اللواء محمد إبراهيم الدويري
لازلت أحاول الإجتهاد بين الحين والأخر وأتسائل بكل مصداقية وشفافية وحسن نية عن الأسباب المرتبطة بإستمرار الإحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية ، ولعل الكثيرين المتابعين لهذه القضية يتسائلون بدورهم لماذا أثير هذا الموضوع الآن بل ويرون فى التساؤل الذى أطرحه قدراً كبيراً من السذاجة والسطحية خاصة وأن هذا الإحتلال قد مر عليه أكثر من نصف قرن حدثت خلاله العديد من المتغيرات على الأرض وعلى المستويات المحلية والإقليمية والدولية وفرضت سياسة الأمر الواقع نفسها وأصبح الجميع يتعامل مع هذه القضية فى إطار ما يسمى بإدارة الصراع وليس حله .
ومن المؤكد أن إستمرار تجاهل القضية الفلسطينية والتعامل معها من واقع بيانات صادرة تؤيد مواقف أو تشجب سياسات وكذا مبادرات مطروحة لا يكتب لها النجاح ولا يتم تنفيذها أو لا ترى النور من الأساس ، كل هذا يشجع إسرائيل على مواصلة إحتلالها وزيادة وتيرة تهويد ما يمكن أن تصل إليه من أراض فلسطينية لم ولن تكن فى يوم من الأيام من حقها فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل ، وأن المفاوضات هى وحدها التى سوف تحسم الحدود النهائية لكلتا الدولتين .
وقد تكون محاولة إعادة الضوء إلى القضية الفلسطينية وتنشيطها بين الحين والآخر حتى من واقع كتابة بعض المقالات التى ترتبط ببعض الأحداث التى تشهدها المناطق الفلسطينية سواء فى الضفة الغربية أو القدس الشرقية أو قطاع غزة أمراً مقبولاً رغم أنه أضعف الإيمان ، إلا أن المطلوب أصبح يفوق ذلك بكثير حيث يجب أن تتضافر كل الجهود الممكنة على أى مستوى حتى تظل هذه القضية العربية المحورية حية وحتى يمكن أن نصل إلى حلول سياسية تمنح الفلسطينيين كافة حقوقهم المشروعة وفى نفس الوقت تمنح لإسرائيل الأمن الذى من المؤكد أنه لن يكتمل إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة .
وإذا كانت الأوضاع الحالية تشهد توتراً ملحوظاً فى ضوء إعتزام إسرائيل تنظيم ما يسمى بمسيرة الأعلام يوم 29 مايو الجارى تلك المسيرة التى ينظمها المتطرفون والمستوطنون تحت رعاية وحماية ودعم الحكومة الإسرائيلية وسوف تمر عبر بعض أحياء مدينة القدس الشرقية حتى تصل إلى حائط البراق ، فإنى أرى أن هذه المسيرة الخطيرة ليست سوى إجراء محدود للغاية فى إطار منظومة أكبر وهى إعتزام إسرائيل فرض مزيد من سيادتها ليس فقط على القدس الشرقية ولكن أيضاً فرض سيادتها على المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين وهذا هو مكمن الخطورة فى الإجراءات الإسرائيلية المتدرجة .
ومن ثم أرى ضرورة أن ينتقل الإهتمام بموضوع تلك المسيرة – وهو إهتمام مطلوب وضرورى وعاجل – إلى إهتمام فلسطينى وعربى وإسلامى ودولى أكبر من حيث الشكل والمضمون يبحث مرة أخرى فى كافة جوانب القضية الفلسطينية ولا يترك كرة الثلج تتدحرج حتى تصل إلى مرحلة الإنفجار التى أرها قادمة حتى لو تأخرت وذلك فى ظل إستمرار هذا التراكم والتعسف من الإجراءات الإسرائيلية المتشددة تجاه الفلسطينيين من قتل وإعتقال وإعتداء على المقدسات وإستيطان أعمى ومزيد من تأجيج المشاعر وزيادة كافة معانى الكراهية والإنتقام وفقدان الأمل فى المستقبل .
وفى هذا المجال أود أن أوجه عشرات الأسئلة إلى القيادة الإسرائيلية الحالية ولكنى سوف أكتفى هنا بستة أسئلة فقط:
السؤال الأول : هل دوامة العنف الدائرة الآن فى المناطق الفلسطينية والتى من المتوقع أن تزداد وتيرتها خلال المرحلة المقبلة وما يترتب عليها من خسائر وضحايا من الجانبين تعتبر مرضية ومقبولة ومطلوبة لقيادة وأعضاء الحكومة ؟ .
السؤال الثانى : هل الهدف الذى تسعى إليه حكومة “نفتالى بينيت” هو إقامة علاقات سلام وتطبيع مع الدول العربية فقط مع إستثناء الفلسطينيين أصحاب الحق من هذا السلام ؟ .
السؤال الثالث : هل تعتقد إسرائيل أن إتفاقات السلام مع الدول العربية تكفى وحدها لتأمين وجودها ومصالحها فى المنطقة ؟ أو أن هذه الدول العربية سوف تصمت على هذا الوضع المتردى فى القدس والضفة الغربية ؟ .
السؤال الرابع : هل تعتقد إسرائيل أن الشعب الفلسطينى قد إرتضى بالوضع القائم وأصبح متوافقاً أو متعايشاً مع إحتلال أراضيه وحرمانه من إقامة دولته المستقلة ؟ وأن هذا الإحتلال سوف يستمر إلى مالانهاية ؟ .
