مصر والهند: عندما يمثل الاقتصاد القاعدة الأساسية للتقارب الاستراتيجي

نيرمين سعيد

 

في طريق العودة من واشنطن وبعد صفقة تاريخية رفعت مستوى الشراكة بين نيودلهي وواشنطن إلى مستوياتها الاستراتيجية، وصل رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، في زيارة هي الأولى منذ وصوله إلى سدة الحكم، إلى القاهرة فيما يمثل إطلاقًا للمكابح في العلاقات المصرية الهندية. ويمكن القول إن العاصمتين، وبعراقة دبلوماسية معهودة، ضغطتا بقوة مصحوبة بتأنٍ وهدوء لرفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستويات استراتيجية كذلك. وكانت الهند سابقًا قد وجهت دعوة إلى القاهرة للمشاركة كضيف في مداولات مجموعة العشرين تحت رئاسة نيودلهي لمدة عام، ومن هنا يمكن أن تتوج زيارة “مودي” إلى مصر بصفقات ثنائية ملموسة، وإعلانات من شأنها تعزيز العلاقات بين البلدين، خصوصًا أنه خلال هذا العام كان الرئيس عبد الفتاح السيسي ضيف الشرف في احتفالات يوم الجمهورية.

تعدد الدوافع وإجمالها

تتحرك الهند تجاه مصر واضعة في اعتبارها عددًا من الدوافع: 

● أولًا لأن التقارب مع القاهرة يعد جزءًا من استراتيجية نيودلهي الجديدة في المحيط الهندي، بجانب أن علاقاتها القوية مع القاهرة في هذا التوقيت الضاغط من الناحية السياسية والاقتصادية يعد بطاقة خضراء لنيودلهي التي تتلمس طريقها في أفريقيا، ويفتح أمامها أبواب الثقة في القارة السمراء التي تنظر إلى القاهرة بوصفها نموذجًا في التنمية قياسًا حتى على عضويتها وفترة رئاستها النابهة لتجمع الكوميسا. ومن ثم فإن هذا يمهد لشراكات على مستوى عالٍ بين الهند والدول الأفريقية، خصوصًا أن الهند تضع نصب أعينها مسألة أمن الطاقة والأمن البحري كما فندت مبادئ الجغرافيا السياسية.

● وبالعودة إلى مسألة الأمن البحري، فإن علاقات الهند مع قوة ريادية في البحر المتوسط والأحمر تتيح لها الاستفادة من تجارب القاهرة. أما على مستوى القارة الأفريقية فمصر تتمتع بحضور لافت في شمال أفريقيا وحضور مؤثر في القرن الأفريقي، ومن ثم فإنها تمثل الشريك الأمثل لنيودلهي.

● تبحث نيودلهي عن مساحات أوسع لتحركاتها وشراكاتها في الشرق الأوسط، وبالتأكيد فإن علاقتها المتنامية مع دولة بحجم مصر تؤهلها لذلك، وفي نفس السياق دفع الولايات المتحدة لكبح نفوذ الصين في الهادئ من خلال تعظيم دور الهند. وفي اجتماع عُقد في الرياض في 7 مايو، ناقش مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ونظيريه الإماراتي والهندي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مشروع اتصال واسع النطاق. تهدف هذه المبادرة الطموحة إلى إنشاء روابط على الطرق والسكك الحديدية والموانئ، وتعزيز الروابط الاقتصادية الأقوى بين الشرق الأوسط والهند.

● هذا المشروع هو نتيجة العديد من الاجتماعات التي عقدت منذ يوليو 2022. بين المجموعة المكونة من الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، وتركز بشكل أساسي على النمو الاقتصادي. وعلى الرغم من الحديث عن تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تسعى واشنطن حاليًا إلى دمج استراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ، والتي تتضمن كبح توسع الصين في تلك المنطقة، مع انخراطها في الشرق الأوسط. وتأمل في تحقيق ذلك من خلال الاستفادة من العلاقات مع دلهي، مما يدل على الترابط المتزايد بين هاتين البؤرتين الجيوسياسية الساخنة.

● هناك عامل آخر في التقارب بين الهند ومصر والهند والشرق الأوسط من خلال مجموعة I2U2، وهو الاتفاق على فكرة التخوف من قوى التطرف وعلى وجه التحديد جماعات الإسلام السياسي، ولذلك فإن التعاون في مجال مكافحة للإرهاب ركيزة أساسية في العلاقات بين القاهرة ونيودلهي وهو أساس أيديولوجي قوي يضيف ركيزة أخرى إلى منطلقات العلاقات بين البلدين. في نفس السياق، فإن تعزيز التعاون في مجال الدفاع هو خير دليل على الإرادة المشتركة لإطلاق علاقة استراتيجية بين البلدين. وقد أكد “السيسي” خلال كلمته في قصر “حيدر أباد” استمرار التنسيق والتدريب المشترك وتبادل الخبرات والعمل لاستكشاف آفاق إضافية لتعميق التعاون في هذا المجال بما في ذلك التصنيع المشترك.

● وامتدادًا لبرجماتية الهند، فإنها قد تفضل العمل مع الولايات المتحدة على الصين في الشرق الأوسط؛ ومع ذلك، لا يزال لديها نهجها المستقل في المنطقة بما يتجاوز الرؤية الاستراتيجية للولايات المتحدة. والدليل على ذلك هو مناقشات نيودلهي مع أبو ظبي لتسوية التجارة غير النفطية بالروبية الهندية مقابل الدولار الأمريكي، على الرغم من أن تجارة النفط لا تزال مستقرة بالدولار. وبالنظر إلى الفروق الدقيقة في السياسة الخارجية للهند، جنبًا إلى جنب مع تعاونها الاقتصادي مع الصين، قد يكون المسؤولون الأمريكيون مخطئين عندما يرون نيودلهي وحدها بمثابة حصن ضد بكين. ومع ذلك، فإن وجود الهند في الشرق الأوسط يعكس الطبيعة متعددة الأقطاب المتزايدة في المنطقة.

● على مستوى الدافع الأفريقي، يعد الاستثمار الأجنبي المباشر للهند في أفريقيا كبيرًا، ولكن أكثر من 90٪ منه يتدفق عبر موريشيوس، وهي ملاذ ضريبي يمكن من خلاله إعادة توجيه الأموال إلى بلدان أخرى. يتركز الاستثمار الأجنبي المباشر المتبقي في قطاعات مثل النفط والغاز والتعدين والأدوية والمنسوجات. استثمرت شركات المنسوجات الهندية العملاقة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بشكل أساسي لتصدير منتجاتها النهائية إلى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، مستفيدة من مبادرات مثل والضرائب التفضيلية والصادرات الخالية من الحصص إلى الاتحاد الأوروبي.

● وتمثل أفريقيا منطقة تتمتع فيها الهند بميزة على منافستها الرئيسة، الصين. مع وجود رجال الأعمال الهنود في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء والاستخدام الشائع للغة الإنجليزية، وفي بعض البلدان، الفرنسية والبرتغالية، يتمتع الهنود المقيمون بطلاقة في هذه اللغات. علاوة على ذلك، تبنى العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية بالفعل التقنيات الوسيطة الهندية واستخدمتها بنجاح.

● وافتتح الدكتور إس جايشانكار، وزير الشؤون الخارجية النسخة الثامنة عشرة من اجتماع بنك CII-Exim حول شراكة النمو بين الهند وإفريقيا في نيودلهي في 14 يونيو 2023. ويعتمد منشور India Exim Bank البحثي بعنوان “إقامة شراكة مستدامة بين الهند وأفريقيا من خلال الانتقال الأخضر” على التجارة الثنائية والاستثمار بين الهند وإفريقيا، ويركز على إمكانية تعزيز علاقات الاقتصاد الأخضر. فلا تزال الهند وأفريقيا عرضة لتغير المناخ على الرغم من احتساب نصيب الفرد من الانبعاثات أقل بكثير مقارنة بالمتوسط العالمي. وبالتالي، فإن بناء شراكة بين الهند وأفريقيا من خلال التحول الأخضر يمكن أن يعزز التنمية المستدامة، ومعالجة تغير المناخ، وتعزيز التعاون المتبادل بين المنطقتين.

● الإمكانات الهائلة غير المستغلة لأفريقيا للاستثمارات حقيقة معترف بها. يعمل Exim Bank Research بعنوان -“إمكانات الاستثمار الهندية في أفريقيا”- على تعزيز هذا العنصر من خلال تحديد 16 دولة ذات إمكانات عالية من بين 54 اقتصادًا أفريقيًا حيث ستكون الشركات الهندية في وضع جيد للاستفادة من خلال تعميق ارتباطاتها الاقتصادية. وتشمل هذه الدول: مصر، وجنوب أفريقيا، وكوت ديفوار، وبوتسوانا، وتنزانيا، وكينيا، وموزمبيق، والكاميرون، ومالي، وتونس، وغانا، والمغرب، وزامبيا، ونيجيريا، والجزائر، وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

● يحدد التحليل المتعمق أيضًا صناعات معينة داخل هذه الاقتصادات التي لها روابط استثمارية عالية مع الهند. فتم إجراء مسح شامل لإمكانيات المستثمرين للشركات الهندية العاملة في أفريقيا. وأشارت النتائج إلى الأهمية الكبيرة الممنوحة لعوامل مثل: أمن واستقرار المواد الخام، وحجم السوق، وسياسات الاستثمار الداخلي الجذابة، والنظام القانوني للمستثمرين المحتملين.

● وفي مسألة أمن الطاقة أيضًا، ترى الهند في مصر شريكًا استراتيجيًا لما استطاعت القاهرة تحقيقه في السنوات الأخيرة من خلال فرض نفسها في معادلة شرق المتوسط من خلال احتياطاتها من الغاز الطبيعي، فضلًا على قدرتها على تصدير الطاقة الكهربية إلى جنوب القارة الأوروبية، إضافة إلى مشاريع الربط الكهربائي التي أطلقتها بينها وبين دول في قارتي أفريقيا وآسيا. ذلك فضلًا عن أن مصر وبالموانئ الضخمة الحديثة التي تمتلكها تؤهلها للتعاون مع دول كبرى، علاوة على تحكمها في قناة السويس التي تمر عبرها صادرات الطاقة من الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وأفريقيا.

● وفي مجال الطاقة النظيفة أيضًا، لا تخطئ العين ما استطاعت القاهرة التوصل إليه من شراكات مهمة من خلال قمة المناخ التي انعقدت في شرم الشيخ العام الماضي، ومن خلال مؤهلاتها الطبيعية التي تجعل منها مركزًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر، إضافة إلى مشاريعها الاستثمارية في هذا المجال في القارة الأفريقية في دول مثل موريتانيا على وجه التحديد.

● ويضاف إلى نفس الاتجاه ما أعلن عنه وليد جمال الدين، رئيس مجلس إدارة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس من أنه سيتم قريبًا تفعيل وتحويل مذكرة التفاهم بين الهيئة وشركة “إنيرجي تشاينا”، وهي شركة صينية عالمية تعمل في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة. في اتفاقية إطارية بين الموقعين على مذكرة SCZONE، والصندوق السيادي لمصر، والشركة المصرية لنقل وتوزيع الكهرباء وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، بعد الاتفاق مع الشركة بشأن إنشاء مصنع لإنتاج الهيدروجين داخل مجمع في المنطقة المتكاملة في السخنة.

● واستكمالًا لذلك، فإن هناك إجماعًا واسع النطاق بين خبراء الطاقة على أن الهند لديها القدرة والموارد لتصبح قوة هيدروجين عظمى. وخلال الاجتماع الأخير لمجموعة العشرين حول قضايا الطاقة النظيفة، حذر المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول الهند من تفويت الفرصة التاريخية لتصبح رائدة في مجال الطاقة العالمية. وإجمالًا لا يمكن تفويت الاهتمام الهندي بمجالات الطاقة النظيفة وتطلعها إلى علاقات استراتيجية مع مصر في هذا الإطار. ومؤخرًا استضافت، ضمن قمة مجموعة العشرين التنظيمية المالية رفيعة المستوى التي عُقدت في سياق رئاسة الهند لقمة قادة مجموعة العشرين هذا العام مصر التي تلقت دعوة رسمية من هيئة الرقابة المالية الهندية للمشاركة في القمة. واستجابة لهذه الدعوة أرسلت مصر وفدا رفيع المستوى برئاسة هشام بدوي رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.

● ركزت الجلسات العامة للقمة على استكشاف الفرص لتعزيز الاقتصاد الأزرق كنظام اقتصادي يشمل مجموعة من السياسات والخطط التشغيلية التي تهدف إلى الحفاظ على المياه العذبة والبيئات البحرية، ودعم سبل العيش والتنمية المستدامة في المجتمعات الساحلية، ومكافحة التلوث البحري، ومعالجة الأسباب الخاصة بفقدان التنوع البيولوجي واختلال التوازن البيئي، وتغير المناخ، ومكافحة الصيد الجائر. وتناولت القمة دور الجهات الرقابية المالية رفيعة المستوى في تدقيق تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتصدي لتحدياتها، لا سيما فيما يتعلق بضمان الامتثال القانوني والمساءلة وتعزيز القيم الإنسانية الإيجابية.

● وشاركت مصر كذلك ممثلة في وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد في الاجتماع الوزاري للتنمية لمجموعة العشرين، الذي عقد تحت الرئاسة الهندية لمجموعة العشرين في الفترة من 11 إلى 13 يونيو 2023، في مدينة فاراناسي بولاية أوتار براديش شمال الهند.

● وشكل اجتماع وزراء التنمية لمجموعة العشرين فرصة للاتفاق بشكل جماعي على إجراءات لتسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز التآزر بين جداول أعمال التنمية والبيئة والمناخ، مع تجنب المفاضلات المكلفة التي تعرقل التقدم بالنسبة للبلدان النامية. وجاء الاجتماع بعد قمة صوت الجنوب العالمي التي استضافتها الهند في يناير 2023، وستسام القرارات المتخذة في اجتماع فاراناسي أيضًا في قمة الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة التي ستعقد في سبتمبر في نيويورك.

● وإرساءً لجوهرية ما تقدم، فإنه باعتبار الهند الدولة الأكثر تعدادًا في العالم، حيث يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 1.4 مليار نسمة، فإن كثافة الكربون في اقتصاد الهند لها تأثير مباشر على الانبعاثات العالمية، وبالتالي على تغير المناخ. في عام 2021، بلغت انبعاثات الغازات الدفيئة في الهند حوالي 3.9 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون مما يجعلها ثالث أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، بعد الصين والولايات المتحدة.

● وعليه، فإنه في الأول من فبراير 2022، أعلنت وزيرة الاتحاد للمالية وشؤون الشركات، السيدة نيرمالا سيترامان، عن خطة حكومة الهند لإصدار سندات خضراء سيادية لتعبئة الموارد للبنية التحتية الخضراء. سيتم توظيف العائدات في مشاريع القطاع العام التي تسهم في تقليل كثافة الكربون في الاقتصاد. وفي 25 يناير 2023، أصدرت الهند الشريحة الأولى من أول سنداتها الخضراء السيادية بقيمة 80 مليار روبية هندية (ما يعادل 980 مليون دولار). وفي 9 فبراير 2023، أعلنت حكومة الهند عن إصدار سندات خضراء سيادية أخرى بقيمة 80 مليار روبية هندية (968 مليون دولار).

● وعلى الصعيد الاقتصادي كذلك، هناك تطلع من جانب البلدين لاستخدام الروبية الهندية في التجارة الثنائية، مما يحقق بعض الانفراج في أزمة العملة الصعبة التي ألمت بعدد من الدول منعكسة على ارتفاع الأسعار وارتفاع في مستويات التضخم، إذ تدور التوقعات حول أن نيودلهي بصدد تقديم خط ائتمان غير محدد للقاهرة، وغالبًا ما تستخدم مصر خطوط ائتمان من دول أخرى لاستيراد السلع الأساسية، بما في ذلك المواد الغذائية. ومن الممكن أن يخفف التسهيل الهندي من الضغوط على الاقتصاد.

● وفي هذا الصدد، فإن الهند تدرس اقتراحًا لبدء مقايضة التجارة في سلع مثل الأسمدة والغاز مع مصر في إطار صفقة أوسع قد تشهد تمديد نيودلهي خط ائتمان بقيمة عدة مليارات من الدولارات إلى القاهرة. وخلال العام الماضي، سجلت التجارة بين الهند ومصر أعلى مستوى لها على الإطلاق حيث لامست 7.26 مليار دولار. وكان البترول الخام والأسمدة والغزل القطني من بين أبرز العناصر التي تم تداولها بين البلدين. وإذا تم الاتفاق فإنه سيسمح لمصر بإجراء عمليات شراء بالروبية، وتعتبر المقايضة وسيلة لتسوية هذا الدين من خلال بيع منتجات مصرية قد تكون مفيدة للهند حيث قال مسؤول هندي إن وزارة الخارجية الهندية تتشاور مع الإدارات بشأن رغبتها الملحة في استيراد الأسمدة والغاز من القاهرة كدفعة جزئية لخط الائتمان. وبفعل الحرب، تحرص نيودلهي على تنويع وارداتها من الأسمدة، خاصة بعد عام 2021، عندما واجهت بعض الولايات الهندية نقصًا بسبب قيود الصادرات الصينية وارتفاع الأسعار القياسي من الناحية التاريخية.

● وفي نفس السياق تبذل القاهرة محاولات حثيثة لتخفيف ارتباط عملتها بالدولار من خلال استخدام عملات أخرى في التجارة البينية سواء بين القاهرة ونيودلهي أو بينها وبين عواصم أخرى، إضافة إلى التقدم بطلب رسمي لعضوية “البريكس”، ما يؤهل مصر لشراكات اقتصادية مع دول عظمى ويفتح أمامها المزيد من الفرص الداعمة لاقتصادها. ومؤخرًا شارك الدكتور محمد معيط وزير المالية والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي في الاجتماع السنوي الثامن لبنك التنمية الجديد في الصين. حيث تعد المشاركة المصرية في الاجتماعات السنوية لبنك التنمية هي الأولى، بعد الموافقة على انضمام مصر، إلى جانب مجموعة دول البريكس المؤسس للبنك، في ضوء الجهود الرامية إلى تعزيز التنمية في الدول النامية والاقتصادات الناشئة.

● ويأتي ذلك في ضوء الدور الذي تلعبه الحكومة المصرية في تعزيز علاقات التعاون التنموي مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، وتعزيز رؤية التنمية الوطنية المتوافقة مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030. وحول اختصاصات البنك وأهدافه، يهدف الاجتماع السنوي الثامن لبنك التنمية الوطني تحت عنوان “تشكيل عصر جديد للتنمية العالمية” إلى تعزيز مشاريع تطوير البنية التحتية.

● ويعمل البنك على دعم التنمية المستدامة وتعزيز التعاون الإقليمي والتكامل من خلال الاستثمار بشكل أساسي في مجال البنية التحتية، والذي يشمل مختلف القطاعات الفرعية في البنية التحتية مثل: الطاقة، والمواصلات، والمياه، والاتصالات، بالإضافة إلى توسيع عملياته لتشمل الصحة وقطاعات البنية التحتية الاجتماعية والرقمنة. ويهدف بنك التنمية الوطني إلى الاستثمار في القطاعات المذكورة في أعقاب الآثار الاقتصادية السلبية الناتجة عن جائحة COVID-19 على الاقتصاد العالمي.

● وتعزز عضوية البنك عمل الحكومة المصرية التي تسعى إلى تعميق مشاركة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية من خلال توفير التسهيلات الضريبية والجمركية التي تحفيز مناخ الأعمال، بما يسهم في تحفيز الإنتاج وتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، والتخفيف من موجة التضخم الناتجة عن التوترات الجيوسياسية العالمية.

● كما أن عضوية مصر في بنك التنمية الوطني، إلى جانب الاقتصادات الناشئة الرئيسة الأخرى الأعضاء في مجموعة البريكس، تعزز التعاون بين بلدان الجنوب. وتدعم جهود الحكومة لنقل الخبرات والتجارب التنموية في مجال التعاون الدولي إلى دول الجنوب بما يحفز جهود التنمية العالمية. ويستند هذا إلى مبادئ الشراكة العالمية من أجل تعاون إنمائي فعال، وهي ملكية الدولة، والتركيز على النتائج، والشراكات الشاملة، والشفافية والمساءلة المتبادلة. ويتكامل هذا مع رؤية مصر لقضية التمويل العالمي والتي طرحها الرئيس السيسي خلال مشاركته في قمة الميثاق المالي في باريس.

● وهناك كذلك حديث متداول عن جهود مصر في تحفيز مشاركة القطاع الخاص في التنمية من خلال الشراكات الدولية والتمويل التنموي الميسر، وهو ما يتوافق بالفعل مع أهداف بنك التنمية الوطني. وأشار الوزير محمد معيط إلى أن آليات التمويل المبتكرة من شركاء التنمية تعزز مشاركة القطاع الخاص في التنمية وتحفز مشاركته في مشاريع العمل المناخي. ومن الجدير بالذكر أن محفظة التعاون الإنمائي لمصر مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين تضم أكثر من 300 مشروع تبلغ قيمتها حوالي 26 مليار دولار، تتناول أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.

عمومًا فإن عضوية مصر في “البريكس” تعني الاستفادة من آليات السيولة البديلة التي تروج لها مجموعة “البريكس”، بما يمثل العثور على خيارات دفع بديلة واستقلال أكبر عن العملات الدولية الرئيسة والتي تشكل تحديًا يواجهه العديد من البلدان. حيث يبدو أن مصر مهتمة باتباع هذا المسار لتنويع علاقاتها التجارية وتقليل تأثير التقلبات النقدية العالمية على الاقتصاد القومي. وقد يمثل دخول مصر إلى “البريكس” فرصة مهمة للبلاد لزيادة نفوذها الاقتصادي والسياسي على المستوى الدولي. ولكن لا يمثل هذا المسار الوحيد للتحركات المصرية التي تتجه في مدارات واسعة لدعم اقتصادها وتقوية ركائز العلاقات المبنية على هذا البند الاستراتيجي ويمكن التأكيد على أن مستوى العلاقات الاستراتيجي مع الهند يتخذ المجالات الاقتصادية كركيزة أساسية وثابتة للعلاقات.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/78174/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M