه قريبًا، حيث سيصبح أكبر متحف أثري في العالم مخصصًا لحضارة واحدة.

يواجه انتعاش السياحة بعض التحديات وفقًا لفريق خبراء منظمة السياحة العالمية، حيث لا يزال الوضع الاقتصادي هو العامل الرئيسي الذي يثقل كاهل الانتعاش الفعال للسياحة الدولية في عام 2023، مع ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار النفط الذي ينعكس على ارتفاع تكاليف النقل والإقامة خاصة بعد ارتفاع وتيرة الصراع في الأراضي الفلسطينية. نتيجة لذلك، من المتوقع أن يبحث السائحون بشكل متزايد عن القيمة مقابل المال، واختيار وجهات سياحية قريبة من الوطن، وبالتالي استحواذ السياحة الداخلية على النصيب الأكبر في الحركة السياحية. كما أن استمرار الصراع الروسي الأوكراني وامتداد فترة الحرب على الأراضي الفلسطينية وغيرها من العوامل الجيوسياسية المتصاعدة، لا تزال تمثل مخاطر سلبية على النشاط السياحي، ذلك بالإضافة إلى تبعات التغير المناخي التي يشهدها العالم والتي تمثل خطرًا على جميع الأنشطة السياحية.

تنطبق جميع التحديات السابقة على السوق السياحي المصري، وبالأخص تطورات الأحداث على الحدود المصرية الفلسطينية، والتي طالت مدنًا سياحية بالبحر الأحمر مع استقبال الموسم الشتوي المزدحم، ذلك بالإضافة إلى التبعات الاقتصادية وتأثيرها التضخمي على تكاليف الخدمات السياحية، والذي انعكس بشكل سلبي على نشاط السياحة الداخلية، وعلى الرغم من ذلك استطاع المقصد السياحي المصري أن يمثل فرصة للسياحة الدولية نظرًا لفروق قيمة العملة المحلية.

من المتوقع أن تستمر السياحة الدولية في الانتعاش على مدار العام مدعومة بقوة الطلب المكبوت، والتعافي المستمر للربط الجوي، فضلًا عن إعادة فتح الصين مؤخرًا والأسواق والوجهات الآسيوية الرئيسية الأخرى. ووفقًا لاتحاد النقل الجوي الدولي، من المتوقع وفود 4.35 مليار مسافر في 2023، مقارنة بنحو 4.54 مليار مسافر في 2019، ويتوقع خبراء منظمة السياحة الدولية وصول السائحين الدوليين إلى ما بين 80٪ إلى 95٪ من مستويات ما قبل الجائحة 2019، وأنه لن نشهد مستويات ما قبل جائحة كورونا حتى عام 2024 أو 2025 أو بعد ذلك. وقد تصيب التطلعات المصرية لاستقبال 15 مليون سائح كما ذكر وزير السياحة بعض التحفظات حال ما استمر الوضع داخل الأراضي الفلسطينية لفترات أطول، مما قد يبطئ الانتعاشة السياحية خلال الموسم الشتوي الأكثر إقبالًا.

المصدر : https://ecss.com.eg/38844/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M