السؤال الخامس : هل ترى إسرائيل أن القيادة الفلسطينية القادمة فى مرحلة ما بعد رجل السلام الرئيس أبو مازن سوف تكون أفضل بالنسبة لهم سياسياً وأمنياً ؟ وهل سيقبل أى قائد فلسطينى وطنى التنازل عن أى من الثوابت المعروفة ؟ .
السؤال السادس : هل تراهن إسرائيل على أن عامل الوقت سوف يكون فى صالحها سواء فى الضفة الغربية أو القدس أو قطاع غزة أو حتى بالنسبة لأوضاع عرب 48 ؟ .
وفى رأيى أن القيادة الإسرائيلية فى حاجة ماسة إلى أن تراجع مواقفها وسياساتها وأن تحاول الإجابة بصدق عن هذه الأسئلة السابقة التى من المؤكد أنها جميعها تحاول أن تمنع إنفجاراً مريعاً يمكن أن يحدث فى أى وقت وأن هذا الإنفجار لن يكون فى صالح أى من الأطراف ، وبالتالى أتمنى أن تقف القيادة الإسرائيلية مع نفسها ولو مرة واحدة وعليها أن تبتعد عن التشدد والمكابرة وتبدأ فى التفكير الجدى نحو حل القضية الفلسطينية بما يحقق أمن وإستقرار كافة الأطراف والمنطقة كلها من خلال المفاوضات .
وإذا كانت إسرائيل ترى فى الدولة الفلسطينية – التى يطالب بها المجتمع الدولى بلا إستثناء – تهديداً لأمنها فإنى أطالب القيادة الإسرائيلية الحالية بأن تطرح ولو لمرة واحدة رؤيتها الرسمية لحل القضية وكيفية تأمين حدودها وكيف يمكن ألا تكون الدولة الفلسطينية مصدراً لتهديد وجودها ، ومن المؤكد أنه فى حالة إستئناف المفاوضات فإنها سوف تكون قادرة على أن تبلور كافة الضمانات الأمنية ليس لإسرائيل وحدها ولكن للدولة الفلسطينية أيضاً ، وآمل أن نبدأ عملية تفاوضية جديدة ثم نرى نتائجها .
وبالتالى فإن مسألة إستمرار الإحتلال الإسرائيلى ومواصلة القوات الإسرائيليىة عمليات إقتحام المدن والمخيمات الفلسطينية والقيام بعمليات قتل وهدم منازل وإعتقال بدون رقيب أو حسيب لن تستمر إل الأبد ، الأمر الذى يفرض على القيادة الإسرائيلية التفكير الجدى لوقف كافة هذه الإجراءات وبدء مفاوضات سياسية من أجل حل القضية الفلسطينية ، كما أن عليها التخلى عن فكرة تثبيت الوضع القائم والإكتفاء بإتفاقات التطبيع العربى حيث أن التاريخ سوف ينصف الفلسطينيين وسوف تكون لهم دولتهم المستقلة مهما طال أمد هذا الإحتلال .
وفى الوقت الذى أطالب فيه القيادة الإسرائيلية بضرورة مراجعة مواقفها فإنى أطالب القيادة الفلسطينية أيضاً بمزيد من التحرك الإقليمى والدولى من أجل ممارسة أية ضغوط على إسرائيل حتى وإن لم تعبأ بها ولكن على الأقل تشعر أن الدول العربية أساساً والمجتمع الدولى لن يتخلى عن هذه القضية وسيظل حريصاً على أن تظل أحد أهم محاور تحركاته السياسية ، كما يجب على القيادة الفلسطينية أن تكون رسالتها التى توجهها للعالم فى هذا التوقيت أنها تقوم بعملية ترتيب البيت الفلسطينى قدر المستطاع ولاسيما إستئناف جهود المصالحة رغم تقديرى بصعوبة هذا الأمر ولكن فى كل الأحوال لابد من إستمرار الحركة الفلسطينية وألا تهدأ جذوة تحرك مابعد إستشهاد الإعلامية المخضرمة شيرين أبو عاقلة .
وفى ضوء ما سبق فإن إسرائيل سوف تكون هى المسئول الأول عن أى تصعيد يمكن أن يحدث فى الأراضى الفلسطينية أو حتى داخل إسرائيل نفسها وذلك إرتباطاً بما تقوم به من سياسات متشددة فى المناطق الفلسطينية وخاصة تجاه المسجد الأقصى وتضرب بعرض الحائط كافة القرارات والقوانين والإتفاقات ولا تعبأ إلا بمواقفها ومصالحها وتحقيق أهدافها فقط .وفى النهاية سواء تمت مسيرة الأعلام الإسرائيلية أو لم تتم وسواء تم تغيير مسارها أو لم يتغير فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بما فيها حكومة “بينيت” الهشة لاتزال تسكب الزيت على النار ، ولكنها يجب أن تعلم أنها لا يمكن أن تقف فى وجه حكم التاريخ وأن تمنع قيام الدولة الفلسطينية التى سوف تقام مهما طال أمد هذا الإحتلال الإسرائيلى وبالتالى أتمنى أن يأتى القرار الإسرائيلى السليم مبكراً حتى يوفر على الجميع ضحايا ومشكلات لن تكون فى صالح أحد ويعيد إلى المنطقة أمنها وإستقرارها .
.
رابط المصدر: