على وقع انتخابات التجديد النصفي التي شهدتها الساحة الأمريكية المحتقنة، دارت التوقعات بشأن هزيمة حزب الرئيس “جو بايدن” جراء البيئة السياسية شديدة الاستقطاب المصحوبة بحالة من الارتباك الجيوسياسي والتي يرافقها أعلى معدل تضخم منذ عقود، بجانب ارتفاع معدلات الجريمة والعنف والبطالة. إذ تعد انتخابات التجديد النصفي كنوع من الاستفتاء على أداء الرئيس وإدارته بعد عامين من توليه السلطة، وقد جرت العادة على أن يفقد حزب الرئيس أغلبيته النيابية خلالها بينما يحوز الحزب المعارض الأغلبية. هذا، وتحمل انتخابات العام الحالي أهمية خاصة نظرًا لكونها انعكاسًا لحجم الفرص المتعلقة بعودة الرئيس السابق “دونالد ترامب”.
ومن المفارقة، إن الحزب الديمقراطي قد دخل انتخابات التجديد النصفي الحالية مثقلًا برئيس يواجه شعبية متراجعة واقتصاد تضخمي؛ ومع ذلك، تمتع “بايدن” وحزبه بأقوى أداء في الانتخابات في منتصف المدة بالولاية الأولى لأي رئيس منذ ثمانية وثمانين عامًا، ناهيك عن كونه ثالث رئيس (“جون كينيدي” بعد أزمة الصواريخ الكوبية، و”جورج بوش” الابن بعد أحداث 11 سبتمبر) يستطيع أن يفوز بمقاعد في مجلس الشيوخ بينما يخسر أقل من 10 مقاعد في مجلس النواب. الأمر الذي يثير التساؤلات بشأن الأسباب المفسرة لهذا المشهد، كذا تداعياته وارتداداته على الساحة الأمريكية وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية القادمة.
مشهد انتخابي مركب:
شهدت الولايات المتحدة في 8 نوفمبر 2022 انعقاد انتخابات التجديد النصفيMidterm Elections، لانتخاب كل أعضاء مجلس النواب، وعددهم 435 نائب، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وعددهم 35 نائب من إجمالي 100نائب، بالإضافة إلى 36 حاكم ولاية من إجمالي 50 حاكم، فضلاً عن عدد من المناصب المحلية. وبشكلٍ عام، تعد الانتخابات النصفية نوعًا من الاستفتاء على أداء الرئيس وإدارته بعد عامين من توليه السلطة، وجرت العادة على أن يفقد حزب الرئيس خلالها أغلبيته النيابية لصالح الحزب المعارض. هذه الأغلبية التي كانت بالفعل محدودة وبهامش ضيق، ففي مجلس الشيوخ، شغل حزب الرئيس 50 مقعد بينما شغل الحزب الجمهوري ذات عدد المقاعد، ما أعطى نائبة الرئيس “كامالا هاريس”، الصوت الفاصل في عملية التصويت.
حظت الانتخابات النصفية لهذا العام بأهمية خاصة، كونها تعد مؤشرًا مهمًا على إمكانية عودة الرئيس السابق “دونالد ترامب” وتيار الترامبية في الانتخابات الرئاسية عام 2024. دخل الحزب الديمقراطي هذه الانتخابات مثقلًا برئيس ذا شعبية متراجعة واقتصاد تضخمي، إلا أن أداء الحزب الديمقراطي كان إيجابي. وبالرغم من أن الانتخابات النصفية تحظى – بقدر ما – باهتمام ومشاركة أقل مقارنة بالانتخابات الرئاسية، إلا أن هذه الانتخابات كانت مختلفة كونها شهدت منافسة محتدمة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في خضم حالة استقطاب سياسي ومجتمعي شديدة، وفي ظل أجواء تعبئة سياسية وحملات تمويلية هائلة لمرشحي الحزبين. وفي الأسابيع التي سبقت الانتخابات، أشارت بعض استطلاعات الرأى إلى أنه من المتوقع أن يحقق الحزب الجمهوري نجاحات كبيرة في هذه الانتخابات، سيما في ظل أزمة التضخم التي ساهمت في تراجع شعبية الرئيس “بايدن”.
