د. هاني نسيره
قبل يوم واحد من بدء زيارته للمنطقة وزيارته للمملكة العربية السعودية ولقائه عددًا من قادة المنطقة، أعلن الرئيس الأمريكي الثلاثاء 12 يوليو الجاري (2022)، عن ضربة عسكرية أمريكية نتج عنها مقتل زعيم داعش في سوريا ماهر العقال أحد أهم خمس قيادات في داعش حاليًا، وأصيب معه أحد أبرز مسئولي داعش والمساعدون له، ولم تسفر العملية عن وقوع إصابات بين المدنيين.
دلالات عديدة تحملها هذه العملية، في مقدمتها استمرار الاهتمام الأمريكي بالمنطقة وبالحرب على الإرهاب وتهديدات الأمن الإقليمي، حيث تحافظ القيادة المركزية الأمريكية على وجود كافٍ ومستدام في المنطقة، وتواصل جهودها في مواجهة تهديدات الأمن الإقليمي، حسبما نص بيان القيادة المركزية الأمريكية على حسابها على تويتر.
تحمل هذه الضربة الجوية التي سبقها تخطيط مكثف -كما ذكر البيان- دلالات عديدة أخرى، منها استمرار خطر وتحدي داعش، الذي يحاول العودة من خلال فرص الأزمات والتوترات في سوريا والعراق وليبيا وكذلك في جنوب آسيا، خاصة بعد صعود وعودة طالبان، وأعلن عن هذه العودة عبر عدد من العمليات النوعية في أبريل ومايو الماضي (2022) في العراق وفي سوريا وليبيا وأفغانستان، فيما عرف بـ”غزوة رمضان” التي استهدفت مقار عسكرية ونقاط تفتيش ومدنيين متعاونين مع الأجهزة الأمنية في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك، وشملت الهجمات استهداف دوريات للجيش والشرطة العراقية ونصب نقاط تفتيش وهمية وهجمات بالعبوات الناسفة ضد دوريات عراقية ومركبات الجنود العائدين إلى منازلهم الذين تنتشر وحداتهم في قضاء الرطبة ومحيطه، وتنشط الحكومات والأجهزة الأمنية خلال الشهور الأخيرة في تكثيف عملياتها المستهدفة لعناصر وقيادات داعش في العراق وكذلك في مصر، وهي الاستراتيجية التي تتأكد نجاعتها والتزامها سواء من قبل التحالف الدولي أو الدول المعنية التي تواجه داعش على أراضيها كما سنوضح.
مقتل ماهر العقال وقطع الرؤوس المتجددة
تعي التنظيمات الإرهابية، كداعش والقاعدة، وكذلك الجهود الدولية والحكومية الوطنية المكافحة لها أزمة الرمز والقيادة لدى هذه التنظيمات التي تعاني حربًا شرسة في حظر منصاتها الإعلامية وعجزها عن ترميز أي قيادة جديدة، وأزمة تمويلاتها وقطع الطريق على فرصها في الأزمات الداخلية والحروب الأهلية منذ انتفاضات ما عرف بالربيع العربي سنة 2011، وفي هذا السياق يأتي اغتيال ماهر العقال.
وقد جاء إعلان مقتل ماهر العقال القيادي يوم الثلاثاء الثاني عشر من يوليو الجاري 2022، في إطار استراتيجية ناجعة منذ سنوات، تعرف باستراتيجية المطرقة الصلبة، التي بدأتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في اليمن منذ عام 2007 مع توسع استخدام الطائرات المسيرة والطائرات بدون طيار، وتوسع استخدامها بشكل كبير خلال العقد الأخير، ونجحت في شل عدد من التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وتأزيمها، وجاء مقتل والي داعش في العراق، وأحد أضلاع مربع القيادة العليا الحالي للتنظيم الإرهابي العالمي، وفقًا للعقيد جو بوتشينو المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية.
وقد جاء مقتل ماهر العقال في ضربة نفذتها طائرة مسيرة أمريكية -حسبما أعلن المتحدث باسم القيادة المركزية في البنتاجون الكولونيل ديف إيستبرن لوكالة فرانس برس- أثناء ركوبه دراجة نارية بالقرب من جندريس في سوريا، كما أصيب أحد كبار مساعديه بجروح خطيرة، وفقًا للعقيد جو بوتشينو، المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، والذي أضاف مؤكدًا أهمية هذه الاستراتيجية بقوله: “إن التخلص من قادة داعش هؤلاء سيعطل قدرة التنظيم الإرهابي على المزيد من التآمر وتنفيذ الهجمات”.
المعلومات المتوافرة عن ماهر العقال تشير إلى أنه يعد من صقور التنظيم الأكثر غلوًا، فهو شقيق فايز العقال والي الرقة، الذي قتل في يونيو سنة 2020 ومسئول اللجنة المفوضة الشرعية (أعلى هيئات تنظيم داعش)، وقد برز اسمه أثناء سيطرة داعش على الرقة قبل سقوط معاقله فيها سنة 2017، ويعد حاليًا مسئول القيادة العامة في الشام، المقسمة لتسع ولايات داعشية داخل الأراضي السورية، تمتد عبر خلاياها في المدن السورية، ولكن تكمن وتختفي قياداتها داخل الأراضي القريبة من الحدود التركية، ولاية الرقة والفرات (البوكمال)، بعد أن نجح بتسهيل من قادة في فصيل “أحرار الشرقية” في الانتقال من منطقة شرق الفرات إلى منطقة عفرين، وكان ماهر يسعى لتطوير شبكات داعش خارج العراق وسوريا.
استراتيجية المطرقة الصلبة واغتيال القيادات الإرهابية
تأتي تصفية ماهر العقال ومقتله ضمن استراتيجية المطرقة الصلبة ومسلسل الاغتيالات التي تضرب رؤوس تنظيم داعش النشطة والمستمرة بقوة في الأعوام الأخيرة، فقد أتت هذه العملية بعد عمليات نوعية أخرى قامت بها القوات الأمريكية على الساحة السورية، فقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 3 فبراير الماضي (2022) عن مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبي إبراهيم الهاشمي القرشي، المعروف بعبد الله قرداش، في عملية نوعية أخرى، نفذتها القوات الخاصة الأمريكية بمنطقة “أطمة” بريف إدلب بالقرب من الحدود السورية-التركية، وهي العملية التي طرحت العديد من الدلالات والتساؤلات حينها حول مغزى التوقيت والمكان، ومستقبل التنظيم، وقيادته المحتملة فيما بعد مقتل القرشي.
العقال بعد القرشي والبغدادي
وجاء مقتل ماهر العقال الأخير، بعد مقتل أبي إبراهيم القرشي وقبله أبي بكر البغدادي، رغم اختلاف تفاصيل العملية، حيث تم إنزال جنود أمريكيين في القضاء على الأخيرين، بينما تم استهداف ماهر العقال بصاروخ فقط من طائرة مسيرة، ولكن يشتركان في عدد من الملامح منها ما يلي:
1- وجود تنسيق قائم بين داعش وبعض من التنظيمات الإرهابية الأخرى على الساحة السورية، فقد كان أبو إبراهيم القرشي في حماية تنظيم “حراس الدين” الموالي للقاعدة، وكذلك كان ماهر العقال في حماية “فصيل أحرار الشرق” المخالف لداعش، مما يعني استطاعة داعش تجسير الفجوة بينها وبين التنظيمات الإرهابية الأخرى وتبادل الحماية والمصلحة رغم سابق تاريخ صراعهما.
2- لا يزال الإرهاب مصرًا على العودة والمراوحة تقدمًا وتراجعًا، صعودًا وتأخرًا، فقد أتى اغتيال قرداش في فبراير الماضي 2022 بعد عملية كبيرة قام بها التنظيم لتهريب مئات السجناء من سجن الحسكة، وجاءت عملية اغتيال العقال بعد عمليات كبيرة شهدها التنظيم في سوريا والعراق وغيرها، وتبدو مصارعات الإرهاب مع جهود مكافحته مستمرة محاولًا العودة للحياة والخروج من أزمته العميقة إقليميًا ودوليًا مع تجاوز الأزمات السياسية الداخلية والتنسيق الأمني والحضور الأمريكي المكثف المتابع له.
3- قرب مكان كل منهم حين مقتله من الحدود التركية، وهو ما يوحي بأن اختيار المكان كان مقصودًا ليكون بعيدًا عن الأنظار والمتابعة الأمنية ومحاولات الاستهداف.
4- اعتماد داعش على استراتيجية جديدة تم إعلانها، بعد مقتل البغدادي، تحت عنوان “فترات عدم التمكين”، تعتمد نظامًا لا مركزيًا يتيح التحرك وتوسيعه أمام أفرع التنظيم المختلفة، وهو ما يخفض ويقلص من تداعيات مقتل قيادات الصف الأول بالتنظيم خاصة على الأفرع المختلفة، وهو ما يجعل البعض يتوقع أن اغتيال قرداش في فبراير الماضي أو العقال قد لا يؤثر بشكل كبير على خلايا التنظيم التي تعمل بشكل لا مركزي وحر حسب ظروفها في كل منطقة.
خاتمة
لا شك أنه قد أنهكت استراتيجية “المطرقة الصلبة” تنظيم القاعدة وشبكته، وعزلت كثيرًا من فروعه عن قياداتها المختفية في أفغانستان وباكستان، منذ اغتيال مصطفى أبو اليزيد سنة 2008 ثم زعيم القاعدة ومؤسسه أسامة بن لادن سنة 2011 وعدد من قيادات الصف الأول الآخرين، مثل عطية الله الليبي وصولًا لأبي محمد المصري الذي تمت تصفيته في إيران في نوفمبر سنة 2020، وهو ما يبدو أن أثره أكثر نجاعة على داعش كذلك.
وكما تكاد تختفي وتتلاشى القاعدة ويتم التساؤل عن حضور باهت وغياب طويل لقياداته وإعلامه وتنظيماته؛ فربما تنجح استراتيجية المطرقة الصلبة في أن يكون مصير داعش المصير نفسه.
انظر مؤيد الطرفي، ما مدى خطورة هجمات داعش الأخيرة، إندبندنت عربية بتاريخ 27 أبريل سنة 2022، وتمكن مطالعتها على هذا الرابط.
.
رابط المصدر: