مناورات “الدرونز” الإيرانية وتطور الصراع العسكري في سوريا

 علي عاطف

 

لقد تشكل خلال الأيام القليلة الماضية مشهدٌ شرق أوسطي يبدو مترابطًا إلى حدٍ كبير، تمتد أطرافُه من إيران إلى سوريا. ففي الأولى، يُجري الجيشُ مناورات واسعة النطاق باستخدام 150 طائرة مسيّرة من دون طيّار (درونز) نشرها من أقصى شرق البلاد إلى غربها، حسب إعلان مساعد الشؤون التنسيقية لقائد الجيش، حبيب الله سياري.

أما في الثانية (سوريا)، فإن المشهد يسير إلى مزيد من التعقيد والتصعيد أيضًا؛ في ظل تنامي الصراع العسكري بين الولايات المتحدة وإيران هناك خلال مرحلة ما بعد قمة طهران التي عُقدت في يوليو الماضي. وبين هذا وذاك، نجد أن الرابط غير المباشر هي الولايات المتحدة.

فعندما نسعى إلى تفسير أسباب إطلاق طهران منذ يوم الاربعاء 24 أغسطس 2022، ولأجل غير معلوم، لهذه المناورات، يجب ألا نحصر الرؤية في زاوية واحدة فقط كالرغبة في استعراض قوة الجيش على سبيل المثال، بل إن الأمر يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تنتقل بنا أسبابُ عقد هذه المناورات غير التقليدية من إيران إلى سوريا ثم إلى إسرائيل، وبينهم الولايات المتحدة.

وعليه، نتناول فيما يلي الأسباب التي دفعت إيران إلى عقد مناورات واسعة هي الأولى من نوعها في البلاد باستخدام الطائرات المسيرة من دون طيّار.

أولًا- تنامي الصراع الأمريكي الإيراني في سوريا

لقد جاء عقدُ إيران لهذه المناورات بالطائرات المسيّرة في وقت تشهد فيه المواجهة الأمريكية الإيرانية تناميًا ملحوظًا على الأراضي السورية. وتعود أسباب هذا التصعيد إلى رغبة إيران في الاستحواذ على مزيد من النفوذ السياسي والعسكري داخل سوريا؛ في ظل انسحاب روسي نسبي من الميدان السوري اتضح أنه يصب في النهاية في صالح طهران.

بل يبدو أن إيران تريد سيطرة كاملة على أصعدة عدة داخل المشهد السوري من وراء التصعيد مع الولايات المتحدة في سوريا، وهو ما بدا جليًا خلال مؤتمر طهران الأخير يوم 19 يوليو 2022 والذي شارك فيه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أيضًا وكان بمثابة آلية عمل استراتيجية لتنفيذ رؤى الدولتين في عدد من الملفات من أبرزها مستقبل القضية السورية. وقد دفعت هذه الرغبة طهران إلى الإعلان في ذلك المؤتمر عن نيتها “طرد” الأمريكيين من سوريا، وهو ما قد يفسر لنا لماذا يتنامى هذا الصراع الثنائي في الوقت الحالي.

وبدت مؤشرات تنامي هذه المواجهة بين واشنطن وطهران في دمشق جلية خلال شهر أغسطس الجاري، وذلك حينما تم توجيه ضربات للقوات الأمريكية وقوات التحالف المتمركزة في قاعدة “التنف” العسكرية جنوب شرقي سوريا منتصف أغسطس الجاري باستخدام طائرات من دون طيار، اتُهِمَت إيران بشكل غير مباشر بالوقوف ورائها؛ لوجود فصائل مسلحة تابعة لها بالقرب من “التنف”، من بينها ما يُعرف باسم “لواء فاطميون” الأفغاني.

ولقد ذهبت الآراء حينئذ إلى أن إيران هي التي نفذت الهجوم؛ انطلاقًا من تصريحات بعض قادتها العسكريين قبل ذلك بثلاثة أسابيع والتي حملت في طياتها تحذيراتٍ بشأن تصعيد محتمل مع واشنطن في سوريا. لذا، عندما قامت الولايات المتحدة يوم 23 أغسطس 2022 بمهاجمة مواقع عسكرية يتمركز فيها مسلحون تابعون لإيران، قُرئت أسبابُ العملية على أنها “رد على قيام إيران أو موالين لها بمهاجمة الولايات المتحدة في قاعدة التنف العسكرية شرقي سوريا”.

وفي ضوء ذلك، نجد أن مسألة تنامي المواجهة الأمريكية الإيرانية في سوريا تسير جنبًا إلى جنب مع زيادة مطردة في توظيف الطائرات المسيّرة من دون طيار في الصراع بين الطرفين داخل سوريا بوجه خاص، وفي مناطق أخرى داخل إقليم الشرق الأوسط بوجه عام، مثل العراق. علاوة على أن الدرونز الأمريكية والإيرانية تلعب دورًا مهمًا آخر، وإن اختلف، في “أفغانستان ما بعد استيلاء حركة (طالبان) على الحكم” في أغسطس من عام 2021.

لذا، فإن تطور المواجهة بين واشنطن وطهران في سوريا وبروز دور محوري للدرونز بها، على غرار الهجمات الأخيرة، قد مثّل إحدى دوافع إيران لإجراء مناورات هي الأولى من نوعها باستخدام الطائرات المسيرة. وتدل على ذلك الأمر تلك الأهدافُ التي تحاكيها هذه المناورات والممثلة في: استهداف مراكز قيادة وسيطرة “العدو” ومراكز الوقود ومخازن الذخيرة، وأنظمة الرادارات والصواريخ وأماكن تجمع الجنود، وهو ما ينطبق على المواقع التي تراها إيران “هدفًا” لها في سوريا خلال المرحلة الحالية.

ثانيًا- رغبة إيرانية في الإعلان عن دخولها قائمة الدول المصنّعة والمصدرة للدرونز:

تمثل مناورات الدرونز الإيرانية الجارية “إعلانًا” من جانب طهران عن أنها قد وصلت إلى مرحلة تصنيع وتصدير الطائرات المسيرة على غرار عدد من الدول الأخرى؛ إذ إن متابعة دقيقة لمراحل تصنيع إيران للدرونز وتسويقها في الخارج خلال الأعوام القليلة الماضية، ستقودنا إلى أن طهران قد مرت بمراحل متعاقبة بدءًا من تصنيع الدرونز محليًا وبشكل غير معلن عنه، وصولًا إلى إجراء المناورات الأخيرة التي تريد إيران من ورائها الإعلان عن دخولها نادي الدول المصنعة والمصدرة للطائرات المسيرة.

لذا، وبشكل موجز، نجد أن إيران مرت في هذا الصدد بالمراحل التالية، بعد مرحلة التصنيع السري:  

– تجربة الطائرات المسيّرة في البداية من خلال توظيفها في بعض العمليات التي قام بها الحرس الثوري نفسه داخل منطقة الشرق الأوسط،

– تزويد طهران وكلاءً لها في المنطقة و”أصدقاء” خارجها بهذه الطائرات المسيرة؛ لاختبار مدى فاعليتها أيضًا لدى هذه الجماعات التي تتمتع بقدرات عسكرية أقل من الحرس الثوري، الذي يعد المؤسس أو المتحكم فيها.

– افتتاح إيران مصنعًا لإنتاج الدرونز في العاصمة الطاجيكية دوشنبه في شهر مايو 2022، وهو ما مثّل خطوة غير مسبوقة في هذه المضمار.

– وأخيرًا، تُمثّل مناورات الدرونز الإيرانية الحالية مرحلة إعلان إيران عن امتلاك قدرات تصنيع وتصدير هذه النوعية من الطائرات.

ثالثًا- الرسائل الشاملة:

تأتي هذه المناورات الإيرانية في ظل تحولات أخرى شاملة تجري داخل منطقة الشرق الأوسط تبرز إيران قلقها حيالها. إذ، ترى طهران، خاصة منذ زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الإقليم في شهر يوليو الفائت، أن الأوضاع الإقليمية الجارية لا تسير ولا تصب في مصلحتها، ما يدفعها في الواقع منذ أسابيع إلى محاولة استعراض مستمرة للقوة، سواء بالألفاظ والتصريحات العسكرية أو المناورات وحتى تعزيز التحالفات الخارجية.

وإلى جانب ما أشير إليه بشأن المواجهة المتنامية بين الولايات المتحدة وإيران في سوريا، يبدو أن إيران تريد من وراء هذه المناورات إرسال رسالة أخرى إلى إسرائيل مفادها “إمكان استهدافها من جانب إيران” حال استهدفتها الأولى منفردة أو بمساعدة من الولايات المتحدة.

ويُعد جديرًا بالذكر أن هذه المناورات الإيرانية تعقب مناورات أخرى سرية قالت وسائل إعلام إقليمية إن إسرائيل والولايات المتحدة نفذتاها في مياه البحر الأحمر وكانت تحاكي توجيه ضربة إلى إيران من الجو والبحر، علاوة على الاستيلاء على سفن حربية إيرانية في مياه الخليج العربي.

وفي الوقت نفسه، قالت هذه الوسائل الإعلامية إن مقاتلات شبح من طراز “إف-35” تابعة لإسرائيل كانت قد اخترقت المجال الجوي الإيراني أكثر من مرة خلال الشهرين الماضيين، وهو ما يدفع إيران إلى محاولة “استعراض القوة” من خلال الكشف عن عددٍ من أنواع الطائرات المسيرة، مثل “مهاجر” وابابيل” وغيرهما؛ لتهديد خصومها ومحاولة إثنائهم عن توجيه ضربات إليها. هذا إلى جانب كشفها عن قاعدة سرية من الطائرات المسيرة تقبع تحت الأرض.

وختامًا، تحمل هذه العوامل المذكورة مؤشرات ودلالات قوية على الدور المحوري الذي سوف تلعبه الطائرات المسيّرة من دون طيّار (الدرونز) في مستقبل الصراع الإقليمي داخل منطقة الشرق الأوسط، وتؤكد أن إيران سوف توظف هذه الآلية بشكل كبير في مواجهاتها مع ما تصفهم بـ”الأعداء” أو “الخصوم”.  ويشير هذا من ناحية أخرى إلى أن تركيز الدفاعات العسكرية في إقليم الشرق الأوسط خلال الأيام المقبلة سوف ينصبّ كثيرًا على كيفية مواجهة هذه النوعية من الطائرات.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72517/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M