وعلى غير المتوقع، استطاع الحزب الديمقراطي أن يحصد الأغلبية بمجلس الشيوخ الأمريكي، فقد صمد الديمقراطيون في أريزونا ونيفادا، واستطاعوا كذلك أن يقتنصوا ولاية بنسلفانيا، وبعد فوزهم في جولة الإعادة في جورجيا اتسعت أغلبيتهم من 50 إلى 51 مقعدًا. أما في مجلس النواب، فقد استطاع الحزب الجمهوري أن يحقق الأغلبية داخله، ولكن بهامش أقل من المتوقع، إذ حصل على 222 مقعد، في مقابل الحزب الديمقراطي الذي حصد 213 مقعد فقط. أما عن حكام الولايات، فقد نجح 18 مرشح ديمقراطي، في مقابل 18 مرشح جمهوري، وهو الأمر الذي يعني أن غالبية حكام الولايات ديمقراطيين، وذلك مع وضع الولايات التي لم تجري انتخابات هذا العام في الاعتبار. وفقًا لهذا المشهد، فقد اعتبر الحزب الديمقراطي وأنصاره أن نتائج الانتخابات تعد كمكسب مهم لهم.
هذا، وقد شهدت الانتخابات النصفية لهذا العام بعض المفارقات؛ من بينها فوز الجمهوري “جون دوارتي” الديموقراطي “آدم جراي” بمجلس النواب في كاليفورنيا بحزام مزرعة “سنترال فالي”، التي عُرفت بميلها الديمقراطي، في منافسة متقاربة للغاية. بينما تمكّن السيناتور الديمقراطى “رافائيل وارنوك” من الاحتفاظ بمقعده عن ولاية جورجيا، في وجه المرشح الجمهوري “هيرشل ووكر” المدعوم من “ترامب”، وهي المرة الأولى في تاريخ جورجيا الحديث التي يتم فيها ترشيح كلا الحزب لمرشحين من السود، ولدى كل من “وارنوك” و”ووكر” تجارب مع الفقر والمسيحية خلال نشأتهما، لكن وجهات نظرهما حول العرق والعنصرية في المجتمع متناقضة تمامًا. في حين فاز الديمقراطي “جون فيترمان” في مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا، بالرغم من إصابته بجلطة دماغية في وقت سابق من عام 2022 أثرت على مهاراته في التحدث مع الجمهور، في وجه الطبيب الشهير “محمد أوز”، المدعوم من “ترامب”.
علاوة على ذلك، فقد هزمت الحاكمة الديمقراطية “جريتشن ويتمير”، منافسها الجمهوري “تيودور ديكسون” في ولاية ميتشيجان، وهي المسألة التي يمكن ربطها بتعهدها الخاص”بالقتال مثل الجحيم” من أجل حقوق الإجهاض. وكذا، هزم كل من الجمهوريين “رون ديسانتيس” و”ماركو روبيو” منافسيهما الديمقراطيين في مقاطعة ميامي ديد، وهي منطقة تضم حوالي 70 في المائة من ذوي الأصول اللاتينية، وكانت قد صوتت لــ”هيلاري كلينتون” بفارق 30 نقطة في عام 2016. هذا، وقد أضاف الديمقراطيون أربع ولايات إلى قائمة “trifectas”، وهي الولايات التي يسيطر فيها حزب واحد على منصب الحاكم والمجلسين التشريعيين، بينما خسروا trifecta واحدة بعدما خسر الحاكم “ستيف سيسولاك” محاولته لإعادة انتخابه في ولاية نيفادا. في حين لم يسجل الحزب الجمهوري أي انتصارات متعلقة بــــــtrifectas، لكنه فقد فيها ولاية أريزونا بعد خسارته للسباق على منصب الحاكم.
واتصالاً بذلك، فقد فاز المرشحون المدعومون من “ترامب”، في المناطق التي لديها ميل جمهوري، ولكن في المناطق الأكثر تنافسية والتي شهدت سباقات محمومة قد تعثروا. ومن ثم، ظهر أن أداء المرشحين الذين اعتمدوا على قوة الارتباط مع الرئيس “ترامب” لم يكن جيدًا. إذ فاز “جي دي فانس، في أوهايو ، بانتخابه لكنه كان ضمن عدد قليل من الذين استطاعوا تحقيق ذلك. في ميتشيجان، خسر اختيار “ترامب” لــ”تودور ديكسون”، وفي ولاية بنسلفانيا، خسر المدعومون من “ترامب” في مجلسي النواب والشيوخ. وفي فلوريدا، فاز الحاكم “رون ديسانتيس” بهامش كبير، على الرغم من حالة العداء التي تخيم على علاقته بــ”ترامب”.
ومن ناحية أخرى، كانت هناك بعض المكاسب البارزة للمجموعات الأقل تمثيلاً. في ولاية ماريلاند، أصبح “ويس مور” أول حاكم أسود للولاية. وفي فلوريدا، أصبح “ماكسويل فروست”، سائق “أوبر” البالغ من العمر 25 عامًا، أول عضو من الجيل Z ينضم للكونجرس. أما نيو هامبشاير، فقد تم انتخاب “جيمس روسينر”، لعضوية الهيئة التشريعية فيها، ليصبح بذلك أول رجل متحول الجنس بشكل علني يفوز في أي انتخابات تشريعية للولاية، كما أصبحت “مورا هيلي” من ولاية ماساتشوستس أول حاكمة مثلية للولاية. ومن الجدير بالذكر، إن الحزب الجمهوري لم يغفل التركيز على هذه المجموعات لكل من مجلسي النواب والشيوخ كجزء من استراتيجيته طويلة المدى لتأمين قاعدة تصويت أكثر استدامة.
هذا، وقد أنفق كلا الحزبين ومجموعات المصالح القريبة منهما مبالغ غير مسبوقة قُدرت بنحو 10 مليارات خلال حملاتهما، التي شهدت – بشكل واضح – غياب للرسائل الإيجابية، بل ركزت بشكل رئيس على قيام كل فريق بالنيل من الفريق الآخر. فيما أوضحت تقديرات OpenSecrets، أن حجم الإنفاق بلغ 16.7 مليار دولار، وهو ما يجعلها الأعلى في التكلفة على الإطلاق. وتكمن الخطورة هنا في أن حجم الإنفاق الكبير بهذا الشكل يبدو موجه في أغلبه لتحقيق انتصارات قائمة على بث الشقاق والفرقة، أي دفع الساحة الأمريكية نحو مزيد من الانقسام.
ساحة أمريكية على صفيح ساخن:
لفتت انتخابات التجديد النصفي على الساحة الأمريكية الانتباه نظرًا لما حوته من المفارقات التي لم تكن لتتكشف إلا بإنتهاء الإنتخابات، كما حملت مؤشرات أكثر خطورة على إتجاه الساحة الأمريكية نحو المزيد من التأزم والانقسام، وهو الأمر الذي يمكن تفكيكه في ضوء عدد من الأمور؛ أبرزها:
فشل تكهنات “الموجة الحمراء”
اتجهت بعض التحليلات إلى التأكيد على أن المشكلات المتداخلة والمعقدة التي تشهدها الساحة الأمريكية، والتي أدت – بقدر ما – إلى تراجع شعبية “بايدن”، ستدفع انتخابات التجديد النصفي صوب “موجة حمراء”. وهي المسألة التي ترافق معها دعوة “ترامب” إلى حشد “موجة حمراء عملاقة” من الجمهوريين لضمان هزيمة الديمقراطيين. إلا أن صناديق الإقتراع كشفت عن وضع مخالف، إذ استطاع الجمهوريون أن يسيطروا على مجلس النواب بهامش محدود لا يعكس أي “موجة حمراء”، ناهيك عن إخفاقهم في تحقيق الأغلبية بمجلس الشيوخ. الأمر الذي يعني أن هذه التحليلات والتكهنات لم يكن لديها قراءة معمقة أو تفكيك عميق للمشهد الانتخابي الأمريكي. علاوة على ذلك، فإن فشل الجمهوريين في تأمين أغلبية كبيرة في مجلس النواب، وفشل الديمقراطيين في ذلك من قبل خلال انتخابات 2020، يؤشر على استمرار مناخ الاستقطاب السياسي الحاد على الساحة الأمريكية.
