أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، مساء الاثنين (1 أغسطس 2022)، مقتل “أيمن الظواهري” (زعيم تنظيم القاعدة) في غارة جوية في أفغانستان، حيث أكد “بايدن” في كلمته أن “العدالة تحققت وهذا الإرهابي “الظواهري” لم يعد موجودًا”، موضحًا “أنه تسبب في مقتل العديد من الأمريكيين في هجمات مختلفة”. وتُعد هذه العملية هي أول عملية للولايات المتحدة بعد سقوط أفغانستان في يد حركة “طالبان” العام الماضي، الأمر الذي يُثير جملة من التساؤلات حول انعكاسات مقتل “الظواهري” على تنظيم “القاعدة” والتفاعلات الإقليمية والدولية المرتبطة به.
الوضع الحالي لتنظيم القاعدة
مع صعود حركة “طالبان” إلى حكم أفغانستان تمتعت القيادة المركزية لتنظيم “القاعدة” بقدر أكبر من الحرية. فمنذ أغسطس 2021 تواتر ظهور “أيمن الظواهري” بهدف تأكيد بقائه على قيد الحياة، ولكن لا يعني إغفال محدودية قدرات التنظيم العملياتية، حيث اقتصر وجوده في أفغانستان على إبداء المشورة لحركة “طالبان”، ناهيك عن تجنبه القيام بعمليات لتجنب إحراج الأخيرة.
وحتى يتسنى لنا التعرف على تداعيات مقتل “أيمن الظواهري” على تنظيم القاعدة، لا بد من استعراض ماهية الفروع المرتبطة به، مع التأكيد على أن القوة الحقيقية للتنظيم تكمن في قوة فروعه، حيث تحولت القيادة من القاعدة المركزية إلى الفروع في إطار لا مركزية عمل التنظيم، وهو ما أكد عليه “الظواهري” مؤخرًا، حيث قال في سلسلة (صفقة القرن أم حملات القرون؟) أن “العلاقة بين القيادة المركزية وأفرع التنظيم الخارجية قائمة فقط على العهد والميثاق”، ومن ثم يتميز كل فرع بخصوصية مرتبطة بطبيعة السياق الذي ينشط فيه، بجانب أجندة عمله، إضافة إلى المحفزات التي تدعم نشاطه أو التحديات التي تحول دون تمدده.
فبالنسبة لجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم “القاعدة” في منطقة الساحل الأفريقي، تشهد حالة من تصاعد النشاط في ضوء اعتمادها على استراتيجية التغلغل في المجتمعات المحلية، مستغلة الإشكاليات المركبة التي تعاني منها الدول الواقعة في منطقة الساحل، ناهيك عن اتخاذها خطوات ثابتة من أجل التوسع باتجاه الدول الساحلية المطلة على المحيط الأطلسي. وفي سياق مماثل، تواصل “حركة الشباب” التابعة لتنظيم “القاعدة” ترسيخ وجودها في الصومال، حيث لا تزال قوة فاعلة ومسيطرة في الساحة الصومالية، مستغلة الأزمات المتتالية التي تعاني منها الدولة الصومالية، مما انصرف إلى تصاعد هجماتها ضد الحكومة الصومالية، والجيش، وبعثة الاتحاد الأفريقي، بجانب سعيها إلى إحراز تقدم عملياتي في البلدان المجاورة للصومال.
أما فيما يخص “تنظيم القاعدة في اليمن”، فعلى الرغم من التحديات التي واجهها مؤخرًا نتيجة الاتهامات المتبادلة تحت مسمى العمالة والجاسوسية، بجانب الضربات الأمنية التي تعرض لها وفقدانه عددًا من قيادته، إلا أنه لا يزال يشكل تهديدًا في اليمن، في ضوء قيامه بهجمات محدودة النطاق تجاه قوات الحوثيين في محافظتي البيضاء ومأرب، بالإضافة إلى محاولة توظيفه الصراع في اليمن كمحفز لاستمرار نشاطه عبر عمله على كسب القبائل المحلية.
وبالنظر إلى تنظيم “حراس الدين” التابع لتنظيم “القاعدة” في سوريا، فهو يعد في أضعف حالاته، إذ يعاني في الوقت الحالي من ضغط أمني وعسكري في أماكن تواجده في الشمال السوري من قبل “هيئة تحرير الشام” من ناحية، ومن قبل الطيران الأمريكي من ناحية أخرى، عبر تصفية واعتقال عدد من عناصره وقياداته، ما أسفر عن تحوله إلى خلايا متخفية والتخلي عن أماكن ارتكازه، الأمر الذي انعكس بصورة مباشرة على نشاطه وساهم بدرجه كبيرة في تراجع عملياته.
ونظرًا لخضوع تنظيم “القاعدة في شبه القارة الهندية” للقيادة المركزية للقاعدة، تجنب الظهور بطريقه مباشرة في أفغانستان، ولكنه شارك في القتال بجانب حركة “طالبان” خاصة خلال الاستيلاء السريع على أفغانستان عام 2021، وتشير التقديرات إلى أن قدرات تنظيم “القاعدة في شبة القارة الهندية” لا تزال ضعيفة.
وارتباطًا بما سبق ذكره، هناك حالة تباين في قوة فروع تنظيم “القاعدة” نتيجة مجموعة من المحددات والسياقات الحاكمة لنشاط تلك الأفرع، إضافة إلى حالة اللا مركزية التي يتمتع بها التنظيم، في ضوء جملة ضعف القيادة المركزية له التي كانت ممثلة في “الظواهري”، الأمر الذي يؤكد على أن انعكاسات مقتل الأخير على طبيعة الأفرع ليست بالكبيرة، لكها تحمل تداعيات أخرى سوف يتم إيضاحها تفصيلًا.
دلالات وتداعيات
في ضوء ما تقدم، ثمة ملاحظات أساسية واستنتاجات هامة، يمكن تناولها على النحو التالي:
الملاحظة الأولى: تُشير إلى مآلات العلاقة بين الولايات المتحدة وحركة “طالبان”، فبموجب اتفاق السلام الذي عقدته واشنطن مع الحركة، وافقت الثانية على عدم السماح لتنظيم “القاعدة” أو غيره من التنظيمات الإرهابية بممارسة أنشطتها في أفغانستان، غير أن تواجد “الظواهري” في كابل مثّل خرقًا لهذا الاتفاق، حيث يؤكد مسئولون أمريكيون أن طالبان كانت على علم بوجود “الظواهري” في كابل.
وفي هذا السياق، صرح “أنتوني بلينكن” (وزير الخارجية الأمريكي) بأن “استضافة وإيواء الظواهري في كابل يُعد خرقًا بالغًا لاتفاق السلام”. في المقابل، قال “ذبيح الله مجاهد” (المتحدث باسم حكومة حركة طالبان) في بيان له إن “حكومة الحركة تدين بشدة هذا الهجوم مهما كانت ذرائعه”، معتبرًا أن “مثل هذه الأعمال تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأفغانستان والمنطقة”. وبالتالي قد يحمل هذا المشهد تقويضًا لطبيعة التفاعلات بين الولايات المتحدة وحركة “طالبان”.
الملاحظة الثانية: تنصرف إلى تداعيات عملية قتل “الظواهري” على نشاط تنظيم “داعش”، فمن المحتمل أن تؤدي عملية مقتل الأول إلى تدعيم نشاط أفرع الأخيرة عامة، ونشاط “ولاية خراسان” بصفه خاصة، ولا سيما مع سعي “داعش” إلى استغلال مقتل الأول من أجل التوسع في عمليات التجنيد من ناحية، وتصعيد النشاط من ناحية أخرى.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى تعزيز القدرات البشرية لولاية خراسان في ضوء ما أفادت به التقارير حول إطلاق سراح السجناء من كافة سجون أفغانستان، بالتزامن مع سعي “طالبان” إلى السيطرة على كابل، ناهيك عن قيام بعض قادة “طالبان” من الجماعات الأقلية بالعمل تحت راية ولاية “خراسان”.
الملاحظة الثالثة: تتعلق بما تحمله عملية مقتل “الظواهري” من قيمة دعائية للولايات المتحدة على وجه العموم، وقيمة دعائية لإدارة الرئيس “بايدن” على وجه الخصوص، ولا سيما أنها جاءت بعد أقل من شهر من عملية مقتل “ماهر العقال” (زعيم داعش في سوريا)، وبعد حوالي 6 شهور من مقتل “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي” (زعيم تنظيم داعش)، وبالتالي تمثل تصفيات القيادات الإرهابية التي تتابعها إدارة الرئيس “بايدن” التأكيد على نهج الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب من ناحية، وإرسال رسائل مفادها استمرار الولايات المتحدة كفاعل رئيسي منوط به حفظ السلم والأمن الإقليمي والدولي.
الملاحظة الرابعة: تُشير إلى الخليفة المحتمل “للظواهري”، فطبقًا لتقارير صادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يأتي في التسلسل القيادي بعد “الظواهري” كل من “سيف العدل”، و”عبد الرحمن المغربي”، و”يزيد مبارك”، غير أن جل التقديرات تشير إلى أن فرص تولي الأول أكبر من الاثنين الآخرين لكونه القيادي الأبرز بعد “الظواهري”.
و”سيف العدل” هو “محمد صلاح الدين زيدان”، ولعب دورًا بارزًا في تدشين البنية التحتية والتنظيمية للقاعدة، وعلى الارجح فإنه يقيم في الوقت الحالي في إيران، الأمر الذي يُلقي الضوء على طبيعة العلاقة المستقبلية بين إيران وتنظيم “القاعدة” من ناحية، وانعكاساتها على الأمن الإقليمي والدولي من ناحية أخرى.
الملاحظة الخامسة: تدور حول احتمالية القيام بهجمات انتقامية من قبل عناصر تنظيم “القاعدة” بغية الثأر لمقتل “الظواهري”، وبالتالي من المرجح أن يتم استهداف المصالح الأمريكية في مناطق مختلفة، حتى لو كانت عمليات محدودة ولكنها تحمل قيمة دعائية يكون الهدف منها التأكيد على استمرار عمل التنظيم.
مجمل القول، على الرغم من أن “أيمن الظواهري” لم يكن شخصية كاريزمية مثل سلفه “أسامة بن لادن” إلا أن ذلك لا يعني عدم انصراف مقتله على معنويات عناصر تنظيم “القاعدة”، وكذلك لا يعني أيضًا القضاء على التهديد العام الذي تشكله الأفرع التابعة للتنظيم. وبالتالي تُعد تصفية القيادات أداة من ضمن أدوات متعددة لمكافحة نشاط التنظيمات الإرهابية، غير أنها لا بد أن تكون مدعومة بخطوات أخرى على رأسها دعم التنمية وتفكيك السرديات المتطرفة.
.
رابط المصدر: