جدرى القردة.. وماذا بعد؟

وفاء صندي

 

لا يكاد العالم يتعايش مع فيروس كوفيد-19 الذى لا تزال تداعياته تخيم على كل مناحى الحياة، حتى ظهر فيروس آخر، لم تخف بعض الدول، منها أمريكا، قلقها من خطر انتشاره المفاجئ خارج إفريقيا. جدرى القردة، الذى ظهر مؤخرا فى دول أوروبا وأمريكا وأستراليا وكندا بين فئة الرجال المثليين ومزدوجى الميول الجنسية، هو مرض فيروسى نادر حيوانى المنشأ، ينقل أحيانا من الحيوانات إلى الإنسان.

اكتشف جدرى القردة أول مرة سنة 1958، عندما تفشى مرض يشبه الجدرى وسط قرود يحتفظ بها لغرض إخضاعها للبحوث العلمية، ومن هنا كان أصل الاسم. واكتشفت أول إصابة بشرية بهذا الفيروس فى عام 1970، لطفل يبلغ من العمر 9 سنوات، فى الكونغو. وأعلن القضاء عليه فى 1980. منذ ذلك الوقت ابلغ عن حالات متفرقة لعدد من المصابين بالفيروس فى افريقيا وحالات قليلة فى أمريكا، لكن ارتبط ظهوره دائما بإفريقيا. والجديد فى الحالات التى ظهرت مؤخرا حول العالم انها انتشرت بين اشخاص لم يسبق لهم السفر الى القارة السمراء. ومن المتوقع ان يتسارع انتقال العدوى خلال الأشهر القليلة المقبلة.

يمكن أن يحدث انتقال الفيروس الجديد من حيوان إلى إنسان من خلال الاتصال المباشر بالدم، أو سوائل الجسم، أو آفات الجلد، أو الأغشية المخاطية للحيوانات المصابة. ويمكن أن ينجم انتقال العدوى من إنسان إلى آخر عبر الاتصال الوثيق بإفرازات الجهاز التنفسى أو الآفات الجلدية لشخص مصاب أو أشياء ملوثة حديثا. ومع غياب العلاج أو وجود لقاح محدد لمكافحة هذا الفيروس، فإن الوسيلة الوحيدة للحد من الإصابة به هى رفع الوعى بعوامل الخطر المرتبطة به، واتخاذ التدابير التى يمكنها الحد من انتشاره من خلال تطبيق إجراءات الترصد والإسراع فى تشخيص الحالات الجديدة.

وبما اننا نعيش فى عالم موصوم بتزايد الفيروسات، فمن المهم فهم أسباب انتشار الأوبئة بهذا الشكل المتزايد. الحقيقة الأولى، اننا نعيش على هذا الكوكب بكثافة سكانية عالية جدا، إذ يبلغ عدد سكان العالم ازيد من 7.7 مليار نسمة. هذا الرقم فى تصاعد مستمر، اذ من المحتمل ان يصل الى 9.7 مليار مع حلول عام 2050، و11 مليارا مع حلول عام 2100. منذ عام 2007، انتقل المزيد من الناس للعيش فى المدن، ويعيش الآن أكثر من 4 مليارات شخص على 1% فقط من مساحة كوكب الأرض.هذا يعنى اننا نعيش أقرب من بعضنا البعض. وكلما زاد عدد الأشخاص فى مساحات صغيرة، ارتفع خطر التعرض لمسببات الأمراض وانتقال الفيروسات.

الحقيقة الثانية اننا نعيش فى قرية صغيرة بحدود جغرافية صحية هشة. فمع وجود وسائل النقل كالطائرات والقطارات السريعة، يمكن لفيروس أن ينتقل إلى جميع بلدان العالم فى أقل من يوم واحد. ففى غضون بضعة أسابيع فقط من تفشى فيروس كورونا فى ووهان الصينية، تم انتشاره فى أكثر من 16 دولة، ومنها الى كل انحاء العالم تقريبا.

الحقيقة الثالثة ان معظم هذه الفيروسات هى حيوانية المنشأ، نشأت من حيوان وانتقلت إلى البشر عبر عملية تعرف باسم تبديل المضيف. متلازمة الجهاز التنفسى الحادة الوخيمة (سارس) التى انتشرت فى الصين، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، وفيروس كورونا وجدرى القردة، كلها فيروسات نشأت فى الحيوانات قبل أن تنتقل إلى البشر.بعض العوامل التى تسهم فى هذا الانتقال لها علاقة بالسلوك البشرى ذاته، فتزايد تناول اللحوم بشكل كبير، وتوسع تربية الحيوانات الأليفة واتصالها المباشر مع البشر، وكثرة أسواق الحيوانات الحية التى تخضع لسوء التنظيم والمختلطة بالتجارة غير المشروعة لحيوانات برية، كلها عوامل توفر فرصة فريدة للفيروسات لتنتقل من الحيوانات إلى البشر.

الخلاصة، نحن نعيش فى عصر الأوبئة. النمو السكانى المرتفع، والازدحام، والنظام الغذائى المتبع،والنشاط البشرى السريع، والسلوكيات الأخرى التى تسبب اضطرابات بيئية أو تؤدى إلى ثغرات ايكولوجية جديدة من صنع الإنسان، تجعل كوكبنا مهددا بظهور ونقل الأمراض المعدية بشكل متزايد. من الممكن أن يتفشى العديد من الأمراض فى المستقبل ما لم يقم البشر بتغيير سلوكهم الآن. لابد من الوعى بأن للأنشطة البشرية تفاعلات عدوانية مدمرة وغير متوازنة مع الطبيعة، واذا لم نغير من هذه التفاعلات، فسنشهد ظهور أوبئة جديدة إن لم نقض عليها وقائيا فستقضى علينا فعليا.

نقلا عن جريد الاهرام بتاريخ 26 مايو 2022

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19521/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M