واتصالاً بذلك، يبدو من الصعب الفصل بين التأثير السلبي المحتمل للارتباط بـــ”ترامب” والتأثير السلبي المحتمل المرتبط بتواضع قوة المرشح نفسه. فعلى سبيل المثال، يبدو أداء المرشح الجمهوري “هيرشل والكر” أسوأ من أداء المرشح الجمهوري لمنصب حاكم جورجيا “بريان كيمب”، وهي المسألة التي يصعب تفسيرها في ضوء عامل واحد وهو مدى علاقتهما بــــ”ترامب”. وهو الأمر الذي يمكن النظر إليه عبر نموذج المرشح “جي دي فانس” – المدعوم من “ترامب” – في ولاية أوهايو، الذي أدى أداءً جيدًا.
“ترامب” لا يزال مؤثر
كشفت انتخابات التجديد النصفي، وكذا الأجواء المحيطة بها عن استمرار تأثير “ترامب” على الساحة الأمريكية. وهو الأمر الذي يمكن النظر إليه في ضوء الحديث المتكرر عن انحسار نفوذ “ترامب” على الساحة الأمريكية منذ عامي 2015 و2016، فمع كل فضيحة جديدة أو أداء محرج في المناظرات أو تصريح عنصري أو تصرف غير لائق، كانت التحليلات تسارع بالتأكيد على موت ترشيحه، لكن على الرغم من عيوبه الكثيرة، ما زالت سيطرة “ترامب” على قطاع كبير من الحزب الجمهوري موجودة. هذا، وقد اتجهت بعض التحليلات إلى أن فوز المرشح الجمهوري “رون ديسانتيس” كحاكم فلوريدا، سوف يجعله المرشح الأقوى للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو ما يضع مستقبل “ترامب” السياسي على المحك، كون “ديسانتيس” ينتمي أيضًا لتيار اليمين الشعبوي داخل الحزب لكن بصبغة أكثر عقلانية واستقرار.
وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن الاستهانة بتأثير ونفوذ “ترامب”، كونه لا يزال لديه القدرة على الاشتباك مع القضايا المهمة للمحافظين، الذين يمثلون القاعدة الرئيسة للحزب الجمهوري، مثل: الهجرة والجريمة. لذا، اعتبر بعض المحللين أن “ترامب” قد نجح في ضمان قاعدة محافظة وشعبوية عريضة تجمع بين جانب من النخبة الرأسمالية الرافضة لسياسات العولمة وحرية التجارة، والقطاع المتدين المحافظ الرافض للحريات الجنسية والإنجابية. وعليه، تبدو هذه القاعدة ذات تأثير كبير في أية انتخابات قادمة لصالح “ترامب”، طالما لم يظهر مرشح آخر قادر على التعبير عن مطالب وتطلعات هذه القاعدة.
تصفية الحسابات السياسية
يتضح من المشهد الحالي أن حالة الانقسام التي تشهدها الساحة الأمريكية قد تدفع كلا المعسكرين لاستغلال الفوز الذي حققه في الانتخابات النصفية من أجل تصفية الحسابات السياسية. ومع قدرة الجموريين على تحقيق الأغلبية بمجلس النواب، فمن المتوقع أن تجري سلسلة من التحقيقات من جانب، وشيوع حالة من الجمود الذي قد تتسبب في تعطيل أجندة الرئيس “بايدن”، إن لم يكن إيقافها تمامًا، من جانب آخر، ناهيك عن تزايد فرص الإغلاق الحكومي. واتصالاً بذلك، فقد علق النائب “جيمس كومر”، الذي من المقرر أن يرأس لجنة الرقابة بمجلس النواب، والتي من المفترض أن تكون معنية بإجراء تحقيقات مكثفة حول التعاملات المالية لــ”بايدن” وابنه “هانتر”، في صحيفة “وول ستريت جورنال”، قائلاً: “إذا كان لدى أفراد عائلة بايدن صفقات مع خصوم أجانب، فقد يضر ذلك بعملية صنع القرار كرئيس بطريقة تهدد الأمن القومي”. وكذا، فإن النائب “جيم جوردان”، الذي من المحتمل أن يترأس اللجنة القضائية، قد يتجه لفتح تحقيقًا بشأن قيام وزارة العدل بتفتيش مقر إقامة “ترامب”.
وعلى هذا النحو، فمن غير المرجح أن يكون للأولويات الديمقراطية، وخصوصًا التقدمية منها، أي فرصة للتركيز عليها من قبل مجلس النواب، كالحق في الاجهاض على سبيل المثال. إلا أنه في المقابل، وبالرغم من الجمود الحزبي المتوقع، سيتعين على الفريقين، الديمقراطيون بمجلس الشيوخ والجمهوريين بمجلس النواب سيما بالنظر إلى هامش الأغلبية الضئيل الذي يتمتع به كلا الفريقين، العمل معًا لتمرير مشروع قانون الإنفاق السنوي كبديل عن المخاطرة بإغلاق حكومي. كما يمكن أن تكون هناك رغبة في التوافق بين المعسكرين بشأن بعض المجالات الأخرى، كالتعامل مع شركات التكنولوجيا الكبرى على سبيل المثال.
تزايد احتمالات اتساع نطاق الأزمة الاقتصادية
تشهد الساحة الأمريكية مشكلات اقتصادية واضحة يعانيها المواطن الأمريكي، فقد استقر مؤشر أسعار المستهلك عند أعلى مستوياته منذ 40 عام، كما أن الزيادة في الأجور ليس بإمكانها تغطية الزيادة المقابلة في الأسعار، وهي المسألة التي ارتبط بها تدخل بنك الاحتياطي الفيدرالي لرفع سعر الفائدة من أجل ضبط وتيرة التضخم. وتعتبر بعض التحليلات أن استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة في سبيل الحد من التضخم، قد تدفع الولايات المتحدة إلى الركود إذا أدت تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى خفض الطلب كثيرًا. ومن ثم، فقد ركز الجمهوريون نقاشهم خلال الانتخابات النصفية – إلى حد كبير – على المخاوف بشأن ارتفاع التضخم واحتمال الانزلاق صوب الركود خلال العام المقبل. لذا، فقد تعهد المشرعون الجمهوريون بكبح جماح الإنفاق الفيدرالي.
علق “بريان جاردنر”، كبير استراتيجيو السياسة بمؤسسة “ستيفل” التمويلية، على الانتخابات النصفية قائلاً أنه “بالنظر إلى الانقسام القادم، فإن تمرير أذونات الإنفاق الحكومي وزيادة سقف الدين سيكونان أكثر صعوبة مما كان متوقعًا في السابق.” هذا، وقد دعا بعض الجمهوريين إلى استخدام سقف الديون الفيدرالية كوسيلة ضغط في مفاوضات الإنفاق الفيدرالي. كما بات من المتوقع أن يجد المشرعون الجمهوريون صعوبة في إعطاء الضوء الأخضر لمزيد من الإغاثة الاقتصادية بعدما ألقوا باللوم على إدارة “بايدن” في التسبب في موجة التضخم المرتفعة، وهو الأمر الذي يبدو أنه لعب دورًا في فوزهم بمجلس النواب. علاوة على ذلك، قد يعمد الجمهوريون عدم المضى قدمًا في تعزيز الاقتصاد إذا وقع الركود في السنوات الأخيرة لــ”بايدن”، وذلك من أجل تمهيد الطريق أمام المرشح الجمهوري بالسباق الرئاسي 2024.
تباين القضايا المؤثرة في الانتخابات
يمكن القول بشكل عام إنه خلال الانتخابات النصفية، يتزايد التركيز على قضايا الاقتصاد، بينما تتصاعد حالة الانقسام فيما يخص القضايا الانتخابية الخلافية ذات الأولوية للناخبين؛ فعلى سبيل المثال: ترى قاعدة الحزب الجمهوري أن قضايا الهجرة والجريمة ذات أهمية قصوى، بينما ترى قاعدة الحزب الديمقراطي أن قضايا مثل الرعاية الصحية والإجهاض تحتل أهمية شديدة. إلا أن الملمح البارز المرتبط بالانتخابات الأخيرة يتعلق بأن الاقتصاد والتضخم لم يكونا العاملين الرئيسيين فقط في نتيجة الصناديق كما بدا معتادًا في الانتخابات السابقة، وإنما لعبت قضايا أخرى كالإجهاض والهجرة وتغير المناخ دورًا مماثلاً. لذا، اعتبر بعض المحللين أن اهتمام الجمهوريين بالقضايا الاقتصادية فحسب كان “سوء تقدير منهم”، سيما في ضوء تشددهم إزاء بعض القضايا الاجتماعية، وتجاهلهم لعقلية جيل زد (Z)، الذي يعد الأكثر ميلاً نحو الدفاع عن المزيد من الحريات، والدفاع عن حق الإجهاض.
واتصالاً بذلك، أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة Edison Research أن الاقتصاد والإجهاض كانا أهم قضيتين بالنسبة للناخبين، إذ قال 76 ٪ من الديمقراطيين إن الإجهاض كان المحرك الأكبر لتصويتهم. كما قدر مركز المعلومات والأبحاث حول التعلم والمشاركة المدنية (CIRCLE) أن 27٪ من الشباب (الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عامًا) أدلوا بأصواتهم في عام 2022، مما يجعل هذه الانتخابات النصفية ثاني أعلى نسبة إقبال على التصويت من الشباب منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. ووفقًا لبيانات استطلاعات الرأي التي أجراها مركز Edison Research National Election Pool كان الناخبين الشباب الفئة العمرية التي استشهدت بالإجهاض باعتباره القضية الأكثر تأثيرًا على تصويتهم؛ 80٪ من الشباب الذين يريدون الإجهاض قانونيًا صوتوا للديمقراطيين؛ و89٪ من الشباب الذين يريدون أن يكون غير قانوني صوتوا لجمهوريين.
مجمل القول، إن انتخابات التجديد النصفي قد جاءت في توقيت تشهد فيه الساحة الأمريكية حالة انقسام شديدة، لذا، فقد عكست الانتخابات هذه الحالة بكل وضوح، ناهيك عن كونها – أي الانتخابات – قد أعطت مؤشرات بإتجاه الساحة الأمريكية نحو مزيد من الاستقطاب والانقسام. وهو الأمر الذي يعني أن السباق الرئاسي القادم في عام 2024 قد يصبح أكثر ضراوة واحتقان من السباق الرئاسي السابق لعام 2020. وما يزيد الأمر سوءً هي حالة الانقسام الداخلية في كلا المعسكرين، سواء الجمهوري أو الديمقراطي، والتي تبلورت آخر ملامحها في انقسام الجمهوريين في مجلس النواب بشأن منصب رئيس المجلس، وهو المشهد الذي يعكس الفجوة القائمة بين التيار المعتدل والتيار “الترامبي” داخل الحزب الجمهوري، وهي المسألة التي ارتبط بها الحديث حول تزايد فرص ترشيح “ديسانتيس” لمنصب الرئيس في 2024.
.
رابط المصدر: