منطاد ودولتان.. حدود التهديدات الاستخباراتية بين واشنطن وبكين على أمن العالم

مروة محمد عبد الحليم

 

إن ما يحدث اليوم بين الولايات المتحدة والصين على خلفية أزمة المنطاد الصيني الذي تزعم واشنطن أنه لأغراض تجسسيه يؤكد على أن العالم مقبل على أحداث ضبابية أخرى، ويسير بخطى متسارعة نحو مقدرات الحرب الباردة الثانية؛ لا سيما مع توسيع نطاق الوصول الأمريكي إلى قواعد عسكرية في الفلبين، باتفاق عسكري تم في 2 فبراير الجاري، وإنشاء لجنة جديدة في مجلس النواب الأمريكي للنظر في التحديات الاستراتيجية التي تشكلها الصين، وإعلان رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي زيارة تايوان.

نجح الجيش الإمريكي في إسقاط المنطاد الذي كان يحلق فوق الولايات المتحدة منذ عدة أيام، ويُشتبه في أنه كان يقوم بأعمال تجسس. تم رصده لأول مرة في 1 فبراير 2023 من قبل سلطات قيادة دفاع الفضاء الجوي الأمريكية الشمالية NORAD التي تجمع كلًا من الولايات المتحدة وكندا. ودخل المنطاد الولايات المتحدة من الساحل الغربي على المحيط الهادئ حيث مر في ولاية آلاسكا، ثم في أجواء كندا، قبل وصوله إلى ولاية مونتانا التي تضم صوامع صواريخ نووية.

أطلق البنتاجون مقاتلة من طراز F-22 لإسقاط المنطاد باستخدام صاروخ واحد من نوع AIM-9X Sidewinder  قصير المدى لضربه وإسقاطه. وسقط المنطاد على بعد 6 أميال بحرية من سواحل ولاية ساوث كارولاينا، وامتد حطامه على مسافة 7 أميال. أرسلت واشنطن سفن خفر السواحل لحراسة المنطقة، تمهيدًا لاستخراج الحطام الذي سقط على عمق 47 قدمًا، وعقب إسقاطه فوق المحيط الأطلسي، بدأ البنتاجون عملية استعادة حطام المنطاد الذي كان يحلق على ارتفاع 60 ألف قدم فوق المياه الإقليمية الأمريكية.

أكدت الولايات المتحدة أن مسار المنطاد جاء بالمناطق التي يشغل بها الصينيون بالفعل أقمارًا صناعية مجهزة لالتقاط صور عالية الدقة للبنية التحتية والقواعد العسكرية للبلاد. ورغم عدم وجود أي مؤشرات حتى الآن على أن المنطاد يشكل تهديدًا عسكريًا أو استخباراتيًا خطيرًا للولايات المتحدة، فإن المغزى الرمزي لتحليق مركبة صينية فوق للولايات المتحدة أضاف عنصرًا جديدًا لعدم الاستقرار إلى علاقة في قلب التحديات الأكثر إلحاحًا في العالم. وربما قصدت الصين هذه الخطوة لاختبار عزم واشنطن وللتأكيد على قيامها بأعمال استخباراتية بأقل التكاليف والجهود الممكنة.

أعادت قصة المنطاد الصيني إلى الأذهان أزمة طائرة التجسس الأمريكية U-2 عام 1960، حيث أسقط الاتحاد السوفيتي تلك الطائرة، الأمر الذي أدى إلى إجهاض لقاء قمة أمريكي سوفيتي كان مقررًا بين الزعيمين دوايت آيزنهاور ونيكيتا خروتشوف في باريس. وبالتالي فإن الأحداث غير المتوقعة يمكن أن تدمر سنوات من الجهد الدبلوماسي، فكانت الحادثة كفيلة لتأجيل زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بكين والتي كان من المتوقع أن يلتقي خلالها الرئيس الصيني للمرة الأولى منذ توليه قيادة الدبلوماسية الأمريكية في 2018. وعلقت الخارجية الصينية على قرار التأجيل بأن الصين والولايات المتحدة لم تعلنا رسميًا عن أي زيارة، ونشر المعلومات المتعلقة بهذه الزيارة قرار الولايات المتحدة.

الرد الصيني على أزمة المنطاد جاء هادئًا مستنكرًا القلق الأمريكي. ففي حين وصف قادة البنتاجون المنطاد بأنه أداة تجسس، لجمع المعلومات الاستخباراتية، أصرت بكين على وصفه بأنه منطاد مدني مخصص للبحث العلمي انحرف عن مساره بسبب الرياح وتأسف لدخوله غير المقصود إلى المجال الجوي الأمريكي. ووصفت الصين الموقف الأمريكي بأنه مبالغة واضحة في رد الفعل، وانتهاك خطير للممارسات الدولية، مؤكدة على الاحتفاظ بالحق في القيام بمزيد من ردود الفعل الضرورية.

تؤكد بكين أن جهاز المخابرات والمراقبة والاستطلاع الصيني (ISR) يملك شبكة واسعة من الأقمار الصناعية، تقدر بأكثر من 260 نظامًا، لتأتي الصين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وبسبب توسع قاعدة الأقمار الصناعية التى تملكها الصين، فإن المنطاد الذي حلق فوق ولاية مونتانا له قيمة مضافة محدودة من منظور جمع المعلومات الاستخبارية، وأن الصين لا تستخدم المناطيد في عمليات التجسس، وأن الولايات المتحدة أثرت وأضرت بشدة بالعلاقات بين البلدين بقرارها إسقاط المنطاد.

استطاعت بكين قلب ازمة المنطاد على الولايات المتحدة، بعد أن أكد الخبراء ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة أن ولاية مونتانا موطن لقاعدة مالمستروم الجوية و150 صومعة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ومواقع عسكرية سرية، لتتساءل بكين عن سبب احتفاظ واشنطن بهذا الكم الهائل من مخزون أسلحة الدمار الشامل. وحمل الرد الصيني في طياته الإشارة إلى نفاق الولايات المتحدة؛ فلعقود من الزمن، استخدمت واشنطن وحلفاؤها بشكل روتيني مجموعة من تقنيات المراقبة في الأراضي الصينية، بداية من صور الأقمار الصناعية وصولًا إلى المراقبة تحت سطح البحر. وقد يشمل ذلك مناطيد التجسس التي كان البنتاجون يعمل عليها منذ سنة 2020.

أشارت الصين إلى إنفاق البنتاجون حوالي 3.8 ملايين دولار على مشاريع المناطيد على مدار العامين الماضيين، وخطط لإنفاق أكثر من 27 مليون دولار على التكنولوجيا القابلة للنفخ في السنة المالية 2023. ومهمة هذه المناطيد هي جمع البيانات وتنقل المعلومات إلى الطائرات، وقد تستخدم في النهاية للبحث عن أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت طورتها الصين وروسيا.

كيف فاقم المنطاد التوتر بين واشنطن وبكين؟

يأتي حادث المنطاد في وقت متوتر للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وترواح مخاوف الأمن القومي الأمريكي من تطبيق “تيك توك” الصيني وصولًا إلى أزمة تايوان وانتهاءً بالوثيقة الصادرة عن لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي في عام 2022 عن تقييم التهديدات السنوية ضد الولايات المتحدة، والذي يجريه مكتب مدير المخابرات الوطنية. أشارت إلى أن: روسيا وكوريا الشمالية وإيران والتنظيمات الإرهابية وتغير المناخ والأوبئة أحد أبرز التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة، ولكن تظل الصين المهدد الرئيس الأكبر للأمن القومي الأمريكي؛ فقد أصبحت منافسًا يتحدى الولايات المتحدة في مجالات متعددة، ولديها قدرات سيبرانية كبيرة يمكن أن تسبب، على الأقل، اضطرابات محلية ومؤقتة في البنية التحتية الحيوية داخل الولايات المتحدة.

ووفقًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، تعمل بكين بهدوء للوصول إلى الأسرار التجارية للشركات الأمريكية ومتعددة الجنسيات من خلال “التجسس الأكاديمي”، معتمدة في ذلك على العلماء والباحثين جواسيس لها. وتعد الجامعات من أيسر أنواع الأهداف المحتملة من حيث التجسس؛ فهي تزدهر معتمدة على حرية حركة الأفكار والتعاون داخل المجالات الأكاديمية والتخصصات وفيما بينها، وكذلك بين الزملاء والباحثين والعلماء. وتجري الجامعات الأمريكية قدرًا هائلًا من الأبحاث الحساسة والسرية للغاية بالشراكة مع الحكومة الأمريكية. وقد أدركت الصين سهولة التسلل إلى الجامعات ومؤسسات التعليم العالي بحثًا عن البيانات الحساسة.

وفي تقرير آخر أرسل إلى الكونجرس في شهر يناير 2023، حذر من أن التكنولوجيا المتقدمة يمكن أن يستخدمها أعداء الولايات المتحدة للتجسس على البلاد. وناقش التقرير حادثتين على الأقل لقوة منافسة قامت بمراقبة جوية باستخدام ما يبدو أنه تقنية متطورة غير معروفة. وفي حين أن التقرير لم ينسب الحوادث إلى أي دولة، فإن التقديرات أشارت إلى أن المراقبة ربما أجرتها الصين.

يعتقد مسؤولو الدفاع الأمريكيون أن الصين تراقب مناطق التدريب العسكري والتدريبات كجزء من جهد لفهم أفضل لكيفية تدريب الولايات المتحدة طياريها وتنفيذ عمليات عسكرية معقدة. وقال مسؤولون إن المواقع التي جرت فيها المراقبة غير العادية تشمل قاعدة عسكرية في الولايات المتحدة وقاعدة خارجية. ومنذ عام 2021، فحص البنتاجون 366 حادثًا غير مبرر في البداية، وقال إن 163 منها نجمت عن المناطيد. بعض تلك الحوادث تضمنت مناطيد مراقبة متقدمة، لكن لم يكن أي منها يقوم بعمليات استطلاع جارية لقواعد عسكرية أمريكية.

ويستخدم العديد من الدول تكنولوجيا التجسس الجوي لجمع البيانات عن الدول المتنافسة وكذلك الحلفاء والشركاء، والنظر إلى الأجزاء النائية من العالم. لكن هذه الممارسة يمكن أن تؤدي إلى أزمات دبلوماسية وتوترات عسكرية أكبر عندما تنحرف عن مسارها. فاستخدمت الدول المناطيد لأغراض الاستخبارات والمراقبة منذ القرن الثامن عشر. وكانت طريقة شائعة لجمع المعلومات الاستخبارية خلال الحرب الأهلية الأمريكية. تقدم المناطيد الحالية (HABs) طريقة أرخص بكثير لجمع المعلومات الاستخباراتية من الأقمار الصناعية الفضائية.

الطموحات الاستخباراتية المتنامية للصين

يحذر مسؤولو المخابرات الأمريكية السابقون والحاليون من أن التهديد الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة من ناحية التجسس هو من جمهورية الصين، لاسيما من الحزب الشيوعى الصينى، وأن الصين تخوض منذ فترة طويلة حملة تجسس على الولايات المتحدة تشمل التجسس الإلكتروني وسرقة الملكيات الفكرية، فضلًا عن محاولاتها المتكررة للتسلل إلى مختبرات الأبحاث في الجامعات الأمريكية، وأن أجهزة الاستخبارات الأمريكية عاجزة عن منع مثل هذه الاختراقات. ويرى المراقبون أن الصين تسعى وبقوة إلى تحقيق هدف الهيمنة العالمية؛ ليس فقط اقتصاديًا وعسكريًا ولكن أيضًا استخباراتيًا.

ولتحدي الولايات المتحدة وتجاوزها بشكل فعال، تحتاج الصين إلى اقتصاد قوي، وقيادة في التكنولوجيا، وشرعية عالمية لنظامها السياسي وسياساتها. والمفتاح الوحيد لتحقيق هذه الأهداف هو جهاز الاستخبارات الصيني. وتعد وزارة أمن الدولة الصينية  (MSS)-إلى جانب الجيش الصيني في بعض الأحيان- هي المسؤولة عن معظم عمليات الاستخبارات الصينية، وخاصة عمليات التجسس السيبراني.

ويأخذ التجسس على الجهات التي تستهدفها الصين في الخارج أشكالًا عديدة، تتراوح بين محاولات اختراق بريدهم الإلكتروني وأجهزتهم إلى زرع عملاء بشريين داخل دوائرهم الاجتماعية أو منظمات المغتربين. وفي كثير من الأحيان، تستخدم الوسائل الإلكترونية “كعامل تمكين” للتجسس البشري. ووفقًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، يتم فتح قضية مكافحة تجسس صينية جديدة كل 12 ساعة، ومنذ فبراير 2022 تم فتح أكثر من ألفي قضية؛ إذ ينشط الجواسيس الصينيون في جميع القطاعات المهمة تقريبًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

وتعمل وكالات الاستخبارات الصينية بشكل مختلف عن كافة منظمات وأجهزة التجسس الأخرى حول العالم، من خلال توظيف أكاديميين أو طلاب ودارسين موجودين في البلد المعنية للبحث والدراسة لفترة قصيرة فقط، ثم يعودون مرة أخرى إلى أوطانهم لإمدادها بالتكنولوجيات المتقدمة والأبحاث، وذلك بدلًا من قضاء سنوات في زراعة عدد محدود من المصادر رفيعة المستوى أو عملاء مزدوجون داخل تلك المجتمعات.

ولدى الصين قوى بشرية هائلة يمكن نشرها تتكون من 40 ألف جاسوس إلكتروني عسكري، و150 ألف متسلل غير رسمي يمكنها أن تستدعيهم في أي وقت، وذلك مقارنة بـ 6000 جندي فقط لدى القيادة السيبرانية للولايات المتحدة. وقد سبق وأن أعلنت شركة الأمن السيبراني الأمريكية “مانديانت” أن الصين اخترقت ما لا يقل عن 6 حكومات لولايات أمريكية في عام 2021، وكشفت عن نقاط ضعف غير معروفة في أنظمة الحكومات. واتهمت وزارة العدل الأمريكية خمسة أشخاص بالعمل لمصلحة بكين في مراقبة مواطنين أمريكيين ومضايقتهم والتجسس عليهم، بعد انتقادهم الصين.

إن جهود الصين للحصول على معلومات استخباراتية للأمن الداخلي، وصنع سياسات الأمن الخارجي والوطني، فضلًا عن البحث العلمي والتكنولوجيا؛ تقزم جهود الدول الحديثة الأخرى، وهي تسعى جاهدة لتصبح القوة العالمية الرائدة، وتبذل جهودًا مكثفة للوصول إلى التقنيات التي تحتاجها بطرق غاية في السرية، فضلًا عن أن أساليب عملياتها وقدراتها الاستخباراتية والتجسسية تشكل تحديًا كبيرًا للولايات المتحدة.

لطالما شعرت الولايات المتحدة بالقلق من الطموحات المتنامية السياسية والاقتصادية للصين. وقد حاولت بكين التأثير على الانتخابات الأجنبية، وشنت حملات التجسس السيبراني والشركات واحتجزت الملايين من أقلية الأويجور في معسكرات. يعتقد بعض الخبراء أيضًا أن بكين ستحاول في السنوات القادمة الاستيلاء على تايوان بالقوة.

عواقب ممتدة

إن عواقب الجهود الاستخباراتية الصينية في جميع أنحاء العالم -وخاصة تلك التي تؤثر على المصالح الأمريكية- تفوق العمليات الاستخباراتية للدول الأخرى، حتى تلك التي تتمتع بذكاء عملياتي مثل كوبا وإيران وروسيا. وتوجه هذه الجهود الاستخباراتية عملية صنع السياسات لثاني أكبر اقتصاد في العالم مع انتشار المصالح التجارية في جميع أنحاء العالم.

تحذر دوائر صنع القرار من المخاطر التي تتعرض لها المجتمعات الحرة من جراء تجسس الحزب الشيوعي الصيني؛ إذ تشكل هذه العمليات أكبر تهديد طويل الأمد للاقتصاد والأمن القومي الأمريكي، حتى أن جهاز الاستخبارات الأمريكي قام بتعديل السياسات والإجراءات والميزانيات أكثر من مرة لمواجهة مثل هذه التهديدات. والواقع أن حجم جهود التجسس التي تبذلها الصين والنمو العسكري المتصاعد والسياسات الخارجية والتجارية دفعت عمليات التجسس إلى الخروج من الظلال التقليدية إلى المجال العام.

وتتراوح عمليات التأثير الصينية بين الدبلوماسية العامة، التي يتم فيها الاعتراف بدور الحكومة الصينية، إلى الأنشطة السرية التي تستخدم فيها بكين أيادي خفية تكتسب طبيعة قسرية، وأحيانًا إجرامية. تتضمن هذه التكتيكات جمع المعلومات الشخصية عن القادة المحليين في الولايات المتحدة وشركائهم، واستهدافهم في مراحل مبكرة من مسيرتهم المهنية بهدف استخدامهم لخدمة المصالح الصينية، حال وصولهم إلى مناصب مرتفعة، لا سيما في التجارة والاستثمار.

والهدف من الحملات الصينية هو دفع السياسات الأمريكية لكي تصب في صالح بكين، وتقليل الانتقادات الموجهة ضد السياسات الصينية، فيما يتعلق بتايوان، إلى جانب ملف حقوق الإنسان في مناطق التبت وشينجيانج، وقضايا أخرى. والجهود التي تبذلها الحكومة الصينية يمكن أن تهدد عملية صنع السياسات الأمريكية العامة، ويمكنها أن تؤثر على الحياة المدنية والاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة.

حدود التأثير على الاقتصاد الأمريكي

أصدر المركز الوطني الأمريكي لمكافحة التجسس تقريرًا عن أهم خمسة قطاعات تكنولوجية حيوية للاقتصاد الأمريكي والأمن القومي الأمريكي تشمل: الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الحيوي، والأنظمة المستقلة، وعلوم وتكنولوجيا المعلومات الكمومية، وأشباه الموصلات. وخص التقرير الصين بالذكر بوصفها واحدة من أكبر التهديدات للاقتصاد الأمريكي؛ لاستعدادها سرقة هذه التقنيات للوصول إلى الريادة العالمية. 

ووفقًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، تعمل بكين بهدوء للوصول إلى الأسرار التجاريّة للشركات الأمريكيّة والمتعددة الجنسيّات من خلال “التجسس الأكاديمي”، معتمدة في ذلك على العلماء والباحثين جواسيس لها. وتعدّ فكرة التحكّم بالمعرفة أو الحدّ من إمكانيّة الوصول إلى المعلومات فكرة يمقتها العديد من الباحثين والأكاديميّين الذين يكرّسون حياتهم المهنيّة للعلوم والسعي وراء المعرفة. غير أنّ الجامعات الأمريكيّة تجري قدرًا هائلًا من الأبحاث الحسّاسة والسرّيّة للغاية بالشراكة مع الحكومة الأمريكيّة. وقد أدركت الصين سهولة التسلّل إلى الجامعات ومؤسّسات التعليم العالي بحثًا عن البيانات الحسّاسة.

وللحصول على التكنولوجيا والأسرار التجارية، يستخدم الحزب الشيوعي الصيني مجموعة واسعة من الأساليب، بما في ذلك الأنشطة الاستخباراتية، والاستثمارات العلمية والتكنولوجية، والتعاون الأكاديمي، والمشاريع المشتركة، وعمليات الدمج والاستحواذ، وبرامج توظيف المواهب، والشراكات البحثية، والشركات الوهمية، والإجراءات القانونية والتنظيمية. والأهم من ذلك، أن بكين لا تتردد في استخدام أساليب شبه قانونية وغير قانونية للحصول على التكنولوجيا الأمريكية.

والصين مستعدة لبذل كل جهودها لسرقة التكنولوجيا الأمريكية التي تحتاج إليها لإنجاز ما ورد في برنامج التطور الصيني حتى العام 2025، من الأهداف الواجب تحقيقها في مجالات الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الأحيائية، والطيران والفضاء، والقطاع المعلوماتي. وتتركز أنشطة التجسس الاقتصادي في سرقة الأسرار التجارية، وقدرات التصنيع، وتقنيات وبيانات تطوير المواد، وبيانات السوق الاستهلاكية، والبرمجيات، وما إلى ذلك. وتشير التقديرات إلى أن تحقيقات التجسس الاقتصادي المرتبطة بالصين زادت بنسبة 1300% خلال السنوات الماضية. وأجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي أكثر من 1000 تحقيق حول محاولات الصين سرقة التكنولوجيا الأمريكية.

وتقدر خسائر الولايات المتحدة السنوية بين 200 مليار دولار و600 مليار دولار، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وهو ما يعني خسارة تتراوح بين 4 تريليونات و12 تريليون دولار على مدى العشرين عامًا الماضية. بالمقارنة، خلال نفس الفترة الزمنية، أنفقت الولايات المتحدة في المتوسط حوالي 736 مليار دولار سنويًا على الدفاع بما مجموعه 14.7 تريليون دولار تقريبًا منذ عام 2000.

وبالتالي، يسرق التجسس الصيني ما يعادل تقريبًا ميزانية الجيش الأمريكي بالكامل كل عام. ويؤثر التجسس الصيني كذلك على فقدان الصناعات، وقدرات الإنتاج المحلية، وفقدان الوظائف، والاعتماد على الآخرين، ومن ثم اختلال الميزان التجاري. ويقدر الكونجرس أن سرقة الملكية الفكرية أدت إلى فقدان مليوني وظيفة أمريكية.

تهديد الأمن القومي الأمريكي

أكثر ما يؤرق القادة الأمنيين في الولايات المتحدة هو أنه في حال انجرار أمريكا إلى حرب مع الصين فإن المعرفة المسبقة بأنظمة الأسلحة والمراقبة الأمريكية وكذلك الوصول إلى الاتصالات المشفرة ستسمح لجيش التحرير الشعبي بالاستعداد لاستخدام قدراته بشكل أكثر فاعلية ضد القوات الأمريكية المتفوقة تقنيًا. وبالتالي فإن الفجوة التكنولوجية بين الجيشين الأمريكي والصيني ستكون في صالح ميزة الاستخبارات الصينية بشكل كبير. ففي عام 2016، وجد مكتب التحقيقات الفيدرالي أدلة على أن شركة China General Nuclear Power المملوكة للدولة قد شاركت في مؤامرة لسرقة الأسرار النووية الأمريكية التي تمتد إلى ما يقرب من عقدين من الزمن.

التقدم الذي أحرزته الصين في أنظمة الأسلحة والتي تشمل: الروبوتات المستقلة، وإلكترونيات الطيران، والصواريخ الفرط صوتية، والأنظمة البحرية، يستند في جزء كبير منه إلى التكنولوجيا المسروقة من الولايات المتحدة وبعض الحلفاء. فالحملة التجسسية التي تقوم بها الصين والتي جاءت بالتوازي مع زيادة الصين الإنفاق الدفاعي أسهمت في مد البحرية والقوات الجوية الصينية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني بقدرات كبيرة لإظهار القوة في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا.

ومع تنامي القوة العسكرية الهجومية للصين، فإنها تعزز سياسة خارجية حازمة وقسرية تعمل على تغيير ميزان القوى في آسيا. والآن الصين قادرة (وهي تفعل) على الإكراه أو التهديد أو استخدام القوة العسكرية لفرض مطالبها الإقليمية في شرق وجنوب آسيا. وتؤثر العمليات الاستخباراتية الصينية على العلاقات الأمنية الأمريكية في شرق آسيا، مثل توخي المسؤولين الأمريكيين الحذر بشأن بيع أنواع معينة من الأسلحة أو تبادل المعلومات الاستخباراتية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75390/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M