مقدمة:
شهدت مصر خلال شهر سبتمبر 2020م، حراكاً شعبياً في العديد من المحافظات، بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي يعاني منها الكثير من أفراد الشعب المصري، والناتجة عن السياسات التي يتبعها “نظام” عبد الفتاح السيسي. وتقدم هذه الورقة رصداً للحراك الذي شهده الشارع المصري مؤخرا، مع تحليله، ومع محاولة استشراف ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع خلال المرحلة المقبلة.
ولكي يمكن فهم طبيعة هذا الحراك، مقارنة بالحراك الذي حدث في العام الماضي، سنقوم في البداية بعرض سريع للحراك الذي حدث في سبتمبر 2019 وما تم للتعامل معه خلال الأشهر التي تلته، وذلك باستعراض خلاصة الدراسات التي قمنا بإجرائها حول هذا الموضوع.
أولاً: ما قبل حراك سبتمبر 2020:
عاد الهدوء إلى الشارع المصري بعد التحرك الذي شهدته الميادين المصرية في شهر سبتمبر من عام 2019م، بناء على الدعوة التي وجهها الفنان والمقاول “محمد علي” للمواطنين المصريين للتظاهر لإسقاط حكم عبد الفتاح السيسي، وهذا بعد أن قام بالكشف عن بعض الفساد المالي والاقتصادي للسيسي وعائلته من جهة، والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى، في العديد من الفيديوهات التي بثها قبل دعوته لنزول المواطنين إلى الميادين في 20 سبتمبر 2019م.
وبناء على دعوة محمد علي، تظاهر المواطنون في 20 سبتمبر 2019م، في عدة محافظات كانت على رأسها المحافظات الكبرى “القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، الغربية، السويس”، وكانت معظم التظاهرات في الميادين والشوارع الرئيسية، وفي القاهرة وصل المتظاهرون إلى ميدان التحرير بعد سنوات من عدم قدرتهم على الوصول الى هذا الميدان بناء على الاستنفار الأمني الذي تقوم به قوات الأمن بعد أي دعاوى لتظاهرات أو حراك، وبعد أن لوحظ ضعف القبضة الأمنية في ذلك اليوم مقارنة بالاستحكامات المعتادة.[1]
معظم المتظاهرين المشاركين في حراك 2019م، كانوا ممن ينطبق عليهم وصف شباب القوى الثورية، والذين لديهم اهتمامات بالشأن العام المصري بشكل عام، والذين ظنوا من رسائل محمد علي في فيديوهاته بأنه يعبر عن مجموعات غاضبة من داخل “المؤسسات السيادية” على السيسي ونظامه، وأنهم سيقومون بالتخلص من السيسي في حالة تحرك الشعب، على غرار ما تم في 03 يوليو 2013م، خاصة مع وجود بعض الشواهد على هذا الأمر.
لم يدم حراك سبتمبر 2019م طويلاً، وذلك لسببين رئيسيين:
1- الضربات الأمنية السريعة التي قامت بها قوات الأمن المصري في الفترة من 20 سبتمبر 2019 إلى 27 سبتمبر 2019م، لصفوف المجموعات التي شاركت في الحراك، والتي قدرتها بعض المؤسسات الحقوقية بحوالي ثمانية الأف معتقل في أسبوع واحد، خاصة بعد الرسائل الواضحة من الرئيس الأمريكي ترامب بدعمه للسيسي عندما التقى به يوم 23 سبتمبر في الولايات المتحدة.
2- خطة السيسي المحكمة التي اعتمدها في مواجهة الحراك، والتي نستطيع أن نرى ملامحها في ثلاث مراحل:
أ-مرحلة “الحشد مقابل الحشد”: حيث قامت أجهزة السيسي بالقيام بحشد مصنوع و “مأجور” في منطقة مدينة نصر بمحافظة القاهرة، وأجبرت بعض موظفي الدولة على المشاركة، بالإضافة إلى قيام حزب مستقبل وطن الذي تديره أجهزة مخابرات السيسي بحشد بعض المواطنين من ذوي الحاجة وأعطت لهم مقابلاً مادياً نظير المشاركة، وقامت القنوات الإعلامية المصرية، الحكومية منها والخاصة، التي يسيطر عليها النظام بتغطية على مدار اليوم لذلك الحشد المصطنع لإظهار شعبية زائفة للسيسي، وفي المقابل، قامت قوات الأمن بإغلاق كافة الميادين الكبرى للحيلولة دون حدوث أي تظاهرات معارضة للسيسي.
ب-مرحلة الاحتواء و التراجع الشكلي: علم السيسي وأيقن أن الخطر الحقيقي عليه في هذه المرحلة ليس من القوى السياسية أو الجماهيرية، و إنما هو من المناوئين له من داخل الأجهزة السيادية “جيش ومخابرات عامة” وهم من كانت لديهم الأدوات والإمكانيات لاستغلال حراك سبتمبر 2019، في حال استمراره؛ ولذلك قام السيسي في شهر سبتمبر 2019م، والشهور القليلة التي تلته بعدة إجراءات لاحتواء غضب تلك الأطراف المعارضة له من داخل الأجهزة، والتي نكل بها بعد 03 يوليو 2013م، لكي يسيطر على الموقف، ولكي يظهر أنه بصدد بداية مرحلة جديدة لحكمة تعمل على إعادة دمج كل من نكل بهم في منظومة الحكم مرة أخرى، وجاءت تلك الإجراءات على النحو التالي:
1-الإفراج عن الفريق سامي عنان الذي ظل سنتين رهن الاعتقال، حيث يعتبر الفريق سامي عنان “الأب الروحي” للعسكريين المختلفين مع السيسي في إدارة بعض الملفات داخل الدولة المصرية، فضلا عن بعض القادة العسكريين الآخرين الذين أطاح بهم السيسي من داخل الجيش لكي يسيطر على المؤسسة العسكرية ويحول منظومة الحكم من منظومة حكم المؤسسة العسكرية إلى حكم الفرد العسكري المسيطر والمهيمن أو “الحاكم الديكتاتور”.
2-إبعاد بعض القيادات العسكرية المقربة من نظامه من مناصبهم، والذين اكتسبوا عداوة تلك الأطراف المناوئة، وعلى رأس تلك القيادات اللواء مصطفي الشريف، رئيس ديوان السيسي، والذي أطاح به السيسي من منصبه بعد حراك 2019م وقام بتعيين اللواء أحمد علي بدلاً منه، حيث يحظى الأخير بقبول عند كل الأطراف. قام السيسي أيضاً باستبعاد ابنه محمود “بشكل مؤقت” من إدارة بعض الملفات التي كان يديرها داخل جهاز المخابرات وأرسله في بعثة إلى روسيا، واستبعد أيضا الضابط بالمخابرات العامة أحمد شعبان “صديق محمود السيسي المقرب” والذي كان يدير الملف الإعلامي من أجل احتواء الموقف. كذلك قام السيسي أيضاً بإقالة “صديقة المقرب” الفريق يونس المصري من منصب وزير الطيران المدني في التعديل الوزاري الذي تم في شهر ديسمبر 2019م، وعين بدلاً منه الطيار محمد منار عنبة.[2]
3-قام السيسي بإعادة بعض القيادات التي تم استبعادها من المشهد خلال السنوات الماضية والمعروفين باختلافهم في وجهات النظر معه في العديد من الملفات، وكان من أكثر الإجراءات “إيجابية” لاحتواء السيسي للموقف داخل المؤسسة العسكرية، هو إعادة الفريق أسامة عسكر المعروف باختلافه مع نظام السيسي في إدارة بعض الملفات وخصوصاً ملف أزمة سيناء، وتعيينه في حركة ديسمبر 2019م التي جرت داخل الجيش رئيساً لهيئة عمليات القوات المسلحة، وهو منصب هام للغاية. وكذلك قام السيسي بتعيين اللواء عماد الغزالي أميناً عاماً لوزارة الدفاع، حيث كان اللواء “الغزالي” يتولى قيادة المنطقة العسكرية أثناء حراك سبتمبر 2019م، والذي كان لديه رأي بعدم مواجهة المتظاهرين، وربما كان هذا أحد أسباب عدم مواجهة الشرطة للمتظاهرين آنذاك، مما شجع المتظاهرين على الوصول إلى ميدان التحرير. وعلى الجانب الأخر قام السيسي أيضاً بتفعيل دور اللواء ناصر فهمي، نائب رئيس جهاز المخابرات العامة، والذي كان مهمَّشاً منذ تعيينه نائباً للواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة في عام 2018م، والمحسوب على “رجّالة عمر سليمان”، وذلك تزامنا مع الاستبعاد المؤقت لمحمود السيسي.
ج-مرحلة التنكيل: بعد هدوء موجة الحراك، عاد السيسي إلى نفس نهجه في مواجهة القوى التي يراها مناوئة له، وعاد الفريق عنان معتقلاً كما كان ولكن بدلاً من اعتقاله بالسجن الحربي أصبح يقبع تحت الإقامة الجبرية المشددة في منزله. كما أعاد نجله محمود السيسي مره أخرى وأصبح يدير معظم الملفات السياسية والأمنية بمساعدة أحمد شعبان، بالإضافة بالطبع للواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، وعاد اللواء ناصر فهمي نائبه للتهميش مرة أخرى. وأقال السيسي اللواء عماد الغزالي من منصب أمين عام وزارة الدفاع بعد ستة أشهر فقط من تعيينه، وظهر جلياً أن تعيينه كان فقط مرحلياً لإخراجه من الخدمة بناء على رأيه بعدم قمع احتجاجات سبتمبر 2019م.
لم يكتفِ السيسي بهذا فقط بل عمل على إخراج المقربين له والذين كان لهم رأي مخالف له في بعض القرارات المجتمعية والاقتصادية، التي كانوا يرون أنها تضر مصلحة النظام بشكل عام؛ فأقال السيسي اللواء شريف الدين حسين “صديقة المقرب” من منصب رئيس هيئة الرقابة الإدارية قبل حراك 20 سبتمبر 2020م، و ذلك بعد ساعات من تصريحه “اللي مش قدها يمشي”[3] ، حيث تفيد المعلومات المتوافرة لدينا أن اللواء شريف الدين حسين كان يرى أن تفعيل قانون الإزالات سيتسبب في غضب فئات كثيرة من المجتمع منها الفقراء في القرى والنجوع و الأحياء الشعبية ومنهم أيضاً رجال دولة مبارك “النافذين”، وأن النظام في تلك المرحلة يجب أن يتجنب الدخول في مثل تلك الصراعات حفاظاً على استقراره واستمراره.
وقام السيسي أيضاً قبل حراك 20 سبتمبر 2020م، بالتنكيل ببعض رجال دولة مبارك تلك الدولة التي ما زالت لديها أدوات وقدرات، والتي من وجهة نظري أصبحت في حالة “معركة صفرية” مع دولة السيسي التي تحاول القضاء عليها تماماً، فتم القبض على رجل الأعمال صلاح دياب وإعادة إحياء محاكمة كل من الفريق أحمد شفيق والوزير الأسبق صفوت الشريف، وكذلك إعادة محاكمة علاء وجمال نجلي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في العديد من القضايا.
ثانياً: حراك 2020، بيانات وإحصائيات:
تسير الأوضاع “الاقتصادية والمجتمعية والأمنية والحقوقية” بشكل عام منذ 03 يوليو 2013م من السيء إلى الأسوأ، وقرارات السيسي الصارمة تلقي بالعبء على الطبقات المتوسطة والفقيرة بشكل كبير[4]. وخلال الشهور الماضية، اتخذ السيسي بعض القرارات التي زادت من إلقاء العبء على تلك الطبقات، منها القرارات الخاصة بزيادة أسعار السلع الأساسية والإستراتيجية، وزيادة أسعار المحروقات، وزيادة أسعار المواصلات، وفرض الضرائب المختلفة على المواطنين، انتهاءً بتطبيق قانون إزالة وهدم منازل المواطنين وما يسمى “بالتصالح” الذي يقضي بتحصيل مبالغ كبيرة منهم للتجاوز عن المخالفات.
كل هذه القرارات الصارمة كانت دافعاً أساسياً لخروج المواطنين “البسطاء” إلى الشارع للتعبير عن رفضهم لقرارات المنظومة الحاكمة، التي لا تهتم بأوضاع المواطنين “البسطاء” الذين أصبح أكثرهم يقبعون تحت خط الفقر، طبقا للإحصائيات الرسمية للدولة المصرية[5]. تزامن كل هذا الكبت والضجر الشعبي مع دعوات الفنان والمقاول محمد علي للتظاهر، ولذلك كانت هناك استجابة بشكل كبير من المواطنين المصريين وتحديداً أهالي القري والنجوع والمناطق الشعبية. وجاء حراك سبتمبر 2020م، في الفترة من 18 سبتمبر 2020م، الى 2 أكتوبر 2020م، بناء على ما تم رصده من وحدة الرصد والتوثيق بالمعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية على النحو التالي:
المحافظة | عدد التظاهرات | المحافظة | عدد التظاهرات |
الجيزة | 94 | الإسكندرية | 3 |
المنيا | 17 | بني سويف | 3 |
القاهرة | 10 | السويس | 2 |
القليوبية | 9 | الفيوم | 3 |
أسيوط | 7 | الإسماعلية | 2 |
أسوان | 6 | البحيرة | 2 |
دمياط | 5 | الغربية | 1 |
قنا | 5 | بورسعيد | 1 |
الأقصر | 5 | المنوفية | 1 |
سوهاج | 4 |
وبالتالي بلغ عدد الاحتجاجات المرصودة 180 حالة احتجاج، توزعت على 19 محافظة من أصل 27 محافظة مصرية.
من حيث عدد التظاهرات وأعداد المشاركين، جاءت محافظة الجيزة في المرتبة الأولي بعدد 94 حالة حراك، رصدنا منها 9 تظاهرات يمكن أن توصف بالحاشدة “أكثر من ألف مشارك” و25 تظاهرة قدرنا حجم المشاركين فيها من 500 الى 1000 شخص، وباقي التظاهرات قدرنا أن من شارك بها أقل من 500 شخص. جاءت قرى مركز أطفيح في محافظة الجيزة في المرتبة الأولى من حيث عدد التظاهرات وأيضاً من حيث أعداد المشاركين، وجاءت تلك القرى بالترتيب “الكداية- البليدة-كفر قنديل- العطف-أبو النجم- البرمبل-منية الرقة-الزرابي” وهي قرى أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والخدمية متردية بشكل كبير، بالإضافة الى منطقة الوراق بمحافظة الجيزة التي شهدت أيضا تظاهرات عدة، وتعرضت خلال السنوات القليلة الماضي لعدة محاولات لنقل بعض سكانها للتمكين من إقامة مشروعات سياحية كبيرة في وسط النيل.
جاءت محافظة المنيا في المرتبة الثانية من حيث عدد التظاهرات وعدد المشاركين أيضاً، حيث شهدت قرى محافظة المنيا 17 حالة حراك، اثنتان منها شارك فيهما الألاف في قرية جبل طير و قرية بني أحمد، و8 تظاهرات قدرنا حجم المشاركين فيها من 500 الي 1000 شخص، و7 تظاهرات قدرنا أن من شارك فيها أقل من 500 شخص؛ وجاءت القرى التي خرجت بتظاهرات في محافظة المنيا على النحو التالي “ريدا-جبل الطير-المطاهرة-تلا-بني مزار-أبو قرقاص- بني أحمد- دلجا- ناقوصة- المشاغة- منشية دهشور” وتلك القرى بناء على ما أظهرته فيديوهات التظاهرات، وكما نقل بعض أهالي محافظة المنيا، أوضاعها الخدمية والاقتصادية في منتهى السوء والتدهور.
التظاهرات الأخرى التي خرجت في محافظات “الفيوم، قنا، الإسماعلية، أسيوط، البحيرة، بور سعيد، المنوفية، بني سويف، الأقصر، سوهاج، دمياط، القليوبية” هي قرى توصف بأنها فقيرة ومعدومة الخدمات ولا تلقى أي اهتمام من قبل الدولة.
التظاهرات التي خرجت في محافظة القاهرة والتي وصل عددها الى 10 تظاهرات جاءت على النحو التالي “3 حلوان، 1 البساتين، 1 المعادي، 1 صقر قريش، 2 المطرية، 1 مدينة السلام، 1 طره” وهي من المناطق التي كانت تشارك باستمرار في تظاهرات ما بعد 03 يوليو 2013م، والتي كانت تدعم الرئيس الراحل محمد مرسي، إلى أن توقف ذلك الحراك بالقرب من نهاية عام 2015م.
التظاهرات التى خرجت في محافظة أسوان والتي وصل عددها الي 6 تظاهرات بما فيهم احتجاج الأهالي في محيط مديرية أمن أسوان للإفراج عن الأطفال الذين تم اعتقالهم على واقع الاحتجاجات، كما وصف بعض الصحفيين فإن من الأسباب الرئيسية التي دفعت المتظاهرين للخروج إلى الشارع، هو سيطرة الجيش “بوضع اليد” على أراضي النوبيين المحيطة بالسد العالي والتي يراها أهالي محافظة أسوان “النوبيون تحديدا” أنها أراضي أجدادهم ولا يجوز التفريط فيها، وفشلت جهود جهاز الأمن الوطني في وضع حل لتلك الأمر خلال الشهور الماضية، لذلك استغل أهالي تلك المناطق الدعاوي للتظاهرات للتعبير عن غضبهم وقاموا بحرق استراحة الرئاسة المطلة على السد العالي في إحدى تلك التظاهرات.
الملاحظ في تلك الاحتجاجات أن نوعية المشاركين بها كانت نوعية مختلفة تماماً عن نوعية المتظاهرين الذين شاركوا في حراك سبتمبر 2019م، فكان معظمهم أفراداً ليس لديهم أية توجهات سياسية، حرَّكتهم الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تسببت في معاناتهم المعيشية، بناء على القرارات الاقتصادية التي اتخذها السيسي وحكومته.
فالحراك كان تلقائياً وغير منظم وكان دافعه الغضب والاحتقان من الأوضاع و القرارات الاقتصادية بشكل رئيسي، وكانت شرارة ذلك الحراك ما تم في قرية الكداية بمركز أطفيح بمحافظة الجيزة صباح يوم الأحد الموافق 20 سبتمبر 2020م، مختصر الواقعة أن قوات الأمن نزلت في ذلك اليوم لحصر المنازل المخالفة المتواجدة في القرية تمهيدا لأعمال الهدم، ولكن واجه أهالي القرية تلك القوات وحطمت بوكس شرطة ، وانتشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير مما شجع القرى المجاورة على للنزول في مساء اليوم بناء على دعوة محمد علي للتظاهر مساء يوم 20 سبتمبر 2020م. بالتأكيد كان لمحمد علي دور كبير في تشجيع الناس على النزول و الاستمرار فيه لعدة أيام، وقام المتظاهرين بإرسال فيديوهات التظاهر لمحمد علي لعرضها على حساباته على “فيسبوك وتويتر”، ولكن ما نقصده هنا أن الأوضاع الاقتصادية المتردية لأهالي القرى والنجوع في المحافظات المختلفة وتعسف أجهزة الدولة في السير في إجراءات الهدم و الغرامات كانت هي الدافع الرئيس لنزول الناس، الذين شجعتهم بعد ذلك دعوات محمد علي لاستمرار الحراك، الذي نرى أنه من حيث الأعداد المشاركة والانتشار الجغرافي كان أكبر من حراك سبتمبر 2019م. ومعظم التظاهرات تركزت في القرى والمناطق والنجوع الأكثر فقراً، والتي عانت وتعاني بشكل كبير في كافة النواحي المعيشية، باستثناء بعض التظاهرات التي خرجت في محافظتي القاهرة والإسكندرية وبعض المدن و تركزت بالأساس في الأحياء الشعبية.
من اهم المظاهر التي أظهرتها تلك الاحتجاجات، أن المشاركين فيها لا يوجد لديهم رهبة من قوات الأمن، كما أصبح حال المنتمين للقوى السياسية والثورية المختلفة التي شهدت بطش قوات الأمن بعد 03 يوليو 2013م، وهذا يفسر حرق بعض مركبات الشرطة في عدة مناطق، ومطاردتها ومنعها من الوصول لأماكن التظاهر في مناطق أخرى بدون خوف، وعلى سبيل المثال ما تم في منطقة صقر قريش بالقرب من المعادي بمحافظة القاهرة حيث قام المتظاهرون بملاحقة مدرعة شرطة مما دفع قائد المدرعة الى الهروب خوفاً من المتظاهرين. أيضاً من مظاهر عدم الخوف التي أظهرتها تلك الاحتجاجات الوقوف على مقربة من قوات الأمن والهتاف ضد النظام بدون رهبة أو خوف، والظهور في المظاهرات أمام الكاميرات دون محاولة التخفي. يضاف إلى ذلك نزول بعض أهالي القرى التي تم حصارها من قبل قوات الأمن واعتقلت العشرات بها وواجهت المحتجين بالرصاص الحي والخرطوش بدون خوف أو تراجع، وتم هذا تحديداً في قرى الكداية وكفر قنديل والبليدة بمركز أطفيح بالجيزة، وكذلك أيضاً في محافظة دمياط.
أخيرا تجدر الإشارة إلى أن محمد علي في دعوته لحراك 20 سبتمبر 2020م، وضح عليه التطور الفكري وفهم الأمور بشكل أكثر عمقاً، وانعكس هذا على خطابه بشكل كبير، هذا بخلاف ما كان عليه أثناء دعوته لحراك سبتمبر 2019م وأيضا لحراك 25 يناير 2020م “الذي فشل بشكل تام”، فكان محمد علي في دعوات العام الماضي يظهر عليه الاستعجال، وكانت الرسالة التي يرسلها تدل على عدم إحاطته بالأمور بدقه وعدم فهمه للأوضاع داخل مصر ومدى توغل الجيش في الدولة المصرية، ويبدو أنه أصبح الآن متفهماً للأوضاع داخل مصر بشكل أعمق، وللطبيعة التراكمية التي يمكن أن يحدثها الحراك، فأصبح يدعو المتظاهرين الي اتباع سياسة النفس الطويل ويكرر كثيراً أن الثورات لا تتم في يوم وليلة و أن هذه هي فقط البداية،.. إلخ.
ثالثاً: مواجهة السيسي للحراك:
لم يقف السيسي مكتوف الأيدي، فقد قام مسرعاً بمشاركة من نجله محمود السيسي واللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة وآخرين، بوضع خطة لاحتواء الحراك الذي تسبب في بعض الإرباك لنظامه، وبالرغم من رصد غضب الشعب المتنامي من أجهزة السيسي، إلا أن بعض المصادر أفادت بأن التقارير الأمنية التي تم رفعها للسيسي قبل حراك 20 سبتمبر 2020م، تنبأت بان الشارع المصري لن يقوم بحراك استجابة للدعاوى له، نظراً للقبضة الأمنية التي يتم فرضها على المواطنين، إلا أن الشعب خالف توقعات الجميع ومنها أجهزة السيسي وقام بحراك بشكل أكبر وأوسع نطاقاً مما كان عليه في سبتمبر 2019م.
لم تختلف خطة السيسي لاحتواء حراك 2020، عن الخطة التي واجه بها حراك 2019م، وكانت على النحو التالي:
1- تراجع و احتواء “مؤقت”: بناء على التقارير الأمنية التي تابعت الحراك، فإن قانون إزالة وهدم البيوت كان أحد دوافع نزول المواطنين الى الشوارع، فعمل السيسي سريعاً من خلال رئيس حكومته مصطفي مدبولي على إطلاق بعض التصريحات التي تفيد بأن الحكومة ستتوقف عن قرارات الهدم “بشكل مؤقت” وأن مصلحة المواطن هي مبتغى الحكومة، وأعلن عن فتح باب التصالح الي أخر شهر أكتوبر “ومن المحتمل أنها قد تمد الى فترات أخرى” لكي يقوم المواطنون بتقنين أوضاع منازلهم[6]، وخرج السيسي على الشعب متحدثا لكي يُطمئن المواطنين بأن من تم هدم منازلهم سينقلون إلى منازل أخرى أو كما قال ” مش هنرمي الناس في الشارع بعد إزالة منازلهم المخالفة” [7]وهذا إلى الآن يبدو أنه مجرد وعود فقط، فلم ترصد أي إجراءات لتفعيل ذلك الأمر. يضاف إلى هذا نزول بعض نواب مجلس الشعب المؤيدين للسيسي للقرى التي شهدت حراكاً بشكل مكثف، وتم إعطاء وعود لحل مشاكل أهالي القرى، ومثال على ذلك ما فعله النائب علاء عابد نائب مجلس الشعب عن مركز أطفيح الذي شهد أكبر عدد من التظاهرات، ووعد أهالي قرية “الكداية” بأن الدولة ستلبي كل طلباتهم “وهو أيضا ما لم يحدث حتى الآن”.
أيضاً عمل السيسي من خلال حزب مستقبل وطن “المدار أمنياً” على تقديم بعض “العطايا ” لبعض الأسر في القرى والنجوع لكي يمتص حالة الغضب، ومن هذا ما أعلنه حزب مستقبل وطن بأنه سيتحمل قيمة مقابل التصالح لألف حالة مخالفة في كل محافظة من حالات محدودي الدخل بإجمالي 27 ألف حالة على مستوى الجمهورية.[8] ويبدو أن حالة التراجع تلك شكلية الى حد كبير ولم يتم تنفيذ الوعود فيها بشكل جدي حتى وقت كتابة هذه الورقة.
2- حشد مقابل حشد: فيديوهات التظاهرات التي أذاعتها القنوات المعارضة والتي عرضها أيضاً الفنان محمد علي على صفحاته انتشرت في الداخل والخارج وأظهرت مدى الغضب الجماهيري المتنامي ضد السيسي ونظامه، ولذلك قامت إدارة الشئون المعنوية بفبركة تظاهرة في منطقة نزلة السمان بمحافظة الجيزة لضرب مصداقية تلك التظاهرات وروج لذلك عدد من الإعلاميين، ولكن لم تحقق الغرض منها حيث أن الناس في مواقع تلك التظاهرات قد شاهدوها بشكل حقيقي، ولذلك قامت الأجهزة الأمنية يوم الجمعة 02 أكتوبر، تحسبا لنزول الجماهير استجابة لدعوة محمد علي إلى ميدان التحرير ثم ميدان العتبة، بحشد مؤيد للسيسي ولكنه حشد مصطنع و “مأجور”، وقامت بإجبار بعض موظفي الدولة على المشاركة، بالإضافة الى قيام حزب مستقبل وطن الذي يدار من قبل الأجهزة الأمنية بإعطاء مبالغ ووجبات لبعض المواطنين لكي يشاركوا في تلك المظاهرة المؤيدة للسيسي.
3- الضربات الأمنية وقمع المسيرات: اللافت في هذه المرة أن مراحل مواجهة السيسي للحراك جاءت متعاقبة ومتسارعة وفي آن واحد، ليس كما تم في مواجهته لحراك 2019م والتي حاولت فيها الأطراف المناوئة للسيسي تعظيم الاستفادة من الحدث بعد لي ذراع السيسي، فكانت هناك فترة زمنية بين كل مرحلة ومرحلة، فالسيسي تراجع شكليا “بشكل مؤقت” وحشد حشداً مضاداً وقام بضربات أمنية في وقت واحد في حراك سبتمبر 2020.
