مكافحة المخدرات في مصر.. التحديات وسبل المواجهة

آلاء برانية و هالة فودة

 

تمثل مشكلة المخدرات تحديًا ملحًا يهدد الأمن القومي المصري، لما يترتب عليها من آثار سلبية تؤدي إلى انهيار المجتمع، وخاصة فئة الشباب الذين هم نواة الدولة ومستقبلها، كما ترتبط المخدرات ارتباطًا وثيقًا بزيادة معدلات الجريمة والعنف المجتمعي، وفي السطور القادمة نستعرض أهم التقديرات والتداعيات لتلك المشكلة.

أرقام وإحصائيات

ذكر تقرير المخدرات العالمي 2021، أن ما يقدر بنحو 269 مليون شخص قد قاموا بتجربة المواد المخدرة مرة واحدة على الأقل في عام 2018، أي ما يعادل حولي 5.4% من سكان العالم الذين تتراوح أعمارهم من بين 15-60 عامًا. يعاني منهم 36 مليون شخص من اضطرابات تعاطي المخدرات أي حوالي 13%

وبافتراض عدم حدوث أي تغيير في الانتشار العالمي لتعاطي المخدرات، فإن الزيادة المتوقعة في عدد سكان العالم من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات على مستوى العالم بنسبة 11%، ليصل العدد إلى 299 مليون شخص بحلول عام 2030.

ويعتقد التقرير بأن العدد الأكبر لمتعاطي المخدرات، سوف تكون في البلدان ذات الدخل المنخفض خاصة قارة أفريقيا والتي قدر عدد الأشخاص بها وحدها حوالي 60 مليونًا بما يمثل 8.4%. والتي من المعتقد أن يرتفع إلى نحو 112 مليون شخص بحلول عام 2030، بينما البلدان في المناطق الأكثر تقدمًا، فمن المرجح أن تشهد انخفاضًا في عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات بحلول عام 2030.

خريطة توزيع أنواع المخدرات عالميًا

يعتبر القنب” النبات المستخدم في صناعة الحشيش”، هو أكثر العقاقير استخدامًا في جميع أنحاء العالم، فهناك ما يقدر بنحو 200 مليون متعاطٍ للقنب في عام 2019، وفي نفس العام استخدم حوالي 62 مليون شخص للأفيون” العصارة اللبنية لنبات الخشخاش” واستخدام الأمفيتامينات حوالي 27 مليون شخص وهي عقاقير منبهة تعمل على تنشيط الجهاز العصبي، علاوة على استخدام 20 مليون شخص على مستوى العالم “الإكستاسي” وهو ما يعرف بعقار النشوة والهلوسة، كما قدر مستخدمو الكوكايين بنحو 20 مليون شخص.

وقد زادت الوفيات بشكل حاد خلال العقد الماضي حيث يتوفى سنويًا أكثر من 500 ألف شخص بسبب المخدرات على مستوى العالم، ويبلغ عدد الوفيات بسبب مخدر الأفيون ومشتقاته أكثر من 71% في السنوات العشر الأخيرة على مستوى العالم لأنهم أكثر عرضة للجرعة الزائدة والموت.

الإدمان في مصر

أكد صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، أن 40.35% من المتعاطين بدأوا التعاطي في سن 15 حتى 20 سنة. بينما بلغت نسبة المتعاطين من سن 20-30 عام حوالي 37.75%. أما نسبة 11.52% من المتعاطين بدأوا التعاطي تحت سن 15 عامًا. كما بلغت نسبة الذكور المتقدمين للعلاج 95% بينما بلغت نسبة الإناث 5%.

وقد تم إعداد قاعدة بيانات بشأن نسب التعاطي بين طلبة المدارس الثانوي وتبين أن نسبة التعاطي بين طلبة المدارس الثانوي العام تصل إلى 7%، بينما تزداد النسبة بين طلبة المدارس الثانوي الفني لتصل إلى 8,8%، وهي الفئة التي يتم استهدافها حاليًا بقوة من خلال الحملات التوعوية المختلفة لأنها من أكثر الفئات عرضة للمشكلة.

وكشف صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، أنه خلال شهر مارس عام 2019، كانت نسبة 8% من العاملين في الجهاز الإداري للدولة يتعاطون المخدرات، حيث تم الكشف على نحو 350 ألف موظف خلال سنتين، وتدنت النسبة إلى 2% عام 2021. كما بلغت نسبة تعاطى المخدرات بين سائقي الحافلات المدرسية، 12% في 2017، وتدنت النسبة إلى 1.8%، عام 2021

أما عن أكثر المواد المخدرة تعاطيًا، فاحتل الحشيش المرتبة الأولى وبلغت نسبة تعاطيه 34.63%، بينما احتل الهيروين المرتبة الثانية بنسبة 32.62%، وجاء الترامادول في المرتبة الثالثة بنسبة 19.97%، ثم التعاطي المتعدد “تعاطي أكثر من مادة مخدرة”، بينما بلغت نسبة التعاطي للمخدرات التخليقية مثل الاستروكس والفودو والبودرة والشابو حوالي 7.81%.

جهود الدولة في مكافحة الإدمان في مصر

تبنت الدولة المصرية استراتيجية قومية متعددة المحاور والأركان لمكافحة الإدمان والمخدرات، تجلى ذلك في وضع برامج للوقاية والعلاج ومحاصرة كل مظاهر الإدمان والتعاطي في المجتمع، سواء تشريعيًا أو أمنيًا أو اجتماعيًا (صحيًا، ثقافيا، توعويًا)، بما يضمن تحقيق حماية الأمن العام، ووقاية وتوعية النشء والشباب، والتعريف بالآثار السلبية للمخدرات ومخاطرها وتبعاتها، بجانب تقديم خدمات العلاج الدوائي والنفسي للمتعاطين، وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.

  • أبرز التشريعات في شأن مكافحة المخدرات

اشتمل التشريع المصري على مواد رادعة ونافذة ففي مواد قانون 182 لسنة 1960 والمعدل برقم 122 لسنة 1989، وتنص المادة 34 مكرر على أن كل من دفع غيره بأي وسيلة من وسائل الإكراه إلى تعاطي مادة مخدرة من الكوكايين أو الهيروين أو غيرها يعاقب بالإعدام وبغرامة تتراوح ما بين 100 ألف جنيه إلى 500 ألف جنيه.

كما تنص المادة 35 من القانون على أن كل من أدار مكانًا أو هيأه للغير لتعاطي المواد المخدرة بغير مقابل، وكل من سهل أو قدم للتعاطي مادة مخدرة في غير الأحوال المصرح بها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة تتراوح ما بين 50 ألف جنيه إلى 200 ألف جنيه.

وتنص المادة 37 مكرر (أ) على أنه إذا تقدم أحد الأشخاص للعلاج من تعاطي المخدرات من تلقاء نفسه، فلا تقام الدعوى الجنائية عليه، بينما تنص المادة 37 مكرر (ب) على أنه إذا طلب زوج المتعاطي أو أحد أصوله أو أحد فروعه علاجه في إحدى المصحات أو دور العلاج، فلا تقام الدعوى الجنائية عليه، ويخضع للعلاج في سرية تامة في كلتا الحالتين.

ووفقًا للمادة 38 فإن كل من حاز أو أحرز أو اشترى أو سلم أو نقل أو زرع أو أنتج أو استخرج أو فصل أو صنع مادة مخدرة أو نبات من النباتات المحظورة، وكان ذلك بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي وفي غير الأحوال المصرح بها قانونًا يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة تتراوح ما بين 50 ألف جنيه إلى 200 ألف جنيه.

وفي سياق متصل، رصد تقرير صادر من الهيئة العامة للاستعلامات في ديسمبر 2021، أهم مواد القانون رقم 73 لسنة 2021، في شأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، والذي يتم العمل به اعتبارًا من 15 ديسمبر لعام 2021.

وأوضح التقرير أن المادة رقم 3 من القانون تنص على أن التعيين أو التعاقد أو الاستعانة أو الترقية أو الندب أو النقل أو الاستمرار في الوظائف العامة يشترط ثبوت عدم تعاطي المخدرات من خلال تحليل فجائي بمعرفة الجهات المختصة.

يأتي هذا فيما تنص المادة رقم 4 على أنه في حال ثبوت إيجابية العينة عند إجراء التحليل الفجائي “الاستدلالي” للموظفين يتم إيقاف العامل لمدة يحددها القانون أو لحين ورود نتيجة التحليل التوكيدي، مع وقف صرف نصف أجره طوال فترة الوقف عن العمل، كما نصت المادة أيضًا على أنه إذا تأكدت إيجابية العينة من خلال نتيجة التحليل التوكيدي، يتم إنهاء خدمة العامل بقوة القانون وتحدد حقوقه بعد إنهاء خدمته طبقًا للقوانين واللوائح.

كما تنص المادة رقم 5 على أنه إذا تم تعمد الامتناع عن إجراء التحليل أثناء الخدمة أو تعمد الهرب منه بغير عذر مقبول فإن ذلك يُعد سببًا موجبًا لإنهاء الخدمة، في حين تنص المادة رقم 6 على أنه من يسمح متعمدًا لمن ثبت تعاطيه المخدرات بشغل إحدى الوظائف بالجهاز الإداري للدولة، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز 200 ألف جنيه.

وبجانب ما سبق، فإن المادة رقم 7 من القانون تنص على أنه من يتعمد الغش في إجراء التحاليل التي ينظمها هذا القانون أو يدلي بنتيجة مخالفة للواقع، يعاقب بالسجن مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد.

  • الجهود الميدانية

وبجانب التشريعات، تم افتتاح وتشغيل “5 بيوت” للتطوع بجامعات “القاهرة – حلوان، سوهاج، الزقازيق- جنوب الوادي”، بهدف توعية ما يقرب من (150 ألفًا) طالب وطالبة سنويًا، كما تم إطلاق مبادرة “قرية بلا إدمان” ضمن المشروع القومي لتطوير الريف المصري “حياة كريمة” باستهداف  “409 قرى”، كذلك وفي إطار اهتمام وزارة التضامن الاجتماعي بالتنمية الاجتماعية للأسر بالمناطق السكنية المطورة، تم تنفيذ برنامج الحماية من المخدرات بهذه المناطق ومن خلاله تم إجراء  “147 ألفًا” زيارة منزلية للأسر بمناطق “الأسمرات – بشاير الخير – المحروسة – روضة السيدة – حدائق أكتوبر – المناطق المطورة بحي الضواحي ببورسعيد”، وكذلك المناطق المحيطة بها من خلال “250 متطوعًا”، وكنتيجة لهذه الزيارات المنزلية تردد ما يزيد على (8 آلاف) مريض إدمان علي عيادات صندوق مكافحة الإدمان بهذه المناطق وتم تقديم كافة الخدمات العلاجية لهم مجانا.

وقد اهتم صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، بتطوير البنية التحتية لمراكز علاج الإدمان بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، حيث وصل عدد المراكز إلى (28 مركز علاجي) في (17) محافظة مقارنة بـ (12 مركزًا علاجيًا) في (7) محافظات عام 2014، وتم افتتاح (3 مراكز علاجية) في فبراير 2021 بمحافظات “بورسعيد والبحر الأحمر ومرسي مطروح)؛ وجارٍ الإعداد لافتتاح مركزين جديدين في محافظتي (الجيزة – قنا) ليصبح إجمالي عدد المراكز (30 مركزا) موزعة على 19 محافظة، وقد وضع الصندوق خطة عمل مُتكاملة للوصول بخدمات علاج الإدمان إلى كافة محافظات الجمهورية بحلول عام 2025.

أيضًا تم إطلاق مبادرة (بداية جديدة) لإتاحة قروض تمويلية لمشروعات صغيرة ومتوسطة تضمن للمتعافين فرصًا حقيقية للدمج المجتمعي وذلك بالتعاون مع بنك ناصر الاجتماعي. وقد صُممتّ برامج التأهيل المهني لتدريب المتعافين على حرف مهنية بسيطة يحتاجها سوق العمل مثل (صيانة التكييف والأجهزة الكهربائية وأعمال النجارة ” حيث تم تدريب عدد (9000 متعافي) خلال العامين الماضيين.

علاوة على إطلاق مبادرة “بإيدينا” والتي تتضمن قيام المتعافين من الإدمان بتجهيز وتأثيث المراكز العلاجية الجديدة بعد تأهيلهم مهنيًا، وقام المتعافون بتأثيث مركزي علاج الإدمان (بقنا والجيزة) وهي سابقة تُعد الأولى من نوعها على المستوى الدولي وجارٍ الإعداد لافتتاح المركزين خلال يونيو القادم من جانب القيادة السياسية، كذلك حرص الصندوق على تنفيذ برامج التوعية الأسرية (مودة) للمتعافين من الإدمان في المراكز التابعة له خاصة في ظل ما تم رصده من تنامي حالات الطلاق بين المرضى.

وختامًا استنتجت الدراسة التي أجراها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بعنوان (العنف المجتمعي: مؤشرات وآليات المواجهة) في أبريل 2021، وجود علاقة قوية بين إدمان الشباب للمخدرات وتزايد وتيرة العنف وتطور نوعيتها. إذ تصدرت فئة الشباب في الدراستين بنسبة 49.4% من إجمالي عدد الجناة.

وجديرًا بالذكر، أنه في السنوات القليلة الماضية استحدثت أنواع جديدة من المخدرات انتشرت بشكل واسع ساهمت بشكل مباشر في تغير نوعية الجرائم مثل مخدر الشابو -الاسم الدارج بين فئة الشباب- والذي ظهر جليًا في أكثر الجرائم دموية وعنفًا مثل مذبحة الفيوم والتي قتل الأب أبناؤه الستة وزوجته وهو تحت تأثير المخدر. وجريمة الاسماعلية التي تم ذبح مواطن وفصل رأسه بالساطور وإصابة اثنين آخرين. ولوحظ في أغلب الجرائم المرتكبة في الدراسة، وجود مرتكب الجريمة تحت تأثير مخدرات أخرى مثل الأستروكس المنتشر على نطاق واسع والحشيش وحبوب الفيل الأزرق – وقطرة الميدرابيد.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/69996/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M