فقد شنّت أجهزة السيسي حملة اعتقالات مكثفة في مناطق وبؤر الاحتجاجات وتحديداً في محافظات “الجيزة، القاهرة، المنيا، أسوان، أسيوط”، ووصل عدد المعتقلين الى 2000 شخص[9]. اللافت أيضاً في تلك المرة أن الأجهزة الأمنية قامت بمواجهة بعض تلك الاحتجاجات داخل القرى والنجوع وقامت بإطلاق الرصاص الحي والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع على بعض تلك المسيرات التي خرجت بناء على تردي الأوضاع المعيشية، وأوقعت عشرات المصابين، وكشفت تقارير إعلامية أن عدد القتلى الذين سقطوا على يد وزارة الداخلية يوم ما أطلق عليه جمعة الغضب الأولى 25 سبتمبر 2020، أربعة أشخاص، وذكرت الأسماء على النحو التالي:
- سامي وفقي بشير (25 عاما) قرية البليدة بمحافظة الجيزة.[10]
- رضا محمد حامد (22 عاما) قرية البليدة بمحافظة الجيزة.
- محمد ناصر حمدي إسماعيل (13 عاما) قرية البليدة بمحافظة الجيزة.[11]
- الطفل إسلام محمد تعيلب. نزلة عليان بمحافظة الجيزة.[12]
كما قامت الأجهزة الأمنية بعد تراجع التظاهرات في بعض القرى والنجوع بشن حملات أمنية تشاركت فيها قوات من الأمن الوطني وقوات العمليات الخاصة على بعض أفراد تم رصد مشاركتهم في تلك التظاهرات، ووصل الأمر أنها قتلت أحد المواطنين في منزله في محافظة الأقصر وهو المواطن عويس الراوي الذي رد الإهانة عن والده[13]. وقامت قوات الأمن باعتقال الصحفيين الذين عملوا على تغطية الحراك، فتم اعتقال الصحفية بسمة مصطفى لتغطيتها الميدانية لأحداث احتجاجات المواطنين على مقتل المواطن عويس الراوي في محافظة الأقصر، وقررت نيابة أمن الدولة حبس بسمة مصطفى ١٥ يوم على ذمة التحقيقات في القضية رقم ٩٥٩ لسنة ٢٠٢٠ بتهمة “الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة”[14]، ثم قرر النائب العام المصري حمادة الصاوي إخلاء سبيلها يوم الأحد الموافق 06 أكتوبر 2020م، بعد تغطية خبر اعتقالها من وسائل إعلامية داخلية وخارجية بشكل مكثف، وبعد مطالب حقوقية بالإفراج الفوري عنها.[15]
من هنا يظهر أن قوات الأمن اتبعت “استراتيجية التخويف”، لذلك استخدمت كل أشكال البطش والتنكيل في مواجهة الحراك فقامت بالقتل المباشر والاعتقال حتى يخضع المواطنون وحتى يفكروا كثيرا قبل التظاهر مرة أخرى، وهذا هو الأسلوب المعهود الذي تستخدمه قوات الأمن مع المتظاهرين، وقد حقق نجاحاً طيلة الفترات الماضية مع المتظاهرين الذين ينتمون للحركات والقوي السياسية المختلفة؛ ولكن نوعية المشاركين في تلك الاحتجاجات مختلفة فهم جموع ليس لهم أي انتماءات سياسية واحتاج الأمن لبعض الوقت حتى يضع الأسلوب المناسب لإجهاض حالة الحراك تلك .
رابعاً: الأوضاع إلى أين؟:
بناء على الوضع الراهن فهناك سيناريوهان محتملان لتطور الأحداث:
السيناريو الأول: تراجع السيسي لاحتواء الموقف:
أربك عزوف 54 مليون مواطن عن انتخابات مجلس الشيوخ التي جرت خلال الفترة الماضية، والحراك الشعبي الذي شهده الشارع المصري في سبتمبر 2020م، السيسي ونظامه بعض الشيء، وأوضح أن الأمور تسير على عكس ما يريده النظام، وأظهر أن القمع الأمني لم يفلح في إسكات المواطنين تماماً، وأن الأوضاع الاقتصادية التي تتجه نحو الأسوأ خلال المرجلة المقبلة نتيجة لتداعيات أزمة كورنا على الاقتصاد المصري المتراجع أصلاً، فضلاً عن عدة عوامل أخرى، سيكون لها تداعيات مؤثره قد تهدد النظام بشكل حقيقي.
ولذلك يرى البعض أن السيسي من الممكن أن ينتهج سياسات جديدة “مستدامة” وتحديداً في الملف الاقتصادي حتى تهدأ الأوضاع وتتراجع بعض الشيء معاناة الطبقات المتوسطة والفقيرة التي عانت وتعاني بشكل كبير بسبب سياسات نظامه الاقتصادية، وأنه سيتوقف عن تنفيذ بعض القرارات التي بسبها تحرك أغلب المشاركين في حراك سبتمبر 2020، هذا بالتزامن مع زيادة قبضته الأمنية لإحكام سيطرته على محافظات وقرى ومناطق الأطراف والتي كانت بعيدة بعض الشيء عن السيطرة الأمنية، بخلاف مدن ومناطق العاصمة الكبرى وبعض محافظات الساحل والوادي “سياسة العصا والجزرة”، وفي نفس الوقت سيقوم بالتنكيل بالقوى السياسية خاصة “قوى الإسلام السياسي” لإسكاتها وعدم دعوتها أو حتى تأييدها لأي حراك مجتمعي خلال الفترات المقبلة، ويرى البعض أن توقيت تنفيذ أحكام الإعدام التي جرت في أوائل شهر أكتوبر 2020م، في حق 15 شخص بعد أكثر من 3 سنوات من تأكيدها نهائيا رسالة قوية من السيسي ونظامه أن هذه هي طريقة التعامل مع الشعب إذا رفع صوته.
السيناريو الثاني: عدم الالتفات والاستمرار في السياسات:
وهو السيناريو المرجح من وجهة نظري، و ذلك على غرار ما حدث بعد سبتمبر 2019م، وهو يقوم على أن السيسي سيتعامل مع الحراك الحادث مؤخرا من منظور أمني فقط لإسكات وإخماد حالة الحراك الحالي، وسيقوم بالمزيد من حملات الاعتقال في المحافظات المختلفة، مع القيام بتنفيذ أحكام الإعدام الإضافية لردع الشعب وتخويفه إذا ما اندلع الحراك مرة أخرى “استراتيجية التخويف والقمع”، وسيجمد بشكل مؤقت تنفيذ بعض القرارات ومنها قرار هدم المنازل، حتي يسيطر على الحراك بشكل كامل، ثم سيعود الى نفس سياساته الاقتصادية بل سيتخذ قرارات أشد وستعاني الطبقات المتوسطة والفقيرة بشكل أكبر مما تعانيه الآن، وهذا كان نفس أسلوب تعامل السيسي مع حراك سبتمبر 2019م بعد تأكده من توقف الحراك.
ختاماً:
من وجهة نظري فإن تراجع السيسي “المؤقت” عن المضي قدماً في تنفيذ هدم منازل المواطنين ما هو إلا “خدعة استراتيجية” لكي تهدأ موجة الحراك، وأنه سيعاود قريباً تنفيذ تلك الإجراءات، بل سيعمل على سن قوانين أخرى أكثر تشدداً، ستلقي بعبء أكبر على عاتق المواطنين، وستعاني الطبقات المتوسطة والفقيرة بشكل أكبر مما تعانيه الآن، مما قد يدفع إلى تحرك المواطنين بشكل أكبر خلال الفترات المقبلة[16]. يضاف إلى ذلك أنه في المستقبل القريب ستظهر تداعيات الانتهاء من إنشاء سد النهضة الذي فشل السيسي في التعامل معه، وفي ظل غياب أي أفق للوصول إلى اتفاق نهائي مع إثيوبيا حول ملء السد وتشغيله، وهذا قد يكون دافعا أكبر لحراك الشارع مرة أخرى إذا ما بدأ ظهور آثار النقص في المياه بشكل حاد.
ديدن السيسي هو العناد والخداع، ولن يقوم بتغيير نهجة وسياساته التي يسير عليها، وتوقف الحراك هو إعطاء فرصة للسيسي للانقضاض. فالأنظمة القمعية لا تفهم غير سياسة التنكيل وسياساتها تنحصر فقط في “فلسفة البقاء”، وحين تجبر على تغيير بعض سياساتها بسبب تهديد قد يلحق بالنظام تكون فقط مرحلة انحناء للعاصفة مع وضع خطة للانقضاض والانتقام؛ لذلك تكون فاتورة الهزيمة في الفعل الثوري المتقطع باهظة للغاية.
وبناء على الوضع الحالي، ومن وجهة نظري فإن وتيرة الاحتجاجات ستتصاعد مرة أخرى لعدم معالجة أسباب الاحتقان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وإذا تم استثمار تلك الحالة يمكن أن يكون ذلك مدخلًا لإصلاحات أو تغيير حقيقي في المدى المنظور يؤدي الى تحول ديمقراطي إذا أحسن الاستفادة منه.
إذا أراد المصريون حراكاً يؤدي الى تحول ديمقراطي، فعليهم أن يعلموا أن تلك هي فقط مرحلة البداية التي يمكن البناء عليها، وأن الشعب بدأ يكسر حاجز الخوف، وإن كان ذلك على استحياء، وأن الثورات لا تحقق أهدافها في “يوم وليلة”، ولتحقيق انتصار في معركة الحرية والتخلص من الاستبداد يجب اتباع سياسة “النفس الطويل”؛ والتجارب الناجحة في التحول الديمقراطي في عدد من البلدان مثل “إيران – الأرجنتين – إسبانيا – إندونيسيا – البرازيل.. وغيرها” دليل على ذلك، حيث استمر العمل الشعبي لشهور وأحياناً لسنوات دون انقطاع حتى أتى بثماره، وأن الحراك الحادث في 2020 في مصر، ومن قبله في 2019 ما هو إلا حالات تتراكم أثارها وستتبعها حالات أخرى، أكثر تقاربا على الأرجح حتى الوصول إلى نقطة حرجة، لن يمكن للنظام فيها الصمود أمام الفعل الثوري.
من خلال قراءة تجارب التحول الديمقراطي في كلٍ من الأرجنتين وتشيلي وإندونيسيا وغيرها من البلدان يتضح أن أهم العوامل التي أدت إلى سقوط الحكم العسكري في تلك البلدان أربعة أمور: –
أ- تراجع الدعم الدولي للنظم العسكرية في تلك البلدان.
ب- تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير على يد تلك النظم العسكرية.
جـ- تيقن جزء من داخل المؤسسة العسكرية بان الضرر سيلحق بالمؤسسة العسكرية ككل في حال استمرار النظام العسكري واتخاذ القرار بالوقوف مع التغيير.
د- الملف الحقوقي والانتهاكات التي مارستها تلك النظم العسكرية في حق الشعوب.
وتلك العوامل بعضها متواجد بشكل كبير الآن في الحالة المصرية بدرجات مختلفة، ويمكن للعوامل الأخرى أن تدخل على الساحة باستمرار الفعل الشعبي.
الحراك الشعبي الذي شهده الشارع المصري يؤكد أن مثل هذا الحراك إذا أحسن إدارته سوف يأتي بنتيجة، وأن السيسي ونظامه يمكن أن يتراجعوا بسبب الضغط الشعبي المستمر، مما يؤدي الى تعظيم المكاسب، مما سيشجع الجماهير لاتباع هذا النهج لتحقيق مطالبها.
يحاول السيسي الالتفاف على الحراك الشعبي وتراجعه هذا، بناء على أسلوبه المعتاد، ما هو إلا عملية خداع، وأنه بعد هدوء موجة الحراك، سيعود لنفس سياساته الاقتصادية التي تُلقي بالعبء على الجميع، وسيقوم بالتنكيل والقمع بشكل أشد وهذا الذي بدأ بالفعل خلال الأيام الماضية من خلال حملات الاعتقالات المكثفة التي تمت في القرى والنجوع وقتل المتظاهرين في المنازل، وكذلك تنفيذ أحكام الإعدامات لردع الروح المتنامية الرافضة له، وهذا الأسلوب قد ينجح في المدى القصير، لكن في المدى المتوسط، ودون القيام بتغييرات حقيقية سياسية واقتصادية واجتماعية، فإن حالة الاستقرار المصنوع التي تظهر في مصر لن تستمر طويلاً، وسيكون انفجار الأوضاع حتمياً كما يتوقع الكثيرون من المحللين.[17]
الهامش
[1] محمد على: هل يقود صراع الأجنحة إلى سقوط السيسي؟، محمود جمال، المعهد المصري للدراسات، تاريخ النشر 20 سبتمبر 2019م، الرابط
[2] عنان وحركة ديسمبر: الأسباب والتداعيات، محمود جمال، المعهد المصري للدراسات، الرابط
[3] السيسي للمحافظين ومديري الأمن: اللي مش قد إزالة المخالفات يمشي، الوطن، تاريخ النشر 28 أغسطس 2020م، تاريخ الدخول 04 أكتوبر 2020م، الرابط
[4] حرب السيسي على الفقراء، صدى، تاريخ النشر 01 أكتوبر 2020م، تاريخ الدخول 06 أكتوبر 2020م، الرابط
[5] معدل الفقر في مصر يرتفع إلى 32.5 في المئة من عدد السكان، بي بي سي، تاريخ النشر 30 يوليو 2019م، تاريخ الدخول 05 أكتوبر 2020م، الرابط
[6] مدبولي يعلن مد مهلة التصالح على مخالفات البناء حتى نهاية أكتوبر: مليون و400 ألف مواطن تقدموا لتقنين أوضاعهم، درب، تاريخ النشر 24 سبتمبر 2020م، تاريخ الدخول 05 أكتوبر 2020م، الرابط
[7] السيسي: مش هنرمي الناس في الشارع بعد إزالة منازلهم المخالفة، القاهرة 24، تاريخ النشر 27 سبتمبر 2020م، تاريخ الدخول 05 أكتوبر 2020م، الرابط
[8] مستقبل وطن يقرر تحمل قيمة التصالح عن 1000 مخالفة لمحدودي الدخل بكل محافظة، اليوم السابع، تاريخ النشر 25 سبتمبر 2020م، تاريخ الدخول 05 أكتوبر 2020م، الرابط
[9] محامٍ: المقبوض عليهم في «مظاهرات سبتمبر» حوالي 2000 والمخل سبيلهم 80، مدى مصر، تاريخ النشر 03 أكتوبر 2020م، تاريخ الدخول 07 أكتوبر 2020م، الرابط
[10] مصر: مقتل شخص في اشتباكات مع الشرطة خلال مظاهرة مناهضة للرئيس السيسي جنوب القاهرة، فرنس 24، تاريخ النشر 26 سبتمبر 2020م، تاريخ الدخول 05 أكتوبر 2020م، الرابط
[11] مقتل 3 متظاهرين بإحدى قرى محافظة الجيزة برصاص الأمن، عربي 21، تاريخ النشر 25 سبتمبر 2020م، تاريخ الدخول 05 أكتوبر 2020م، الرابط
[12] مظاهرات مصر.. إصابات خطيرة بعد استهداف الشرطة لمحتجين بالجيزة، الجزيرة، تاريخ النشر 26 سبتمبر 2020م، تاريخ الدخول 05 أكتوبر 2020م، الرابط
[13] مصر: مقتل عويس الراوي يتسبب بمصادمات بين الشرطة ومحتجين في الأقصر، بي بي سي، تاريخ النشر 02 أكتوبر 2020م، تاريخ الدخول 06 أكتوبر 2020م، الرابط
[14] محامية: حبس الزميلة بسمة مصطفى 15يوما على ذمة القضية ٩٥٩ لسنة ٢٠٢٠ بتهم الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، درب، تاريخ النشر 04 أكتوبر 2020م، تاريخ الدخول 05 أكتوبر 2020م، الرابط
[15] بعد اختفائها في الأقصر.. النائب العام يعلن الإفراج عن صحفية مصرية، الحرة، تاريخ النشر 06 أكتوبر 2020م، تاريخ الدخول 2020م، الرابط
[16] حرب السيسي على الفقراء، ماجد مندور، صدي، تاريخ النشر 01 أكتوبر 2020م، تاريخ الدخول 06 أكتوبر 2020م، الرابط
[17] مصر بعد فيروس كورونا: العودة إلى المربع الأول، مركز كارنيجي، تاريخ النشر 26 أغسطس 2020م، تاريخ الدخول 06 أكتوبر 2020م، الرابط
رابط المصدر: